تشويه صورة المرأة المسلمة
الجمعة،18 ذوالقعدة1435ه الموافق12 أيلول/سبتمبر2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
ناصيرا بنت إيليسون
منذ قيام الحركة النَّسوية في أواخر السبعينيَّات، اتَّجَهت العدسات المكبِّرة إلى مكانة المرأة المسلمة، ولِسُوء الحظِّ كانت العدسات المكبِّرة التي استُخْدِمت غريبة جدًّا، كانت غريبةَ الاتِّجاه؛ ذلك أنَّها أحسنت انتِقاء الموضوع الذي ستعظِّمه، والموضوعات الأخرى التي ستشوِّهها؛ حتَّى تُصبح كأنَّها مألوفة، وأنا أَذْكُر أنَّنِي ذاتَ مرَّة كنتُ أقرأ في مقالة عن حياة المرأة المسلمة، وكانت هذه المقالة تقول: إنَّ الرجل يَحِقُّ له في أيِّ وقت أن يُطلِّق زوجتَه بِمُجرَّد قولِه لَها: “أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق”، وهذه المقالة من الممكن أن تَجُرَّ أيَّ جاهلٍ بشريعة الإسلام المتعلِّقة بالطَّلاق إلى الاعتقاد بأنَّ المرأة تصبح في خلال خَمسِ ثوانٍ بلا زَوْج، وترعى نفسها (وربَّما أطفالَها) بأيٍّ من الوسائل الضرورية، والسؤال الذي قفز إلى ذِهْني لأول وَهْلة هو: هل كاتِبُ المقالة كتَبَ هذا الكلامَ عن جهلٍ؟ أم إنَّها مُحاولة مِن المحاولات التي تريد تَشْويه دين الإسلام، وتشويهَ صورة المسلمين؟ قد يكون هذا ريبًا منِّي، ولكنِّي أميل إلى الخيار الأخير.
إنَّ نظام التطليق في الإسلام نظامٌ عادل، وهو أكثر الأنظمة إنسانيَّةً؛ حيث إنَّه:
أوَّلاً: هناك عدَّة خيارات يُمْكن اللُّجوء إليها قبل أَخْذ قرار التَّطليق، إذا قرَّر الرَّجلُ والمرأة استحالةَ استِمْرار العِشْرة بينهما بِنَجاح كزَوْجَيْن، فإنَّ الزوج يُعْلِن الطَّلاق بقوله للزَّوجة: “أنت طالق”، (هذا في معظم الأحوال، وليس على سبيل الدَّوام)، ومنذ لَحْظة إعلان الطَّلاق تبدأ مرحلة العدَّة، التي تستمر ثلاثَ حيضات؛ حتَّى يتِمَّ التأكُّد من أنَّ المرأة ليستْ حاملاً، كما أنَّ العدة تُتِيح للزَّوجَيْن النَّظرَ مرَّة ثانية فيما فعَلاه إذا ما كان هو فعلاً ما يُرِيدانه أم لا، وهكذا لا يتدخَّل مُحامٍ بينهما؛ حتى لا يجعل الموقف عداوة فعليَّةً.
وإذا كانت المرأةُ حاملاً، فإنَّ مرحلة العدَّة تستمرُّ طوال مدَّة حَمْلها كله، كما أنَّه يجب على الرَّجُل أثناء العدَّة أن يُطْعِم زوجته وأن يَكْسُوَها وأن يَقِيَها كما كان يفعل تَمامًا قبل التَّطليق، وإذا استمرَّ الطَّلاق حتَّى ميلادِ الطِّفل وقامت المرأة بإرضاعه، فإنَّه يَجِب على الزَّوج في هذه الحالة أن يُطْعِم زوجته المطلَّقة ويَكْسوَها طوال المدَّة التي ترضع فيها المرأةُ الصبِيَّ (حولَيْن كاملين على أقصى تقدير)، وبعد فطام الصبِيِّ، فإنَّ الأبَ يقوم بالإنفاق عليه حتَّى يُصْبِح الصبِيُّ أو البنت في غِنًى عن المساعدة.
ومن المثير للسُّخرية أنَّه في المجتمعات المتقدِّمة – مثل أمريكا – توجد حالاتُ طلاقٍ تقوم المرأة فيها بل تُجْبَر على دَفْع نفَقةٍ لزَوْجها المطلّق! هل من الممكن مقارنةُ كلِّ ما نعرفه عن النِّظام الأمريكي للطَّلاق، بالنظام الإسلامي للطلاق؟!
لقد قرأتُ أيضًا قصصًا تَذْكُر أنَّ المرأة في الإسلام تُجْبَر على الزَّاوج من الرَّجُل دون رِضاها، وهذا لا يشبه بِحالٍ من الأحوال نظامَ الزَّواج في الإسلام، ففي الإسلام تتزوَّجُ المرأةُ الرَّجلَ باختيارها التامِّ، بل رُبَّما تتزوَّج شخصًا يرفضُه أبوها أو أمُّها؛ لأنَّ القرار النهائيَّ تأخذه المرأة بشأنِ مَن تتزوَّجه، وبِمُجرَّد عَزْمِ كلٍّ من الرَّجُل والمرأة على الزَّواج، يَجِب تحديد المَهْر، والمهر ليس هو ثَمنَ الزوجةِ، ولكنَّه هديَّة من العريس إلى العروس، يتمُّ الاتِّفاق على هذه الهديَّة في حدودِ مَقْدرة العريس، ففي عصر النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – كانت تُقَدَّم الدوابُّ أو النُّقود – غالبًا – كمُهور للزَّوجات، وهذا قرارٌ حكيم؛ حيث يكون للزَّوجة ضمانٌ ماليٌّ ترجع إليه ولو لِمُدَّة وجيزة من الزَّمان في حالة ما إذا أصبحَتْ أرملة أو مطلَّقة، وبِمُجرَّد زاوج الرَّجل بالْمَرأة، يجب عليه إطعامُها وكسوَتُها، ووقايتها وتعليمها، أو السماح لَها بالتَّعليم بالطريقة التي يَرْضاها لنفسه.
الصُّورة المشوَّهة الأخيرة التي يجب أن أغطِّيَها هي لباسُ المرأة المسلمة، تَصِفُ وسائلُ الإعلام الغربيَّة اللِّباسَ الخاصَّ بنا بأنه لباسٌ مستبَدٌّ ومهجور، عَفا عليه الزَّمان، وغير ذلك مِمَّا هو غنِيٌّ عن الذِّكْر، إلاَّ أنني أختلف مع كلِّ هذه الصِّفات؛ لأنَّ لباس المرأة المسلمة لا يعوقنا إطلاقًا عن أداء أيِّ عملٍ نافع في حياتنا؛ فقد شارَكَت المرأةُ المسلمة في الوظائف المختلفة، ومع ذلك لم يَعُقْها لباسُها عن العمل، ولم يقلِّل من إنتاجها، أمَّا بالنِّسبة للقول بأنَّ لباس المرأة المُسْلمة عفا عليه الزَّمان، خصوصًا في وقتنا المعاصر، فهو بعيد عن الصَّواب؛ وذلك لأنَّه يبدو الأكثرَ ملاءمةً في عالَم اليوم الذي اضمحلَّت فيه الأخلاق.
وهكذا نرى أن المتشدِّقين بهذا القول، يتحدَّثون عن جهلٍ تامٍّ؛ لأنَّ انْحِطاط الأخلاق والفِتَن المتزايدة في هذا العصر تَزِيد من ضرورة لبس الحجاب، فالجرائم الجنسيَّة متفشِّية في هذا العصر أكثر مِن أيِّ زمان مضى، وعلى الرغم مِن أنَّ هذا المُجتمع يقول للمرأة: يُمْكنك أن ترتدي أيَّ شيء تريدين ارتداءه، إلاَّ أنه في حالة حدوث واقعة اغتصاب فإنَّ المرأة نفسَها تكون أوَّل من توضَع تَحْت الاختبار؛ حيث يكون أوَّل سؤالٍ يوجَّه إليها: “ماذا كنتِ ترتَدِين؟” إنَّ هذا المفهوم يَبْدو كما لو كان مَجْموعة متوجِّهة مباشَرة إلى ما يسمَّى بالمرأة المعاصِرة، أيضًا هناك علاقة مباشرة بين مدى احترام الرَّجل للمرأة، والجزء الذي تَكْشِفه من جسَدِها بكِبْرياء.
ختامًا: إنَّني آمل أن تُزيل هذه المقالةُ النواحِيَ المشوَّهةَ وغيرَ المفهومة عن دين الإسلام، وعن المرأة المسلمة، فالمرأة في الإسلام تَحْظى بكلِّ احترام وتنال أعلى مكانة، ولن نَرى النَّجاح أو نَجِد حلولاً لمشاكلنا إلاَّ إذا أدرَكْنا أنَّ الله – عزَّ وجلَّ – يَعْلم الخير لنا، ومِن ثَمَّ فإنَّ هذا المجتمع الكافر سيُهْلِك نفسه بنفسه.
كتبَتْ هذا المقالَ الأخت/ ناصيرا بنت إيليسون – امرأة غَيْر مسلمة اعتنقَت الإسلام.
المقالة مقتبسة من مجلَّة الْهُدى، جاميكا، نيويورك.
مترجم للألوكة من اللغة الإنجليزية
ترجمة: جمعة مهدي فتح الله