بدون مقدمات: لماذا يهاجم الصهاينة القدس؟
الأربعاء،8جمادى الثانية1435ه الموافق9نيسان/أبريل2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا“.
خباب بن مروان الحمد
وبدون مقدِّمات للمقال كذلك، فمن المعلوم أنَّ المؤسِّس لما يسمَّى بإسرائيل “ديفيد بن غوريون” قال: “لا قيمة لليهود بدون إسرائيل، ولا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل“.
وعليه؛ فالصهاينة يحاولون طمس معالم الهُويَّة الإسلامية للقدس، وهنالك حملة قذرة في تهويد القدس، ومن ذلك:
1- محاولة طرد السكان المقدسيين من أرض القدس وإخلاء دورهم، وبناء المغتصبات (المستوطنات) في القدْس الشرقية؛ إذ بنيت أكثر من 45 مغتصبة استيطانيَّة بعد احتلال القدس عام 1967م، وبلغ عدد سكَّان هذه المغتصبات لعام 2009 أكثر من ربع مليون نسمة.
بل أكدت الدراسة التي أعدها مركز الأبحاث التطبيقية بالقدس “أريج“: أنَّ سلطات الكيان الصهيوني عزَّزت المخطط الاستيطاني في الضفة الغربية من خلال تكثيف البناء العشوائي، وفرض سياسات التضييق بحقِّ الفلسطينيين، لاسيَّما في مدينة القدس المحتلَّة.
فالمشروع يهدف إلى تهويد القدس، وجعلها رأس وقلب دولة “إسرائيل”، مقابل تَخفيض عدد العرب إلى 12% عبر الإجراءات والممارسات العدوانيَّة، مشيرًا إلى أنَّ وتيرة الحركة “الاستيطانية” في القدس المحتلَّة آخذة في التسارع كردٍّ صهيوني على إعلانها عاصمة للثقافة العربية.
2- هدْم بيوت الكثير من المقدسيين وجرف منازلهم، بأدْنى الحجج وأتْفه الأسباب، ففي ضمن خطَّة تهويد القدس قرَّرت بلدية القدس المحتلَّة إخلاء 115 بيتًا بحي البستان، في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى؛ بحجَّة أنَّها بُنيت بغير ترخيص.
وهنالك طرُق وأحاييل من مكْر يهود يفعلونها لإغْراء المقْدسيين بالقبول بالتَّعويض؛ لكي يستولي اليهود على بيوتهم، فقد ذكرت مصادر صحفيَّة أنَّ مسؤول ملف القدس الشرقية في مجلس بلديَّة القدس الصهيوني “يكير سيغب” التقى سكَّانًا من بلدة سلوان، وعرَض عليهم إمكانيَّة إخلاء منازلهم طوعًا وتعويضهم بسكن بديل، لكنَّه عاد ونفى أن تكون هناك تعْويضات وإنَّما هو مجرَّد حديث.
ولهذا نجد أنَّ سكان حي البستان جنوب المسجد الأقصى أصبحوا اليوم في دائرة الخطر الحقيقي، خصوصًا بعد أن ألغت اللجنة اللِّوائيَّة للتَّنظيم والبناء الصهْيونية المخطَّط الذي كان قد قدَّمه أهالي الحي، وقد جاء هذا الإلغاء نتيجة مصادقة اللَّجنة المذكورة على مخطَّط آخر لنفس المنطقة قامت بإعداده بلدية الاحتلال، وبموجب المخطَّط الجديد سيتم إزالة القسم الأكبر من حي البستان، وتشريد سكَّانه البالغ عددهم 1500 مواطن، وتجريف الحي وتحويله إلى حدائق عامَّة، وذلك ضمن مخطط واسع يهدف إلى تهويد محيط المسجد الأقصى، أو ما يُعرف بـ“الحوض المقدس“.
3- تكثير النسل الصهيوني للإقامة في أرض القدس، ومحاولة التعرُّض للمقدسيين بالكثير من الضغوط والمضايقات؛ لثَنْيهم عن الثبات في أراضيهم، ولعلَّ خير ما يشهد على ذلك الأستاذ “خليل التفكجي“، مدير دائرة الخرائط بجمعية الدراسات العربية، حيث يقول: “إسرائيل تستهدف من وراء هذه السياسة تقليص الوجود العربي إلى أقلَّ من 22% من إجمالي سكَّان القدس الشرقيَّة، ولضمان تنفيذ ذلك وضعت قانونين، الأوَّل هو قانون المصادرات، وبموجبِه صادرتْ مئات الدونمات من الأراضي”، وبحسب التفكجي، تفيد الإحصائيات الرسمية بأنَّ عدد الوحدات السكنيَّة المملوكة للفلسطينيين في القدس يبلغ الآن نحو 38 ألف وحدة، مقابل 62 ألف وحدة لليهود.
4- محاولة اختِلاق اليهود لبعض القصص الكاذبة أو الأعْمال التي يكون في ظاهرِها نوع من العنف ضدَّهم، فيحاولون أن يستغلّوا هذه الأحداث لكي تأْتي هذه الأمور في صالحهم.
5- تغاضي المجتمع الدولي عن الحالة الكارثيَّة في عمليَّة التعديل الديمغرافي، بإسكان اليهود أماكن الفلسطينيين التي كانت لهم أصالة، ونزْع حقوقهم، دون أيِّ إيقاف لهذه الجهود.
6- يُحاول الصهاينة تحويل بعض جهات المسجد الأقْصى والحيطان المحيطة به إلى مكان للسياحة؛ تدرُّ أرباحًا هائلة على دولتهم المزعومة، ولديهم الآن خطَّة يسعون للقيام بها لما يسمّونه بالحوض المقدس، والذي سيقام على أراضي سلوان، ومن الأهداف المعلَنة لهذا المشروع: تنمية مجال ما يسمَّى (الحوض التاريخي) المقدَّس لليهود لاستيعاب و “جذب سياحي” لـ10 ملايين زائر، وتجنيد واستثمار نحو 2 مليار شيكل جديد في خطَّةٍ يتم تنفيذها لست سنوات، وتجنيد معظم “الشعب اليهودي” في حثِّ تنمية المشروع؛ أي: الاعتراف الضمني بحقوق اليهود في الحوض المقدَّس الذي – حسب التعريف الصهيوني – يشمل (المسجد الأقصى المبارك).
7- سرقة بعض الحجارة القديمة التاريخية والأثريَّة قرب باحة الأقْصى، وقد أكَّد ذلك مؤسَّسة الأقصى للوقْف والتراث، بأنَّ الافتتاح الرسمي لحديقة أثريَّة تهويديَّة في مبنى الكنيست تضم حجارة مسروقة من المسجد الأقصى المبارك؛ وذلك بدعوى أنَّها حجارة تعود إلى المعبد اليهودي المزعوم، ما يدل على أنَّ هذه الجرائم الصهيونية التي ترتكب جهارًا نهارًا تتصاعد وتزداد يومًا بعد يوم في ظلّ السكوت العربي العجيب.
وللعلم فقد صدرت عدَّة تقارير، وكان من أواخرِها التقرير الصَّادر عن مكتب تنسيق النَّشاطات الإنسانيَّة التَّابع للأمم المتَّحدة مؤخَّرًا، والَّذي ذكر فيه بكل وضوح أنَّ ما يسمَّى بإسرائيل تُمارس جريمة تطْهير عرقي في القدس، وحسَب تقرير الأمم المتحدة فإنَّه سوف يرحل على شكل تدريجي قرابة ستّين ألف فلسطيني من مدينة القدس وتهدم منازلهم، وهذا يعدّ جريمة من جرائم القانون الدولي، حيثُ تصنّف المادَّة 49 من اتّفاقية جنيف الرَّابعة للعام 1949، والفقرة 1 (د) من المادَّة 7 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدوليَّة – الطرد القسري، سواء كان فرديًّا أو جماعيًّا، بأنَّه “جريمة ضدَّ الإنسانية“، بحسب وصف أحد المختصّين في هذا المجال.
نشاطات صهيونيَّة تحت الأقصى:
كلّنا يعلم مدى كيد الصهاينة وغلّهم من المسجد الأقصى، وعملهم على إفنائه وتدْميره بشتَّى الوسائل، فتارةً يعْمدون إلى إحراقه، وحينًا يعملون على إقْناع العالم كله أنَّ المساحة المسمَّاة بمسجد قبة الصَّخرة – والَّتي هي جزء من المسجد الأقصى – هي نفسها المسجِد الأقصى؛ حتى يتركز اهتمامُنا على حمايتها دون سائر أجزاء المسجد، والآن هم مستمرُّون في حفريَّاتهم تحت المسجد الأقصى بحجَّة البحث عن هيكلهم المزْعوم، وهم للحقيقة قوم يحسنون صناعة الحدث، والتَّلاعُب بالحدث، واستِغْلال الحدث كذلك، ولقد قال يومًا أحد المفكِّرين الإسلاميين كلمة لا زالت تقرْقِر في أُذني وهي أنَّه: في السابق انتصر اليهود علينا مستغلِّين جهلنا، واليوم ينتصرون علينا مستغلين عجزَنا.
وهذا هو الواقع، فاليهود الآن مستمرّون في الحفريات تحت المسجد الأقصى، وهم يستثمرون حالة العجْز والخور والهوان التي يعيشها العالم العربي والإسلام، وهم قبالة ذلك يفعلون أفعالاً جبَّارة لكي يتهيَّأ المناخ المناسب والوقْت المناسب لهدْم المسجد الأقصى، وانهيار أساساته التحتيَّة، ولعلَّ من أهمِّ النَّشاطات التي يقوم بها يهود الصهيونيَّة تجاه المسجد الأقصى ما يلي ذكره:
1- الحفريات العديدة تحت المسجِد الأقصى المبارك، وهذه الحفريَّات في الجهة الغربية للمسجد الأقصى المبارك، وتحتوي على أكثر من عشرة مواقع، ولعلَّ من أبرزها نفقَ (سلسة الأجيال) وهو نفق افتُتِح في 22 /6 /2009م، وذلك بعد أكثر من ستّ سنوات من الحفر، وكذلك هنالك (القاعة الهيروديانيّة)، وهنالك (القاعة الكبرى) وهي من أكبر القاعات والحفريات تحت الأقصى، وهنالك (بوابة وارين) وتقع أسفل باب القطانين، وهنالك (قاعة المياه) وهي عبارة عن نفق ضيق جدًّا، ويمتدّ من شمال باب الناظر وحتَّى المدرسة العمرية تقريبًا.
ولقد كشفت “مؤسَّسة الأقْصى للوقف والتراث” عن وجود 50 كنيسًا يهوديًّا تطوق المسجد الأقصى المبارك، وعدد آخر قيد الإنشاء، في مسعًى من سلطات الاحتلال الإسرائيلية لإحداث تغييرات جذرية في محيط المسجد؛ تمهيدًا لبناء “الهيكل الثالث” المزعوم.
2- بناء جسْر على طريق باب المغاربة، وقد صادقت المؤسَّسة الصهيونيَّة على ذلك، حيث ارتكبوا جريمة هدْمه في 7 /2 /2007م؛ وذلك لكي يكون هذا الجسْر الحديدي المعلَّق بدلاً من هذا الباب، ولكي يكون ممرًّا يمكِّن عناصر العصابات الصهيونيَّة من اقتحام المسجد الأقصى كما شاؤوا، ولكي تحظى النساء اليهوديَّات بمكان موازٍ لمكان الذّكور في الساحة؛ وذلك حتَّى يكون هذا تمهيدًا لمشروع أكثر خطورة يتعلق بمحاولة اقتسام الجزء الجنوبيّ الغربيّ من ساحات الأقصى، وتخصيصه لصلاة اليهود، عبر ربط الكنيس الموجود تحت حائط البراق “قنطرة ويلسون” بباب المغاربة، ليُصبح الجزء الجنوبيّ الغربيّ من ساحات المسجد الأقصى جزءًا لا يتجزَّأ من المدينة اليهوديّة تحت المسجد الأقصى، وحتَّى يفرض بالقوَّة مخطط خطير يقضي بتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين والصَّهاينة، وقد دعا رئيس الدَّولة الصهيونية سابقًا واسمه “موشيه كتساب“، دعا إلى تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، والسَّماح لليهود بإقامة شعائرهم الدينية داخل المسجد الأقصى، وقال في تصريحات له للإذاعة الصهيونية مؤخَّرًا: إنَّ دخول المسلمين واليهود إلى الحرَم القدسي لا بدَّ أن تتمَّ في نهاية الأمر وفقًا لنظام متَّفق عليه بين الأطراف المعنيَّة، يسمح لكافَّة المسلمين واليهود بأداء شعائِرِهم الدينيَّة في هذا المكان المقدَّس، على غرار الإجراءات المتَّبعة في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل”، على حدِّ قوله.
3- تفريغ الأنفاق وقنوات المياه والآبار أسفل الحرم الشريف؛ لإضعاف أساسات المسجدين من الجهة الجنوبية، بحيث يسهل تدميرها من شدَّة أصوات الطَّائرات الحربيَّة التي تمر فوقها أو بسبب هزة أرضية، وتزامن هذا مع إعلان بعض صحف الاحتلال في 13 /4 /2008م أنَّ أحجار حائط البراق بدأت بالتفتُّت، خصوصًا تلك الحجارة الواقعة في أعلى السور؛ أي: أحجار مصلّى البراق، الذي يقع في أقصى الطرف الغربيّ للمسجد الأقصى، وهو ما يُمهِّد لإغلاق مسجد البراق، ومنع المصلّين من الوصول إليه، وتحويله إلى كنيسٍ يهوديّ أو موقعٍ أثريّ متصلٍ بالمدينة اليهوديّة.
ومن باب أنَّ الشيء بالشيء يذكر، فهنالك أكثر من 23 جماعة دينيَّة وعلمانيَّة صهيونيَّة، مرجعيتها الإيمان بمعتقدات الأساطير التلموديَّة الصهيونيَّة (الكاذبة) ببناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، ولهذا تقوم هذه الجماعات ببثِّ الخطط المناسبة لهدْمِه أو قصْفه، أو إثارة زلازل أرضيَّة مصْطنعة تحته أو حرْقه أو نسْفه، على اختلاف بينهم في الطُّرق والأساليب لهدْمِه، ولكنَّ المقصد الواحد وهو تغْييب وجود هذا المسجد الشريف، أضف إلى ذلك أنَّ هنالك 9 منظَّمات من الجماعات اليهوديَّة الصهيونية الغربيَّة في الخارج مهمَّتها مساندة ومساعدة المنظمات في داخل القدس لتحقيق الهدف من هدم الأقصى، وهذه المنظَّمات لها مهام عديدة، وكل منظَّمة مختصَّة بقضيَّة خاصَّة فهنالك منظمات مهتمَّة بالتمويل وأخرى بالدعاية والإعلان وفنون التأثير لتأييد ما يقومون به داخل أمريكا، وثالثة تهتم بنشر ما تقول: إنَّها حقائق تراثيَّة ودينيَّة متعلِّقة بتاريخ الهيكل المزعوم، وأخرى مختصَّة بالرسوم القانونيَّة، إلى غير ذلك من تخطيط كبير في خدمة إفكهم المبين، فأين هي مخطَّطات المسلمين من أهل الحل والعقد لمناصرة القدس الأسيف؟!
لماذا الحفر تحت الأقصى؟
اليهود الصهاينة صنعوا كذبة صلعاء صدَّقها الأوباش من اليهود، وهي أنَّ المسجد الأقصى بني على أنقاض هيكل سليمان – عليه الصلاة والسلام – ولهذا فإنَّهم يريدون من خلال هذه الكذبة توجيه الرَّأْي العام بأنَّ المسجد الأقصى ليس هذا مكانه، وأنَّ هيكل سليمان هو الأول، وحينما يقْضون على المسجد الأقصى ويهْدمونه – لا قدَّر الله – يضعون بناءً خاصًّا بهم معبِّرًا عن هيكل سليمان، وهم في الوقت نفسه سيكسبون أمرَيْن، هما: هدم المسجد الأقصى، وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضِه.
ولا شكَّ أنَّ كلامهم زور وبهتان؛ فإنَّ المسجد الأقصى بُني بعد المسجد الحرام بأربعين عامًا؛ كما جاءت بذلك الأحاديث الصَّحيحة، وكان المسجد الحرام هو المسجِد الَّذي بني أوَّلاً وتلاه بناء المسجد الأقصى، والهيكل المقدَّس لدى اليهود ما هو إلاَّ أسطورة محشوَّة في رؤوس اليهود بناء على أساطير وخرافات كاذبة، فالذي يثبت بالدَّليل والبرهان أنَّ سليمان – عليه الصلاة والسلام – لَم يبْنِ هيكلاً؛ بل بنَى مسجدًا للعبادة هو المسجد الأقصى، أوْ أعاد بناء هذا المسجد وتأسيسه مرَّة أخرى، “وسواء أخذنا برأي مَن ذهب إلى أنَّ الباني الأوَّل للمسجد الأقصى بعض ولد آدم أو إبراهيم – عليهما السلام – فإن بين ولد آدم وسليمان – عليه السلام – آلاف السنين، وبين إبراهيم وسليمان – عليهما السلام – ما يقرب من ألف سنة، فهذا يعني أنَّ المسجد الأقصى وُجِد في جبل بيت المقدس، قبل أن تكون هناك قبيلة “يهودا“، أو يكون هناك يهود، وقبل أن يكون التاريخ اليهودي أصلاً، وأيضًا قبل بناء سليمان – عليه السلام – الهيكل كما يزعُم اليهود، وهل من المعقول أو الجائز شرعًا أن يقوم نبي الله سليمان ببناء معبدٍ لله تعالى تحت المسجد القائم؟!” كما يقول الدكتور صالح الرقب في بحث له عن خرافة وجود الهيكل.
وعليه؛ فلو كان اليهود أهل صدق لعلموا أنَّ الهيكل المقصود عندهم هو المسجد الأقصى المبارك، وللزِمَهم الدّخول في دين الإسلام، بدلاً من المطالبة بهدْم الأقصى وبناء الهيكل!
ثمَّ إنَّ اعتراف العدوّ اليهودي الصهيوني على ذلك هو خير شاهد، فلقد أعلن عالم آثار يهودي بأنَّ الهدف من كلِّ ما يَجري هو إقامة كنيس يَهودي داخل المسجد الأقصى، ويقول عالم آثار إسرائيلي من لجنة الدَّاخليَّة التَّابعة للكنيست: إنَّ الحفريَّات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيليَّة في المسجد الأقصى، وهدْم جسر خشبي عند باب المغاربة، وهدْم غرفتَين ملاصقتَين لمسجد البراق الملاصق للمسجد الأقصى – هدفُها إقامة كنيس يهودي داخل الأقصى.
بل قال عالم الآثار (مئير بن دوف): إنَّ إسرائيل بالغت بموضوع اللجوء إلى الحفريات وهدم جسر طريق باب المغاربة؛ لأنَّه كان بالإمكان إصلاح الأجزاء التي تضرَّرت بالجسر بتكاليف بسيطة، وتابع يقول: “لكن من الواضح أنَّ الهدف هو تحويل مسجد البراق إلى كنيس يهودي للمصلِّيات اليهوديَّات؛ لأنَّ ما يجري ليس مجرَّد ترميم، وإنَّما هناك مخطَّط لإقامة الكنيس داخل الحائط الغربي للحرم القدسي“.
وهم لديهم عقيدة مسْخ مزْعومة تقول بأنَّ من شروط عودة المسيح ووقوع معركة (هرمجدون) هو هدْم المسجد الأقصى، وإقامة الهيْكل المزعوم بهيكل سليمان، حيث يعتقدون أنَّ الهيكل يقع تحت المسجد الأقصى.
وهنالك جماعات عديدة ترى هذا الأمر، وقد ذكر أحد الكتَّاب الإسلاميين – واسمه محمد مورو – أنَّ هذه الجماعات الصهيونية المتطرِّفة التي ترى ضرورة هدْم الأقصى تتمتع بنفوذٍ قويٍّ داخل الحزب الجمهوريّ في الولايات المتَّحدة، ويتعاطف معها بصورة ضخْمة رموز اليمين الأمريكي المحافظ، من “ديك تشيني” إلى “دونالد رامسفيلد“، إلى الرَّئيس الأمريكي الأسبق “بوش” ذاته، وكان الرَّئيس الأمريكي الأسبق “رونالد ريجان” يؤمن مباشرة بتلك العقيدة المزعومة، كما تمتلك تلك الجماعة قنواتٍ تلفزيونيّةً وإذاعيّة وصحفًا، ويتبعها عددٌ كبير من القساوسة؛ أمثال “باث روبرتسون” والأب “جراهام” وغيرهما.
ولهذا بانت نيَّة المحتل الصهيوني حيث عكست تصريحات المسؤولين الصَّهاينة بعد احتِلال مدينة القدس مباشرة أو بعد احتِلالها بسنوات قليلة – رغبتَهم في المضي قدُمًا نحو السَّفر في “رحلة البحث عن الهيكل“، وقد نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت على لسان وزير الأديان الإسرائيلي آنذاك “زيرح فارهفيك” قوله: “إن وزارة الأديان الإسرائيلية تسعى بواسطة عمليَّات الحفريات التي تجريها للكشْف الكامل عن حائط المبكى بهدف إعادة هذه الدرَّة الثمينة، وهي عمليَّات تاريخيَّة ومقدَّسة تهدف للكشْف الكامل عن الحائط، وهدم وإزالة المباني الملاصقة له، رغم العراقيل التي كانت تقِف في الطريق“.
وحينما عاد أولمرت من مؤتمر أنابوليس، استقبله المتطرِّفون اليهود بالورود؛ ذلك أنَّه لم يفرط في القدس من وجهة نظرهم.
ومع أنَّ اليهود قد نُهوا عن الكذب، بل قالت أسفارهم ذلك: “لا تقُل خبرًا كاذبًا، ولا تضع يدَك مع المنافق لتكون شاهد ظلم، لا تتبع الكثيرين في فعل الشر … ابتعد عن الكذب“.
وقد جاء هذا الكلام في سفر الخروج: (23: 1 – 6).
ورغم كل ذلك فقد قامت علاقة اليهود مع فلسطين والمسجِد الأقصى على الكذِب الصراح؛ فإنَّ هذه الكذبة التي أرادها مؤسِّسو دولة إسرائيل لكي يستخْدِموها في دعاواهم لجلْب اليهود من أنحاء العالم، لَم يثبت شيء منها، ومهما يحفر هؤلاء اليهود الصَّهاينة تحت الأقصى، فلن يجدوا أيَّ شيء يثبتُ لهم ما يدَّعونه، ولقد نقل “ظفر الإسلام خان” عن الكاتب البريطاني (هيامسون) قوله بشأن حضارة اليهود: “لَم يوجد في فلسطين نقشٌ واحد ينسب إلى المملكة العبريَّة، لقد فشلت اليهوديَّة في أن تقدِّم أيَّ أثر لداود أو سُليمان، أو أي نقْش أو حجر أو حتَّى أي نصب تذكاري؛ ولهذا فإنَّ قضيَّتهم تفتقر إلى دليلٍ مادّي مسجل”؛ كتاب “الانتداب على فلسطين” لظفر الإسلام خان (ص48 – 49).
ولنفترِضْ جدلاً – وهو لَم ولن يَحصل – أنَّ اليهود قد وجدوا شيئًا ممَّا يعبِّر عن تراثهم المزعوم، فإنَّ {الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، وهذا نص آية قرآنيَّة في كتاب الله تعالى، والظالم لن ينال من عهد الله شيئًا بنص قولِه تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124].
وإنَّنا مطمئنُّون على أنَّ كلَّ ما يقوم به يهود الصهيونيَّة لن يعدو أن يكون فقاعة صابون أو سحابة صيف عن قليل ستنقشِع، وأنَّ الباطل كلَّما انتفخ فإنَّه سيوضع على الأرض وتدوسه حقائق الحق، وإنَّ النَّصر آت لا ريب فيه؛ وفقًا للآية القرآنيَّة: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُواًّ كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً} [الإسراء: 4 – 7].
ما الذي يمنع إسرائيل من أن تقوم بعملية هدم الأقصى بشكل مباشر؟
لقد قال تعالى في مُحْكَم التنزيل، بعد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ} [الحج: 40].
يقول الصَّحابي الجليل أبو الدَّرداء – رضي الله عنْه -: “لولا أنَّ الله – عزَّ وجلَّ – يدفع بمن في المساجد عمَّن ليس في المساجد، وبمَن يغزو عمَّن لا يغزو – لأتاهم العذاب”، وقالت فرقة: ولولا دفْع الله العذاب بدُعاء الفضلاء والأخيار، هذا من جهة …
ومن جِهةٍ أُخرى، فالصَّهاينة في واقِع الأمْر مختلفون فيما بينهم في عمليَّة الهدم؛ فهنالك خلافات بين تيَّاراتهم الدينيَّة حيال ذلك، كما أنَّ هنالك خلافات بين العلْمانيين الصَّهاينة واليهود المتطرِّفين (المتدينين)، وكذلك لا يزال التخوُّف منهم من الهبَّة الشعبيَّة العالميَّة العارِمة حيال ذلك، سواء أكان ذلك في فلسْطين أم خارجها، وإذا كان عدوّ الله (الحي الميت) شارون حينما دخل المسجد الأقْصى انتفضت فلَسْطين وانتفضت الأمَّة بأجْمعها،فماذا سوف يحصُل حينما يهدِم الصَّهاينة المسجد الأقصى؟!
وكذلك هنالك ضغوطات دوليَّة على الحكومة الصهيونيَّة بعدم اقتِراف هذه الحماقة، التي ستسبِّب لها إحراجًا أمام النظام الدولي والمنظومة العالميَّة، وبالطَّبع فهذا ليس حبًّا بأهل فلسطين ولكنَّه تدجين للمسلمين عمومًا، فالمقصد: لا تهدموه الآن ولكن إذا واتتكم الفرصة فافعلوا ما تشاؤون، لكي تسنح الفرْصة والأمور لصالح الكيان الصهيوني.
قال البيولوجي الأمريكي (جيمس جاننغ) – الذي يعيش في شيكاغو، وقد سبق أن أجرى دراسات بيولوجيَّة في الأردن ومصر وفلسطين -: “كثيرٌ من الصَّهاينة الإسرائيليّين يفضّلون المضي في المخطط خطوة خطوة، فإذا لم ينسفوا المسجد فإنَّهم يتمنَّون أن ينظر إليهم كمعتدلين … إنَّ بعض قادة إسرائيل يَختبِرون الأجواء السياسية لبناء الهيكل إلى جانب المسجِد، فإذا حقَّقوا ذلك، فإنَّهم قد يعمدون لاحقًا إلى إزالة الحرم الشَّريف، إنَّها لعبة القوَّة السياسيَّة”؛ انظر كتاب: “النبوءة والسياسة” غريس غالسل (ص110).
ولعلَّ الصهاينة كذلك لم يرَوْا هذا الوقت هو الوقت المناسب للهدم، فهم يحاولون التَّطْبيع مع الكثير من الدّول الإسلامية، ويحاولون تطْبيع وتهويد العلاقات العربيَّة والإسلاميَّة من المقدسيّين مع اليهود السَّاكنين في القدس، فهم يريدون تهْيِئة الفرصة المواتية التي يشعُرون فيها ضعف تمسُّك العالم العربي والإسلامي بقضيَّة القدس والأقصى.
واجب الأمَّة الإسلامية تجاه القدس:
في القدْس قد نطق الحجَر:
لا مؤتَمر لا مؤتَمر
أنا لا أريد سِوى عمر.
على الأمَّة الإسلامية أن تعدَّ نفسها إعدادًا جيِّدًا يليق بها لكي تستردَّ كرامتها، وتستدْعي حدود مجدها، وألاَّ تنتظر أن يعمل لها أحدٌ من أمم الشرق والغرب، أو أنها تفرح بتصْريح من هنا، وخطاب من هنالك، فيكون حالها كما قال الشاعر:
يَجْزُونَ مِنْ ظُلْمِ أَهْلِ الظُّلْمِ مَغْفِرَةً وَمِنْ إِسَاءَةِ أَهْلِ السُّوءِ إِحْسَانَا |
عليها أن تعرف عدوَّها جيدًا، وألا تثق به أو تحسن به الظَّنَّ، ولو قرأْنا كلَّ تاريخ عتاولة الإجرام الصهيوني لوجدنا حقيقة الإرهاب لديْهِم، ولعلِّي أضرب مثلاً لذلك من مقال بعنوان (الإرهاب)، حيث كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق شامير في جريدة (هازيت) التي كانت تصدرها حركة (ليحي)، والتي كان يترأَّسها شامير آنذاك في شهر آب عام 1943م، فقال: “لا يمكن استخدام الأخلاق اليهودية، ولا الأعراف اليهودية، كوسيلة لمنعنا من الإرْهاب كوسيلة للحرب … إنَّنا بعيدون جدًّا عن التردُّدات الأخلاقيَّة عندما نهتمّ بالنِّضال الوطني، فالإرهاب بالنسبة لنا – أوَّلاً وقبل كل شيء – هو جزء من الحرْب السياسيَّة مناسب لظروفنا الآن”؛ عن كتاب “الغرب والإسلام وفلسطين“، للمفكر الفلسطيني محمود النمورة (ص247).
وهذا مناحم بيجن السفَّاح الكبير الذي حصل على جائزة نوبل، الشخصيَّة التي قتلت النساء، وصاحب الإبادات الجماعيَّة للبشر لتحْقيق أغراضه السياسيَّة المشؤومة، هذا الرَّجل الذي قال عنه ابن جوريون نفسه: إنَّه يريد القضاء على جميع العرب لإنشاء دولة إسرائيل الكبرى، وفي ذات يوم وصف الفلسطينيِّين في خطابٍ ألْقاه في الكنيست بأنَّهم: وحوش تمشي على قدمين!
نَجده يقول في كتابه “الثورة“: “ينبغي عليكم – أيّها الإسرائيليون – ألاّ تَلينوا أبدًا عندما تقتلون أعداءَكم، ينبغي ألاّ تأخُذكم بهم رحمة حتَّى ندمر ما يسمَّى بالثَّقافة العربيَّة التي سنبنِي على أنقاضِها حضارتنا”، ويقول أيضًا: “الفلسطينيّون مجرد صراصير يجب سحقها“.
ويقول بنيامين ناتنياهو في كتابه “مكان تحت الشمس“: “لا نؤمن بوسيلة سوى القوَّة والعنف والإرهاب الدَّموي بأبْشَع أشكاله؛ من أجل تَحقيق أهدافنا وأفكارِنا ومعتقداتِنا في أرض إسرائيل الكاملة، أو في الدولة اليهودية، أو في إسرائيل قويَّة مهيمنة على المنطقة“.
فالَّذي علينا أن نعرف عدوَّنا جيّدًا، وأن نعرف قداسة فلسطين وأنَّها أرض محتلَّة، وأن نعلم خطر المنافقين، وأن ندْرِك خطر سبيل المجرمين وكيدهم ومكرهم للتلاعب بقضيتنا، ونكشف كلَّ ما تعلَّمناه للآخرين؛ لكي نكوِّن وعيًا راشديًّا وتعبئة فكرية كبيرة، وبعدها نصنع ولو شيئًا يسيرًا نلْقى به الله تعالى حينما يُخاطبنا: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ} [القصص: 65]؛ فإنَّ العمل ولو كان قليلاً خيرٌ من التكاسل والتباطؤ، ولقد قال القريشي في “وفيات الأعيان“: سيروا إلى الله عُرجًا ومكاسير؛ فإنَّ انتظار الصحَّة بطالة.
من العيب والعار أن يُشاهد العالم العربي والإسلامي في فلسطين وخارجها صورًا مضيئة ومشْرقة من صور نصْرة المرأة لقضية فلسطين، وما نشهدُه من صور المقدسيات للمحافظة على المسجد الأقصى والدِّفاع عنْه بأجسادهنَّ ليس إلاَّ دليلاً على أنَّها قادرة على صناعة الحدث، ويتحدَّث الشَّيخ رائد صلاح عن المواجهات التي دارتْ بين المقدسيِّين والصَّهاينة الَّذين يحاولون الدخول للأقصى فقال: “ومِن ضمن ما حدث خلال هذه المواجهات أنَّ إحدى المسلمات تلقَّت ضربة قويَّة على رأسها أدَّت إلى موتها موتًا سريريًّا استمرَّ عشرة أيَّام، ثمَّ أكرمها الله تعالى بالشهادة بعد ذلك، فهذا موقف نرى من خلاله موقف المرأة المسلمة في اتجاه نصرة المسجد الأقصى المبارك، كذلك لا ننسى مشهدًا آخر عِشْناه عندما كانت هناك مظاهرة كبيرة جدًّا لمؤسَّسة “مسلمات من أجل الأقصى”، باشتِراك مسلمات القدس عندما خرجن بعد صلاة الظهر مباشرة في مظاهرة كبيرة زادتْ عن ألف وخمسمائة، وقمْنَ يردِّدن ذاك النّداء الذي بات على لسان كلِّ مسلم وعربي وفلسطيني في العالم: “بالروح بالدم نفديك يا أقصى“، فقامت خيول عسكريَّة لقوَّات الاحتلال الإسرائيلي بمهاجمتهنَّ من أجل تفريق المظاهرة، إلاَّ أنَّ المتظاهِرات بقين في أماكنهنَّ، أحطنَ بالخيول وأخذن يردِّدْنَ في كل ثبات وكلّ صمود: “بالرّوح بالدم نفديك يا أقصى“.
فهل باتت نساء القدس، في دفاعهنَّ عن الأقصى وأسوار الأقصى أقوى من مدافع الدول العربيَّة؟!
إنَّنا لا نريد أن نبقى على حالتنا المعهودة عنَّا بالانفِعال حينما نرى جلاوزة الإجرام الصهيوني يتقدَّمون نحن الأقصى، فنبدأ نهتف ونستصرخ ونصيح، ثم نخْمد إن ابتعدوا قليلاً عن أسوار الأقصى، إنَّ الاعتياد على ذلك يسبِّب مرضًا؛ لأنَّ النفس إذا اعتادت أن تهبَّ وقت المجزرة، أو أن تكون كبعض رجال المطافئ الذين يطفِئون الحريق فحسْب، دون الاهتمام بذكر أساليب الوقاية والحماية، ودون أن تستخدم أساليب أخرى، فإنَّ هذا يكون أمرًا مزعجًا.
إنَّ من أخطر ما أصيب به المسلمون في كثير من أعمالهم أنَّ معظمها صار “ردودَ أفعال”، فما أن تشتعل في قلوبنا حتَّى تنقطع من جديد؛ لأنَّنا غالبًا نتحرَّك بلا هدف ولا تخطيط؛ فالأحداث تُسَيِّرُنا وتفرض نفسها علينا، وكثيرٌ منَّا لا يُكَيِّفُها حسب خطة عمل، أو يوظفها لصالحنا؛ لذا أضحت أفعالنا وقتية، وتحركاتنا آنية.
ولا شكَّ أنَّ هذا خلاف العمل المتكامل، وكثيرٌ من علماء الإدارة يُوصون بكلمة قصيرة لكن معناها عميق، وهي: “ابدأ والنهاية في ذهنك“.
إنَّ النَّجاح الحقيقي أن يعرف الإنسان هدفه في الحياة، وهدفه من العمل الذي يريد تحقيقه، ثم يسعى لذلك مرتبًا لكل مرحلة منهجيةً يسير عليها، ومعالم يستنير بها، فلا يكون حاله كحال كثير منَّا يعمل متحمسًا في البداية ثم ينقطع في آخر الشوط، فلم يفلح ولم يصلح، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً} [النحل: 92].
والعلاج هو الاستِعانة بالله أوَّلاً، فلو توكل العبد على ربه وأحسن الظن به لاستطاع أن ينقل جبلاً من مكان إلى آخر، كما يقول إمامنا ابن قيم الجوزية، فالقصد أن يكون لدى الشخص قوَّة وعزم وإرادة، وتصميم وصبر ومصابرة ومثابرة؛ لنيل ما يريد القيام به لنصرة قضيَّة فلسطين، ولن يخيِّب الله أمله.
إنَّ صلاح الدين الأيوبي لن يعود، ولكن سيكون هنالك أتباع لعمر بن الخطاب، ولصلاح الدين، وإذا هيَّأت الأمَّة نفسها وأعدَّت العدَّة – سواء في داخل فلسطين أو خارجها – فإنَّ الله تعالى ناصر دينه ومظهر كلمته، فالمهمّ أن يكون هنالك رجال على مستوى الكلِمة يكون همُّهم وهدفهم الله والدَّار الآخرة؛ {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور: 37].
رجال يحبّون الموت كما نحب الحياة، ولقد حدَّثنا التاريخ وكان من رجالاته الواقدي الذي قال عن فاتحي بيت المقدس: “وقد بلغني أنَّ المسلمين باتوا تلك الليلة – ليلة الاتجاه لفتح القدس – كأنَّهم ينتظرون قادمًا يقدم عليهم من شدَّة فرحهم بقتال أهل بيت المقدس، وكلّ أميرٍ يريد أن يفتح على يديه، فيتمتَّع بالصلاة فيه، والنَّظَر إلى آثار الأنبياء”؛ من “فتوح الشَّام” للواقدي (1 /216).
وعن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن جدِّه: أنَّ النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((مَن سأل الله الشهادة بصدق، بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه))؛ رواه مسلم.
أنصح عموم القرَّاء الكرام أن يطالعوا عددًا من الكتُب المهمَّة في هذا المجال، ومنها كتاب: “قبل أن يهدم الأقصى“، والذي نشر مؤخَّرًا بعنوان: (قبل الكارثة… نذير ونفير) للدكتور عبدالعزيز مصطفى كامل – حفظه الله وفرَّج عنه.
وكتاب: “يا مسلمي العالم، أفيقوا قبل أن يهدم الأقصى” للدكتور صالح الرقب – جزاه الله خيرًا.
وكتاب: “القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى” للدكتور سفر الحوالي – حفظه الله وشفاه.
وكتاب: “عقيدة اليهود في الوعد بفلسطين” للدكتور محمد آل عمر.
فهذه الكتب من خيرة الكتب التي تحدَّثت عن موضوع القدس ومخطَّطات اليهود نحوه.
وفي النهاية فإنّي أحبّ أن أوجّه قولاً من القلْب ليدخُل كلَّ قلْبٍ صادق، يغار على دين الله وحرماته وشعائره، فأقول: ماذا أنت فاعل للقدس؟ ولنصرة القدس؟ وللدفاع عن القدس؟ ولنشْر الوعي بين من تعْرفهم عن القدس وعمليَّات تهويد القدس، والحفريَّات التي تحت المسجِد الأقصى؟ وبماذا ستجيب ربَّك يوم القيامة حينما تسأل عن التفريط بحقوق الأمَّة؟
ومن جانب القدس أكتُب لكم هذا المقال، وأقول في النهاية: لا نريد أن تبقى قضيَّة فلسطين مجرَّد أسئلة وأجوبة، فنحن نسمع الكثير من الرَّدح والجرح والقدْح بالعدو الصهيوني، ولكنَّ الفارق الرَّئيس أنَّ العدوَّ يعمل لقضيَّته وإن كانت زورًا، والكثير من المسلمين ينظرون ويصيحون دون عمل، كما قال الشيخ العلامة عبدالحميد بن باديس – رحمه الله – في ثلاثينيات القرن الماضي: “ما دام الصهْيونيون يقبضون على ناصية القوَّة والمال، والمسلمون يقبضون على ناصية الاحتِجاج والأقوال، فيا ويل فلسطين من الَّذين يتكلَّمون ولا يعملون!”.
ألا هل بلَّغت اللهُمَّ فاشهد.
ألا هل بلَّغت اللهُمَّ فاشهد.
ألا هل بلَّغت اللهُمَّ فاشهد.
المصدر: الألوكة