عظات وعبر من قصة يوسف عليه السلام
الجمعة،16ربيع الثاني1436//6 فبراير/شباط 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: “عظات وعبر من قصة يوسف عليه السلام”،والتي تحدَّث فيها عن الابتلاءات والمِحَن التي تُصيبُ المؤمنين، وتذكيرَالناس بقصة يوسف وما استملَت عليه من محَنٍ وفتنٍ وخوفٍ وغُربةٍ وغير ذلك،ثم تمكينٌ في الأرض ونصرٌ، وهو يُوجِّهُ بذلك رسالةً إلى كل مُبتَلَى بوجوبالصبر على الابتلاء.
الخطبـــــــــــــــــــــــــــــــــة الـــــــأولــــــــــــــــــــــــــــى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّله، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلهالطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبِعَهمبإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم – أيها الناس – ونفسي بتقوى الله؛ فالتقوى طوقُ النجاة، وهي الحاجزُ عند الفتن، وبها يكون النصرُ عند الشدائد والمِحَن،﴿ أَلَاإِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِيالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
أيها المسلمون:
أيها الصابِرون الصامِدون، ويا أيهاالمُبتَلَون! إنه ومع طولِ الليلِ وتفاقُم الجراح يجمُلُ التفاؤُل، وفيغَمرة الأحزان تحلُو حكايا السُّلْوان، وفي ثنايا الآلام تُولَدُ الآمال،وإذا اشتدَّت الكُروب، وأطبَقَت الخُطوب، وتسلَّطَ الفاجِرُ وعزَّالناصِرُ؛ فسنَّةُ الله في قُرآنه قبل النصر قصصٌ تبعثُ الأملَ، وتحيا بهاالنفوسُ ويزكُو بها الإيمان.
وما يُصيبُ المؤمنَ من جراحاتٍ وابتلاءاتٍليس إلا سنةً قد خلَت في الأصفياء قبله، تُرفَع بها الدرجات، وتُحطُّالسيئات، وتُمحَّصُ بها القلوبُ، وتصفُو بها الأمةُ المؤمنة،﴿ وَتِلْكَالْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَآمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّالظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَالْكَافِرِينَ(141) ﴾
وفي سيرة نبيِّنا محمد – صلى الله عليه وسلم – آياتٌ وعِبَر، وفي أحرَج الفترات وأشدِّها في مكة، وقبل الهِجرة بثلاثسنين ماتَت خديجةُ – رضي الله عنها – وكانت وزيرَ صدقٍ على الإسلام، يشكُوالنبيُّ الحبيبُ إليها، ويستنِدُ عليها، ومات عمُّه أبو طالب، وكانمنَعَةً له وناصِرًا على قومه، واستغربَ الناسُ حادثةَ الإسراء فكذَّبوه،وارتدَّ بعضُ من أسلَمَ، وانكفَأَت الدعوةُ حتى ما كاد يدخلُ في الإسلامأحد.
وسمَّى النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – ذلكالعامَ: عامَ الحزن، وتجرَّأَت قريشٌ على النبي – صلى الله عليه وسلم -،وبلغَت الحربُ عليه أقصَى مداها، ورسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – يُعانِي من الوَحشَة والغُربة، وتُعانِي معه الجماعةُ المُسلِمةُ هذهالشدَّة.
فأنزلَ الله تعالى سورة الإسراء والفُرقان،ثم نزلَت سورةُ يونس، ثم سورة هود، وكان فيها من التثبيت والتسرية وقصصالأنبياء وأخبارِهم مع أقوامهم وأيام الله فيهم، وإدالَة الحق وأهله ماقوَّى عزمَ النبي – صلى الله عليه وسلم – وعُصبَته المؤمنة، وفي خاتمة سورةهود﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
وبعد هذه السور وفي تلك المرحلة الحزينةنزلت سورةُ يوسف؛ فكانت بلسمًا وحنانًا ورحمةً من الله وسُلوانًا، وكانتخاتمةَ القصص الجميلة.
سُورةُ يوسف فيها مشاهِدُ الألم والأمل،ومرارة الفِراق وحلاوة اللقاء، فيها حِكايةُ اليأس واليقين، والظلموالقَهر، والابتلاء والصبر، ثم النجاحُ والنصرُ. فيها الانتقامُ والعفوُوالصفحُ، فيها الرجاءُ والدعاءُ، والتمكينُ بعد الابتلاء، والعاقبةُالحُسنى للمتقين والصابرين.
سُورةُ يوسف تتجلَّى فيها حِكمةُ الله وأقداره، وتدبيرُه وأسرارُه في نظمٍ قصصيٍّ لم تسمَع الدنيا بمِثلِه﴿ الرتِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًاعَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَالْقَصَصِ (3) ﴾ يقصُّ الله على نبيِّه الكريمِ قصةَ أخٍ لهكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم – عليهم صلوات الله وسلامهأجمعين -، وهو يُعانِي صنوفًا من المِحَن والابتلاءات: مِحنةُ كيد الإخوة،ومِحنةُ الجُبِّ والخوف والترويعِ فيه، ومِحنةُ الرِّقِّ وهو ينتقلُكالسلعةِ من يدٍ إلى يدٍ على غير إرادةٍ منه ولا حمايةٍ ولا رعايةٍ منأبَوَيه ولا من أهله.
ومِحنةُ كيد امرأة العزيز والنِّسوة،وقبلَها ابتلاءُ الإغراء والفتنة والشهوة، ومِحنةُ السجن بعد رغَدِ العيشِوطَرَاوَته في قصر العزيز، ثم مِحنةُ الرخاء والسلطان المُطلَق في يديه وهويتحكَّمُ في أقوات الناس وفي رِقابِهم، وفي يديه لُقمة الخُبز التيتقُوتُهم، ومِحنةُ المشاعِر البشرية وهو يلقَى بعد ذلك إخوتَه الذين ألقَوهفي الجُبِّ وكانوا السببَ الظاهرَ لهذه المِحَن والابتلاءَات كلِّها.
فلا عجبَ أن تكون هذه السورة بما احتَوَتهمن قصةِ هذا النبيِّ الكريمِ، ومن التعقيباتِ عليها بعد ذلك مما يتنزَّلعلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والمسلمين معه في مكة في هذه الفترةبالذات، تسليةً وتسريةً، وتطمينًا وتثبيتًا للمُطارَدين المُغترِبين.
بل كأنَّ في هذا تلميحًا بالإخراج من مكةإلى دارٍ أخرى يكون فيها النصرُ والتمكينُ مهما بدا أن الخروج كان إكراهًاتحت التهديد، كما أُخرِج يوسف من حِضنِ أبيه ليُواجِهَ هذه الابتلاءاتكلها، ثم ينتهي بعد ذلك إلى النصر والتمكين،﴿ وَكَذَلِكَمَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِالْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَالنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) ﴾
لقد جاءت آيةُ التمكين في ثنايا ذِكرِ يوسفوهو يُباعُ بيعَ الرَّقيق، وجاءت السورةُ وفي كل مراحلِ قصَّتها تأكيدٌللإيمان واليقين والثقة بربِّ العالمين، والعاقبةِ الحُسنى للمُتَّقين.
وعند إلقاء يوسف في الجُبِّ وبيعِه وإرادة الكيدِ له قال الله تعالى﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) ﴾؛ فقد أراد إخوةُ يوسف له أمرًا وأراد الله له أمرًا، ولما كانالله غالبًا على أمره ومُسيطِرًا فقد نفَدَ أمرُه، أما إخوةُ يوسف فلايملِكون أمرَهم، فأفلَتَ من أيديهم وخرجَ عما أرادوا﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ لا يعلمون أن سنةَ الله ماضِية وأن أمره هو الذي يكون.
وعندما كادَ يوسفُ أن يركَنَ إلى بشرٍيذكُرُ مظلمَتَه عند الملِك كان جزاؤُه أن لبِثَ في السجنِ بِضعَ سنين، قدشاءَ ربُّه أن يُعلِّمَه كيف يقطَعُ الأسبابَ كلَّها، ويستمسِكَ بسببه وحدهفلم يجعل قضاءَ حاجته على يدِ عبدٍ، ولا سببٍ يرتبِطُ بعبدٍ، وهذا مناصطفائِه وكرمِه.
إن عبادَ الله المُخلَصين ينبغي أنيُخلِصُوا له – سبحانه – وأن يدَعُوا له وحده قِيَادَهم، ويدَعُوا له – سبحانه – تنقِيلَ خُطاهُم، وحين يعجَزون بضَعفهم البشريِّ في أول الأمرِ عناختيار هذا السُّلوك يتفضَّلُ الله – سبحانه – فيقهَرُهم عليه حتىيعرِفُوه ويتذوَّقوه ويلتزِموه بعد ذلك طاعةً ورِضًا وحُبًّا وشوقًا،فيُتِمُّ عليهم فضلَه بهذا كلِّه.
اليقينُ هو: الاعتزازُ بالله، والاطمئنانُإليه، والثقةُ به، والتجرُّدُ له، والتعرِّي من كل قِيَم الأرض، والتحرُّرمن كل أوهاقِها، واستِصغار شأن القوى المُتحكِّمة فيها.
أما يعقوبُ النبيُّ فكان المؤمنَ المُوقِنَ والصابِرَ الواثِقَ، وفي كل لحظةِ وداعٍ يقول﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)﴾ ﴿ وَمَاأُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) ﴾
وعند فقدِ أولادِه الثلاثة ويبلُغُ الألمُ مُنتهاه يقول﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) ﴾ ﴿ إِنَّمَاأَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَاتَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَوَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْرَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) ﴾
إنه إيمانُ الأنبياء ويقينُ الحُنفاء، فلاتيأسُوا من رَوحِ الله – أيها المَكلُومون -، ولا تيأَسُوا من نصرِ الله – أيها المُرابِطون الصامِدون في وجهِ العواصِفِ -، المؤمنون الموصولةُقلوبُهم بالله، النَّدِيَّةُ أرواحُهم برَوحِه، الشاعِرون بنفَحَاتهالرَّخِيَّة، لا ييأَسُون من رَوحِ الله ولو أحاطَ بهم الكَربُ، واشتدَّبهم الضِّيقُ؛ فالمؤمنُ في رَوحٍ من ظِلالِ إيمانه، وفي أُنسٍ من صِلَتهبربِّه، وفي طُمأنينةٍ من ثقتِه بمولاه، وإن كان في مضايقِ الشدة ومخانِقِالكُروبِ.
أيها المؤمنون:
لقد كانت تلك المِحَنُ والابتلاءات منتدبيرِ الله ولُطفِه وعلمِه ورحمتِه، حتى مكَّنَ الله ليوسف – عليه السلام -، فصار ملِكًا عزيزًا بيده خزائنُ مِصر،﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ (56)﴾ يتَّخِذُ منها المنزلَ الذي يُريد، والمكانَ الذي يُريد، فيمُقابِل الجُبِّ وما فيه من مخاوِف، والسجنِ وما فيه من قُيُودٍ،﴿ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ (56) ﴾ فنُبدِلُه من العُسر يُسرًا، ومن الضِّيقِ فرَجًا، ومن الخوفِ أمنًا، ومنالقيدِ حُرِّيَّةً، ومن الهَوانِ على الناسِ عِزًّا ومقامًا عليًّا،﴿ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(56) ﴾ الذين يُحسِنون الإيمانَ بالله والتوكُّل عليه والاتجاهَ إليه، ويُحسِنون السُّلوكَ والعملَ،﴿ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) ﴾
وهكذا عوَّضَ الله يوسف عن المِحنَة تلكالمكانةَ في الأرض، وهذه البُشرى في الآخرة جزاءًا وِفاقًا على الإيمانوالصبر والإحسان، وهذا من سرِّ تَكرار وصفِ الله العليِّ لذاتِهِ بأنه هوالعليمُ الحكيمُ يعلمُ الأحوالَ، ويعلمُ ما وراءَ هذه الأحداث والابتلاءات،ويأتي بكلِّ أمرٍ في وقته المُناسِب عندما تتحقَّقُ حِكمتُه في ترتيبالأسباب والنتائج﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) ﴾
وفي خِتام السورة﴿ وَمَاأَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِالْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَعَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌلِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَالرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَافَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِالْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِيالْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِيبَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍيُؤْمِنُونَ (111) ﴾
إنه التثبيتُ بمجرى سُنَّة اللهعندما يستيأِسُ الرُّسُلُ، والتلميحُ بالمخرَج المكروه الذي يلِيهِالفَرَجُ المرغُوبُ.
معانٍ تُدرِكُها القلوبُ المُؤمنة فيغمُرُهاالإيمانُ واليقين، والصبرُ والثبات، تلك سنةُ الله لا بُدَّ من الشدائد،ولا بُدَّ من الكُرُوبِ، ثم يجِيءُ النَّصرُ بعد اليأسِ من كل أسبابِهالظاهِرة التي يتعلَّقُ بها الناسُ، يجيءُ النصرُ من عند الله فينجُو الذينيستحِقُّون النجاة، ينجُون من الهلاكِ الذي يأخُذُ الظالمين، وينجُون منالبَطشِ والعَسف الذي يُسلِّطُه عليهم المُتجبِّرون، ويحِلُّ بأسُ اللهبالمُجرمين مُدمِّرًا ماحِقًا لا يقِفُون له، ولا يصُدُّه عنهم وليٌّ ولانصيرٌ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌلِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةًلِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)﴾ .
باركَ الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
الخطبــــــــــــــــــــــة الثانيــــــــــــــــــــــــــــــــة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالكيوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحقُّ المُبين،وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمين، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَعليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله:
وللحقِّ والعدلِ كلمةٌ لا بُدَّ أن تُقالَ،وإنكارًا للبغي بلا مُداهَنةٍ أو اعتِذار؛ فإن ما جرَى من خطفٍللدبلوماسيِّ السعوديِّ في اليمن لهُو بغيٌ وظلمٌ وجريمةٌ لا يُقِرُّهادينٌ ولا عُرفٌ، ليست من الدين ولا من الجهاد، وهو ليس عُدوانًا على مُسلمٍواحدٍ فحَسب؛ بل هو عُدوانٌ على كل من يُمثِّلُهم من هذه البلاد، وإعلانٌللعداء والمُحارَبَة لهم، ولن تستجيبَ بلادُنا للابتِزاز، ولن تتراجَع عنحقوقِها، إلا أن بابَ التوبةِ مفتوح، ومبدأ المُراجَعة مطروح.
فاتقوا الله في الإسلام والمُسلمين؛ فكم لحِقَت به رَزايا بسبب التصرُّفاتِ المُشوَّهة والأفكار المُحرَّفة.
فكَّ الله أسرَ المأسُور، وجعلَ كيدَ الباغين عليهم يدُور.
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على النبي المُصطفىوالرسول المُجتبى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلىآله الطيبين الطاهرين، وصحابتهِ الغُرِّ الميامين، اللهم ارضَ عن الأئمةالمهديين، والخلفاء الراشدِين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائرصحابةِ نبيِّك أجمعين، ومن سارَ على نهجِهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتناوولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهُداك،واجعل عملَه في رِضاك، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، اللهم وحِّد به كلمةَالمسلمين، وارفع به لواءَ الدين، اللهم جازِهِ خيرَ الجزاءِ على نُصرتهللمظلومين، وجمعِه كلمة المُسلمين، وما وفَّقتَه إليه من حُسن الموقفِ معأشقَّائِنا المصريين، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وسدِّدهم وأعِنْهم،واجعَلهم مُبارَكِين مُوفَّقِين لكل خيرٍ وصلاحٍ.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان،اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا وفلسطين، اللهم أصلِح أحوالَهم في سورياوفلسطين، اللهم اجمَعهم على الحقِّ والهدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِنروعاتهم، وسُدَّ خَلَّتهم، وأطعِم جائعَهم، واحفَظ أعراضَهم، واربِط علىقلوبهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم، اللهم فُكَّحِصارَهم، اللهم فرَجَك القريب، اللهم فرَجَك القريب.
اللهم إنا نستودِعُك إخواننا في سُوريا، اللهم إنا نستودِعُك دماءَهم وأعراضَهم وأموالَهم يا من لا تضيعُ ودائِعُه.
اللهم إنا نستنزِلُ نصرَك على عبادكالمُستضعفين المظلومين، اللهم انتصِر لليتامَى والثَّكَالَى والمظلومين،اللهم رُحماكَ بهم يا أرحم الراحمين، ويا ناصِر المظلومين.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَكَ، اللهم أنزِل بهم بأسَك ورِجزَك إله الحق.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك وعبادَكالمؤمنين، اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصُرهمفي فلسطين على الصهاينة المُحتلِّين.
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(201) ﴾
اللهم اغفر ذنوبنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّرأمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالدِيهموذُريَّاتهم ولجميع المُسلمين. ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم،وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
المصدر:منبر الجمعـــــــــــــــــة من الحــــــــــــــرم المكـــــــــــي