حرب الحجاب.. والقابضات على الجمر

الإثنين 13 صفر 1435 الموافق 16 كانون الأول / ديسمبر2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

عمرو توفيق
لا أريد أيَّ بناتٍ منتقبات في استقبالي.  (محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر).
النِّقاب ليس منَ الشريعة الإسلاميَّة في شيءٍ، وليس عبادة، وإنما مجرَّد عادة.  (محمود زقزوق، وزير الأوقاف المِصري).
الحِجاب عودة إلى الوراء، والنِّساء بشعرهن الجميل كالورودِ التي لا يَجب تغطيتُها وحجبُها عن النَّاس.  (فاروق حسني، وزير الثقافة المصري).
النِّقاب ليس واجبًا، ولا سُنَّة، ولا حتى مستحبٌّ، وهو عادة جاهليَّة، والمرأة المصريَّة المُنتقبة تُثير اشمئزازي. (سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر).
على الطَّالبة التي تَرغب في الالتحاق بالمدينة الجامعيَّة أن تخلعَ النِّقابَ، أو عدم التَّفكير في السَّكن بالمدينة؛ لأنَّني لن أقبلَ بدخول منتقبة مهما حدث.  (عبدالحي عبيد، رئيس جامعة حلوان).
النِّقاب لا يُعدُّ من الدِّين في شيءٍ، وما هو إلاَّ زِيٌّ له خلفيات ثقافيَّة اجتماعيَّة…، أدعو المنتقباتِ إلى إظهار وجوههن عند زيارتي.  (جاك سترو، رئيس مجلس العموم البريطاني).
الحجاب لِباسُ المومسات والعاهرات…، وهو في المجتمعات الشرقيَّة لِباسُ العبيد (الإماء) من النِّساء وليس الأحرار. (صحيفة الحدث التُّونسية، القريبة من وزارة الداخلية).
أَلْوية التَّطرف على رؤوس الأطفال.  (رئيس تحرير مجلة روزاليوسف المصريَّة).

•     •     •     •     •

بهذه التَّصريحات وغيرِها؛ تَندلع مَوجاتٌ من الحربِ الشَّعواء على الحجاب الإسلاميِّ، تارةً بزعم محاربة التَّطرُّف، وثانيةً دِفاعًا عن حُرية المرأة، وأخرى تحتَ سِتار الدِّين.

ففي تونس حَربٌ مُسْتعرةٌ مِن قِبَلِ الحكومة على كلِّ أشكال الحجاب بمختلف تَصنيفاتِه، أمَّا في مصرَ، فالحربُ على مستويَينِ، الأوَّل: مِن الجهات الدِّينيِّة الرَّسميَّة ضِدَّ النِّقاب، والثَّاني: من أقزام الصَّحافة، وبقايا اليسار، ومُدَّعي الثَّقافة، ضدَّ الحجاب بكافَّةِ أشكاله.

وفي حقيقة الأمر، لا يَجدُ الباحث جديدًا من القول حولَ قضيةِ الحجاب التي قُتلتْ بحثًا، وانتهتْ معاركُها برفع التَّيَّار الإسلاميِّ لرايات النَّصر، فها هي المجتمعات الإسلاميَّة بدأت في العودة إلى فطرتِها من جديدٍ، بعد كَبوةٍ قصيرةٍ استغرقتْ نحوَ نصفَ قرنٍ من الزَّمان، فالحجاب لم يَعُدْ مقتصرًا على فئة أو شريحةٍ بعينها؛ بل أصبحَ واقعًا مترسِّخًا في جذور المجتمعات المسلمة.

لكن بينَ الحين والآخَرِ تُعاود المعركةُ الاشتعالَ بفعل بقايا اليسار والعلمانيين؛ لأهدافٍ سياسيَّة، أو مجرَّد الإثارة الصحفيَّة وزيادة التَّوزيع، أو إثبات الوجود على السَّاحة السِّياسيَّة والاجتماعيَّة، أو ما يمكن اعتبارُه تنفيسًا عن مدى الحَنَق من شيوع الالتزام بالإسلام، ويَستلزم ذلك مواجهةَ الأصعدة الإعلاميَّة والفِكريَّة والسِّياسيَّة كافَّةً.

حرب الحجاب.. الإسلام المستهدف دائمًا

مِن المعلوم أنَّ المعركة بينَ الحقِّ والباطل، وبينَ الخير والشَّرِّ مستمرَّةٌ منذُ غواية إبليس اللَّعين لآدمَ – عليه السَّلام – حتَّى يقومَ النَّاس لربِّ العالَمين، وتتخذ هذه المعركة صُورًا وأشكالاً مختلفةً، بحسبِ طبيعة العصر، وقوَّةِ الطَّرفين، ومِن أوضحِ صُورِ هذه المعركة: عداوةُ الدِّين، ومحاولة طمس معالَمِ الشَّرع الحنيف، وإحلال الأفكار والرُّؤى الهدَّامة محلَّ نورِ الهداية والاستقامة.

وبحسبِ طبيعة العصرِ، وقوَّة الطَّرفين – أهل الحقِّ وأهل الباطل – تكون هذه الحربُ؛ إمَّا شاملةً وعنيفةً، تحاول اقتلاعَ الدِّين اقتلاعًا ماديًّا ومعنويًّا، وإزالة مظاهره وأشكالِه بقدر ما تحاول اقتلاعَ حقيقتِه من النُّفوس – كما حَدثَ في الأندلس، ومحاكم التفتيش – وذلك في حال عُلو أهل الباطل وضَعْف أهل الحقِّ.

وعندَما تتوازن قُوى الطَّرفين أو يَعلو أهل الحقِّ، تكون هذه الحربُ جزئيةً مستترةً، تتخذ مِن الوسائل الباطنيَّة ما تُحاول به تحقيقَ أهدافِها وغايتها.

ورغمَ حالة الضَّعْف التي يَمرُّ بها المسلمون، إلاَّ أنَّ قوى الشَّرِّ العالميَّة لجأتْ إلى الحرب الجُزئيَّة المستترة ضدَّ الإسلام، حيثُ أثبتتِ التَّجارِب السَّابقة أنَّ الاستهدافَ الصَّريحَ للدِّين يُثير نفوسَ المسلمين، ويأتي بنتائجَ عكسيَّةٍ، تتمثَّل في تَسارُع النُّهوض الإسلاميِّ، وتَزايُد التَّمسُّك بالدِّين، وهو ما تُثبته وقائعُ التّاريخ؛ مثل النُّهوض الإسلامي بعدَ الغزو الصَّليبيِّ الذي كان يرفع شِعارَ الحرب الدِّينيَّة، واستهدف الأرضَ، والعِرْض، والدِّين.

لذلك تُحاول قُوى الشَّرِّ في العصر الحديث تَفكيكَ المجتمعات المسلمة مِن الدَّاخل؛ لتُصبحَ قابلةً للاستعمار، حيث تفقد القدرة على المقاومةِ والصُّمود، فضلاً عن عدم قدرتها على الهُجوم والقِيام بواجبها في نشر الدَّعوة، ويَشمل هذا التَّفكيكُ عدَّةَ محاورٍ؛ مثل: إلغاء أو تعطيل مفهومِ الجِهاد، بما يَشملُه من مقاومةٍ واستشهادٍ في سبيل الحقِّ، وما يسمَّى بتحرير المرأة، ودفعها للتَّبرُّج والسُّفور، ومخالطة الرِّجال، بالإضافة إلى تَغيير المناهج الإسلاميَّة.

وقد حظيتْ قضية المرأة بالنَّصيب الأوفرِ مِن جهود قُوى الشَّرِّ العالميَّة لمحاربة الإسلام، حيثُ تُعتبر المرأةُ نواةَ الأُسرةِ المسلمة، والتي هي نواةُ المجتمع المسلم، وإذًا فإنَّ كسرَ المرأة هو كسرٌ للأُمَّة الإسلاميَّة ككلٍّ.

ويَظهر ذلك واضحًا في التَّصريحات الشَّهيرة لرئيس وزراء بريطانيا الأسبق (جلادستون) حولَ قضية المرأة والحجابِ الإسلاميِّ، حيث قال: “لن يَستقيمَ حالُ الشَّرق الإسلاميِّ ما لم يُرفع الحجاب عن وجهِ المرأة، ويُغطى به القرآن”، كما قال (جلادستون): “إنَّ التَّأثير الغربي الذي يظهر في كلِّ المجالات، ويقلب رأسًا على عقبٍ المجتمعَ الإسلاميَّ، لا يبدو في جلاءٍ أفضلَ ممَّا يبدو في تحرير المرأة“.

ولذلك يرى المُفكِّر الإسلاميُّ الشَّيخ “جمال عبدالهادي[1] أستاذ التَّاريخ والحضارة الإسلاميَّة: أنَّ الهجمة على الحجاب هي جزءٌ من الحرب الشَّاملة ضدَّ الإسلام، بهدفِ تربية أجيالٍ بلا عقيدةٍ، ولا تُؤمن بفكرةِ المقاومة للمشروع الصِّهْيَوْني الأمريكي المستهدِف للعالَم العربيِّ والإسلامي، وإذًا فَمِن السَّهل احتلالُ الأوطان، وسَلْب الثَّروات، وتدمير كلِّ شيءٍ، فهي من وسائل تفكيك المجتمعات.

ويشير الشيخ “جمال عبدالهادي” إلى أنَّ الهجمة تستهدِفُ الإسلامَ الذي ما زال قادرًا على المحافظة على القِيَمِ والأخلاقيات، التي انعدمت لَدَى جميع التَّيَّارات، مِن أقصى الشَّرق إلى أقصى الغَرْب.

ويُؤكِّد على هذا المعنى الدَّاعيةُ الإسلاميُّ الشَّيخ “أسامة سليمان[2]، حيثُ يرى أنَّ الحرب على الحجاب هي جزءٌ من الحرب على الثوابتِ الإسلاميَّة؛ مثل الجِهاد، وتكفير أهل الكتاب، وتحريم الرِّبا، وتَعدُّد الزَّوجات.

وبطبيعة الحال كان هناكَ إهمالٌ وتقصيرٌ داخليٌّ، تَضافر مع التَّآمُر الخارجيِّ؛ لتخرجَ فتنةُ التَّبرُّج في النِّهاية.

 وعادتْ بعضُ العادات والمفاهيم الجاهلية لتستشريَ في المجتمعات المسلمة، ونتيجةً لذلك وقع ضررٌ بالغٌ على المرأة المسلمة، وتَقاعَس علماء المسلمين في هذه الفترة عنِ انتشالِ المجتمع، والعَودة به إلى الشَّريعة الصَّحيحة، بعيدًا عن الخُرافات والتَّقاليد الجاهلة.

وهكذا – وفي غياب المبادرة الإسلاميَّة للتَّصويب – وقعت قضية تحرير المرأة المسلمة في أيدي غيرِ الأمناء، ممَّن لا ينطلقون مِن أرضية أو تصوُّر إسلاميٍّ، وتَقدَّم كلُّ مَن “هبَّ ودبَّ”؛ ليدليَ بدَلوه في مسألة تحرير المرأة المسلمة: ما بين صَديقٍ جاهل، وعَدوٍّ ماكر، استطاع في نهاية الأمر – بعدائه ومَكرِه – أن يُكتِّل الصَّدِيقَ الجاهلَ إلى معسكره المعادي للإسلام، ويَستثمر جهلَه لضربِ معاقل المسلمات، وهَتْك سِترهنَّ، كجزءٍ من المخطَّط الأسودِ الشَّامل على كلِّ الأصعدة لضرب الإسلام والمسلمين، وإلغاءِ الشَّريعة لمنعِ انبعاثهم الحَتْمي رحمةً للعالَمين، ولو كَرِه الكافرون.

اقرأ أيضا  أن الحياة الحقيقية حياة الآخرة

 وفي مولد هذا الشِّعار البَرَّاق – تحرير المرأة – انفسح المجال أمامَ الرُّواد العِظام من تُجَّار الشَّنطة الثَّقافية، القادمين من أوروبا ومِن أمريكا أخيرًا؛ لِيَصولوا ويَجولوا، محمَّلين بأشكالِ وأنواعِ بضاعةِ الثَّقافة الغربيَّة، بموروثاتها الجاهليَّة الوثنيَّة الإغريقيَّة، ومعها نماذج المرأة الأوروبيَّة والأمريكيَّة، التي كانت قد نالتْ حُرِّيَّتَها حديثًا، مُتشكِّلة من رصيدٍ فكريٍّ واجتماعيٍّ ودينيٍّ خاصٍّ بها وحدَها، لا تنتمي إليه، ولا يمكن أن تنتميَ إليه المرأة المسلمة بحال[3].

مصر.. مهد الفتنة واستمرار الحملة

وتُعتبر مِصرُ النُّموذجَ الأوضحَ في حرب الحجاب بوصفه جزءًا من الحرب الشَّاملة على الإسلام، حيثُ ظهرتْ بذور الفتنة منذ أواخر القرن التَّاسعَ عشرَ الميلادي، ومنذ ذلك الحين والمعركة تَشْهد شَدًّا وجذبًا بين طرفي الصِّراع، حيث شهدت في البداية انحسارًا للتَّيَّار التَّغريبي أمامَ هجمات القوى المحافظة في المجتمع، ثم شهدت انتصارًا ملحوظًا لدُعاة التَّبرُّج والسُّفور، وذلك بعدَما سيطرتْ قُوَى اليسار والعلمانية على مقاليدِ الأمور في مِصرَ، ثم عادتِ الأمور لنصابها إثرَ انطلاق الصَّحوة الإسلاميَّة المباركة، والتي كان من ثمارِها بدايةٌ لعودة المجتمع المصريِّ إلى فطرته وأصله من جديدٍ، وأوضح الأمثلة على ذلك هو انتشارُ الحجاب.

عندما بدأتْ طلائع الصَّحوة الإسلاميَّة في مصرَ ركَّزت بشدة على عدَّة قضايا، رأتْ أنَّها من علامات التَّمايُز والإظهارِ للبعث الإسلاميِّ، فضلاً عن كونها مِن متطلبات الالتزام بالشَّرع الحنيف، وكان مِن أهمِّ هذه القضايا: الحجاب واللِّحية.

 وقد فَطِن أعداء الدَّعوة الإسلاميَّة لهذا المغْزَى جيِّدًا؛ فشنُّوا حربَهم الشَّعواء على هاتين الشَّعيرتين بزعمِ أنَّهما من قشور الدِّين، والتَّمسُّك بهما والحرب عليهما يدلُّ على السَّطحيَّة، مستغلِّين في ذلك بعضَ العلماء الرَّسميِّين من الباحثين عنِ الشُّهرة، أو مِن الحاقدين على دُعاة الصَّحوة الذين سَحبوا البِساط من تحتهم.

وعلى صعيدٍ متصلٍّ، شنَّتِ الأقلام الصحفيَّة الخبيثةُ الحملةَ على الحجاب واللِّحية، بوصفهما مِن العادات الجاهليَّة، وأنَّهما ليسا من الإسلام في شيءٍ، وأنَّهما دليلٌ على التَّطرُّف، وأنَّهما مجرَّد عادةً بدويَّة، مستوردة مِن دُول الخليج.

إلا أنَّ الله غالبٌ على أمره؛ فقد آتتْ جهودُ دعاة الصَّحوة ثِمارَها، وبدأ الالتزام بالشَّرع ينتشر في جميع طبقات المجتمع المِصريِّ، وتبع ذلك انتشارٌ للحجاب، حتَّى وصل الأمر إلى قِمَّة هرم التَّبرُّج متمثلاً في توبةِ المُمثِّلات، وانتشار الحجاب بينهنَّ.

 وصاحَب ذلك انحسارٌ لدُعاة الفِتنة، فلم يَعُدْ لهم تواجدٌ إلاَّ على صفحات بعض الجرائد والمَجلاَّت المشبوهة، والتي تُعاود الهجمةَ على الحجاب بينَ الحين والآخَرِ، تارةً بهدف الإثارةِ الصحفيَّة وزيادة التوزيع، وتارةً لمجرد إثباتِ الوجود، ومرَّاتٍ كثيرةً تكون تلك الأقلامُ مستأجرةً لحساب فئاتٍ  أخرى، تهدُف إلى تحقيق مكاسبَ سياسيَّةٍ.

السِّياسة حاضرة دائمًا

في هذا الصَّدد، يؤكِّد الكاتب الصحفيٌّ “جمال سلطان[4] – رئيس تحرير مجلة المنار الجديد – أنَّ الحربَ ضدَّ الحجاب في مصرَ لها أهدافٌ سياسيَّة، تتمثَّل في إرسال إشاراتٍ معينة للخارج تُفيد بأنَّ هناك أصحابَ تَوجُّهٍ حداثيٍّ وتَحديثيٍّ، يرغبون في نقل مصرَ من مرحلة التَّديُّن، والانتشار الإسلاميِّ إلى مسايرة القِيَمِ الغربيَّة، حيث يُريد أصحاب هذا التَّوجُّه تقديمَ أنفسهم للغرب باعتبارهم الأقربَ للتَّوجُّهات الغربيَّة.

في الشأن السِّياسيِّ أيضًا، يرى الشيخ “عبدالحي الفرماوي[5] – وكيل كلية أصول الدِّين بالأزهر، وعضو البرلمان السابق – أنَّ القُوى المناهضة للحجابِ والتَّابعة للغرْب تَعتبر انتشارَ المظاهر الإسلاميَّة مثل الحجاب يُمثِّل إظهارًا لقوَّة الإسلاميِّين ومدى انتشارهم، ممَّا يُمهدُ الطَّريق إلى سيطرةٍ إسلاميَّةٍ على الحُكم، وبالتَّالي إلغاء مبدأِ فَصْل الدِّين عنِ الدَّولة، والذي يَقتات العلمانيون به.

ويُشير الشَّيخ الفرماويُّ إلى أنَّ خوف العلمانيين يَتفق مع الهاجس الغربيِّ من تنامي المدِّ الإسلاميِّ في الدُّول الإسلاميَّة، ممَّا يُهدِّد المصالح الغربيَّة؛ لكنَّه يؤكِّد أنَّ حرب الحجاب في الغرب ليستْ بدوافعَ سياسيَّةٍ فقط، بل هناك دوافعُ عقديَّة دِينيَّة، تقف بقوَّةٍ وراءَ هذه الحملات، حيثُ يحمل غالبية الغربيين حِقدًا وكُرهًا للإسلام وأهلِه.

ويتَّفق الشيخ “جمال عبدالهادي” مع القول بأنَّ هناك أهدافًا سياسيَّةً وراءَ هذه الحرب، ويؤكِّد على أنَّ أهمَّ هذه الأهداف هو إبعادُ الرَّأي العام المسلم عن القضايا الرَّئيسة؛ مثل فلسطين والعراق، وما يَحدُث من مذابحَ وترويعٍ لفئاتٍ واسعةٍ من المسلمين، مُشيرًا إلى أنَّ جِراحاتِ الأُمَّة كثيرة؛ فلا يَشغلنا مُداواة جرحٍ عن جرحٍ آخرَ، فيجب أن ندافعَ عن قضية الحجاب، ولكن في الوقت ذاتِه لا ننسى القضايا الأخرى.

حرب الحجاب.. الصراخ على قدر الألم

بعيدًا عن الأهداف السِّياسيَّة الكامنة وراءَ حرب الحجاب في المجتمع المصريِّ، يَرى العديدُ من المراقبين أنَّ هناك وجهًا آخرَ لحرب الحجاب، حيث تَعتبر هذه تنفيسًا عن البُغض والحِقد مِنَ انتشار الالتزام، وأنَّ لدى الفئاتِ المعادية للإسلام رُعبًا كبيرًا من تزايُدِ المدِّ الإسلاميِّ في المجتمع؛ لذلك تلجأ تلك الفئات للهجوم على مظاهر الإسلام؛ مثل الحجاب.

وتشير هذه الرؤيةُ إلى قضيةٍ مهمَّةٍ جدًّا، يَغفُل عنها البعض عندَ التَّصدي لقضية حرب الحجاب، أو مهاجمة المظاهر الإسلاميَّة المنتشرة في المجتمع، ألاَ وهي أنَّ ثمار الصَّحوة المباركة قد آتتْ أُكلَها بشكلٍ بات يُزعج أعداءَ الدعوة ومبغضيها، وأنَّ هذه الثِّمارَ الطَّيِّبةَ قد أصبحتْ واقعًا راسخًا، ولم تَعدْ مجرَّد ظواهرَ طارئةٍ على المجتمع، وبالتَّالي لا يمكن اقتلاعُها بمجرَّد صُراخِ وعَويلِ بقايا العلمانيين وأقزامِ الصَّحافة والإعلام.

إنَّ ما يُنشر في الصُّحف الصَّفراء من مهاجمةٍ لشعائر الدِّين والعلماءِ والدُّعاةِ، لا يعدو – في كثيرٍ من الحالات – سوى صُراخٍ مِن فَرْط الألم الذي سبَّبه المدُّ الإسلاميُّ، ويلاحظ أنَّه كلَّما اشتدَّ الألم اشتدَّ الصُّراخ.

وقد بَدَا هذا المعنى بشدَّةٍ على لسان أحد زُعمائهم بقوله: “إنَّ ما يدفعني إلى توجيه اللَّوم، وبما في ذلك لوم أنفسِنا – ظاهرتان، غير طارئتين، ولكنَّهما تزحفانِ بسرعةٍ رهيبةٍ، في صمتٍ، ودونما مقاومةٍ حقيقيَّة، وفى ظلِّ تراخٍ كامل من النُّخبة المشغولة بجدلٍ عقيم في ملفات مختلفة، بينَما التَّطرُّف يختطف البلدَ في هدوء، ونحن نِيامٌ؛ وأعنى بذلك: الارتفاعَ الملحوظ في معدَّلات ارتداء قطاعاتٍ واسعةٍ من النِّساء للنِّقاب، الازدياد المطّرد بلا تَوقُّفٍ في اتِّجاه تحجيب الأطفال الإناث، اللاتي لم يَبلُغْنَ بعدُ…”[6].

وبصراحةٍ شديدةٍ، اعترف هذا الصحفي العلماني أنَّ التيار الإسلامي انتصر في معركةِ الحجاب، بل إنَّه تقدَّم خُطوةً إلى الأمام بجعل الجَدل السَّائد الآنَ في مصرَ يدور حولَ النِّقاب؛ لذلك فهو يُحاول تحريضَ السُّلطات المصريَّة ضدَّ الإسلاميِّين والنِّساء المحجَّبات بقوله: “ومِن الواجب أن تُبادرَ الحكومة إلى ما يقول به حِزبُها، وإلا فإنَّ الظاهرتين اللَّتين تكلَّمْنا عنهما في البداية سوفَ تُصبحان ظواهرَ أكبرَ وأعرضَ، وأكثرَ تَنوُّعًا، وأخشى ما أخشاه أن يذهبَ وزيرُ التَّعليم إلى زيارة إحدى المدارس الابتدائيَّة ذات يوم، فلا تدهشه أحجبةُ الأطفال، باعتبار ذلك سيكونُ أمرًا عاديًّا، وبالتَّالي يمكن أن يواجه سؤالاً من تلميذة تقول له: لماذا لم تُطلقْ لحيتكَ يا سيادة الوزير؟! ووقتَها أظنُّه سوف يبدأ في الجدل حولَ شرعيَّة هذا، ثم نَتناقش جميعًا في المسألة، إلى أن يطلق الوزير وكلُّ الوزراء اللِّحَى، وينتهي الأمر[7].

اقرأ أيضا  دعوة للتغيير قبل رمضان

لقد عبَّر هذا العلماني عن حقيقة المدِّ الإسلاميِّ، والذي يَغفُل عنها بعضُ الإسلاميِّين بدافع التَّشاؤم، أو بسبب الطُّموح إلى الأفضل، لكن لا بدَّ من نفضِ غبارِ هذا التَّشاؤُم ونشرِ رُوح التَّفاؤُل بينَ الدُّعاة وطلبة العِلم، تفاؤُل وفرح بثمار الجهود المتواصلة، تفاؤُل يدفع إلى المُضيِّ قُدُمًا في العمل، والبذل والعطاء، وتَرشيد المَسار، وتَصحيح الأخطاء، لا تفاؤل يُغذِّيه الغُرور الكاذب، والجهل بأنَّ المطلوب والمأمولَ أكبرُ بكثير.

 وبالعودة إلى صُراخ العلمانيين، نجد أنَّهم يعترفون بانحسارهم، وتَقوقعهم على صَفَحاتِ الجرائد، وتحت الشِّعارات الزَّائفة، مُعترفِين في الوقت نفسِه أنَّ الإسلاميِّين هم أصحابُ البذل والعطاء، بعيدًا عن الشِّعارات والتَّقوقع في الأبراج العاجية: “وهنا أنا لن أُهاجم خِطابَ التَّطرُّف، ولا مؤسَّساتِه ولا جماعاتِه، هذه قوى تَعرِف ماذا تفعل، لديها رِسالة محدَّدة، ومشروعٌ واضحٌ ومعلن، وتقوم عليه، ومِن ثَمَّ – وبكلِّ صِدق – لا لومَ عليها، وإنَّما اللَّوم يقع على أولئك الذين لا يقومون بأدوارهم، ويَنامون في العسل، ويَتحدَّثون عن شِعاراتٍ فارغة، بينما السَّلفيَّة تسحب البِساطَ من تحت الأقدام[8].

لذلك يرى الشيخ “جمال المراكبي[9]، رئيس جماعة أنصار السُّنَّة: أنَّ هناك حالةً من “الغيظ” بسبب انتشار التَّأثير الإسلاميِّ في المجتمع، ويقول: “مِن المعروف أنَّ بعض الأشياء – وإن كانتْ مِن المظاهر – تُثير قدرًا مِن الحَنَق والغَيْظِ والحِقد بينَ المختلفين عَقديًّا وأَيدلوجيًّا، ويَظهر هذا المعنى في قول الله – عزَّ وجلَّ – عن أصحاب النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ} [الأعراف:  128]، كما أنَّ إرغامَ الشَّيطان كان من أسباب سُجود السَّهو“.

 

فلنرَ النصف الممتلئ

عندَ كلِّ هجمةٍ على الثَّوابت الإسلاميَّة يغضب المسلمون، وحُقَّ لهم أن يغضبوا، فمتى يغضب المرء إن لم يغضب لدينه؟! لكنَّنا نريد الغضبَ الإيجابيَّ الذي يَدفع للعمل، لا الغضب الذي تلفُّه رُوح التَّشاؤُم والانهزاميَّة، لا بدَّ وأن نرى في كلِّ محنةٍ منحةً، لا بدَّ أن نرى النِّصف الممتلئ من الكأس دائمًا.
ويؤكِّد على هذا المعنى الشيخ “جمال المراكبي” بقوله: “إنَّ هذا صراعُ أفكارٍ وعقائدَ، والمسلمون أكبرُ المستفيدين مِن هذا الصراع؛ لأنَّ هناك مجموعةً كبيرةً من المسلمين النَّائمين المحيَّدين، فهذا الصِّراع يُوقظ فيهمُ الفِكْرة، ويُهيِّجُ فيهم النُّصْرة للإسلام، ودائمًا المسلم ينتصر لدِينه، حتَّى ولو كان عاصيًا”، وأضاف: “إنَّ ربَّ العِزَّة يسوق المقادير، وأرى أنَّ هذه الأشياءَ في صالح الدَّعوة الإسلاميَّة؛ لأنَّها دعوةٌ إلى الله، فالله يسوق المقادير لِتَصبَّ في صالح هذه الدَّعوة، وإيقاظ الأُمَّة“.

في السِّياق ذاته، يقول الشيخ “محمد عبدالمنعم البري[10] – رئيس جبهة علماء الأزهر، وعميد معهد الدِّراسات الحُرَّة بالأزهر -: إنَّ خيرَ أُمَّةٍ أُخرجت للنَّاس لن تَستيقظَ مِن غفوتِها إلاَّ بمثل هذا التَّدافُع الذي يَشحذ الهِممَ، ويُنبِّهُ على الخطر؛ وقد قال الله – سبحانه وتعالى -: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216]، كما قال – سبحانه -: {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].

ويُعبِّر الكاتب الصحفي “أمير سعيد[11] عن ضرورة رؤيةِ الإيجابيَّات في مثل هذه القضايا بقوله: “أنت مَعنِيٌّ بأنْ تفرحَ – رغمَ الحُزن لهمجيَّة الهجمة على الحجاب وعدوانيتها – لأنَّ جملةَ ما هاج المتنطِّعون بشأنه أو المستهزِئُون به هو مِرآةٌٌ لعجزِهم عن لجم هذه الأَوْبة الإيمانيَّة، ورغبتِهم في أن يُوقفوا سَريانَ مائها الرَّقراق، حتَّى لو شاب هذا الماءَ ما شابَ مِن حظوظِ النَّفس، وضَعْف المرأةِ أَمامَ إغراءاتِ التَّجدُّد المظهريِّ، وحب التَّجمُّل أمامَ الآخرين، ولا شكَّ أنَّ هؤلاء أعياهم مظهرُ سِتر شَعرِ الرَّأس، ولو اقتصر الأمرُ على ذلك، إذ يرونَه شارةً للتَّديُّن، وهو بذاته أكبرُ مُعبِّر عن عُمق الأزمة التي تلفُّ الغَربيِّين وأذنابَهم مِن التَّغريبيِّين“.

معركة خاسرة.. لكن لابد من المواجهة

يَرى الكاتبُ الصحفيُّ “جمال سلطان”: أنَّ المعركة التي تخوضها العلمانية ضدَّ الحجاب هي معركةٌ خاسرةٌ بكلِّ المقاييس؛ لأنَّ قضية الحجاب لم تَعدْ ظاهرةً، ولكنَّها أصبحتْ جزءًا من نسيج المجتمع المِصريِّ، حتَّى وصلتْ إلى عائلاتِ كثيرٍ من قادة الدَّولة، فلن تستطيعَ أن تبترها إلاَّ إذا بترتْ نسج المجتمع، وهذا غيرُ ممكن.

ويتفق الشيخ “جمال عبدالهادي” مع القول بأنَّها معركةٌ خاسرةٌ، وأنَّها قد حُسمت لصالح التيار الإسلامي، لكنَّه يُحذِّر من أنَّ معركة الحجاب هي إحدى معاركِ الحرب الشَّاملة ضدَّ الإسلام بشكلٍ كامل، مشيرًا إلى أنَّ القضية لن تقفَ عندَ حدِّ الحجاب.

كما يَرى الشيخ “أسامة سليمان”: أنَّها معركةٌ خاسرةٌ بالفعل، وما هذه الحملاتُ المُتكرِّرة ضدَّ الحجاب سوى “حلاوة روح”، وأنَّ جماهير المسلمين – قبل العلماء والدُّعاة – غاضبةٌ ومستاءةٌ من الإساءاتِ البذيئة للحجاب والمُحجَّبات.

نعم، إنَّ معركة الحجاب قد رفع التيار الإسلامي خلالَها راياتِ النَّصر، ممَّا أغاظ الأعداءَ، ودَفعهم إلى الصُّراخ، لكن من المؤكد أنَّهم لن يتوقَّفوا عن الكيد والتَّدبير، حتَّى تحين اللحظة التي يغفو فيها حاملو الرَّاية وحَرسُ الحدود؛ لذلك كان لزامًا التَّنبُّهُ واليقظةُ دائمًا، والتَّعرُّف على وسائلهم في إدارة المعركة.

كيف ندير المعركة؟

إنَّ مِن أهمِّ الوسائل التي يَتبعها مثيرو الفتنة، وأعداءُ الدعوة خلالَ حرب الحجاب: اللَّعبَ بالمصطلحات، واستغلال الخِلافاتِ والتَّناقضات بين بعض العلماء، فتارةً ترى صُحفًا ومَجلاَّت علمانية إلحاديَّة، معروفة بعدائها الشَّديد للدِّين والمتدَينين، تراها تفتح صَفحاتِها لبعض المنتسبين للعلم؛ للهجوم بأَقذع الألفاظ على النِّقاب بوصفِه عادةً جاهليَّةً بدويَّةً مستوردةً من الخارج، وأنَّ المجتمع المصريَّ محافظٌ بطبيعته على الحجاب (غطاء الرأس)، وأنَّ (غطاء الرأس) هو ما يدعو الإسلام إليه، وليس النِّقاب، وفي الأعداد التَّالية تَشُنُّ نفسُ الصُّحفِ هجومًا واسعًا ضدَّ الحجاب (غطاء الرأس) بوصفِه لباسًا طائفيًّا، يدعو إلى التَّفرقة بينَ أبناء الوطن، وأنَّه ليس من الدِّين في شيءٍ!

وفي إطار مواجهة هذه الحملات، يؤكِّد الشيخ “جمال عبدالهادي” أنَّ إدارة المعركة هي مِن مسؤولية الأئمَّة والعُلماء والدُّعاة، والمُدرِّسين في المدارس والجامعات، مشيرًا إلى أنَّ أُولَى الخُطوات هي بيانُ الحُكم الشرعيِّ بأنَّ الحجاب فريضةٌ شرعيَّةٌ، وضرورة حياتيَّة، وفطرةٌ ربَّانيَّة، ويخاطب الشيخ جمال العلماء بقوله: “يا عُلمَاءَ الأُمَّةِ يَا مِلْحَ البَلَدْ، مَن للأمة إِذَا المِلْحُ فَسَدْ“.

إلى جانب دَور العلماء والدُّعاة، يؤكِّد الشيخ “أسامة سليمان” على الدَّور المهمِّ لوسائل الإعلام في هذه المعركة، داعيًا إلى أفضلِ استثمار لهذه الوسائل؛ لمواجهةِ الحملة على الحجاب، وزيادة الوعي لَدَى جماهير المسلمين.

تأكيدًا على دَور العلماء، يقول الشيخ “جمال المراكبي: ” إنَّ الله – عزَّ وجلَّ – يَنصُر دِينَه بمثل هذا التَّدافُع؛ {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]، فيجب أنْ يَستثمرَ العلماءُ الدُّعاة هذه الإثارةَ استثمارًا جيِّدًا في تبصير النَّاس ودعوتهم للحقِّ؛ لأنَّ الحديث والتَّذكير بعد إثارة إعلاميَّةٍ يمكن أن يكون أكثرَ تأثيرًا، وأكثرَ بلاغًا.

اقرأ أيضا  الدراسات القرآنية ومظاهر العناية بها قديما وحديثا

وعلى المستوى الخارجي، يرى الشيخ “عبدالحي الفرماوي”: أنَّه يُمكن مواجهة الحملة بالحوار، ونشرِ القضية، والدِّفاع عن الحجاب باعتبارِه حُرِّيَّةً شخصيَّة، فيمكن استثمارُ المناخ الغربي الذي يسمح بالحوار والنقاش، ويُتيح قدرًا مِن الحرِّيَّة، ولو حاورناهم – كعلماءَ وحملةِ رسالة – يُمكن أن تَتغيَّرَ مواقفُهم بشكلٍ نسبيٍّ، وذلك على العكس من العلمانيين والمتغرِّبين في بلادنا الذين يَرفُضون الحوار، ويَمتلكون الإعلامَ الذي هو السِّلاح الأوَّل في هذه المعركة.

لذلك يرى الشيخ الفرماوي: أنَّ هناك مسؤوليةً كبيرةً تقع على عاتق أثرياءِ المسلمين لإنشاء قنواتٍ إعلاميَّةٍ مرئيَّةٍ، أو مسموعة، أو مقروءة، فهي معركةٌ إعلاميَّة بالدَّرجة الأُولى.

من جهته، يؤكِّد الشيخ “محمد البري” على ضرورة التَّمسُّك والالتزام بالثَّوابت الإسلاميَّة، بالإضافة إلى استخراج الحِكمة والفُروق بين المجتمع العاري والمجتمع المُهذَّب، المحافظ على الفضيلةِ والعفاف، والشَّرف والدِّين، وغرْس ذلك في الطُّفولة المؤمنة.

ولذلك يرى الشيخ البري أنَّ للأُمِّ – بصفة خاصة – والأسرةِ – بشكلٍ عامٍّ – دورًا مُهمًّا جدًّا في هذه المواجهة، فـ:
 

الأُمُّ  مَدْرَسَةٌ   إِذَا   أَعْدَدْتَهَا        أَعْدَدْتَ شَعْبًا طَيِّبَ الأَعْرَاقِ
 

فمِن خلال ذلك يخرج النَّبت المسلمُ الشَّريف الطَّاهر، ولا شكَّ أنَّ دور العلماء والدُّعاة مُهمٌّ في هذه القضية، فهُمْ مَن يوقظ الأُمَّهاتِ والآباءَ، الذين يقومون بالدَّور العمليِّ في بناء البيت المؤمنِ والجيل المسلم، والعلماء أيضًا هُمْ مَن يَتصدَّون للتَّغريبيِّين والعلمانيين بالحُجَّة والبرهان السَّاطع والإفحام، وبذلك يَنهزم وَيندحر شياطين الإنس والجِن.

وبينما يتفق الأستاذ “جمال سلطان” مع أهمِّيَّة دَورِ العلماء ووسائلِ الإعلام، إلاَّ أنَّه يرى أنَّ المواجهة على المستوى الفقهيِّ والشَّرعيِّ لا تَصلح وحدَها؛ ولكنَّها تحتاج إلى مواجهةٍ على المستوى السِّياسيِّ والفِكريِّ والثَّقافيِّ، ولا بدَّ أن تكونَ الخُطوة الأُولى والمِحوريَّة في هذه المواجهة هي كشفَ خلفيات هذه الحَملات الخبيثةِ، ومَن يُحرِّكُها في الخفاء.

في سياق آخر، يقول الدكتور “محمد مورو”: “إنَّه خلالَ المواجهة لا بدَّ من التَّفرقة بين العلماء، وبين أقزام الصَّحافة، وعدم وضْعِ كلِّ البَيض في سَلَّة واحدة، فلا بدَّ من تفكيك الجبهة المقابلة، كما يَرى أنَّه يُمكن جذبُ قُوى سِياسيَّةٍ واجتماعيَّة مِن خارج التيار الإسلامي للدِّفاع عن قضية الحجاب، وذلك مِن خلال المطالبة بمبدأ الحريَّة الشخصيَّة، وأيضًا بالإشارة إلى أنَّ الملتزمة بالنِّقاب تُمثِّل مقاومةً للمشروع الأمريكي الصِّهْيَوْني، حيثُ يُعتبر التَّحرُّرُ النَّفسيُّ والسُّلوكيُّ في المَلْبس والمَأْكل والعادات والتقاليد مِن أهمِّ مظاهر المقاومة، وهذا أمرٌ معروف لَدَى كلِّ حركات التَّحرُّر في العالَم، فهي ترفض زِيَّ الخصم، وسلوكَه، وقِيَمَه.

حرب الحجاب.. والقابضات على الجمر

القابضُ على دِينه كالقابض على الجَمر”، هذه الجملة التي لها شواهدُ من أحاديثَ نبويَّةٍ كثيرة، أصبحت شِعارًا لأهل الإيمان منذُ انطلاق الصَّحوة المباركة، ويَستشعر ذلكَ كلُّ مَن سلك طريقَ الحقَّ وَسْطَ ظلماتِ الباطل.

وعلى سطح الأمور، يبدو أنَّ الرِّجال هُمُ الأكثرُ قبضًا على الجمر في العصر الحديث، ففي الدُّول التي لا تلتزم بشرع الله – تعالى – تمتلئ السُّجون والمُعتقلات برِجالات الإسلام مِن مُختلف الأعمار، بينما تُضيَّقُ سُبُلُ الرِّزق أمامَ أصحاب السَّمت الظاهر، إلى غير ذلك مِن وسائلِ التَّضييق على أهل الدِّين.

وهذا صحيح بنسبةٍ كبيرة، لكنِّ النِّساء – في حقيقة الأمر – يُشاركنَ الرِّجال في القبض على الجَمر، فالزَّوجات والأُمَّهات والأخوات يُعانين مِنَ الصِّعاب ما يَعجز القلمُ عن وصفه، ولكنَّهنَّ كثيرًا ما يَصبِرْنَ، ويَقبضْنَ على الجمر.

ومؤخَّرًا إثرَ فتنة الهجوم على الحجاب حيثُ تركَّزت حرب الإسلام باتجاه المرأة – ظنًّا منهم أنَّها الحلقةُ الأضعف، والثَّغرُ الأقرب في المواجهة مع الإسلام – أصبحتِ المرأةُ في مواجهةٍ مباشرةٍ مع أعداء الإسلام بشكلٍ أكثرَ وضوحًا، وأصبحتِ المرأةُ المسلمةُ هي الأكثرَ معاناةً وقبضًا على الجمر.

 لذلك كان لزامًا على الدُّعاة والمُربِّين عدمُ الغرق في المواجهة الفِكريَّة الإعلاميَّة مع مثيري الفتنة، وعدم الانشغال بذلك كُليًّا عنِ التَّوجُّه إلى النِّساء اللاتي يتعرضنَ للحرب بشكلٍ سافرٍ، يصل إلى حدِّ انتزاع الحجاب بالقوَّة والتَّحرُّش، والتَّضييق والتَّهكُّم والسُّخرية، فالنِّساء يَخُضنَ المعركة بشِقَّيها؛ الماديِّ والنَّفْسيِّ، وليس مجرد معاركَ فكريَّةٍ في وسائل الإعلام.

وحولَ الخِطاب الواجبِ توجيهُه إلى النِّساء في هذه المرحلة، يقول الشيخ “جمال عبدالهادي”: “يجب أن نَحثُّهنَّ على الصَّبر والتَّمسُّك بما هنَّ عليه من فضيلةٍ وطهارة، ونُذكِّرُهنَّ دائمًا بقوله – تعالى -: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا[12]، وقوله – تعالى -: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ[13]،وقوله – تعالى -: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 43].

ويؤكِّد الشيخ “جمال المراكبي” أنَّ الضَّرر النَّفْسيَّ الذي تتعرض له المُحجَّبات جَرَّاءَ هذه الحملات، إنَّما هو نوعٌ من التَّمحيص الذي يقع على المُلتزم بسببِ التزامه، فهذه هي ضَريبةُ الالتزام؛ {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]، ويطالب الأخواتِ بالتَّأثير، والدَّعوة بالخُلق أكثرَ من التَّأثيرِ بالهيئة أو الزِّي، فالأختُ لا بدَّ أن تكون داعيةً بِزِيِّها وسلوكِها.

ويقول الشيخ “محمد البري”: أوصي بناتي جميعًا اللائي رَفع الله شأنَهنَّ في كتابه، وعلى لِسان نبيِّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – بأنَّ عليهنَّ دَينًا كبيرًا تُجاهَ هذه الرِّسالة، التي شمخت بمكانتهنَّ إلى فوق السَّحاب، فعليهنَّ أنْ يُؤدينَ الأمانةَ، وأن يحفظنَ الحُصون الإيمانيَّة.

ويتَّفِق العلماءُ والدُّعاة على ضرورةِ تأكيد خطاب الصَّبر المُوجَّه للنِّساء؛ بل يؤكِّد بعضُهم أنَّ بعض النِّساء – حاليًّا – أفضلُ من الرِّجال، وأنَّ مواقفهنَّ الصلْبة المُتمسِّكة بالشَّرع هي أكبرُ دافعٍ للرِّجال على الصَّبر، والقبض على الجمر، ويُطالب العُلماءُ الرَّجالَ بالصَّبر مثل القابضات على الجَمر.

 ــــــــــــــــــــ

[1]   مقابلة خاصة.
[2]  
مقابلة خاصة.

[3]   صافيناز كاظم، “خواطر مسلمة.. في معركة السفور والحجاب“.

[4]   مقابلة خاصة.
[5]  
مقابلة خاصة
[6]  
عبدالله كمال، مقال رئيس التحرير، مجلة روزاليوسف، السبت 1/11/2006
[7]  
عبدالله كمال، المقال السابق
[8]  
عبدالله كمال، المقال السابق.
[9]  
مقابلة خاصة.
[10]  
مقابلة خاصة.
[11]  
مقابلة خاصة.

[12] [الفتح: جزء من الآية 29].

[13] صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، من حديث أبي سعيد الخدري: ((إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؛ ثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ على ما اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كان صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلاتَهُ، وَإِنْ كان صَلَّى إِتْمامًا لأَرْبَعٍ كانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ)).

 المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.