المصادر الشرعية للعقيدة الإسلامية

الإثنين،6جمادى الثانية1435 الموافق7نيسان/أبريل 2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا“.

أبو الحسن هشام المحجوبي و وديع الراضي

المصادر الشرعية للعقيدة الإسلامية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:

العقيدة لغة هي الجمع بين أطراف الشيء جمعا محكما، أقول عقدت الحبل إذا جمعت بين طرفيه، ونقول عقد النكاح لجمعه بين المرأة والرجل برابطة الزواج. وشرعا هي كل ما عقد القلبُ على تصديقه من أمور الإيمان وشرائع الإسلام وصفات الرحمان وخبر السنة والقرآن تصديقا جازما من غير شك. فهي مبنية على تصديق خبر الله ورسوله بفهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115]. وقد اتفق علماء أهل السنة والجماعة على أن العقيدة الإسلامية تؤخذ من ثلاثة مصادر جُمعت في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59]. فالأمر بطاعة الله أمر باتباع القرآن، والأمر بطاعة الرسول أمر باتباع السنة، والأمر بطاعة أولي الأمر أمر باتباع إجماع علماء الأمة.

 

المصدر الأول: القرآن الكريم، وهو لغة المقروء وشرعا هو كلام الله المعصوم المعجِز المبدوء بالفاتحة والمنتهي بالناس، المنزل على قلب النبي – صلى الله عليه وسلم- بواسطة جبريل عليه السلام في ثلاث وعشرين سنة مفرقا على حسب الحوادث. فهو الأصل الأول لاستمداد العقائد، قال سبحانه وتعالى: ﴿ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة: 15، 16]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ [النساء: 136]، أي اعتقدوا جميع ما جاء في القرآن. وقال -صلى الله عليه وسلم-: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي“.

اقرأ أيضا  سيد الاستغفار

 

المصدر الثاني: السنة النبوية الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، السنة لغة هي الطريقة المعتادة، نقول السنن الكونية أي الطرق والقوانين المعتادة، وشرعا هي ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأقوال والأفعال والتقريرات والصفات الخِلقية والخُلقية. مثال الأقوال: قال -صلى الله عليه وسلم-: “خذوا عني مناسككم”، ومثال الأفعال: قالت عائشة رضي الله عنها: “كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم الليل حتى تتفطر قدماه” ومثال التقريرات: أُكل الضّب بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فسكت عن ذلك، ومثال الصفات الخِلقية: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: “كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس وجها وأحسنهم خُلقا، ليس بالطول البائن ولا بالقصير”، ومثال الصفات الخُلقية: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان“.

اقرأ أيضا  السبيل إلى الحج المبرور

 

والسنة النبوية الصحيحة وحي مثل القرآن الكريم تُبيّن مُجمله وتخصص عامّه وتُقيّد مُطْلقه، بل جاءت بعقائد وأحكام كثيرة لم تذكر في القرآن الكريم كخروج الإمام المهدي رضي الله عنه في آخر الزمان وبيان كثير من أشراط الساعة وأحوال الموتى في القبور وغير ذلك، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب: 34]، والحكمة في هذا السياق هي السنة النبوية، وقال سبحانه وتعالى: ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء: 105] “وقال تعالى ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44] أي لتبين للناس بالسنة ما نزل إليهم من القرآن” وقال -صلى الله عليه وسلم-: “عليكم بسنتي”، وقال أيضا “ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه”، وقال أيضا: “تركتم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك”. قال الإمام مالك: “السنة سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق”، وقال بعض السلف -كما ذكر ذلك الإمام البربهاري في كتابه شرح السنة-: “القرآن أحوج للسنة من السنة للقرآن” لأن القرآن الكريم في أغلبه مجمل يحتاج إلى بيان عقائده وأحكامه، وأما السنة فهي مفصلة مبيَّنة.

 

المصدر الثالث: الإجماع، وهو لغة الاتفاق ويأتي أيضا بمعنى القصد، أقول أجمعت الصيام إذا نويته، وشرعا هو اتفاق علماء الأمة على أمر ديني وله شروط:

اقرأ أيضا  كيف أساعد أطفالي على حفظ القرآن الكريم؟

الشرط الأولأن يكون الاتفاق بين العلماء إذ لا عبرة بخلاف غير العلماء على القول الراجح.

 

الشرط الثانيألا يخالف عالِم بالدليل، فإن خالف بغير دليل لا عبرة بخلافه.

 

الشرط الثالثأن يكون الاتفاق في أمر شرعي، فالأحكام العقلية كالرياضيات والأحكام التجريبية كالطب والأحكام الوضعية كقواعد اللغة والتجويد لا تدخل في الإجماع. 

ولا بد للإجماع من مستند قرآني أوحديثي سواء كان عندنا معلوما أو غير معلوم لأن الحق في الشرع يأتي من الوحي (الكتاب والسنة)، قال تعالى: “وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا”، وقال – صلى الله عليه وسلم-: “لا تجتمع أمتي على ضلالة”. ومن أمثلة الإجماع في العقيدة أجمع العلماء على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل الأنبياء والمرسلين، وأجمع العلماء على أن من طعن في خلافة عثمان فهو ضال مضل.

 

نسأل الله عز وجل أن يتقبل أعمالنا ويجعله خالصا لوجهه الكريم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصدر: الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.