أثر الإيمان في إشاعة الاطمئنان

الجمعة 10 صفر 1435 الموافق 13 كانون الأول / ديسمبر2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

د. محمد بن سعد الشويعر

الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم التنزيل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}[1].

والصلاة والسلام على من سماه قومه قبل البعثه الأمين: فكان أميناً على أموالهم، وأميناً على أسرارهم، ثم أميناً على رسالة ربه بعد أن حمل أعباءها.

وبعد: –

فإن أثر الإيمان في إشاعة الأمن والاطمئنان من منظور القرآن والسنة.

موضوع واسع ومتشعب، وتتبع النصوص من الكتاب الكريم، وهدى المصطفى صلى الله عليه وسلم يستوجب حيزاً أكبر، ومجالاً أوسع. وكنت أتمنى الحصر في جانب من جوانب الأمن الاجتماعي، أو بعض التشريعات التي فرضت على المسلمين وأثرها في إشاعة الاطمئنان في حياتهم. أو عن الحدود ودورها في استتباب الأمن.

لأن راحة النفس لا تكون إلا بالإيمان، ورخاء المجتمع لا يكون إلا بالأمان. والأمان ثمرة من ثمار الإيمان، وحصيلة من حصائل العقيدة الصافية.

والإيمان والعقيدة الصافية لا يكونان إلا بعد الدخول في الإسلام وفهمه جيداً، وتطبيقه عملاً.


نفس… بلا إيمان

ونفس بلا إيمان فيها تبقى مضطربة وقلقة، وتائهة وخائفة: –

فأما اضطرابها فلأنها كالسفينة التي تتقاذفها الرياح في البحر. فتموج بها تقلبات الجو يميناً وشمالاً، وتتقاذفها العوامل المؤثرة التي تطغى عليها. فهي لم تجد ما يرسيها، أو يوصلها لبرّ الأمان، لأن كل نفس تأخذ مصدراً تشريعياً في سلوكها، أو منهجاً عقدياً في تصرفاتها. غير المصدر أوجده الله للمؤمنين، وارتضاه سبحانه لعباده وبعث به رسله، فإنه لا يلبي رغبة، ولا يريح نفساً، ولا يحقق هدفاً.

والمصدر الذي ارتضاه الله هو كتابه القويم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه تنزيل من عزيز حكيم، ثم ما بلّغ به المصطفى من وحي عن ربه أو أوضحه من شرع لصالح الأمة وإنقاذهم من الضلالة، مما يعالج ما يختلج في النفوس، ويؤرق الضمائر.

وبهذين المصدرين تسكن النفس من اضطرابها. وترتاح في مسيرتها، وتطمئن على حاضر أمرها ومستقبله.

أما كونها فلسفة: فإن من الغرائز التي أودعها الله في النفوس حب استجلاء المستقبل والتخوّف من العواقب، ولكي تسير في اتجاهها: تلجأ يميناً وشمالاً للبحث عما يحقق قبساً من أملها أو راحة من ضمير، ولا يمحو هذا القلق والحيرة من النفوس، إلا يقين يزيل دواعي هذا القلق، ويقضى على مسبباته، والإيمان بالقدر خيره وشره، واليقين بأن ما قدّره الله كائن لا محالة والرضا بما قسم الله: من أقوى دعائم هذا اليقين كما في حديث ابن عباس.


وأما كونها تائهة: فإن من يسير بغير هدى، أو معرفة لشرع الله الذي شرع لعباده: فإنه كالمسافر في طريق لا يعرف اتجاهه. وطرق المسالك في العبادة والعقيدة: كالطرق الموصلة من مكان لمكان، فالذي يأخذ المعروف منها بعلاماته وإرشاداته، فإنه قد سلك الآمن الموصل، أما غيره من الطرق فإنها تؤدى للضياع والاضطراب النفسي، وتدعو للخوف على النفس من المخاطر العديدة، وعلى المال والممتلكات، ألم يقل سبحانه: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَالِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[2].

ويقترن بتلك الأمور كلها الخوف، فهو مصاحب للاضطراب، بل هو المحرك له وهو المؤثر في القلق، كما أنه هو الذي يثير التيهان، ويدعو لعدم الاطمئنان.

فالخوف على المصير، والخوف من المستقبل، والخوف من النتائج، والخوف مما يحيط بالإنسان: على نفسه وولده وماله، وكل عزيز لديه، لأن أنواع الخوف كثيرة، ودواعيها عديدة القياس لكن منهجها واحد.


طريق الأمان

وقد رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بوسيلة إيضاح جيدة، ما يؤكد طريق الأمان، ويزيل المخاوف عنهم، وذلك باتباع ما جاء به من عند ربه: فقد خط خطاً مستقيماً في التراب، وأفهمهم أن: هذا الطريق الموصل إلى الله، وهو ما بعثه الله به، ثم خط خطوطاً جانبية متفرعة منه، وبين أن: هذه السبل، من اتبعها ضل وغوى وابتعد عن طريق الرشاد ثم قرأ الآية السابقة. وفي كتاب الله جل وعلا علاج سهل المأخذ لمن وفقه الله، يريح القلوب، ويطمئنها من كل أمر مؤرق قال تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[3] أي ترتاح وتهدأ، ويسهل الأمر الصعب، وهذا هو الأمن النفسي، الذي لا يكون إلا بتذكر عظمة الخالق سبحانه واستصغار ما دونه، فلا إله إلا الله: كلمة صغيرة في حروفها. سهلة في نطقها، لكنها عظيمة في مدلولها، كبيرة في معناها، عميقة في تأثيرها: فهي مطمئنة للنفس، ومهدئة للأعصاب، ومسكّنة للجيشان.


ومادة أمن، قد جاءت في كتاب الله هي ومشتقاتها أكثر من ثمانمئة مرة ((800)): فالمؤمنون والإيمان والأمانة، والذين آمنوا، كلها من الأمور المرتبطة حساً ومعنى بالإيمان والأمانة، والأمين، والذين آمنوا، كلها من الأمور المرتبطة حساً ومعنى بالإيمان ونتائجه. وكلها تؤدّى برابطة قوية مع الله، ومن منطلق التمسك بشرعه.

كما أن الكلمات التي تدل على معنى الراحة والسكينة، وتوفير السعادة للنفس وتذكيرها بالله وعقابه لمن عصى وانحرف، والنعيم والفوز لمن أطاع واستجاب كثيرة في كتاب الله.

وما ذلك الاهتمام الكثير في كتاب الله بهذا الجانب، إلا لما يوليه التشريع الإسلامي من عناية فائقة بالنفس البشرية، وعناية بتوجيهها، مع كفل ما يريحها ويؤمّنها من المخاطر حتى تعمل وهي مطمئنة على النتيجة، مع راحة بال بالوصول لثمرة ما كلفت به، لأن العمل قد حداه يقين وصدق.

والنسة النبوية قد اهتمت في هذا الجانب بترسيخ ما جاء في القرآن الكريم، لزيادة تمكينه، بزيادة الدلالة اللفظية والمعنوية، لأن الزيادة تأكيد المبني، زيادة في تمكين المعنى، كما يقول بذلك البلاغيون.


التعريف اللغوي لكلمة أمن

والتعريف اللغوي لكلمة أمن أمناً وأماناً وأمَناً وإمْناً وأمنة: اطمأن ولم يخف، فهو آمن وأمِنْ وأمين يقال: لك الأمان أي قد آمنتك. والبلد: اطمأن أهله فيه، وأمن الشر ومنه: سليم، وأمّن فلاناً على كذا: وثق به واطمأن إليه، أو جعله أميناً، وفي التنزيل العزيز: {هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ}[4].

وأَمُنَ أمانة: كان أميناً، وآمن إيماناً: صار ذا أمن، وآمن به: وثق وصدّقه، وفي التنزيل العزيز: {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}[5]، وأمّن فلاناً: جعله يأمن.

وأمّن على دعائه: قال: آمين، وأمّن على ماله وعلى الشئ: دفع مالاً منجّماً لينال هو أو ورثته قدراً من المال متفقاً عليه، أو تعويضاً عما فقد. يقال: أمّن على حياته أو على داره أو سيارته، وأمّن فلاناً: جعله في أمن. وأمّن فلاناً على كذا: أمنه والأمانة الوفاء والوديعة، والأَمَنَة، والأُمَنَة: من يؤْمِن بكل ما يسمع، ويطمئن إلى كل أحد[6].


الأمن الذي تبحث عنه النفوس

والأمن الذي تبحث عنه النفوس في كل شأن من شئون الحياة، هو جزء من هذه المشتقات التي جاء به اللغويون وأوضحوها، وقد جعل القرآن الكريم، وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم محور هذا الأمن الإيمان الذي مقره القلب، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالنفس ومتطلباتها، كالأمن الصحي، والأمن النفسي، والأمن الغذائي، والأمن الاقتصادي والأمن الأخلاقي، وغيرها.

أو ما يتعلق بالمجتمع وترابطه: كالأمن في الأوطان، والأمن على الأعراض، والأمن على الأموال والممتلكات وغيرها.

أو ما يتعلق بالأمن على النفس من عقاب الله ونقمته بامتثال أمره، وطاعة رسوله، واتخاذ طريق المتقين مسلكاً لكي تُنْقَذْ النفس بكسب رضا الله، واستجلاب رحمته والأمن من عذابه في نار جهنم وغيرها.


وكل هذه الأنواع من الأمن مطالب ملحة تسعى إليها البشرية في كل عصر، وفي كل مكان، وكل من حمل راية الزعامة في أي مجتمع وبيئة يدعو إليها، لأنها هي التي تلامس أوتار الخاصة والعامة. ذلك أن النفس البشرية تبحث عن ذلك. ولا تدرك مدى الحاجة له والضرورة الملحة إليه، إلا بفقدانه، أو انتقاص مرتبة من مراتبه.

ويؤصل هذا المدلول ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول: ((نعمتان مجحودتان وفي رواية مغبون فيهما كثير من الناس – الصحة في الأبدان، والفراغ)) رواه البخاري عن ابن عباس[7]ولئن كانت الزعامات البشرية تغفل عن الأمن الأخروي، والأمن من عقاب الله، فإنما هذا عائد لنقص الإيمان لديها.

أما نظرة القرآن الكريم، وتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنها تؤصل الإيمان، الذي يجعل النفس البشرية مطمئنة، تؤمن بما قدر الله، وتستسلم لقضائه، وتحتسب ذلك عنده أجراً مدخراً.


ومن هنا فسوف نمر عرضاً ببعض من المطالب البشرية، للاطمئنان على شئون الحياة، ليبرز من ذلك اهتمام التشريع الإسلامي بذلك في مصدريه: كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. ليتضح لنا اهتمام القرآن الكريم بالعلاج النفسي المريح، قبل اهتمام علماء ومفكري العالم به.

والفرق بين الاهتمامين أن الإسلام جاء لمصلحة النفس البشرية، وتوجيهها لما يسعدها، وأن المصلحة عائدة لهذه النفس في الأول والآخر، أما ما يضعه البشر من أنظمة، يخاطب بها ألباب الجماهير، وما تحمل من وعود ومطالب وخيالات، فإن هذه الأمور تتبدد كالسراب، لأن الواحد يسعى لنفسه حتى يحقق ما يطلب، ويصل إلى بغيته، حيث يتجاهل بعد ذلك وعده للآخرين بالسعي لمصالحهم، ويتنكر لما يطمئنهم.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الله رحمة للعالمين، قد كان قدوة صالحة في نفسه أولاً، بمنهج السلوك والعمل، وبدعوته لتأصيل الإيمان، وتمكين العقيدة في الفئة المؤمنة، لأن ذلك مما يطمئن النفس ويريحها.

ومن هنا ندرك أهمية ما جاء في القرآن الكريم، وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من آيات وعبر تقويِّ دعائم الإيمان، وتمكِّنه من النفوس، في كل أمر يعترض الإنسان في أمور حياته وآخرته.


الإيمان لغة وشرعاً

وهذا يدعونا إلى إيراد تعريف للإيمان لغة وشرعاً. ولأن من التعريف يرسخ المفهوم المراد، على ضوء ما يستعرض من أدلة.

فالإيمان لغة: هو التصديق والاطمئنان. وقد مرّ بنا جزء من تعريفات مادة أمن في اللغة والتي توسعت فيها كتب اللغة توسعاً يشبع فهم الباحث، وهي سهلة ميسرة لمن يريدها.

أما في الاصطلاح الشرعي: فهو الإيمان بالله، والإيمان بملائكته، والإيمان بكتبه. والإيمان برسله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.

فهذه الأمور الستة هي التي عليها مدار النفس وتفكيرها، في حاضرها ومستقبل أمرها، في شئون الحياة الدنيا، وما يصلح الأموال فيها، وفي المستقبل المنتظر حدوثه في هذه الحياة الدنيا، أو ما يحصل بعد الموت وعند البعث والنشور.


القرآن الكريم وأثره في توطين النفس

فالقرآن الكريم قد أعطى هذا الجانب اهتماماً كبيراً، لما له من أثر في توطين النفس البشرية على الرضى والاستسلام، والترقب والاهتمام، وفق منطلق عقدي، جعل له التوجيه الإسلامي قاعدة متينة يرتكز عليها. وسنداً قوياً يدعمه، لتشد بذلك جوانب النفس حتى لا تنحرف أو تزيغ.

وإذا كانت النفس البشرية في عصرنا الحاضر الذي تقاربت فيه الشعوب، وتداخلت الثقافات، وقد دهمها الاضطراب، بحيث أصبح القلق يؤرقها في كل شيء: فهي تخاف من بعضها البعض، وهي تخاف من كوارث الحياة، ريحاً أو مطراً أو أعاصير أو ثلوج، وهي تخاف من الأمراض المتعددة والأوبئة، وخاصة ما يظهر جليًّا في وسائل الإعلام منذ عامين عن المرض القاتل ضعف المناعة المسمى ((الأيدز)) كما كانت تخاف من السرطان وغيره، وهي تخاف وتضطرب من أمور كثيرة ومتعددة لا يمكن حصرها، حتى أصبح الخوف والقلق سمة من سماتهم، وانتشر تبعاً لذلك الانتحار. والرغبة من الخلاص من هذه الحياة. وما ذلك إلا من نقص الإيمان في قلوبهم، وضعف الوازع العقدي المرتبط بالله وبدينه الذي رضيه لعباده، ذلك الوازع الذي يجعل النفس تؤمن بقضاء الله وقدره، بدون تسخط أو تأفف وتحتسب الأجر فيما تتحمله النفس عند الله مدّخراً في يوم الجزاء والنشور، عندما يحصَّل ما في الصدور، ويؤكد هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: ((يا غلام!!. احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وأعلم أنما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك)) رواه الترمذي.

والله سبحانه وتعالى يسوق الكوارث على البشر في حياتهم الدنيا، لينبه النفوس من غفلتها، وليعيدها إلى خالقها، ويربطها بموجدها، ويذكرها به كلما بعدت، وهذا هو الإيمان بالله وبكتبه وبرسله، وهو معرفة الحق المطمئن. الذي جاء من عند الله، إيماناً به، واعتقاداً بأنه من عند الله قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِّنَ الخَوْفِ والْجُوعِ وَنَقْص مِّنَ الأَمْوَال وَالأَنفُس وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[8].

فإذا كانت هذه البلوى في نزول المصائب على النفوس المؤمنة. من أجل أن يقوى إيمانها، وتستعين به على الصبر والتحمل في مجابهة ما ينزل من بلوى، فإن هذا من ترسيخ الإيمان، والاطمئنان بتمكينه، ذلك أن تسليم الأمور لله، وعدم الجزع مما حلّ لا يتحمله بصبر وثبات، ورضى واطمئنان، إلا النفوس المؤمنة المحتسبة، وقد سماهم الله في آخر الآيات بالمهتدين السائرين على الدرب المستقيم.

والصبر يأتي على ضربين: صبر المؤمن الذي يرجو أجر الله ويخاف عقابه، فيتحمل في سبيله باطمئنان ورضا أموراً كثيرة وهذا هو الذي حث عليه القرآن الكريم في أكثر من ستين موضعاً، وهذا أول نوع من الجهاد فرض في الإسلام. فقد مكث صلى الله عليه وسلم في مكه ثلاث عشرة سنة، يرسخ في أصحابه عقيدة التوحيد، ويأمرهم بالصبر على أذى قريش حتى يجعل الله لهم مخرجاً، ويطمئنهم بنصر الله وتأييده، وأن الغلبة لله ولرسوله وللمؤمنين.


وصبر الكافر على ما ينزل عليه من مصائب وكوارث، فهو إن صبر فبغير احتساب وصبره كصبر البهائم لما يحمل عليها من أثقال، أو تلقى من أصحابها في مشقة، وهو إن جزع فإنما يجزع بتسخّط على الله الذي قدّر الأشياء لحكمة وعبرة، فحياته قلق وضجر.

والقاسم المشترك ما بين المؤمن والكافر في تحمل المصائب والكوارث، والاستسلام للأمر وتطبيقه أو النكوص عنه، هو العامل الإيماني، الذي تتفتح عنه النفوس، وتتقبله القلوب كما توضحه الآية الكريمة: {وَلََنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ}[9].

والقرآن الكريم يربط كل عامل من عوامل الدنيا التي تجعل الإنسان قلقاً بشأنها، بقوة العقيدة، وسلامة الإيمان ونقاوته، وبذلك تخف الوطأة، وتهون المصيبة. فهو يخاطب النفس بما يطمئنها ويريحها، ويهدئ ثائرتها، ولن يمر بالقارئ لكتاب الله آية إلا ويلمس فيها سراً عجيباً، وعلاجاً مريحاً، يزيل عن النفس كابوس القلق ومؤثر الاضطراب.

وهذا هو أقوى علاج نفسي للخروج من ذلك المحيط، الذي لم يعرف وجوده لدى المسلمين، إلا بعد ضعف الوازع الإيماني، والتساهل في أمور الدين، والبعد عن كتاب الله الذي هو أكبر مؤثر يريح النفوس، وتطمئن به لما فيه من عظات وعبر، ووعد ووعيد، وهدي المصطفى الذي يعطي حديثاً لكل حادثة، ويجعل لكل حالة مخرجاً.

وليس هذا المفهوم منا معاشر المسلمين الذين نجد العلاج ماثلاً قولاً وعملاً فقط، ولكن رجال الغرب المهتمين بالنفس البشرية، وما تعانيه في مجتمعاتهم في قرننا الحاضر من قلق واضطراب، وأزمات عديدة، قد جاءت دراسات منهم تقول: إن المسلمين لا يعرفون الانتحار المنتشر في بلاد الغرب، وإن المسلمين لا يعيشون الاضطرابات المتعددة التي وقع فيها أبناء الغرب. وبعضهم يطلق على أجيال ما بعد الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية أجيال القلق والضياع الفكري.


ومن هنا نلمس في ديارهم كثرة المصحّات النفسية، وانتشار شركات التأمين على كل شيء يخشون ضياعه أو حلول كارثة فيه.

فاستغلت شركات التأمين التي أسسها ودعا إليها بوسائل إعلامه المختلفة مصاصوا دماء الشعوب وهم اليهود، عندما استغلوا القلق الذي يعيشه أولئك الذين فرغت قلوبهم من الإيمان بالله، فسهل عليهم جذبهم إلى مصائدهم، واستغلال نقطة الضعف فيهم، ومن هنا ندرك بعضاً من سر عداوة اليهود للإسلام وأهله حسبما أوضح الله عنهم في القرآن الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنّهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ، وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فَاكتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ، وَمَا لَنا لاَ نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقُوْمِ الصَّالِحِينَ}[10].

فاليهود وصفهم الله بشدة العداوة لأهل الإيمان، لأنهم يعرفون الله، ويعرفون الحق الذي أنزل على عباده، ويتركون العمل به وأتباعه قصداً، وبسابق إصرار وعن علم ودراية، فلذلك كانوا أعداء لله، ولأهل الإيمان، وأخذوا الأسبقية في هذا قبل المشركين عبدة الأصنام للمعاندة والمخالفة مع العلم، فقلوبهم قاسية وحاقدة.

أما النصارى ففيهم رقة تقرّبهم من المؤمنين فإذا وضح لهم الحق استجابوا لندائه، فهم أقرب للإيمان بأيات الله كما وصفتهم الآية الكريمة.

وما يحصل من قساوة قادة النصارى، ورجال الكنيسة ضد الإسلام فهو لأحد سببين:

– إما مصالح قيادية يخشى عليها.

– وإما بتحريض من اليهود الذين يوالون النصارى ليجتمعوا سوياً في محاربة الإسلام.

اقرأ أيضا  شهادات المنصفين لمكانة المرأة في الإسلام

ولذا امّتن الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بطريقة وسط بين غلوّ النصارى، وجحود اليهود فالمؤمنون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمصدقون بشرع الله الذي جاءهم من عند الله، والمطمئنة قلوبهم بمصدري التشريع في الإسلام عن عقيدة ويقين، يدعون الله بالاستقامة على الطريق المستقيم الذي يمثل عقيدة وسطاً، وعملاً لا مشقة فيه فلا تكليف للنفس فوق طاقتها فتملّ. يقول الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}[11].

فالمغضوب عليهم هم اليهود الذين عصوا الله عن علم ومعرفة، والضالون هم النصارى الذين يعبدون الله عن جهل وضلال.

وقد قال سفيان الثوري رحمه الله: من فسد من عباد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ففيه شبه بالنصارى، ومن فسد من علمائهم ففيه شبه باليهود.


الإيمان الذي تطمئن به القلوب

فالإسلام هو دين الحق المطمئن بتعاليمه، المريح بمنهجه، وهو دين إبراهيم الخليل عليه السلام أب الأنبياء الذي عرف آيات الله في حداثة عمره، ففي حواره عليه السلام مع قومه عندما دعاهم للإيمان بعدما تبدّت له الآيات، نراه عليه السلام يدعوهم لترك الأصنام، ويخوفهم بها، لأن قلوبهم متعلقة بها، لاعتقادهم النفع والضر منها، أما هو فلا يرى غير الله جالباً للنفع أو دافعاً للضر، فهو سبحانه الذي يجب أن تؤمن به القلوب، وتسلم أمرها إليه لتهتدي وتطمئن، فتأمن وتستقر، ويبرز هذا العامل الإيماني في هاتين الآيتين الكريمتين اللتين حكاهما الله على لسان إبراهيم عليه السلام: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنُ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}[12].

فكان هذا الحوار الكريم من نبي الله عليه السلام دعوة قوية للإيمان الذي تطمئن القلوب به، كما أنها حجة قاطعة تسكت من يناقش، فإذا كان الإيمان غريزة في القلوب والتعلق فطرة فطر الناس عليها، فما هو الطريق الأفضل، وما هو الشئ الذي يريح النفس، ويهدئ من ثائرتها، ويقضى على المشكلات التي تعترضها؟؟

إن ذلك لابد أن يكون شيئاً عملياً تتجاوب فيه الأحاسيس مع الوجدانيات، وتتعاطف فيه الحواس مع الأعمال، ويكون فيه انسجام بين المعقول والمنقول، وبين الأخذ والمأخوذ منه.

وهذا كله لا يتأتى في علاقته بأوهام، ولا بمعبودات، غير مستقرة لا تنفع أو تدفع عن نفسها شيئاً.


ولذا جاء وصف الله جل وعلا لحوار إبراهيم الذي يدعو للإيمان عقيدة وعملاً، بمقارنته بين آلهتهم التي أشركوها مع الله، في عمل لم ينزل الله به سلطاناً، وبين الرابطة مع الله الذي تطمئن بذكره القلوب، وترتاح بالتوكل عليه هواجس النفس، بحيث تبتعد عن المؤثرات عليها. جاء الوصف لذلك بأن هذه حجة قوية على قومه، حيث لم يجدوا لذلك جواباً، إذْ لا شك أن الأمن مع الإيمان بالله، وراحة الضمير مع عقيدة الوحدانية به سبحانه فقال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءَاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}[13].

والإيمان الذي تطمئن به القلوب، وترتاح به النفوس، يدخل في كل شأن من شئون الإنسان فالأعمال لابد أن تنبثق عن الإيمان وترتبط به، لأن الإيمان بالنسبة للعمل بمثابة المرشّح للماء، فالمرشح يصفي الماء، ويمسك الرواسب فيه، فلا يخرج إلا ماء صافياً، ونقياً صالحاً للشرب، يحافظ على الصحة.


وكذلك الإيمان بالنسبة للأعمال قد أوضحه القرآن الكريم، والسنة المطهرة، لأن الأعمال الصالحة مهما كانت والخصال الحميدة التي ترنو إليها الأفئدة، وتفاوة النفس من الموبقات والمحضورات كل ذلك ثمرة الإيمان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان))[14].

فإذا كان إماطة الأذى عن طريق الناس حتى لايؤذيهم إذا مروا به أو وقعت عليه أقدامهم وهو من أبسط الأعمال، يعتبر من الإيمان الذي يطمئن القلوب، لوجود رابطة تضم شمل المؤمنين. وعاطفة تجعل بعضهم يهتم بالآخرين، ولو في الشيء البسيط من الأعمال والأقوال.

فإن دين الإسلام كما هي نصوص تعليماته، تتمكن فيه عقيدة الإيمان بأعمال أخرى، منها ما هو عائد للنفس وحدها كالحياء الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه شعبة من شعب الإيمان الكثيرة، التي حدد عددها في هذا الحديث[15].

والإيمان لا يكون قوياً إلا إذا وقر في القلب، وسيطر على المشاعر، وقد أوضح هذا المدلول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول: ((ذاق طعم الإيمان من رضي الله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً))[16].

وكان من دعاء مالك بن دينار رحمه الله: اللهم أذقني حلاوة الإيمان.

ذلك أن للإيمان مذاقاً مميزاً يحس به من تمكن من قلبه، وارتبطت به حواسه.

والعلم إذا اقترن بالإيمان صار درجة مرغوبة، ويحث عليها الإسلام، وهذا هو العلم الذي ينفع صاحبه، وينفع الآخرين، لأن الإيمان يرشد العالم لطريق الصواب، ويوجهه لما فيه الخير.


وهذا مشهد من مشاهد يوم القيامة يوضح فيه أهل العلم الذين آمنوا بالله: حقيقة معرفتهم ما أوجبه الله عليهم، بما عملوه من العلم النافع المفيد، فطبقوه في حياتهم، واطمأنت به قلوبهم في يوم الفزع الأكبر، والخوف الشديد، فهم يقولون ذلك وبراحة نفس، واطمئنان قوي، حيث أَمَّن الله روعهم، وسكّن قلوبهم بعقيدة الإيمان، يحكي الله جلّ وعلا هذا المشهد بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ العِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إلَى يَوْمِ البَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ البَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[17].

فأصبحت علومهم الدنيوية، ومقدرتهم في اللجاج والحجج لم تنفعهم، ولم يعتبر ذلك علماً لأنه لم ينقذهم من أهوال ذلك اليوم، ولمْ يوصلهم لباب من أبواب الاطمئنان والهدوء النفسي، عندما وقعوا في الأمر، ووصلوا إلى يوم البعث والجزاء، يوم القلق النفسي، أو الراحة أو الاطمئنان والنتيجة هذه لا تتأتى إلا بالعمال وفق منهج كتاب الله، وهدي رسوله، اللذين فيهما الدواء لكل داء. ولذا قال بعض العارفين من علماء الإسلام في صدره الأول: إذا سمعت في كتاب الله: يا أيها الذين آمنوا. فأصغ إليها سمعك، فهو إما خير يأمرك الله به، أو شر يحذرك الله منه.


الإيمان وقته الحياة الدنيا

وموقف يوم القيامة يختلف عن المواقف الدنيوية، بل إن الإيمان في ذلك الموقف بعد أن تذهل النفوس، وتضطرب القلوب من هول ما ترى: لا ينفع لأن وقت الإيمان والتبصر قد انتهى، فالإيمان وقته الحياة الدنيا، حيث الفسحة من العمر، وحيث الابتلاء والاختبار، وحيث موطن الصراع بين الخير والشر، بين الشيطان وأعوانه، وبين الإستجابة للحق وهو اتباع دين الله، وما جاء في كتبه، وأنزل على رسله.

وهذا يؤصله القرآن الكريم والسنة المطهرة، بأن موطن الاستجابة في الدنيا حيث تصارع النفس هواها، ويدعوها الهدي الشرعي للوقوف باطمئنان دون نوازع الشر المخالفة له.

فالتوبة التي جعلها الله تطهيراً للنفوس، ما هي إلا عودة للإيمان بإطمئنان وراحة عندما تسرف النفوس في الابتعاد عن أوامر الله وتعاليم شرعه. وهي مدخل إيماني واسع تحث عليها المصادر الشرعية في مواطن كثيرة، وبترغيبات أوضحها رسول الله صلى الله عليه وسلم تشد النفوس، وتقويها في الاستجابة، وتطمعها برجاء وخوف في الفضل العظيم المحسوس والملموس، استمع مثلاً إلى قول الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِم لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ}[18].

وباب التوبة مفتوح إلى يوم القيامة، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم[19].

وبالنسبة للنفس البشرية فمما يطمئنها أن التوبة مقبولة ما لم تغرغر الروح، وهذه بشارة مريحة تبعث الأمل.

وعلامة إقفال باب التوبة في هذه الحياة الدنيا خروج الدابة التي تسم الكافر والمؤمن بعقيدة كل منها، فلا يخفى بعضهم عن بعض كما قال تعالى: {وَإِذَا وَقََعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكِلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُواْ بِئَايَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ}[20].

ذلك أن الخير في الإيمان وأن النجاة في التمسك به، فظواهره في الدنيا بارزة في أمور من حياة الفرد والجماعة، سنمر ببعضها عرضاً، أما الحديث عنها فيطول.


وفي الآخرة بالفوز والنجاة بما تجده النفس مدّخراً، يتمثل أمامها عيناً بارزة، بعد أن كان أمراً مخفياً فتتمنى العودة للإيمان، ولكن لا مجال لذلك يقول عز وجل في تخويف المكذبين المعاندين: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَت مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ}[21].

وكنموذج واقع يجب أن تأخذ منه النفوس عبرة يحكي الله قصة فرعون الذي طغى وتجبّر فبعد أن أدركه الغرق، وعاين العقاب، ضاع عنه عزه وسلطانه، ودب فيه الخوف لأنه لم يستطع أن يدفع عن نفسه شيئاً، فأراد أن يرجع للإيمان لعله ينقذه مما حلّ به، فقال الله جل وعلا موضحاً هذه الحالة: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُواْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ءَالْئَانَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً}[22].

فإيمان فرعون الذي تلفظ به: يريد به الأمان والاطمئنان من عذاب الله وعقابه، بعد أن عاين المصير، الذي سيؤل إليه كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: [بأن الإنسان إذا مات فإن كان محسناً قال: عجلوني عجلوني. وإن كان مسيئاً يصيح يا ويلتاه أين تذهبون بي، فيسمعه كل شيء إلا الثقلين الإنس والجن، ولو سمعوه لصعقوا][23].

وما ذلك إلا أن الأول قد أُري منزلته جزاء إحسانه فاطمأنت نفسه، واحب الإسراع بالوصول إليها، لأنها تفضّل من الله عليه.

وأما الثاني فلأنه أُري منزلته السيئة جزاء تفريطه وإساءته العمل، فخاف من ذلك المصير فهو يريد الابتعاد عنها، ولكن لا مناص من ذلك. وأشد ما يستطيع الخائف التعبير عنه هو الصراخ، والدعوة بالويل والثبور، والرغبة في عدم مواجهة الأمر.

وفي عصرنا الحاضر تكونت أجهزة عديدة للمحافظة على المجتمعات، وتأمين سلامة الفرد، والجماعة، على أنفسهم وذويهم وممتلكاتهم، وسمي بعض هذه الأجهزة بالأمن.


وحرصت أجهزة الأمن هذه في كل دولة ومجتمع أن تأخذ بالأسباب التي تطمئن الفرد، وتشعره بالاهتمام به، بحسب متطلبات هذا الأمن، فوضعت النصائح، واتخذت الحيطة وتكونت الأجهزة، والأعمال السرية والعلنية،

وابتكرت النماذج للمحافظة والاهتمام، مع الحيطة في محاربة الطرق المؤدية لذلك.

فهذا هو الأمن الاجتماعي، والأمن الصناعي، الذي يدخل تحته: –

حفظ المجتمع من انتشار الجريمة بالقتل، حتى لا يطغي قوي على ضعيف، وحتى لا يسفك دم مسلم بغير حق، لأن المجتمع الإسلامي قد حفظ بالقصاص والحدود، في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله تعالى))[24]. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة))[25].

فالإسلام الذي اختاره الله دين آخر خير أمة أخرجت للناس، يؤمن النفس، ويحافظ عليها، ويعصمها من التعدي على غيرها، ويحفظ حقها من التعدي عليها بغير حق.


أهمية النفس في الإسلام

فالنفس في الإسلام ملك لله، لابد أن تعيش آمنة مطمئنة وفق شرع الله، فلا يحق لصاحبها أن يوردها المهالك، أو يحملها فوق طاقتها، ولا أن يقتل المرء نفسه للخلاص من قلق حلّ به في الدنيا، لأي سبب من الأسباب.

فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يتمنينَّ أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لابد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي))[26] ويقول صلى الله عليه وسلم في توعّد لمن قتل نفسه. ((من قتل نفسه بشيء فهو يجؤها به في نار جهنم))[27] وقاتل نفسه في النار وحتى يأمن المسلم من أخيه المسلم، ويطمئن إلى عدم إلحاق ضرر به منه، يقول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ((أي يوم هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس هذا يوم النحر؟ قلنا: بلى قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم))[28].

فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهل اليوم والشهر والبلد، ولكنه سألهم سؤالاً تقريرياً ليمكن الجواب من نفوسهم، ويثبت ما سوف ينبنى عليه من حكم، كما يقول بذلك البلاغيون. وكجزاء لعقاب تخويف المسلم. وزعزعة الأمن من نفسه، بالاعتداء عليه، جاء العقاب الشديد الذي جعله الله زاجراً لمن يقتل نفساً بغير حق فقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَنَ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أهله}.

إلى أن يقول سبحانه في عقاب العمد الذي أزال الاطمئنان من النفوس: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}[29].


القصاص من أسباب الاطمئنان في المجتمع

وأنواع العقوبات المفروضة تطمئن المجتمع، وتزيل الحقد من النفوس، وتردع من تسول له نفسه الإقدام على أمر فيه جناية، وإخلال للمجتمع حيث يقول سبحانه: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِى الأَلْبَابِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ}[30].

فالقصاص من أسباب الاطمئنان في المجتمع والقضاء على الجريمة، لأنه يقضي على الفئات الفاسدة في المجتمع، حتى لا يتوسع نطاق عملها في أجزاء أخرى منه، حسبما نرى في المجتمعات الغربية، التي رأفت بالمجرم لأنه في نظرهم يحتاج إلى الرعاية والعطف، فهو لم يرتكب الإجرام في نظر المهتمين بأمره، إلا من مؤثرات تحيط به من صحية أو اجتماعية أو أسرية أو غيرها.. فماذا كانت النتيجة؟؟

إنها بالنسبة للمجتمع حسبما هو واقع الحال: خوف واضطراب، وقلق مستمر.

وبالنسبة للأفراد: انتهاك أعراض، وقتل أنفس بريئة، وتشويه بعمل إجرامي متعمد وبالنسبة للأموال: نهب واعتداء وتسلط.

أما بالنسبة للمجرم نفسه: فسجن محدود، وغرامة مالية قليلة، ثم يخرج للمجتمع من جديد وبفن جديد في عالم الجريمة، وهكذا تستمر الحلقة.

لكن شرع الله الذي شرع لعباده في القرآن الكريم، هو الذي يصلح المجتمعات، ويقضي على جذور الاعتداء، والاستخفاف بالنفوس، وإخافة الآمنين، لما فيه من جزاء رادع يقضي بتطبيقه على الشر، لأنه لا يصلح النفوس، ويردها عن ذلك إلا هذا الأسلوب قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالْعَيْنِ والأَنفَ بِالأَنْفِ والأُذُنَ بِالأُذُنِ والسِّنِّ بالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}[31].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى}[32].

وهذا هو حكم الله الذي فيه طمأنينة المجتمع، وإخافة الفاعل، والردع عن التمادى في العمل الضار، قد أنزله سبحانه على بني إسرائيل في توراتهم، فخالفوا وعاندوا، وبدّلوا، فكانت النتيجة جرائم متتالية، واضطرابات تزعزع النفوس، وسار على منوالهم النصاري فحلّ بهم ما لحق بسابقيهم، حسبما نلمسه اليوم في قوانينهم الوضعية من امتداد لذلك العمل حيث تجني الثمرات السيئة، فما يطفح على الصحافة من أخبار، وما يبرز من تقارير الجريمة من أرقام.


واختار الله هذه الأمة لتطبيق ذلك فأمن مجتمعهم، واطمأن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم عند الامتثال، ثم دب القلق في بعض المجتمعات الإسلامية، لأن أقواماً استبدلوا بحكم الله قانوناً بشرياً، وغيروا ما أراده الله، بما أخذوه عن غيرهم تقليداً، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.

ولا شيء يؤمن المجتمع، ويحفظ الأمة، ويقضي على أسباب الخوف، إلا بتطبيق ما ارتضاه الله في شرعه، وأكده رسوله الكريم، بحماية الأفراد، والمحافظة على الجماعات، لأن الله بعباده رؤوف رحيم.

حفظ الأموال من التعدي، والحقوق من التطاول، فالإسلام قد جعل لكل مال حرزه المعتاد حفظه فيه، فمن أخذ شيئاً من حرزه اعتبر سارقاً، والسارق أعطي جزاؤه بقطع يده، التي تطاولت على ما ليس لها، لضياع الأمانة في القلب، وضعف الإيمان في النفس، قال تعالى: {وَالسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءَ بِمَا كََسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[33].

فقطع اليد ليس عدواناً، أو بقصد التشويه للسارق أو السارقة، ولكنه جزاء لهما باستخفافهما بالأمن، وترويعهما الناس الآمنين، واعتدائهما على ما ليس لهما، وعدم احترامهما لشرع الله الذي يصون الحقوق، ويؤمن الناس بالمحافظة على الأنفس والأموال، من التعدي والتطاول بغير حق، ونكالاً من الله لعدم الوقوف عند حدوده التي شرع لعباده، لأن التعدي استخفاف بذلك، والله عزيز في ملكه، حكيم في إرادته وتشريعه.

وقد يعتبر اللصوص بتنظيمهم وقدراتهم في إخافة الناس، وسطوهم هنا وهناك على ممتلكات الآخرين، فيقطعوا السبل، ويفسدوا في الأرض، ويعلنوها حرباً على الله بامتهان شرعه، وتسلطاً على المجتمع بقطع الطرق وإخافة الآمنين، والاعتداء على الأموال والأعراض، والإفساد في الأرض، حيث يضطرب ميزان العدل، وتتخلخل أركانه، فإذا نشأ شيء من ذلك في مجتمع من المجتمعات أزعج السلطة، وضعف كيانها، وضاعت الحيلة لتهدئة المجتمع وإعادة الهدوء والأمن إليه، فيأتي شرع الله العزيز الحكيم، ليحل هذه المشكلة، فالله يقضي على هذه المعضلة، بحل قاطع حسبما يقول سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاؤُاْ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلاَف أَوْ يُنفَواْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الأَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عََلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[34].

اقرأ أيضا  التحذير من إطلاق اللسان


وقد قال الباحثون في أصول الجريمة، المهتمون بطمأنينة المجتمعات، إن الإسلام قد وضع قاعدة قوية في القضاء على الجريمة، في تحريمه الأمور التي تتسبب عنها، أو تدعو إليها: كالخمر والزنا والربا والميسر، ثم بوضعه قواعد تريح العالمين بها وفق منهج سليم يرضي النفوس، ويعطى كل ذي حق حقه، ويمنع التعدي، ثم يفرض جزاءات تجتث الشرور من المجتمع، لأن من فيه نزعة شر لا يرتاح، إلا بإزعاج الآخرين، ومثل هؤلاء كالجرثومة التي لابد أن تكافح، أو كالعضو الفاسد لابد من بتره، وإلا استشرى الداء في الجسد كله.

وإن من تمعن في مدلول الآيات الكريمة الآنفة الذكر، يدرك الإسلام الصارم في القضاء على الأمور التي يترتب عليها إخلال بالأمن، وإزعاج للبشر، وإضرار بالأمة. ومعلوم كما يقول علماء الاقتصاد: “بأن رأس المال جبان لا يطمئن إلا بالأمان، ولا يتحرك وينمو إلا مع الأمن الوطني، والقضاء على مثيري القلاقل الآخذين بجهد الآخرين، المخيفين للسبيل، وذلك بسلطة تجازيهم في الدنيا، وتقطع دابرهم من المجتمع، وعمل هذه السلطة يدعمه تشريع قوي، ولا أقوى من حكم الله ورسوله وتطبيقهما يخيف من تسوّل له نفسه العمل بمثل عملهم”.


الإيمان مقترن بالأمان

وفي المجتمع الغربي والأمريكي بصفة خاصة الذي أزعجته الجريمة، وأقلقت مواطنيه وسائل الاستخفاف بالحياة، من فئة معنية من البشر، ضج الناس هناك، وتأثرت كثير من مصالحهم، فرأى بعض رجال الأمن عندهم أن الحل الوحيد في تخليص المجتمع الأمريكي مما يؤرقه، وتخفيف ما يسببه المجرمون للمجتمع من أمور كثيرة، يكمن في تعاليم الإسلام، الذي يجعل على النفس رقابة قوية، أقوى من رقابة البوليس وأنظمته.

وقد جاؤا بأمثلة: أن مجرمين متأصلين في الإجرام، ومن أصحاب السوابق، قد أسلموا في داخل السجن، فصلحوا، ولم يعودا للسجن بعد ما خرجوا منه، أما من خرج منه وهو على ديانته السابقة، فإنه لا يلبث حتى يعود للسجن مرة ومرات.

ومن هذه الدعوة بدأت كثير من الولايات تدعو المشرفين الاجتماعيين والدعاة من المسلمين لتأدية محاضرات وزيارات منتظمة للسجون التي أصبحت أوسع ميدان للدعوة الإسلامية. وقد قال بعض المسئولين في الأمن عندهم إن الخلاص من الجريمة لا يكون إلا على الإسلام والعمل وفق منهجه.

وهذا أكبر برهان محسوس على أن الإيمان يقترن بالأمن والاطمئنان وراحة النفس.


المال موطن الأثرة لدى النفس ونظرة الإسلام إليه

ولما كان المال من أعز ما يملك الإنسان وهو الذي يسيّر الحياة في المجتمعات، فإن سبل الخوف عليه ساقت عبّاده اليهود ومن يشايعهم إلى ابتكار أساليب للمحافظة عليه وكنزه، وكان مما فرضوه على المجتمعات التي يعيشون فيها: الربا. وهو زيادة المال بدون جهد، فلا يحصل النفع من المال بالتداول، ولا يزداد الفقير، إلا فقراً وحقداً على الغني، الذي تتضاعف أرباحه بجهد هذا الفقير.

ومن هنا جاء تشديد الإسلام في الربا، واعتباره محاربة لله، ومن ذا الذي يستطيع محاربة الله، ومحاربة رسوله.

وقد قرن الإيمان، وطمأنينة القلب على النفس، وعلى المال، بترك هذا الربا، وطرقه المتعددة، التي أخبر صلى الله عليه وسلم بأنها ثمانون باباً، أدناها أن ينكح الرجل أمه علانية[35] وهي كلها أمور مخيفة، تبعث القلق والقشعريرة في الإنسان وحواسه، ومن ذا الذي يجابه ربه، ويعاند رسوله في حرب معلنة. استمع إلى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهِ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَى إِن كُنتمُ مُّؤْمِنِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلْواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ}[36].

وحتى يرتاح المدين وتطمئن نفسه إلى وجود قلوب رحيمة ترق له، وتهتم به، ولا تقسو عليه، وتراعي حالته التي حلّت به، من عسر أو فقر أو كارثة، فقد أمر الله صاحب المال بمراعاة الموقف، وطمأنة إخوانه المسلمين، وعدم التضييق عليهم في المطالبة فقال تعالى موجهاً لهذا الأمر: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرةٌ إِلَى مَيْسَرةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[37].

ويقول صلى الله عليه وسلم في حكاية الرجل الذي كان له ديون على الناس، فكان يرسل غلمانه فيقول لهم: إذا رأيتم المعسر فتجاوزوا عنه لعله الله أن يتجاوز عنّا، فلقي الله وقد تجاوز عنه [لفظه في تفسير ابن كثير جـ1 ص232].

وبعكس ذلك، فقد اعتبر صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم. لأنه قادر على الوفاء ويمنع الناس حقوقهم الواجبة.


وآيات الربا التي نزلت في تحريمه في سورة البقرة، وتأكيدات رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع، وفي توضيحاته لأنواع الرباء، كل هذا من أجل تكوين مجتمع صالح، ومتماسك، لا يتسلط فيه قوي على ضعيف، أو يستغله من أجل ضعفه، ولا يكنز صاحب مال ماله لمنفعته الخاصة، أو لتحكم في قوت خلق الله.

بل لابد أن يعمل فيه ما يسعد المجتمع، ويحقق الرخاء والنماء فيه، وليفتح مجالات العمل لفئات عديدة من البشر، هم في حاجة إليه ليقتاتوا بعمل شريف، وجهد حلال.

وحتى لا يترك أمر البيع أو الشراء بدون قيود، أو التدابير بدون محافظة، نظم القرآن الكريم كما في آية الدين في آخر سورة البقرة[38]، ما يجعل صاحب المال متوثقاً على ماله، مطمئناً على حقه بأنه سوف يأتي إليه عند حلول أجله، فيحصل بذلك النفع للأخذ والمعطى. واطمئنان كل منهما على الذي له والذي عليه.

وهذا ما يتحقق أمناً اقتصادياً، لأنهم يقولون رأس المال جبان، لا يتحرك إلا في الأمن والطمأنينة.

ولأن المال هو موطن الأثرة لدى البشر، وانتظام الحياة في المجتمعات، وموطن الشحّ للنفوس، فقد روعي فيه أمور تطمئن وتريح، وتنظم الحياة مثل:

– كتابته والاستشهاد عليه: برجلين ثقتين، أو رجل وامرأتين ممن ترضى شهادتهم.

– تحديد الأجل.

– عدالة الكاتب والشهود.

– مراقبة الله بالنسبة للدائن والمدين، وأن تقواه سبحانه هي المحرك لكل منهما لأنها تردع عن الظلم والجور.

– الوصاية على من كان عليه الحق، إن كان سفيهاً أو ضعيفاً… أو لا يستطيع الإملاء في هذا الدين بأن يتولى ذلك عنه وليه العدل.

– عدم الإضرار بالكاتب أو الشهود، أو إخافتهم حتى لا يوجد حجاب دون التعاون بالخير وعليه.

– التأكيد على الاهتمام بالمعروف والتفضل من القادر على أخيه، وأن يكون التعامل حسناً، وعدم الإضرار بمن عليه الحق.

ثم تزيد تعاليم القرآن الأمر تمكيناً بالترغيب في البذل والصدقة والإحسان في أوجه الخير التي تريح أبناء المجتمع الإسلامي، وتزيل عنهم أسباب البغضاء والقلق والحقد والكراهية، وذلك في مثل قوله تعالى: {وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اللهِ الَّذِي ءَاتَاكُمْ}[39].

وقوله: {وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخَلَفِينَ فِيه}[40].

وقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَواْ وقُلُوبُهُمْ وَجِلةٌ}[41].

أي ينفقون بسخاء ويخافون ألا يقبل منهم، فهم لا يريدون السمعة والجاه، بل يمتثلون أمر الله. وقوله: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌ مَّعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[42].

وفي سبيل الإنفاق والحث على عدم البخل بالمال وتوضيح أوجه الخير التي يبذل المال فيها ومقارنة ذلك بالجزاء الذي يريح النفوس، وتطمئن به الأفئدة، جاء حث كثير في كتاب الله الكريم على ذلك، مما يستوجب دراسة مستفيضة، وتأليفاً واسعاً.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بلّغ شرع الله، واجتمعت القلوب نحوه قد زاد الأمر توضيحاً بثروة كبيرة تعين الباحث، وتريح المتلقي في مثل قوله: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفا))[43] وقول صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))[44]. وقوله: ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة… ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة))[45].

فالشحناء والبغضاء يقضى عليها الإسلام بالقضاء على مسبباتها، بحيث وضع حلولاً تطمئن إليها الفئات المؤمنة، وترضى عنها لأن هذا هو حكم الله، ومن لم يرض بحكم الله ويأتمر بأمره فقد وصف بأنه كافر وظالم وفاسق[46].

لذا تولى رب العزة والجلال تنظيم ما يتعلق بحياة الناس في الأموال لأنها مبعث القلق النفسي في كل مجتمع: –

– فالتركات وزعت وأعطي كل فرد نصيبه ذكراً كان أو أنثى كما في سورة النساء.

– والمتوفى حدد له رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدار ما يتصرف فيه بماله وهو الثلث والثلث كثير.

– ومنع الإنسان أن يوصي بشئ من ماله لأحد أنبائه حتى لا يفضل إخوته واعتبره الرسول ظلماً كما في قصة بشير بن سعد مع ابنه النعمان.

– والغنائم حددت أنصبة كل من يستحقها، وحرّم الغلول وهو الأخذ من مال الغنيمة قبل أن يقسم كما في سورة الأنفال.

– والمستحقون للزكاة وهم أهلها الثمانية الذين تدفع إليهم ولا يجوز دفعها إلى غيرهم حددتهم سورة التوبة.

– والربا ومداخله حرّم كما في سورة البقرة.

– والبيع والمداينة أحلت ونظمت كما في سورة البقرة، لأن فيها قوام المجتمع بالتعامل والتسهيلات.

– والصدقة على المحتاج واليتيم والقريب والإحسان إليهم. والإنفاق على الأولاد والزوجة نظمت ذلك آيات كثيرة في سور من كتاب الله الكريم.

كل هذا حرص عليه الإسلام لتسيير الحياة في المجتمع وإشعار أفراده بالراحة والاطمئنان على معاشهم، وانتظام أحوالهم، والتعاطف فيما بينهم.

فالنفس لا تنتج عملاً في جو مضطرب، أو إذا كانت غير مرتاحة، ولذا جاءت تعاليم الإسلام لتريح النفوس بما شرع أمامها، فيتهيأ الجول للعمل والإنتاج، وجوهر ذلك العلاقة مع الله، فيوصل ذلك العمل لرضاه وجنته في الأخرى، مع الثمرة المفيدة التي تعود على الفرد نفسه وعلى مجتمعه بالفائدة الظاهرة. وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله امرأً صنع صنعة فأتقنها))[47].

فمن تعاليم الإسلام التي جاءت في كتاب الله الكريم، أو في سنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم وهي تخاطب أهل الإيمان، وتطمئنهم بنتيجة ما يعملون، وتريح نفوسهم بما تقوم به من عمل، يلمس المستقريء نظاماً متكاملاً للناحية المالية، التي هي محك الأمور، وسبب المشكلات في المجتمعات في كل عصر.

وإذا كان أصحاب الأموال في المجتمعات غير الإسلامية – وخاصة اليهود منهم – قد حرصوا على زيادة أموالهم بأساليب الربا، فإنهم في هذا العصر قد ابتكروا أساليب جديدة من باب أخذ أموال الناس بالباطل، وأكلها بالإثم، لأن مبدأهم الحلال ما حلّ في يدك، وذلك بابتكار شركات التأمين المتعددة حيث نسمع ونقرأ عن: –

– شركات التأمين على الحياة بأنواعها لمن حياتهم وأعمالهم في الأرض أو البحر أو الجو.

– وشركات التأمين على الممتلكات من سيارات ومتاجر وبيوت ومزارع ومصانع وغيرها.

– وشركات التأمين ضد الأعاصير – كما هو الحال في أمريكا ضد الترنادو وغيره.

– وشركات التأمين على الحنجرة للمغنيين.

– والتأمين على الساقين للفتيات اللواتي يباهين بسيقانهن ويدخلن مسابقات تقام لهذا الغرض.

– والتأمين على العينين والعنق والذراعين والوجه ضد التشويه.

– والتأمين ضد السرطان، والتأمين على الكلاب والقطط.

– والتأمين ضد الحريق والكوارث الأخرى والأضرار المختلفة.


وغير هذا من أساليب التأمين التي حركتها دعاياتهم وإعلامهم لإخافة الناس، وجعل القلق يسيطر عليهم، فحياتهم في جحيم مستمر، وأعمالهم في بلبلة دائمة، لأن قلوبهم خالية من الإيمان، وقلب خلا من الإيمان أصبح نهباً للنوازع المختلفة، وقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم: بأنه كالبيت الخرب.

وإذا كان المسيطرون في مجتمعاتهم يعملون لهم تلك الأمور للسيطرة على عقولهم، والتحكم في مقدرات أمورهم، لسلب أموالهم واستعبادهم.

فإن الإسلام قضى على ذلك بحسن التوكل على الله، وملء القلب إيماناً بخشيته ومراقبته، فقد جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره: إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها))[48].

ويقول صلى الله عليه وسلم في حسن التوكل، وتسليم الأمر لله: ((لو تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً))[49].

وحسن التوكل على الله لا يكون إلا مع كمال الإيمان، ذلك العمل الذي يطمئن النفوس ويزيل عن القلوب القلق والضجر.

وفي سبيل المحافظة على المال، والاهتمام بأداء حق الله فيه يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما نقص مال من صدقة أو ما نقصت صدقة من مال – وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع عبدالله إلا رفعه الله))[50] وتحصين المال وحراسته والاطمئنان عليه، ليست بدفع أقساط لشركات التأمين، ولكن بالزكاة التي تذهب للفقراء والمحتاجين، فتحسن من حالهم وتريح ضمائرهم كما جاء في الأثر: (حصنوا أموالكم بالزكاة).


الفرق بين المؤمن وغيره

والاعتماد على الله، وحسن التوكل عليه، مدخل إيماني قوي للنفوس ومبعث على الاطمئنان والراحة، كما في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً. فقال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف))[51].

والأمن من الكوارث لا يكون إلا بقوة الإيمان وسلامة العقيدة ومراقبة الله دائماً، فالمؤمن يدرك من نصوص كتاب الله، وهدي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: أن الكوارث تساق للعبرة والعظة، وتنبيه الغافلين، ومعاقبة العاصين المعاندين، وأن الخير الذي ينزل على النفوس ماهو إلا من عند الله، أما الشر فمما كسبت أيدي الناس قال الله تعالى: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}[52].

وأن المؤمن هو الذي يتعظ ويرتبط بالله، أما غيره فتمر عليه الأحداث كما تمر على الجمادات بل إن من الجمادات ما يحس ويخاف قال تعالى: {وَمَا تُغْنِي الأَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ}[53].

وفرق بين المؤمن وغيره، بأن المؤمن يتحمل ما ينزل به في نفسه أو ماله أو ولده، أو ما يحيط به بصبر وطمأنينة ورضا، فيؤجر على ذلك، أما غيره فيتسخَّط ويجزع، فلا يدفع عنه ذلك شيئاً، وإنما يزداد مع وقوع النازلة. ألماً نفسياً، فيسخط ربه، ويبطل عمله، وتبقى نازلته عليه – كما قال بذلك بعض العارفين.

يقول صلى الله عليه وسلم: ((أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل))[54].

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه ذنب))[55].

ولذا قيل: المؤمن مبتلى، ليكون في ذلك محك لإيمانة، وميزان لدرجة صبره واطمئنان قلبه.

ومكر الله وعقابه، وغيرته سبحانه على نعمه، تكون دائماً نصب عيني المؤمن، فهو يخشى ويخاف على نفسه أولاً، وهل هو من المقبولين أم لا؟ كما جاء في الأثر: (المؤمن بين مخافتين: أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه).

فهو يخشى من عقابه، ويخاف من مكره سبحانه ونقمته، قال تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُونَ}[56].

وخوف من نقمة عامة تصيب الجميع بعمل البعض قال تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن يَأْتَيهُم بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُم نَائِمُونَ، أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ}[57].

أو قوله تعالى: {ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِير}[58].

وما سياق ما حصل للأمم السابقة التي عاندت شرع الله، وكذبت كتبه، ولم تؤمن برسله إلا عبر وعظات للقلوب المؤمنة، لتدرك أن الراحة والاطمئنان في أمور الحياة وبعد الممات في طاعة الله، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من شرع من عند الله.

لكن من هو هذا المؤمن الذي تساق له التوجيهات، ويبلّغ بالأوامر؟؟.

إن مبعث الأمن في المجتمع هو الاعتقاد الجازم بسلامة الأوامر والتصديق بها، وتطبيقها، وجعلها منهج حياة يقول صلى الله عليه وسلم: ((والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل من هو يا رسول الله؟؟. قال: من لا يأمن جاره بوائقه))[59].

اقرأ أيضا  العمل الذي يأجر عليه العبد لابد أن يكون لله

فهنا قرن الإيمان بتأمين الجار والمحافظة عليه وهذا هو أدب من آداب الإسلام العالية، وكل آدابه عالية، لأنها مبعث للأمن، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه))[60].

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[61].

والإيمان يهذب الطباع، ويزكي النفوس، ويعطيها نظاماً يؤلف بين القلوب فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله في حديث رواه أبو هريرة: ((لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا بيع بعضكم على يبع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه))[62] متفق عليه.


الإيمان – والإسلام

فالإيمان مرتبة أعلى من الإسلام، لأنه أمكن في النفس، وأثبت للجنان قال تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيَمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مَّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيم، إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[63].

فالإيمان الذي يلامس بشاشة القلب، ليبعث الاطمئنان فيها، حيث يوجد مجتمعاً مثالياً في نظامه وتسييره للحياة، وأفراداً متميزين في أعمالهم وتصرفاتهم، واهتمامهم بغيرهم، ويراقبون الله في كل عمل، ويخشونه ويخافون عقابه، فتطمئن قلوبهم، ويطمئنوا غيرهم.

هذا الإيمان الذي جاءهم هو منّة من الله، ونعمة كبيرة، لا يحس بدورها إلا من ذاق طعمها، لأن لها تأثيراً في تخفيف المصاب، وتحمّل الصعاب، والتبصر في الأمور، والصير على كل نازلة، والرضى بقدر الله، والإنفاق في سبيله والطمع في جنته، والخوف من عقابه، والتعلق به في كل أمر، لأن له سبحانه الحكمة ويفعل ما يريد، قال الله تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَئٍ عَلِيمٌ، يَمُنَّونَ عَلَيْكَ أَنْ أسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[64].


وحقيقة هذا الإيمان هو الاستجابة لأمر الله طاعة لله، واستجابة لرسوله، وطاعة لولاة الأمور الذين سلمهم الله أمر قيادة الأمة، والنصح لهم، ما أطاعوا الله فينا، ولم يأمروا بمعصية تخالف شرع الله، قال تعالى مخاطباً الفئة المؤمنة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَئٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ والِيُوْمِ الأَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[65].

والإيمان إذا استقر في القلوب، يشيع الأمن في المجتمع، ويدعو بوازع باطني كل فرد من أفراد هذا المجتمع – مهما كانت مسئوليته إلى إيجاد رقابة على نفسه واهتمامه بكل ما وكل إليه، ليعمل بهدوء، واطمئنان، رأفة بمن يتعلق به أمره من أبناء المجتمع احتساباً للنتيجة عند الله أجراً مدخراً، وائتماراً بهذا الدين وشرائعه. وهذا هو أكبر مهدئ للنفوس، وأقوى منشط يدفعها للعمل ونكران الذات ويطمئنها على النتائج، يلمس القارئ مثل هذا في نصوص كثيرة مثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم في صحيحه: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل معلق قلبه بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا فيه وافترقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فاخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه))[66].


أثر الإيمان في أمن المجتمع

وأثر الإيمان حسب النصوص الشرعية، يطمئن النفوس، ويهدئ المجتمعات من القلاقل، والفتن والأزمات، في أمور كثيرة، اضطربت فيها أنظمة الأمم، وتباينت فيها الآراء رغبة في وجود حل، والقضاء على مشكلة، أجد أن هذا الحيز لا يفيها كلها، ولكن حسبنا الإشارة إلى نماذج منها مثل:

– الأمن الزراعي وتوفير الغذاء: نجد هذا في آيات كثيرة في كتاب الله الكريم مثل سورة يوسف[67] والنحل[68] وغيرهما.

– الأمن الصحي والاهتمام بالمريض، كوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيارة المريض وهدية في العلاج الطبي حسبما ذكر ابن القيم في كتابه: زاد المعاد في هدي خير المعاد.

– الأمن الأسري ورباط الزوجية، كما في قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}[69].

وقوله تعالى: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[70].

– الأمن العائلي والاهتمام بالأولاد، كما جاء في سورة النساء في تقسيم التركات، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس))[71].

وفي منعة صلى الله عليه وسلم الوصية للولد وقوله: ((لا وصية لوارث))[72].

– الأمن التربوي وتعليم الأبناء، يوضح مثل هذا وصية لقمان لابنه[73] وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم الأولاد الصلاة: ((مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع))[74].

– الأمن في الأوطان وحمايتها كما جاء في الأثر: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان)[75]والبلد الآمن هو مكة التي جاء ذكرها في سورة البقرة، وسورة إبراهيم وغيرها.

– الأمن الأخلاقي وتهذيب النفوس، كما جاء في آيات من سورة النور في تحريم الزنا ومنع الخوض في أعراض الناس[76] وفي آداب الاستئذان[77] وفي فرضية الحجاب وآياته في سورة الأحزاب[78].

– أمن العقيدة وسلامة القلوب لارتباطها بالله وحده ونبذ كل ما سواه يقول تعالى في هذا: {الَّذِينَ ءَامَنَواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ}[79].

وآيات من سورة الروم[80] وسورة الواقعة[81]، تربط الإنسان بخالقه المتصرف سبحانه في جميع الأمور.

– أمن المسكن وتوفير المعيشة وتوضح ذلك آيات متعددة من كتاب الله الكريم كما في سورة النحل[82].

– الأمن الاقتصادي وحرية الحركة في الأموال بيعاً وشراء، بعد أداء حق الله فيها بالزكاة والصدقة، وقد حظيت الزكاة والصدقة بتوجيهات كبيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، لتهذيب النفوس وتعويدها على البذل والعطاء براحة نفس واطمئنان خاطر، وفي السر آكد لأنها أبعد عن المراءاة.

– تأمين الجار ورعايته في أهله حيث كان جبريل يوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجار حتى ظن أنه سيورثه.

– الأمن بالهجرة لمكان آخر، إذا كان المرء لا يستطيع أداء شعائر دينه، أو يجد مضايقات من أعداء دينه، وهذا هو الأمن على العبادة، وقد حكى الله عمن لم ينج بدينه وهو قادر: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[83].

ولكي يجعل الله مأمناً ومخرجاً لهؤلاء المستضعفين غير القادرين على الهجرة والنجاة بأنفسهم، فإنما مما يطمئنهم أن الفئة المؤمنة مأمورة بالجهاد لتخليصهم ونصرتهم قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ الَّذِينَ يُقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}[84].

– الأمن بالتوبة، وهذا هو أمن المصير، وراحة النفس في الدنيا بالابتعاد عن أمر يؤرق النفس ويخيفها التلبس به، وآيات التوبة في كتاب الله الكريم كثيرة ومتعددة[85].

ويوضح نماذج من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم من صاحب راحلة ضاعت منه في أرض فلاة وعليها طعامه وشرابه، فلما أيس منها نام، فاستيقظ فإذا هي واقعة بجانبه فقال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك)) ((أو كما قال))[86].

– أمن النفوس بمجاهدة الكفار، لإظهار دين الله، ولإسعاد البشرية بتبليغه، كما توضح ذلك سورة الأنفال، وسورة التوبة، وسورة البقرة وغيرها. في مواطن كثيرة من كتاب الله[87]، لأن قمع أعداء الله وأعداء رسالاته، لا يكون إلا بقوة السلاح ودفاع المجاهدين المتحمسين لإظهار دينه، يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب))[88].

– تأمين النفوس من التأثيرات الخفية، وحفظها من أثر ذلك كالسحر ونفثات الشيطان كما جاء في المعوذتين وقل هو الله أحد، وآية الكرسي. ففي هذا حرز للنفس وأمان لها من المؤثرات النفسية ووساوس الشيطان واتباعه.

– الرضا والقناعة بما قسم الله، حتى لا تتطلع النفس إلى ما في أيدي الناس فيكون ذلك من دواعي كفر النعم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم من فضل عليه بمال أو سلطان، فلينظر إلى من هو أسفل منه، ولا ينظر إلى من هو فوقه فإن ذلك أجدر بشكر نعمة الله عليه))[89].

– راحة النفس بالعبادة وفي مقدمتها الصلاة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر أو أهمه قال: ((يا بلال أرحنا بالصلاة))[90].

كما كان من قوله عليه الصلاة والسلام: ((…. وجعلت قرة عيني في الصلاة))[91].

– والأمن بالمشورة في كل أمر حتى يخف ما على كاهل الإنسان بإعطائه للآخرين فيشاركون في الرأي: كما في قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[92].

وغير هذا من الأمور التي جعلت الشريعة الإسلامية فيها حلولاً لكل ما يعترض الإنسان في هذه الحياة، حيث يجد المرء في المخارج ما يريح نفسه، ويعينه على التغلب على المشكلة التي اعترضته لأن في كتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ما ينير الطريق، ويوضح المعالم، ويهدئ النفوس.

وصدق الله إذْ يقول: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَئٍ}[93]، وقد وصف الله الفئة المؤمنة بآيات كريمات في مطلع سورة سميت باسمهم، أعطتهم صفاتاً مطمئنة ومريحة، لأنهم في يقين ورضا قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ، والَّذِينَ هُمْ عَنِ الَّلغْوِ مُعْرِضُونَ، والَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِم أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، والَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِم يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[94].


أما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وترك فيهم وصية خالدة تريح النفوس، وتهدئ المجتمعات وتضمن العدالة وسمو المكانة والاستقرار لمن اتّبع ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم أمرين لن تظلوا بعدي ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي)). ففيهما المخرج من كل معضلة، وفيهما الحل لكل مشكلة، وفيهما هدوء البال، وراحة الضمير، والراحة من كل قلق، وفيهما الرابطة القوية بالله عملاً وبشرعه منهجاً وسلوكاً.

فقد قال بعض العارفين: كنت كلما ألم بي مشكلة، أو ضجرت من أمر يقلقني، ألجأ لكتاب الله، فأفتحه وينفتح معه الهدوء والاطمئنان لنفسي، لأنني أجد فيه حلاً لكل أمر، وخروجاً من كل مصيبة.

نسأل الله أن يعيننا على فهم كتاب الله وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وامتثالهما عملاً وتطبيقاً، والسير وفق شرعهما باستحضارهما في كل وقت، والاهتمام بهما في كل مناسبة، والرضا بما فيهما، والعمل بهما فهماً وتحقيقاً. والله الموفق لكل خير…

ــــــــــــــــــــــ

[1]  سورة الأعراف آية 96.

[2]  سورة الأنعام آية 153.

[3]  سورة الرعد آية 28.

[4]  سورة يوسف الآية 64.

[5]  سورة يوسف آية 17.

[6]  راجع المعجم الوسيط جـ1 ص28 وفيه تفاصيل لمعاني أمن، وكلها ترجع للاطمئنان، وهذه التعريفات لا تخرج عما جاء في كتب اللغة كلها، بل فيها شمول لما جد في الحياة الحاضرة كالتأمين الذي يشعر النفس بالاطمئنان، ولم يعرف من قبل لدى اللغويين. لكنه شعور غير صادق.

[7]  وجاء في الأثر الصحة في الأبدان والأمن في الأوطان.

[8]  سورة البقرة الآيات 155 – 157.

[9]  سورة محمد الآية 31.

[10]  سورة المائدة الآيات 82 – 84.

[11]  سورة الفاتحة الآيات 5 – 7.

[12]  سورة الأنعام الآيتان 81 – 82.

[13]  سورة الأنعام الآية 83.

[14]  رواه مسلم.

[15]  البضع ما بين الثلاثة والعشرة كما في سورة الروم التي اطمأن بها قلب أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وخبر بها قريشاً، وفي بعض الروايات أنه راهنهم عليها. “المصدر نفسه، غُلِبَتِ الرُّوم، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيغْلِبوُنَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ ومِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ” الآيات من [1 – 5] من سورة الروم.

[16]  رواه مسلم.

[17]  سورة الروم الآية 56.

[18]  سورة الزمر آية 53.

[19]  راجع أحاديث التوبة في صحيح البخاري ومسلم وهي كثيرة في بابها.

[20]  سورة النمل آية 82.

[21]  سورة الأنعام آية 158.

[22]  سورة يونس الآيات 90 – 92.

[23]  رواه مسلم.

[24]  رواه مسلم جـ1 ص210.

[25]  رواه البخاري ومسلم.

[26]  أخرجه الجماعة إلا الموطأ جامع الأصول 2: 554.

[27]  جزء من حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة جامع الأصول 10: 216.

[28]  متفق عليه.

[29]  اقرأ الآيات 92، 93 من سورة النساء.

[30]  سورة البقرة آية 179.

[31]  سورة المائدة الآية 45.

[32]  سورة البقرة الآية 178.

[33]  سورة المائدة آية 38.

[34]  سورة المائدة الآيات 33 – 35.

[35]  نص الحديث في الترغيب والترهيب.

[36]  سورة البقرة الآيتان 278 – 279.

[37]  سورة البقرة الآية 380.

[38]  هي الآية رقم 282. من سورة البقرة.

[39]  سورة النور آية 33.

[40]  سورة الحديد آية 7.

[41]  سورة المؤمنون آية 60.

[42]  سورة المعارج الآيتان 24 – 25.

[43]  متفق عليه (باب الزكاة).

[44]  رواه مسلم.

[45]  متفق عليه.

[46]  اقرأ الآيات 44 – 45 – 47 من سورة المائدة.

[47]  رواه مسلم.

[48]  رواه البخاري ومسلم.

[49]  رواه الترمذي.

[50]  رواه مسلم والترمذي.

[51]  رواه الترمذي.

[52]  سورة الناس الآية (79).

[53]  سورة يونس الآية (101).

[54]  رواه البخاري وأحمد في مسنده.

[55]  رواه مسلم.

[56]  سورة الأعراف آية 99.

[57]  سورة الأعراف الآيتان 97 – 98.

[58]  سورة الملك الآيتان 16 – 17.

[59]  رواه مسلم.

[60]  متفق عليه.

[61]  متفق عليه.

[62]  متفق عليه.

[63]  سورة الحجرات الآيتان 14 – 15.

[64]  سورة الحجرات الآيتان 16 – 17.

[65]  سورة النساء آية 59.

[66]  رواه مسلم.

[67]  اقرأ الآيات 47، 48، 49 وغيرها من سورة يوسف.

[68]  اقرأ الآيات 66 إلى 78. من سورة النحل.

[69]  سورة الفرقان الآية 74.

[70]  سورة الروم الآية 21.

[71]  رواه الترمذي في الجامع الصحيح ص430.

[72]  رواه الترمذي في الجامع الصحيح ص434.

[73]  اقرأ الآيات 13 – 19. من سورة لقمان.

[74]  رواه أبو داود والترمذي وأحمد عن عبدالله بن عمرو وسبرة.

[75]  أما الحديث الذي رواه البخاري فلفظه… الصحة في الأبدان والفراغ.

[76]  أقرأ أول سورة النور.

[77]  سورة النور الآيات 58، 59، 60، 61.

[78]  الآيات: 32، 33، 53، 59. من سورة الأحزاب.

[79]  سورة الرعد آية 28.

[80]  الآيات 19 – 27. من سورة الروم.

[81]  الآيات 58 – 73. من سورة الواقعة.

[82]  الآيتان 80 – 81. من سورة النحل.

[83]  سورة النساء الآية 97.

[84]  سورة النساء الآية 75.

[85]  اقرأ مثلاً النحل الآية 72.

[86]  أحاديث التوبة في البخاري ومسلم.

[87]  اقرأ مثلاً الآية 72 من سورة النحل.

[88]  رواه الطبراني بإسناد حسن.

[89]  رواه مسلم.

[90]  رواه أحمد ك5 رقم الحديث 264.

[91]  رواه النسائي كتاب النساء الحديث 1.

[92]  سورة آل عمران آية 159.

[93]  سورة الأنعام الآية 38.

[94]  سورة المؤمنون الآيات 1 – 11.

المصدر: مجلة البحوث الإسلامية، العدد 17، ص156-194+الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.