التعليم في إندونيسيا…من المركزية إلى اللامركزية.

التعليم في إندونيسيا…من المركزية إلى اللامركزية. iipdigital.usembassy.gov
التعليم في إندونيسيا…من المركزية إلى اللامركزية.
iipdigital.usembassy.gov

السبت،20 شوال 1435الموافق16 آب /أغسطس 2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.
إندونيسيا-جاكارتا
مجلة المعرفة: من بوَّابة التعليم، استطاعت إندونيسيا أن تشق طريقـًا نحو نهضتها، وحققت نجاحات كبيرة، وانضمَّت إلى كبار النمور الآسيوية.. وخِلال السنوات القليلة الماضية شهدت إصلاحات عديد للارتقاء بالمنظومة التعليمية، اشتملت على تطبيق اللامركزية في الإدارة المدرسية، ورفع كفاءة الموارد البشرية، وإعادة صياغة المناهج، بما يتواءم مع احتياجات المُجتمع، وسوق العمل.
تزينت العاصمة جاكرتا للاحتفال بعيد الاستقلال الذي يُصادف يوم 17 أغسطس، حيث تتنوَّع مظاهره، وتمتد من سايانغ، في جزيرة ويه، بأقصى شمال البلاد، وحتى ميراوك، في جزيرة إريان جايا بأقصى الجنوب..
إن المساحة الإجمالية لإندونسيا، تصل إلى 1919440كم، وهي في هذا تـُصنـَّف في المرتبة الــ 16 بين دول العالم من ناحية المساحة، سُكَّانها بحسب إحصاءات حديثة، يصل عددهم إلى نحو 240 مليون نسمة، وهي في هذا تـُصنـَّف بالمرتبة الرابعة عالميـًا، يدين أكثر من90 في المئة من السُكَّان بالديانة الإسلامية، وتتوزَّع النِسبة الباقية بين الكاثوليك والبروتستانت، يليهما أقليات بوذية، ثم هندوسية.
أكبر وأشهر جُزرها خمس، هي: سومطرة، وجاوة ، وكاليمنتان، وسولا ويسي، وإيريان جايا.. ويُقدَّر إجمالي طول سواحل الأرخبيل الإندونيسي بنحو 54,716 كيلومترًا.
تاريخيــًا، دخل التُجَّار العرب إلى أراضيها قديمــًا، عبر رحلاتهم البحرية لمنطقة الملايو، وبفضلهم انتشر الإسلام، وفي عام 1518م ظهرت أوَّل مملكة إسلامية في جاوة، وانتشرت ظاهرة الكتاتيب، وكثر عدد قرّاء القرآن الكريم، ومُعلِّمي اللغة العربية، وكان التعليم يُقدَّم مجانيـًا، بدعم وتمويل من أثرياء وتجار المدن والقرى، ومع دخول الاستعمار الغربي، الذي استمر على مدى قرون عدة، بالتناوب بين البرتغاليين والهولنديين والإسبان، اتخذ التعليم منحى آخر، حيث انتشرت المدارس الدينية المسيحية، وبخاصة البروتستانتية، ومُنِع المسلمون من إقامة مدارس جديدة لهم، ومع بدايات القرن العشرين، بدأ الشعب الإندونيسي، يُطالب بإصلاح التعليم، من كافة جوانبه، وقد استجاب المُستعمر الهولندي آنذاك لبعض هذه المطالب، إلاَّ أنه حرص على امتلاك السطوة على المنظومة التعليمية.
عقب الحرب العالمية الأولى، أنشئت إدارة المعارف، برئيس هولندي، وكذا جل موظَّفيها من الهولنديين.
• تنتظم شؤون التعليم في إندونيسيا ضمن فئتين:
ــ الأولى: التعليم الهولندي الخاص، وأُطلق عليه (مدارس الحكومة)، وكانت الدراسة فيه تتم باللُغة الهولندية، ويتضمن المراحل التالية:
التعليم الأوّلي؛ ومدته سنتان. التعليم الابتدائي؛ ومدته سبع سنوات.
التعليم الفني؛ ومُدته ثلاث سنوات، ثم التعليم الثانوي، ومدته خمس سنوات، وأخيرًا التعليم العالي، ومدته خمس سنوات.
ــ الثانية : التعليم الإندونيسي الوطني، وأُطلق عليه (مدارس عامة)، التعليم فيه مُختلط، وبمصروفات، ولُغة الدراسة هي اللُغة المحلية، ومُعظم خِريجيه يلتحقون بمدارس إعداد المُعلِّمين، للعمل بالمدارس الأوَّلية والابتدائية، ويتضمن المراحل التالية : التعليم الأوَّلي، ومدته ثلاث سنوات، التعليم الابتدائي، ومدته ثلاث سنوات، مدارس تخريج المُعلِّمين، ومدتها خمس سنوات.
التعليم ما بعد الاستقلال
تبدَّل حال التعليم، عقب نيل إندونيسيا استقلالها، وانتشرت المدارس الإسلامية بشكل كبير، وفي ضوء ذلك وضِع نظام جديد، يجعل التعليم على صِنفين:
– التعليم العام، الذي يُمارس في المدارس الحكومية، ويُدار من قِبل وزارة التربية.
– التعليم الديني، الذي يُمارس في مدارس حكومية وخاصة، ويُدار من قِبل وزارة الشؤون الدينية، وهو ينقسم إلى شعبتين:
ــ الشعبة العامة : وفيها تعليم كمِّي يتجه إلى عامة الشعب، همُّه الرئيس محو الأُميَّة دون عُمق.
ــ الشعبة الخاصة: وفيها تعليم نوعي ونخبوي، يسعى إلى تخرج طبقة مؤهَّلة للقيادة، وشغل المناصب الهامة.
وقُبيل أفول عِقد الستينيات، سعت الحكومة إلى وضع مُخطط قومي طويل المدى، يُعوِّل على تطوير التعليم العام، في إطار أهداف رئيسة، تتضمن إستراتيجية بناء النهضة المُجتمعية، التي اعتمدتها الحكومة الإندونيسية، وذلك على النحو التالي:
ــ الخِطة القومية الأولى، بدأت في العام الدراسي 1969/1970م، وانتهت في العام الدراسي 1974/ 1975م، والهدف منها المُساهمة في بناء قيادات قادرة على الدفع بالقطاع الزراعي إلى الأمام.
ــ الخِطة القومية الثانية، بدأت في العام الدراسي 1975/ 1976م، وانتهت بالعام الدراسي 1979/ 1980م، والهدف الرئيس منها المُساهمة في بناء كوادر قادرة على قيادة قاطرة الصناعات الزراعية، والعمل على تطويرها.
ــ الخِطة القومية الثالثة، بدأت في العام الدراسي 1980/ 1981م، وانتهت بالعام الدراسي 1984/1985م، وتركَّزت على المُساهمة في بناء قاعدة عريضة، من الفنيين المَهرَة، في مجال الصناعات الخفيفة.
ــ الخطة القومية الرابعة، بدأت في العام الدراسي 1985/ 1986م، وانتهت بالعام الدراسي 1989/ 1990م، وهدفها الرئيس المُساهمة بشكل فاعل في تطوير منظومة الأمن القومي، من خلال تخريج دُفعات على دراية علمية بهذا القطاع.
ــ الخطة القومية الخامسة، بدأت في العام الدراسي1990/1991م، وامتدت إلى العام الدراسي1994/ 1995م ، واستُهدِف منها المُساهمة في تطوير الصناعات الثقيلة.
من المركزية إلى اللامركزية
لم يتوقف قِطار إصلاح التعليم في إندونيسيا، ففي عام 2003م حدثت نقلة نوعَّية في المنظومة الإدارية للتعليم، واكبت التحوُّل السياسي في البلاد، والانتقال من النظام الأوتوقراطي، إلى النظام الديمقراطي، حيث بدأ التحوُّل التدريجي من نظام مركزية التعليم إلى اللامركزية، وبحسب ف.جيونو، فإن النموذج الاندونيسي، بتطبيق اللامركزية في إدارة التعليم، يتألَّف من خمس مُكوِّنات رئيسة، هي:
(1) الإدارة المدرسية، تتمثل أهدافها في:
ــ تطوير وتنمية القيادات الإدارية في المدارس.
ــ تطوير الخِطط المدرسية.
ــ الرقابة على العمليات الإدارية في المدارس.
ــ إيجاد تفاعل وتواصل مُستمر بين أفراد المُجتمع والمدرسة، والـتأكيد على ضرورة مُشاركة المُجتمع في كُل ما من شأنه أن يرتقي بالعملية التربوية.
ــ ضمان تطبيق المدرسة للأهداف التي رُسِمت لها.
(2) العمليات التربوية والتعليمية، والتي تتمثل أهدافها في:
ــ الارتقاء بالمُستوى التعليمي للطُلاَّب.
ــ تطبيق برامج تعليمية مُتطوِّرة، تتناسب مع احتياجات الطُلاَّب.
ــ الإشراف الفعَّال، لسير العمل في المدارس.
ــ التركيز على تنمية الجوانب الشخصيَّة للطلاَّب، بما يتلاءم مع مُتطلَّبات الحياة المُعاصرة .
(3) الموارد البشرية، وتتمثل أهدافها في :
ــ التوزيع الصحيح للمُعلِّمين في المدارس، بما يتلاءم مع الاحتياجات الفِعلية لكُل مدرسة.
– إثراء الهيئة التدريسية، والهيئة الإدارية في المدارس، بالمعلومات الكافية فيما يتعلَّق بتطبيق اللامركزية، في إدارة المدارس.
ــ تقديم برامج مُستمرَّة في مجال الإنماء المهني .
(4) الوظائف الإدارية، وتتمثل أهدافها في:
– تحديد وتوزيع الاحتياجات الأساسية لكُل مدرسة.
– إدارة الموازنة المالية المُخصصة للمدرسة.
– توفير الدعم الإداري للمدرسة.
– مُتابعة الاحتياجات الإصلاحية للمدرسة.
(5)المجالس المدرسية، التي تتألَّف من مجلس إدارة المدرسة، ومجلس الآباء والمعلمين، وتستهدف:
– انتخاب مُدير المدرسة.
– جمع التبرُّعات لصالح المدرسة.
– الإشراف على ميزانية المدرسة.
وعن تجربة إندونيسيا في التحوُّل من المركزية إلى اللامركزية في التعليم، أشارت أكثر من دراسة علمية حديثة إلى أن التجربة تـُحقِق نتائج فِعلية على أرض الواقع. ورغم حداثتها، فإنها تخطو بثبات نحو الطموحات المأمولة، وساهمت بشكل كبير في إيجاد مجالات أوسع لتطوير المدارس والارتقاء بها، واتـَّفق عدد كبير من مُديري المدارس والمعلمين، بأنها أتاحت لهم الفُرصة لصياغة القرارات، وِفق رؤية مُشتركة، وبطريقة ديمقراطية، وجعلت أبواب المدارس مفتوحة، لتلقّي المزيد من الآراء والاقتراحات البنـَّاءة، التي يُمكن أن يُعوَّل عليها في رفع مُستوى المدارس على نحو أفضل.
كما أن تطبيق اللامركزية جعل جميع مُنتسبي المدارس أكثر حرصـًا على المُشاركة بفاعلية، وتحمُّل المسؤولية كّلٍ في مجال اختصاصه، بهدف تحقيق الرؤية والرسالة المدرسية.
وحول تأثيرها على تطوير المناهج، تبيَّن أنها ساهمت في توسيع دائرة الأنشطة اللاصِّفية الداعمة للمناهج، كما أن المناهج صارت مبنيَّة على معايير ثابتة، وظهر لأوَّل مرة منهج مُتخصص في تقنية المعلومات، لم يكن موجودًا في فترة النظام التعليمي المركزي، وحدث تنوُّع غير مسبوق في المناهج، بما يُثري عقول الطُلاَّب.
الـسلم التعليمي
ينتهج النظام التعليمي المُتـَّبع حاليــًا في إندونيسيا النهج المُتـَّبع في كثير من الدِول الغربية والشرقية أيضاً، فيما يتعلَّق ببُنيان السلم التعليمي، الذي يتألَّف من المراحل الآتية:
– مرحلة رياض الأطفال: غير إلزامية، يلتحق بها الأطفال لمُدَّة سنتين (من سن 4 إلى 6 سنوات)، وجل ما يُقدَّم فيها أنشطة غير منهجية (تشكِّل نحو 90%)، إلى جانب تعليم مهارات الكتابة، وبعض العمليات الحسابية، وتـُدار من قِبل الهيئات الحكومية، كما يُشارك القطاع الأهلي بإدارة عدد ليس بالقليل منها، وجلها تتركَّز في المُدن، ونادرًا ما توجد في المناطق الريفية، ونِسبة المُلتحقين بها في الوقت الحاضر، نحو 4% فقط، من عموم الأطفال في الفِئة العمرية 4 : 6 سنوات.
– مرحلة التعليم الأساسي؛ تشتمل على مرحلتين فرعيتين:
ــ الأولى: مرحلة التعليم الابتدائي، إلزامية، ومُدَّة الدراسة بها ست سنوات، ويلتحق بها الأطفال من 6: 12سنة، وتـُغطِّي مدارسها مناطق البلاد كافة، إلاَّ أن النمو السُكَّاني السريع، لا يسمح بتحقيق نِسبة الاستيعاب الكامل.
وتـُدرَّس المناهج في كثير من جُزر الأرخبيل، باللُغة المحلِّية، في الصفوف الثلاثة الأولى، ثم تكون الدراسة بعدئذ باللُغة القومية، وهي لغة البهاسا bahasa أو الإندونيسية والتربية الدينية إجبارية وفقــًا لديانة الطالب، والاختبار يأخذ بنظام السنة الكاملة، حيث يُجرى في نهاية العام الدراسي لجميع الطُلاَّب.
والمُستَهدَف من هذه المرحلة، بحسب مُخطط التعليم العام، إلمام التلاميذ بالمبادئ الخمسة، التي وردت في دستور البلاد، وهي: الألوهية المُنفردة ــ القومية الإندونيسية ــ العدالة الاجتماعية ــ الإنسانية المُثقفة ــ الديمقراطية الشعبية، إلى جانب الإلمام بمجموعة من المعارف والمهارات والسُلوكيات.
ــ الثانية: مرحلة الثانوية الدنيا، وهي تـُعادل في العالم العربي، التعليم الإعدادي أو المُتوسِّط، مُدَّة الدراسة بها ثلاث سنوات، تـُغطِّي الفترة العُمرية من12: 15سنة، وهي على نوعين:
ــ تعليم ثانوي عام (أكاديمي).
ــ تعليم ثانوي فنـِّي أو مِهني (تجاري ــ تقني ــ اقتصاد منزلي).
– مرحلة الثانويـة العُليا، وهي تـُعـد امتدادا للمرحلة السـابقة، مُدَّة الدراسـة بها ثلاث سنوات، تـُغطِّي الفترة العُمرية من15: 18سنة، وهي أيضــًا تشتمل على نوعين من التعليم:
ــ تعليم أكاديمي، يُفضي إلى الالتحاق بالجامعات، لمن يتجاوزون اختبار سنتهم النهائية.
ــ تعليم فنـِّي أو مِهني، يُفضي للالتحاق بالمدارس العُليا في الصيدلة، أو المدارس العُليا في الاقتصاد، أو المدارس العُليا في تكنولوجيا الزراعة، أو المدارس العُليا في التمريض، أو المدارس العُليا في علوم البحار، أو المدارس العُليا للسياحة والفنادق، أو المدارس العُليا في الميكانيكا، أو المدارس العُليا في التجارة والمُحاسبة.
وبحسب إحصاءات العام قبل الماضي، فإن نِسبة الطُلاَّب الذين واصلوا تعليمهم في مرحلة الثانوية الدنيا، وصلت إلى نحو 90.4% ، التحق منهم نحو 54.64% بالتعليم الثانوي الأكاديمي، بينما اتجه نحو 35.46% للتعليم الثانوي الفنـِّي، أو الخروج لسوق العمل.
الخدمة المنزلية تعليم مُتوارَث وسلوكيات مُحافِظة
في العديد من بلدان شرق آسيا، يحتل العمل المنزلي، رُقعة واسعة من سُوق العمل بالنسبة للنساء، وتـُعد إندونيسيا واحدة من أكثر البلدان المصدرة للعمالة المنزلية، إن لم تكن أكثرها على الإطلاق، التي يلقى فيها العمل المنزلي قبولاً شعبيــًا، واحترامــًا مُجتمعيــًا، وهذا ليس بالظاهرة المُستَحدَثة، بل ذات جُذور قديمة، حيث من المألوف أن يكون لدي أُسرة ميسورة الحال، عاملة أو اثنتان أو أكثر، بحسب إمكانيات الأُسرة، ومدى احتياجاتها، ويُطلق على هذه الفِئة من العاملات اسم Tangga أو Pembantu، التي تعني «المُساعِدة»، أو «المُساعِدة المنزلية»، والتي يتمثــَّل عملها في رعاية الأطفال، والطبخ، والتنظيف، والقيام بالتسوُّق، ونحو ذلك.
وجدير بالإشارة أن المرأة الإندونيسية بفِطرتها، وبحِرصها على الالتزام بالعادات والتقاليد المُتوارثة، التي يُستَمَد جلها من تعاليم الدين الإسلامي، هي امرأة مُحافِظة، شديدة الالتزام بالآداب العامة، وإذا كانت المدنيَّة الغربية، عرفت طريقها إلى مناطق عديدة في الأرخبيل الإندونيسي، فإن الغالبية العُظمى من النساء، لم يفقدن أساسيات الخصوصية المُميزة لشخصياتهن، ولا الطبيعة المُحافِظة في سُلوكيَّاتهن، فمن حيث المظهر، تحرص النساء على ارتداء الملابس طويلة الأكمام، والفساتين التي تصل حتى الأقدام، بألوان صامتة أو داكنة، تخلو من البهرجة، ومن الجانب السلوكي لا تـُصافح المرأة الرجل باليد، ولا تدخل إلاَّ بعد الاستئذان، وعادة ما تـُلقي السلام عند الدخول على الآخرين، وعند تناول الطعام لا تـُبقي شيئاً في الطبق، فترك شيء من الطعام يعني أن«الشخص غير مُهذَّب»، كما أن الصوت العالي، سواء عند الغضب أو الفرح، هو بالنِسبة لها سلوك مُنفّر.
وأفضت دراسة حديثة، حول «قيمة المرأة في المُجتمع الإندونيسي» إلى أن 74% من النساء العاملات، يُفضـِّلن العمل في مِهن ذات علاقة بالأطفال ومجالات التربية، كما أن مدارس التعليم الديني في إندونيسيا، التي لا تكاد تخلو منها منطقة في الأرخبيل، أدت دورًا كبيرًا في تشكيل الشخصية المُحافِظة للمرأة، ومن ثم حماية العائلة التقليدية.
لطابعها الهادئ، وما تمتلكه من مبادئ وسلوكيات أخلاقية، فهي عاملة ومُربِّية مُفضَّلة في بلدان عديدة، وبخاصة سنغافورة وماليزيا والمملكة العربية السعودية. وفي تعداد أجراه المعهد الوطني للإحصاء في جاكرتا، فإن نحو 2,6 مليون عاملة ومُربِّية، يعملن في المنازل، جلهن من قاطني المناطق الريفية والحضرية الفقيرة، في شرق ووسط وغرب جاوة، ولامبونج، وكاليمانتان الغربية، حيث تجذبهن المناطق الأكثر دخلاً، في جاكرتا، وسور ابايا، وميدان، وباتام، وباليكبابان، وغيرها..
وكان تقرير لمُنظَّمة العمل الدولية أشار إلى أن ما يزيد عن نصف مليون عاملة إندونيسية، يُمارِسن العمل كمُربِّيات وخادمات، خارج حدود إندونيسيا، وأنهن من أقل العاملات إثارة للمشكلات، مُقارنة بعاملات دول أُخرى، في جنوب شرق آسيا.
العاملات المنزليات: نظرة من الداخل الإندونيسي
ضغط شعبي تعكسه الصحف، يحرك البرلمان الذي يوجه انتقادات حادة إلى الحكومة، فيتحول الملف إلى أزمة. هذا ملخص لقضية العاملات المنزليات إذا ما نظرنا إليه من داخل جمهورية إندونيسيا.
ولأن تاريخًا ممتدًا لعقود من العلاقة الإيجابية لا يزال يتعمق بين الدولتين الصديقتين، ولأن الواجب المعرفي يحتم إعادة قراءة الملف من الزاوية الأخرى، فإن هذه جولة في «الحالة الإندونيسية» من الداخل.
تمثل «الجمعية الأستشارية الشعبية» أعلى سلطة في جمهورية إندونيسيا، وتصل صلاحياتها إلى مستوى سحب الثقة من رئيس الدولة، وتتوزع الجمعية على مجلسين يتشكل معظم أعضاؤهما بالانتخاب.
يمكن فهم «الحالة الإندونيسية» بفهم طبيعة عمل ومدى قوة «الجمعية الاستشارية الشعبية» في جمهورية إندونيسيا. فهذه الجمعية، التي تعرف بين الإندونيسيين بالاسم العربي «مجلس» (Majelis)، تعد أعلى سلطة في البلاد، وتصل صلاحياتها إلى مستوى انتخاب رئيس الدولة ونزع الثقة عنه.
وإذ تمثل الجمعية معظم شرائح الشعب، ويتشكل غالبية أعضائها بالانتخاب فإن أدوارها في سن التشريعات وتعديلها وتعزيز الحقوق المدنية ومحاسبة الحكومة؛ جعل لها مصداقية عميقة في وجدان الأمة الإندونيسية، خاصة مع صيانتها للمبادئ الأساسية في الدستور الإندونيسي التي تنص على الإيمان بوحدانية الله ووحدة البلاد والعدالة الإنسانية والعدل الاجتماعي.
هذه العلاقة بين الشعب و«مجلسه» جعلت الأخير متفاعلاً دومًا مع المستجدات التي قد تقلق الأهالي، ومنها ملف العاملات المنزليات في السعودية، خاصة بعد اشتغال الصحافة المحلية على الملف.
فقد تضمن تقرير نشر في صحيفة جاكرتا بوست بعنوان «أوضاع العمالة الإندونيسية في السعودية، تجارب ورؤى» استعراض لحالات من الاعتداء البدني، والتحرُّش، والاتهام دون وجه حق، التي يزعم التقرير أن عاملات إندونيسيات تعرضن لها في السعودية.
وأورد تقرير لصحيفة «مراسل آسيا» حالات أخرى لعاملات إندونيسيات يحكين كيف تعرضن للضرب من أرباب وربات عملهن السعوديين، ولم ينس التقرير أن يشير إلى إعدام عاملة منزلية عام 2007، على خلفيَّة قتلها كفيلها، وزعم التقرير أنها كانت في حالة دِفاع عن النفس، بعد تعرُّضها لمحاولات عُنف، وكذلك إلى الحالة التي سبقت وقف الاستقدام بين الجانبين عام 2011، حين أعدمت عاملة إندونيسية بعد إدانتها بضرب زوجة كفيلها بساطور حتى الموت.
وأسفرت التقارير الصحافية المتولية عن مظاهرات أحتجاجية تحرك بعضها صوب سفارة خادم الحرمين الشريفين في جاكرتا، فيما وقفت مظاهرات أخرى قبالة مقر البرلمان الإندونيسي (الجمعية الاستشارية الشعبية).
أمــَّا تحت قُبة البرلمان، فقد تعرَّض غير عضو من النواب، لمُشكلة العمالة في الخارج، وكان جل التركيز على العمالة المنزلية في المملكة، ووجهت انتقادات حادة للحكومة، خرج على أثرها المُتحدِّث باسم الحكومة، ليُشير إلى «أن مجلس الوزراء أصدر توصيات، تعتزم الحكومة بموجبها، حظر عاملات المنازل من الذهاب إلى الخارج، بحلول عام 2017، وأنه سوف تـُعطى الألوية بعد ذلك للمُتدربات على أعمال التمريض».
وتحت ضغط البرلمان، حاولت الحكومة الإندونيسية الموازنة بين الأهداف الاقتصادية، التي يحققها استمرار إرسال العمالة إلى السعودية، والتجاوب مع الضغط الشعبي الذي يطالبها باتخاذ التدابير لحماية العاملات على وجه الخصوص؛ كل ذلك مع مسار دبلوماسي مهم يسعى للحفاظ على العلاقة العميقة بين الدولتين: المملكة العربية السعودية وجمهورية إندونيسيا.
ويمكن لذلك أن يفسر الموقف المتصلب الذي لاحظه أعضاء لجنة الاستقدام السعودية لدى نظرائهم في الجانب الإندونيسي، أثناء لقاءات التفاوض لحسم مسألة العاملات المنزليات.
رؤية نحو المُستقبل
إن ثمة جُهودًا تـُبذل في سبيل تحقيق مزيد من الإصلاحات، في مجال التعليم العام بإندونيسيا، ليواكب معايير الجودة الدولية، حيث صار الإعداد الجيِّد للمُعلِّم، واجتيازه الاختبارات النظرية، والتدريبات العملية، شرطــًا رئيسـًا لمُمارسة مِهنة التدريس، ويتم ذلك من خِلال كُلِّيات إعداد المُعلِّمين، التي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1954م، إلى جانب ذلك تقوم وزارة التربية بعمل برامج لرفع كفاءة المُعلِّمين أثناء الخِدمة، وثمة برامج أُخرى تستهدف الارتقاء بمُستوى مُديري المدارس، يُشارك فيها خُبراء في التربية، من داخل البلاد، ومن خارجها.
وفي جُعبة الوزارة، خِطَّة مُستقبلية لتطوير المناهج، يُشارك فيها: اللجنة العُليا لتطوير المناهج، ومركز الوسائل التعليمية، والمركز القومي للبحوث التربوية، ومركز القياس والتقويم، ومركز تقنيات التعليم والوسائط المُتعددة، ومركز المعلومات التربوية والثقافية، ومركز الكُتب الدراسية، ويُشرف على هذه الخِطَّة، مجموعة من كبار الباحثين والعُلماء.
وبحسب ما هو مُعلن، فإن هذه الخِطَّة، تستهدف:
المواءمة على نحو أفضل، بين المدخلات والمخرجات. التربية على المواطنة الصالحة، وحقوق الإنسان. تنمية الاتجاه العلمي التجريبي، من خِلال تعظيم دور المعامل والمختبرات المدرسية. العناية بالتقنيات المُستَحدَثـة، في مراحل التعليم كافة.
يذكر أن المناهج الدراسية في إندونيسيا، يتم مُراجعتها كُل خمس سنوات، وتشتمل المراجعة بشكل رئيس على:
ــ فلسفة المناهج، وأسس بنائها.
ــ المدى الزمني المُناسب لكُل مادة، بما يُحقق التوازن والتكامل بين جميع المواد.
ــ دليل المُعلِّم.
وتسعى وزارة التربية، من خِلال هيئة الأبنية التعليمية، إلى التوسُّع في إقامة المزيد من المدارس، للتقليل من كثافة الفصول، وفي ذات الوقت استيعاب الأعداد المُتزايدة من الطُلاَّب، نتيجة النمو السُكَّاني العالي.
كما أن ثمة مشروعًا يحمل اسم PRIORITAS USAID، يستهدف تحديد أولويات الإصلاح في المنظومة التعليمية، ومن ثم الولوج إلى تنمية المهارات الابتكارية، والتفكير الناقد البنـَّاء، لدى الطلاب.
والسؤال.. الذي يتبادر على الأذهان، إذا كان النظام المركزي السابق، أخفق بتحقيق طموحات وآمال الإندونيسيين في تعليم جيِّد، فهل تنجح اللامركزية في تحقيق ذلك؟ أم أن ثمة عوامل عديدة أُخرى، يجب النظر إليها بعين الاعتبار، لتحقيق مُعدَّلات عالية في جودة التعليم، تـُرضي طموحات جيل المُستقبل؟،وفق “مدارسنا.نت”.
بقلم : حسني عبد الحافظ

اقرأ أيضا  الرئيس يزور مزرعة للصناعات الغذائية ويوزع مساعدات في وسط كاليمانتان

وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.