في الغيرة على المحارم
الإثنين،20جمادى الثانية1435الموافق21نيسان/أبريل2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
في الغيرة على المحارم
الحمدُ لله نحمَدُه، ونستعِينُه ونستَهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعُوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فيا عباد الله:
اتَّقوا الله – تعالى – واحذَروا ممَّا وقَع الكثير فيه من إهمال النساء، وفقد الغيرة عليهن مع ما أُصِيبت به المرأة من تبرُّج، وإبراز مفاتن، واختلاط بالرجال، فقد تُرِك الحبل على الغارب للكثير من النساء، وانشغل الأولياء عنهن، يستقدم السائق من الخارج للعائلة كما يقولون في عنفوان شبابه، وقد يكونُ كافرًا، ويُسلم له السيارة، ويُفرغه لطلبات النساء فيتحكَّمن في السيارة وفي السائق، يركَبن لما يُرِدن، ويُسافِرن إلى بعض الأماكن، وقد تكون المرأة وحدَها مع السائق، فمَن يأمن عليها؟ وقد أخبَرَنا نبينا – صلوات الله وسلامه عليه – بأنَّه: ((ما خلا رجلٌ بامرأة إلا وثالثهما الشيطان))، كيف وقد رضي وليُّ المرأة من زوج أو والد بأنْ تسافر وتركب مع السائق وتخلو ويخلو بها، لقد أمنَّا المراقبة، وتيقَّنَّا الرضا بهذه الخلوة، فما الذي بقي بعد هذا؟ هل بقي أنْ يُقال: افْعلا ما تريدان؟ أم لسان الحال يقول ذلك؟! لقد فُقدت الغيرة والشهامة والرُّجولة من كثير من الرجال، وأصبح كثيرٌ منهم يقرُّ الفُحش والرذيلة في أهله، بفعله وإهماله وعدم غيرته، فقد حدثت وقائع كثيرة بسبب هذا الإهمال، وفقْد الغيرة، والانشغال عن المحارم.
وقد لا يقتصر الأمرُ على السائق وحدَه، فالمرأة تجوبُ الأسواق، وتنتقل في المتاجر، وأماكن الخياطة مُبرِزةً لمفاتنها، لابسةً رقيق ثيابها، تجلب الأنظار، وتتحدَّث برقيق الكلام، وتُضاحِك وكأنها تعرض نفسها لذِئبها، فما الظنُّ بمَن هذه حالها، أترون أنَّ مثل هذه تسلَمُ من الافتراس؟ بل ربما سلَّمت الأمر دون مُقاومة أو مُبالاة؟ فقد عرفَتْ مَنْ وراءها، وعلمَتْ إهمالها، فلا تخشى إنكارًا ولا استنكارًا ما دام أنَّه هُيِّئ لها الأمر، ووُضِعت الوسائل تحت يدها، وأصبحت المديرة والمتصرِّفة في الخروج والتنقُّل.
إنها المصيبة يا عباد الله التي أصابَت الكثير من رجال هذه البلاد! وفقدوا الغيرة على المحارم، وقد كان العرب يَئِدُون البنات في الجاهليَّة خشيةَ العار، وإنْ كان هذا محرَّمًا، فهم يخشَوْن العار، فأين الغيرة على المحارم؟ وأين الشِّيَم؟ تنقل الأخبار بحوادث الفواحش بين نساء وسائقين، فلا يهتمُّ الكثير ممَّن أهمل محارمه، وكأنَّ شيئًا لم يكن، وكأنَّ ذلك خاصٌّ بأفراد.
إنها المصيبة العُظمَى، والطامَّة الكُبرَى أنْ يُصاب الرجال في محارمهم، فالموت سهلٌ، والمال لا قيمةَ له أمامَ الأخلاق والعفاف، وإنَّ مصيبة الأعراض جروحٌ لا تندمل، وخروقٌ لا ترقع، وآلامٌ تبقى على مرِّ الليالي والأيام، عارٌ في الدنيا ونار في الآخرة.
فيا مَن أهمل محارمه وسلَّم نساءَه لغير محارمهن، وأمَّن عليهن ذِئابهن، وأضاعَ أمانته، اتَّقِ الله في نفسك وفي أمانتك، واحذَر عواقب إهمالك، وفقْد غيرتك، فلا خيرَ في حياةٍ فُقِدتْ فيها الأخلاق، وسُفِك فيها دمُ الوجه، فحافِظ على أهلك ومَحارِمك، وأحفَظْ عِرضك من الدَّنس، وفرِّغ نفسك أو أحد محارم نسائك لما لا بُدَّ لهنَّ منه، واعلَم أنَّ البيت حصنٌ للنساء، والله – جلَّ وعلا – يقول: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33].
فما أحوجنا اليوم إلى تفقُّد الأحوال، وإصلاح ما فسد، فقد كثُر الفساد، وانتشرَت الرذائل، وقلَّت الغيرة؛ من ضَعف الإيمان، وقلَّة الإحساس، وما حصل هو من غزو الأعداء لهذه البلاد التي كانت مضرب المثل في المحافظة على الأخلاق والسِّيَر الحميدة، فغزيت بوسائل الهدم والتدمير، ومن ذلك الخدم والسائقين الأجانب، الذين أصبحوا في البيوت كأفراد الأسرة، لا يُستَنكرون، ولا يُعبَأ بهم. فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون!
اللهمَّ أيقظنا من الغفلات، وأصلح أحوالنا، وأحفظ بلادنا من الشرور والفتن، ومن أسباب خَراب الأُسَرِ، واجعَلْنا متعاونين على الخير والبر والتقوى، ومُتَناهين عن الإثم والعدوان والمنكر، إنَّك سميع مجيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال الله العظيم: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
المصدر: الألوكة