جوع وكآبة وثلج وأحلام

أكرم السواعير

الجمعة 17 صفر 1435 الموافق 20 كانون الأول / ديسمبر2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).رش

يتمدد على الفراش الناعم، الجو مترع بالدفء، المعدة ممتلئة، الأولاد يتراكضون فرحين بخدود محمرة من الحرارة، تجتاح وجهه سحب من الكآبة ترسمها أخبار سوريا، فاللاجئون يعانون الأمرين من الجوع والثلج والغربة، وعمليات المساعدة لا تكفي مئات الألوف من المنكوبين، وأخبار الجبهات في الداخل غير سارة فالنظام بتكتلاته وإمداداته والكيد العالمي يخنق مناطق السنة ويطبق عليها ويحاصرها في الثلج، وتقوم ميليشيات النظام بذبح الأطفال والنساء والشيوخ، يحاول البعض إيصال بعض الأغذية فلا يستطيعون، يحاول بعضهم تطيير سرب من الحمام باتجاههم فلعه ينزل على المحاصرين فيصطادونه ويأكلونه، يتذكر فتاوى القطط فيطرد الصورة من ذهنه، تقفز رايات المجاهدين المختلفة والفرقة التي تضعفهم والخلافات والجهل والمسارعة لقطف الثمار ومقاتلة المنافسين على نفس الخط، تقفز لذهنه كلمة(داعش) فتنتابه قشعريرة وهو يتذكر المذبوحين ذبحا ممن يخالفهم من المجاهدين، لا أدري من أين أتوا بهذا الأسلوب ولماذا يصورون المشهد الذي يجرح الأرواح والقلوب والعيون. يقفز لذهنه سؤال: لماذا لا تنتقل المعركة لقرى الطائفيين ومدنهم؟ تتقافز حوله الأجوبة: الفرقة، الجهل، التخاذل، غياب الدول المسلمة والشعوب السنية التي تساند وتعدل الكفة.
يتذكر مصر والعملاء الذين سرقوا إرادة الشعب المسلم وسجنوا القيادات الصالحة، تقفز لذهنه التهم المعلبة الغريبة التي توجه للصالحين البرآء من مثل إهانة القضاء المهان، والتخابر مع حماس. تقفز لذهنه فكرة يرتاح لها: أصحاب الكراسي يتخابرون مع الأعداء والشياطين والقرود ويتلقون منهم الأوامر والخطط وكيفية الحركة والإدارة، ثم يمدون أصابع الاتهام نحو الصالحين. يقومون بقتل الشباب وإسالة دمائهم في الساحات والشوارع والميادين والجامعات ثم يتهمون الثائرين بأنهم يقتلون بعضهم بعضا. ما أقبح الطغيان وما أشد سواده وما أقل حياءه.
تقفز لذهنه شوارع غزة التي شكلت بحيرة غريبة تحت تأثير المنخفض والسدود التي فتحتها إسرائيل لتغرق القطاع وتدمر أنفاقه وتزيد من أعباء حكومة المقاومة، حتى وصلت المياه في بعض الشوارع لارتفاع أربعة أمتار، حرب صهيونية جديدة، وجيران من نفس الدين يساهمون في الحصار ويزيدون الأعباء ويخنقون إخوانهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يسمع طرقا على الباب فتدخل زوجته بصينية من الأرز واللحم مغطاة باللوز من جيرانهم الطيبين، ثم صينية من الكيك من عائلة أخرى، فيعترض على زوجته بأننا مرتاحون ماليا وسعداء، فترد بأن هذه عادات الطيبين الذين يتفقدون جيرانهم بما يعرف (بالطعمة).
يستيقظ على دفعات من زوجته وهي تصرخ: يا زلمة قوم، دائما نائم، الدخنة صدعت رؤوسنا والأولاد ماتوا من الجوع، دبر حالك، دبر لنا أكلة، خبز، بندورة، أي شيء يسد الجوع.
يستيقظ بتثاقل، يلمح من خلال سحب الدخان أولاده الباكين الجوعى المتكومين، ولا يرى طعاما ولا كيكا كما في أحلامه، يحس بصداع من دخان الخشب المحروق، فيحمل السطل ذي الرماد والجمر ويضعه خارجا، يدس قدميه في الحذاء الكبير الخالي من الأربطة، ويقذف بنفسه خارج البيت، فيلفحه الهواء الجليدي ويصدمه مشهد الثلج الأبيض الطاغي والصوف الأبيض الهابط من السماء، لا يفرح بالمنظر فالمعدة الفارغة لا تنصت ولا تتذوق الجمال، يتفقد جيوبه فلا يجد شيئا، الشهر في منتصفه وراتب التقاعد بعيد، بيوت الجيران موصدة، فمن الذي يخرج في مثل هذا الطقس، يمر متثاقلا أمام البقالات التي امتنعت عن إقراضه حتى يسدد الحساب، لا يدري ماذا يفعل، يقرر أن يستمر ماشيا في الثلج حتى يسقط على وجهه نعم على وجهه.

اقرأ أيضا  أميركا تنتخب.. والعالم يترقب ساعة الحسم

المصدر: السبيل

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.