العناية بكتاب الله تعالى

العناية بكتاب الله تعالى www.abna.ir
العناية بكتاب الله تعالى
www.abna.ir

الجمعة،18 ذوالقعدة1435ه الموافق12 أيلول/سبتمبر2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
الحمد لله الكريم المنَّان، الرحيم الرحمن، الذي علَّم القرآن، وجعَلَه معجزةً لرسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – مستمرَّة على تَعاقُب الزمان، أحمَدُه – سبحانه – إذ حفظ كتابَه من التبديل والزيادة والنقصان، ويسَّرَه للذكر حتى استَظهَره صِغار الولدان، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، الملك الحق المبين.

وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين، والناصح المبين، الذي بعَثَه الله رحمةً للعالمين، وجعَلَه حجَّةً على الخلق أجمعين، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد:

فيا أيها الناس:
اتَّقوا الله – تعالى – حقَّ تقواه، وأطيعوه تفوزوا بمحبَّته وثوابه ورِضاه، وتعلَّموا كلامَه، وتدبَّروا كتابه، واتَّبِعوا هُداه تهتَدُوا لكلِّ عمل صالح مبرور، وتنالوا من الله – تعالى – في الدارين عظيم الأجور؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ * وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 31 – 32].

فهو المخرج من كلِّ فتنة، والعصمة من كلِّ ضلالة، والنَّجاة من كلِّ هلَكَة، فيه نبَأُ ما قبلكم، وخبرُ ما بعدَكم، وحكمُ ما بينكم، هو الفصْل ليس بالهزْل، مَن ترَكَه من جبَّار قصَمَه الله، ومَن ابتَغَى الهدى من غيره أضلَّه الله، وهو حبل الله المتين، ونورُه المبين، وهو الذكر الحكيم، والصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تتشعَّب معه الآراء، ولا يَشبَع منه العلماء، ولا يملُّه الأتقياء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يخلق من كثرة الرد، مَن عَلِمَ علمَه سبق، ومَن قال به صدَق، ومَن حكَم به عدَل، ومَن عمل به أُجِر، ومَن دعا إليه هُدِي إلى صراطٍ مستقيم.

أيها المسلمون:
اتلوا القرآن؛ فإنَّ الله – تعالى – يأجركم على تلاوته بكلِّ حرف عشر حسنات، ويُبلِّغكم به رفيعَ الدرجات، فإنَّه والله معجزة الدهور، وآية العصور، وسفر السعادة، ومنهج العدالة، وفانون الفريضة، والداعي إلى كلِّ فضيلة، والواقي عن الوقوع في الرذيلة؛ يقول – تعالى -: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15 – 16].

فلو تدبَّر المرء القرآن، واتَّبَع ما فيه من الهُدَى والبيان، وعمل بما فيه من الوَصايا الفَصِيحة، والنصائح الصحيحة، لصار سعيدًا في نفسه وأهله، مسعدًا لبلده ومجتمعه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 57 – 58].

فاستَبشِرُوا بالقرآن وافرَحُوا به، وأحلُّوا حلاله وحرِّموا حرامه، واعملوا به واحترموه وعظِّموه وتدبَّروه، وتفكَّروا فيه واقتدوا به، واجعلوه لكم نورًا وهدًى وتبصرةً، ودواءً وشفاءً، وموعظة وذكرًا، وتخلَّقوا به ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه ولا تستَكثِروا به.

اقرأ أيضا  الأحاديث النبوية المبشرة بنصر الإسلام والمسلمين

أيها المسلمون:
صحَّ عن نبيِّكم – صلى الله عليه وسلم – أنَّه قال: ((خيرُكم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمَه))، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((الماهر بالقرآن مع السَّفَرَة الكرام البرَرَة، والذي يقرَأ القرآن ويتتعتَع فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران)).

وقال: ((ما اجتَمَع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله – تعالى – يتْلون كتابَ الله ويَتدارَسُونه بينهم إلا نزَلَتْ عليهم السَّكِينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكَرَهم الله فيمَن عنده)).

وقال: ((إنَّ الله يرفَعُ بهذا الكتاب أقوامًا ويَضَع آخَرين)).

إلى غير ذلك من النُّصوص الصحيحة والأخبار الصريحة التي تحثُّ على تعلُّم كتاب الله والعناية به، وتدبُّره وفهمه، والعمل به وبيانه، والدعوة إليه ومذاكرته، وتعليمه لِمَن لا يعلَمُه؛ فإنَّه تبيانٌ لكلِّ شيء، ويَهدِي للَّتي هي أقوم، فأقبِلُوا على تعلُّمه وتلاوته وتدبُّره وفهْمه، والعمل به، والتخلُّق به، والدعوة إليه، وتعليمه لِمَن لا يعلَمُه من أولادكم ونسائكم، وذويكم وإخوانكم ومَن حولكم، ومَن تلتَقُون به، وربُّوهم عليه، ورَغِّبوهم على ذلك، وأدِّبوهم به حتى يَألَفوه ويحبُّوه، ويحتَرِموه ويُعظِّموه، ويستَأنِسوا به ويُقبِلوا عليه ويدعو إليه، ويكونوا من حملة القرآن وأهله المعروفين به، فإنَّ مَن قرَأ القرآن وعمل به فقد أورَثَه الله كتابه، وذلك الذي اصطفاه الله – تعالى – واجتَبَاه، ويا عظم ما من الخير أتاه: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [فاطر: 32].

ولا يكون المرء عالمًا حقًّا ولا موصوفًا بالعلم صدقًا حتى يكون ممَّن حفظ آيات الله علمًا وعملاً، وتميَّز بالتخلُّق بها بين الورى؛ ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49].

فإنَّه نورٌ وهُدًى وموعِظة وذِكرَى وتبيان وشِفاء، فمَن واظَب على تلاوته وتأدَّب بما ينبَغِي له من أدبٍ مخلصًا لله في ذلك – نفَعَه الله بذلك، فاستَضاء بنوره واهتَدَى بهداه، واتَّعظ بموعظته وانتفع بذِكراه، واستَصلَح به قلبه، واستَشفَى شفاه الله وهَداه من أمراض القلوب وأدواء الصدور؛ يقول – تعالى -: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].

أيُّها المؤمنون:
قال الإمام ابن القيِّم – رحمه الله -: مَن تأمَّل كلام الله وعظيم بيانه وجَد ملكًا له الملك كلُّه وله الحمد كلُّه، أَزِمَّة الأمور كلها بيده، يَنصَح عباده ويدلُّهم على ما فيه سعادُتهم وفلاحُهم، ويُرغِّبهم فيه ويُحَذِّرهم ممَّا فيه هلاكُهم، ويتعرَّف عليهم بأسمائه وصِفاته، ويتحبَّب إليهم بنعمه وآلائه، فيُذكِّرهم بنعمه عليهم ويأمُرُهم بما يستَوجِبون به تمامَها، ويُذكِّرهم بما أعدَّ لهم من الكرامة إنْ أطاعوه، وما أعدَّ لهم من العقوبة إنْ عصوه، ويُخبِرهم عن فِعلِه في أوليائه وأعدائه، وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء، ويضرب الأمثال وينوِّع الأدلة والبراهين، يدعو إلى الجنة دار النعيم والتكريم، ويذكر أوصافها وحسنها تشويقًا لأهل الإِيمان، ويحذر من النار دار البوار، ويذكر عذابها وقبحها زجرًا عن الكفر والفسوق والعصيان، ويُذكِّر عباده فقرهم إليه، وأنهم لا غنى لهم عنه طرفةَ عين.

اقرأ أيضا  الإسراء والمعراج

فإذا شهدت القلوب من القرآن ملكًا عظيمًا رحيمًا جوادًا جميلاً هذا شأنُه، فكيف لا تحبُّه القلوب وتتنافس في القرب منه؟

فالقرآن – أيُّها المؤمنون – مُذكِّر بالله مقرِّب إليه، فينبغي للمسلم أنْ يُعنَى بتعلُّمه ويُكثِر من تِلاوَته؛ لأنَّه النور والشِّفاء والرحمة والروح والهدى والذكر الحكيم والفرقان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الإسراء: 9 – 10].

بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستَغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم من كلِّ ذنب، فاستَغفِروه يغفر لكم إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف: 1 – 5].

أحمده – سبحانه – وصَف القرآن بأنَّه: ﴿ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 203].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له ولا ندَّ ولا مضاد: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23].

وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة: 2 – 4].

صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الراسخين في العلم بالكتاب، يقولون: آمنَّا به كلٌّ من عند ربِّنا، وما يذكَّر إلا أولو الألباب، أمَّا بعدُ:
فيا أيها الناس:
اتَّقوا الله – تعالى – واتلوا كتابَه، واعملوا بطاعته وارجوا ثوابَه، وجنبوا معصيته تأمَنُوا عقابَه، وداووا بكلامه أمراضَ قلوبكم، وزِنُوا به أعمالَكم، فاجعَلُوه لكم إمامًا ونورًا، ولا تتَّخِذوه مهجورًا.

عباد الله:
إنَّ كثيرًا من الناس انشغَلُوا عن تعلُّم القرآن؛ فالكبار انشغلوا عنه بجمع الحطام، واستبدَلُوا به القيلَ والقال، ونحو ذلك من رَدِيء الكلام الذي يُفسِد القلوب، ويعمي الأبصار، ويجلب على صاحبه في الدارين أنواع الخيبة والخسار والصغار، انشغَلُوا عنه بالدارسة النظاميَّة التي غالبًا لا تُعطِي القرآن ما يستحقُّ من الوقت والعناية، فضلاً عن أنْ تربِّيهم على أنْ يطلبوا الأجر والهداية، وأنْ يتخلَّقوا به في سائر الأحيان، ويُعلِّموه لِمَن لم يتعلَّمه من بني الإِنسان، فكثيرٌ منهم لا يَرفَعون به رأسًا، ولا يعتَنُون به درسًا، ولا يهتمُّون له عند الامتِحان، كغيرِه من العلوم التي هي من اختراع الإِنسان، بل تعوَّدوا أنهم به ناجحون، ولو كانوا به يَتهاوَنون، وهذا ممَّا أضعَفَ أثَرَه في النُّفوس، كما ضعف شأنُه من بين الدروس، وبقيَّة وقتهم مُضَيَّع في الشوارع وأماكن اللهو؛ ممَّا أدَّى إلى جهْلهم بالقرآن، وحرمانهم ممَّا فيه من الهدى والبيان.

اقرأ أيضا  الخوف من الله: نعيم في الدنيا والآخرة

وكم من شخصٍ يَحمِل أعلى المؤهِّلات، ويَشغَل وظيفةً كبيرةً في المجتمعات، وهو لا يُحسِن تلاوةَ ما يحتاج إليه منه في الصلاة، فضلاً عن أنْ ينتَفِع بمواعظه وبَيانه؛ ممَّا جعَلَه الله ثقلاً على نُفُوس الكثيرين حتى لا يتلوه إلاَّ في مناسبات معيَّنة محدودة، وهم في ذلك غير مُقبِلين، فكان الأمر عند الكثيرين كما قال – تعالى -: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].

فمنهم مَن هجَر استِماعَه والإِصغاءَ إليه والإيمانَ به، ومنهم مَن هجَر العملَ به والوقوفَ عند حُدودِه من تحليل حلاله وتحريم حرامه، وإنْ قرَأَه وجوَّدَه، ومنهم مَن هجَر تحكيمَه والتحاكُم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتَقَد أنَّه لا يفيد اليقين، ولا يَكفِي وحدَه لصلاح أمور المسلِمين، ومنهم مَن هجَر تدبُّرَه، ومعرفة ما أراد منه مَن تكلَّم به، ومنهم مَن هجَر الاستِشفاء به والتَّداوِي به من جميع أمراض القلوب والأبدان، فلم يَبْقَ منه عند هؤلاء إلا رسمه؛ تُزيَّن بنسخه المكتبات، وتُعلَّق آياتُه على الجدران والواجِهَات، وتُصنَع منه الحُجُب والتَّمائِم وغيرها ممَّا تُؤكَل به أموال العوام، ويشغل عمَّا فيه من الحِكَم والأحكام.

عباد الله:
إنَّه لا بُدَّ من تعلُّم كتاب الله وحِفظِه، والعمل به وسؤال الله به، فإنَّه ذكرٌ لكم وسوف تُسأَلون، فتعلَّموه من أهله الراسِخين في العلم، ولا يمنعنَّ شيخًا كبرُ سنِّه ولا ذا فضلٍ فضلُه عن أنْ يأخُذَ العلم عمَّن هو دونه.

عباد الله:
تعلَّموا كتابَ الله واتلُوه، وتفكَّروا فيه وتدبَّروه، وتخلَّقوا بأخلاقه، واعمَلُوا به وادعوا إليه، واهتَدُوا واهدوا بهداه، ولا يمنعنَّكم عن ذلك كبر السن أو الصنائع والمِهَن.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 44].

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يَذكُركم، واشكُروه على نعمه يزدْكم، ولذكْر الله أكبرُ والله يعلَم ما تصنَعون.

الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.