كيفيات قراءة القرآن الكريم

الثلاثاء،12 ربيع الاول 1435ه الموافق 14 كانون الثاني /يناير2014م وكالة معراج للأنباء “مينا”.

الشيخ محمود خليل الحصري

وهو تجويد كلماته، وتقويم حروفه، وتحسين أدائه، بإعطاء كل حرفٍ حقَّه، ومنحه مستحقَّه من الإجادة والإتقان، والتحقيق والإحسان.
ولا يكون ذلك إلا بتصحيح إخراج كلِّ حرفٍ من مخرجه الأصلي المختصِّ به، تصحيحًا يمتاز به عن مُقارِبِه، وتَوْفِيَة كلِّ حرفٍ صفته المعروفة به توفيةً تُخرجه عن مجانِسه، مع تيسير النطق به على صفته الحقيقية، وهيئته القرآنية.
ومع العناية بإبانة الحروف، وتمييز بعضها من بعض، وإظهار التَّشديدات، وتحقيق الهَمَزات، وتوفية الغُنَّات، وإتمام الحركات، والإتيان بكلٍّ من الإظهار والإدغام والقَلْب والإخفاء على حقيقته التي وردت عن أئمَّة القرآن.

ومع تفخيم ما يجب تفخيمه من الحروف، وترقيق ما يجب ترقيقه منها، وقَصْر ما ينبغي قَصْرُه، ومَدِّ ما يتعين مدُّه، ومع ملاحظة الجائز من الوقوف، والممنوع منه؛ ليوقَفَ على ما يصحُّ الوَقْف عليه، ويوصَلَ ما لا يصحُّ الوَقْف عليه.

على أن يكون ذلك كله من غير تشدُّق ولا إسراف، ولا تصنُّع ولا اعتساف، ولا خروج عن الجادَّة إلى حدِّ الإفراط الذي قد ينشأ عنه تحريك السواكن، وتوليد الحروف، وتكرير الراءات، وتطنين النونات بالمبالغة في الغنَّات، إلى غير ذلك مما ينفر منه الطَّبْع السليم، ويأباه الذَّوْق المستقيم.

اقرأ أيضا  رسول الله صلى الله عليه وسلم وركانة

وعلى أن يكون ذلك كلُّه – أيضًا – في تؤدةٍ وطمأنينةٍ، وبُعْدٍ عن الإسراع والعَجَلَة.

وهذه الكيفيَّة هي التي نزل بها القرآن الكريم، وهي المرادة من الترتيل الذي أمر الله به نبيَّه محمدًا – صلى الله عليه وسلم – في قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 4].

الكيفية الثانية؛ التحقيق:

وهو كالترتيل في جميع ما ذُكر؛ غير أنه أكثر من الترتيل تُؤدَةً، وأشد طمأنينةً، وأبعد عن العجلة والإسراع[1]، وهو الذي يُستحسن في مقام التعليم، ويُستحب حال التلقِّي والأخذ عن الشيوخ.

والتحقيق مذهب حمزة ووَرْش من غير طريق الأصبهاني عنه[2]، ومذهب ابن عامر وعاصم من بعض الطرق عنهما.

الكيفية الثالثة؛ الحَدْر – بسكون الدال – وهو الإسراع:

وهو كالترتيل في مراعاة جميع الأحكام؛ غير أنه يكون مع السرعة في القراءة، ويجب التحرُّز فيه عن بَتْر الحروف، ونَقْص الغُنَّات، واختلاس الحركات، والتفريط إلى حدٍّ لا تصحُّ به القراءة؛ فإن ذلك محرَّمٌ شرعًا.

والحَدْر مذهبُ مَنْ قَصَر المنفصل؛ كابن كثير، وأبي عمرو، ويعقوب، وأبي جعفر، وقالون، والأصبهاني عن وَرْش.

اقرأ أيضا  حكم التوسل بغير الله

الكيفية الرابعة؛ التدوير:

وهو كالترتيل أيضًا في القواعد والأحكام؛ بَيْدَ أنه يكون في حالٍ وسطٍ بين التُّؤدَة والسرعة، وبين الطمأنينة والعَجَلة؛ فيكون وسطًا بين الترتيل والحَدْر.

والتدوير هو الذي ورد عن أكثر الأئمة ممَّن روى مَدَّ المنفصل ولم يبلغ فيه حدَّ الإشباع، كابن عامر والكسائي؛ قال في “النَّشر[3]: “وهو مذهب سائر القرَّاء، وصحَّ عن جميع الأئمَّة، وهو المختار عند أكثر أهل الأداء”؛ انتهى.

وما ذكرناه من تخصيص كلِّ كيفيةٍ ببعض القرَّاء هو الغالب على قراءتهم؛ وإلاَّ فكلُّ القرَّاء يجيز كلاًّ من الكيفيات الأربع،، والله تعالى أعلم.ا


[1] جعل ابن الجَزَري في “النَّشر” (1: 205 – 208) كيفيات القراءة ثلاثة؛ هي: التحقيق والتدوير والحَدْر. وجعل (التحقيق) نوعًا من (الترتيل)؛ بمعنى أن الترتيل أعمُّ من التحقيق؛ فالترتيل يشمل الكيفيات الثلاث.

وقال في (1: 209): “وفرَّق بعضهم بين الترتيل والتحقيق: أن التحقيق يكون للرياضة والتعليم والتمرين، والترتيل يكون للتدبُّر والتفكُّر والاستنباط؛ فكل تحقيقٍ ترتيل، وليس كل ترتيلٍ تحقيقًا“.

وفي (التمهيد: ص 49): “الترتيل يكون للتدبُّر والتفكُّر والاستنباط، والتحقيق يكون لرياضة الأَلْسُن، وترقيق الألفاظ الغليظة، وإقامة القراءة، وإعطاء كلِّ حرفٍ حقَّه من المد، والهمز، والإشباع، والتفكيك، ويؤمَن معه تحريك ساكن، واختلاس حركة… “. قال: “وقال الدَّانِيُّ: الفرق بين الترتيل والتحقيق: أن الترتيل يكون بالهمز وتركه، والقَصْر لحرف المدِّ، والتخفيف، والاختلاس، وليس ذلك في التحقيق. وكذا قال أبو بكر الشذائي“.

اقرأ أيضا  المحافظة على العمل الصالح في عشر ذي الحجة

[2] الأصبهانيُّ: هو محمد بن عبدالرحيم بن إبراهيم، أبو بكر الأسدي الأصبهاني، صاحب رواية وَرْش عند العراقيين، إمامٌ ضابطٌ ثقةٌ مشهورٌ، نزل بغداد، وأخذ قراءة وَرْش عن سليمان ابن أخي رشدين، وعامر الجرشي، ومواس بن سهل.. وغيرهم. روى عنه: ابن مجاهد، وأبو بكر النقاش، وهبة الله بن جعفر.. وغيرهم.

وطريق الأصبهاني تنفرد عن الأزرق بعدم الترقيق في الراءات، والتغليظ في اللاَّمات، والإمالة والمدّ الطويل.

وكان إمام أهل عصره في قراءة ورش عن نافع، توفِّي ببغداد سنة 296هـ،، رحمه الله تعالى. من (غاية النهاية: 2/ 169).

[3] 1: 207.

المصدر: أحكام قراءة القرآن الكريم

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.