التحذير من النار

السبت،24ربيع الثاني1436//14 فبراير/شباط 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الخطبـــــــــــــــــــــــــــــــــة الـــــــأولــــــــــــــــــــــــــــى
الحمد لله .. الحمد لله ذي الحول والطول والملكوت .. له الكبرياء في السموات والأرض وله العزة فيهما والقهر والجبروت ، أليم العذاب شديد العقاب وهو دائمٌ حيٌّ لا يموت .. سبحانك اللهم مَن الذي أمِن مكرك فما خسر ؟! ومن الذي استهان بحرماتك فما ندم ؟! ومن الذي تعرض لوعيدك فسلم ؟!

وأشهد أن لا إله إلا أنت سبحانك وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك ، صلى الله عليه فما كان أخشاه لله وأخشعه ! وصلى الله عليه ما كان أتقاه وأورعه ! وصلى الله عليه فكم سح لله أدمعه ! وصلى على الآل والصحب الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .

أما بعد .. فاتقوا الله – تعالى – حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى ، وتأهبوا للقاء الله واحذروا عقابه؛ فإن أجسادكم على حر النار لا تقدر ولا تقوى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(18) ﴾

عباد الله : لقد كان من سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – تعاهد أصحابه بالموعظة وربط أحوالهم بالآخرة ، وفي الصحيحين : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا ، فَقَالَتْ : أَيْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ ، نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ ، وَنَفْسٌ فِي الصَّيْفِ ، وَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ ” .. وفي الصحيحين أيضاً : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ” .

أيها المسلمون : مصيرٌ أرق عيون الصالحين ومنقلبٌ أوجف قلوب المتقين ونهايةٌ أظمأ توقيها نهار العابدين وأطال في الليل قيام المتألهين وخاتمةٌ أدامت الحزن في محيا المتأوهين﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِيَدْعُون َرَبَّهُمْ خَوْفًاوَطَمَعًا(16) ﴾ .. إنها أيها المسلمون النار .. النار خلقٌ عظيم من خلق الله ، وهي الدار التي أعدها الله للكافرين ؛ فهي مأوى الظالمين وسجن الكافرين وعقوبة العصاة والمخالفين ، وهي الخزي الأكبر والخسران المبين .. هي الشر الذي لا خير فيه والورد الذي لا بد منه ، قديمة النشأة سالفة الوجود ﴿ وَاتْقَوُا النَّارَ التَيِ أُعِدَتْ لِلْكَافِرِينَ (131) ﴾ ؛ فهي معدةٌ ومخلوقة ، وقد رآها النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الحديث المخرج في الصحيحين في صلاة الكسوف .

أيها المسلمون : الحديث عن النار حديث صدقٍ وحق .. فيها جبالٌ وأوديةٌ وأنهرٌ وشعاب .. فيها دركاتٌ ومنازل ، وهي سوداء مظلمة .. قاتمةٌ معتمة .. لها صوتٌ يسمع من بعيد .. تشهق وتزبر تمور موراً ، و : ﴿ تًرْمِي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَاَلَةٌ صُفْرُ وَيْلٌ يَوَمَئِذٍ لِلْمُكَذِبِين(32) ﴾ .. الحزن فيها دائمٌ وطويل ، وللناس فيها صياحٌ وضوضاء وعويل .. قلوب أهلها ملئت قنوطًا ويأساً ، ولا تزيدهم الأيام فيها إلا شدةً وبؤساً ، فيها من العذاب والآلام ما تعجز عن وصفه الألسن والأقلام ، وفيها من الأهوال والأحزان ما تتقاصر دون تصوره الأذهان : ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً(66) ﴾ ، خوف الله بها ملائكته المقربين : ﴿ وَمَنْيَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَنَجْزِي الظَّالِمِينَ(29) ﴾ .. وقال لرسوله الكريم : ﴿ لاَ تَجْعَلْمَعَ اللهِ إِلَهً آَخَرَ فَتُلْقَى فِيْ جَهَنَمَ …(39) ﴾ .

وخوف الرسول بها صحابته وأمته فأنذرهم النار وقال : ” أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ ، أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ ، أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ “.. أفبعد هذا يأمن بقية العالمين ، بلها المقصرين ؟! .. يقول الحسن البصري – رحمه الله – : ” والله ما صدق عبد بالنار إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره ما صدق بها حتى يتجهم في دركها ، والله ما أُنذر العباد بشيء أدهى منها ﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى(15) ﴾ .. وفي التنزيل العزيز : ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً(71) ﴾ .. فأين الخوف من ذلك المورد .. إن من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ، وتالله ما نجا إلا المؤمنون :﴿ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ(28) ﴾ .. عن عبد الله – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : : ” يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ” رواه مسلم ، لها صوتٌ رهيب وتحطمٌ ووجيج : ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) ﴾ .. وفي سورة الملك : ﴿ تَكَادُ تَميز مِنَ الغَيْظِ (8) ﴾ ..وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ ” ، قَالُوا : وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ” فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا ” رواه البخاري ومسلم .. ﴿ هذِهِ جَهَنَّمُ الّتي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ(43) ﴾ يدخلونها بأشد خطاب ثم توصد عليهم الأبواب : ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (5) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (6) إِنَّهَاعَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (7) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (8) ﴾ .. وقودها الناس والحجارة .. لا تنطفي نارها مع تطاول الزمان ولا يخبو أوارها مع مر الأيام﴿…كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ﴾ .. وهم مع ذلك مقيدون : ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً(4) ﴾ . ﴿ … إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ﴾ ، وفوق ذلك يضربون ويهانون ﴿ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(22) ﴾ .. يلبسون من النار ويُصهرون : ﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ(50) ﴾ .: ﴿ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ(21) ﴾ .. أرأيت كيف يُشوَى اللحم على النار .. فهكذا في جهنم حال الكفار ﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا(66) ﴾ ، ﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ(104) ﴾ .. أما طعامهم فعذاب وشرابهم فعذاب : ﴿ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ(6) ﴾ ( 6سورة الغاشية) ، والضريع : شوكٌ يخرج بأرض الحجاز لائط بالأرض : ﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِيالْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ(46) ﴾ (43-46 سورة الدخان) والزقوم : شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين.. أما شرابهم فالغسلين والغساق ، وهو عصارة أهل النار : ﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ (29) ﴾ ،﴿ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ (15) ﴾ ( 15 سورة محمد) ، وفي الآية الأخرى : ﴿… وَيُسْقَى مِنْ مَاء صَدِيد يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُيُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍوَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌغَلِيظٌ (17) ﴾ .. هذه بعض صور العذاب .. فهل تساوي شهوة ساعة من الدنيا ؟

اقرأ أيضا  عاشوراء والهجرة النبوية

عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ : هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ ، فَيَقُولُ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ ” رواه مسلم .. إنها غمسةٌ واحدةٌ وينسى الإنسان كل نعيم الدنيا ولذائذها وشهواتها :﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِيتُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِجَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ(14) كَلَّاإِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) ﴾

عباد الله : وإذا طال البلاء على أهل النار وبلغ منهم العذاب كل مبلغ وكثرت حسراتهم وندامتهم طلبوا الخروج والمثاب : ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ (37) ﴾ ويعترفون بذنوبهم :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَاأَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (106 ) ﴾ فيجابون بعد زمان : ﴿ قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) ﴾ ثم يطلبون من خازن النار أن يشفع عند الله ليهلكهم وليميتهم حتى يتخلصوا من العذاب : ﴿ وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَإِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77) ﴾ .. إنه الرفض لكل ما يطلبون .. ويؤتى بالموت ليذبح ، ويقال لأهل الجنة : خلود فلا موت ، ويقال لأهل النار : خلود فلا موت .. الحديث في صحيح البخاري ؛ هنالك يشتد نحيب أهل النار ويعظم حزنهم ويطول بكاؤهم ؛ فيبكون حتى تنقطع الدموع ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود من البكاء .

أيها المسلمون : إن من كمال عدل الله – عز وجل – أن لا يساوي بين المطيع والعاصي والمصلح والمفسد : ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36) ﴾ .. وإن الله – تعالى – وصف لنا عقابه ؛ فليس للعاصي على الله حجة .. فالكفر والنفاق سبب للخلود في النار : ﴿ وَعَدَاللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَخَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌمُقِيمٌ(68) ﴾ ومن انتصر برأيه معارضا أمر الله وشرعه فليسمع قول الله – عز وجل – : ﴿ ألم يَعْلَموا أنه من يُحَادِدِ اللهَ ورسولَه فأن له نارَ جهنمَ خالدًا فِيِهَا ذَلِكَ الخِزْيِ العَظِيِم(63) ﴾
وويلٌ ثم ويلٌ لتارك الصلاة حين يسأل : ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِبُ بِيَوْمِ الدِينِ (46) حَتَى آَتَانَا اليَقِين (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) ﴾ .. وأكل الربا موجبٌ لدخول النار ، وأكل أموال اليتامى ظلمًا : ﴿ إِنَّالَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِيبُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) ﴾ ، وفي صحيح مسلم : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : يقول الله – تعالى – : ” الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَدْخَلْتُهُ النَّارَ ” .. وفي القرآن العظيم : ﴿ وَمَنْيَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَاللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) ﴾ .. وأكل أموال الناس بالباطل والانتحار مقرونان في آيةٍ واحدة .. قال الله – عز وجل – ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إًنَّ اللّهَ كَانَ بًكُمْ رَحًيماً وَمَن يَفْعَلْذَلًكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلًيهً نَاراً وَكَانَ ذَلًكَ عَلَى اللّهً يَسًيراً(29) ﴾ ..واليمين الكاذبة تغمس صاحبها في النار ؛ لذا سميت يمينًا غموسا ، والركون إلى الظَّلَمة والميل معهم : ﴿ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ…(113) ﴾ .. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ” رواه مسلم .. وعند عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ، وَأَكْثِرْنَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ” ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ : وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ، قَالَ : ” تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ” رواه البخاري ومسلم .. وأما المراءون فهم أول من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة كما في الصحيحين ،، وقل للذين يطلقون ألسنتهم وأقلامهم بلا وزنٍ ولا حساب .. يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ” .. النار موعودٌ بهم مدمن خمر وقاطع رحم والمصدِّق بالسحر والنمام ومن اقتطع مال أخيه بيمينٍ فاجرة فليتبوأ مقعده من النار .

اقرأ أيضا  فضائل الصدقة في رمضان - خطبة

أيها المسلمون : وقد رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – صورا من عذاب أهل النار .. كما في حديث سمرة بن جندب – رضي الله عنه – : فقد رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلًا مضجعًا وآخر قائمًا يهوي بصخرةٍ على رأسه فيثلغ صدره ويتدحرج الحجر ، ثم يصح رأسه فيثلغه بالحجر على رأسه مرة أخرى .. وقال في الحديث : هذا هو الرجل الذي يأخذ الرجل فيأخذه وينام عن الصلاة المكتوبة .. كما رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلا مستقليا لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ويكرر ذلك .. وقال في الحديث : ” هَذَا الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ.. ” ورأى النبي – صلى الله عليه وسلم – مثل التنور فيه لغطٌ وأصوات وفيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم فيصيحون .. وقال : هؤلاء هم الزناة والزواني .. ورأى النبي – صلى الله عليه وسلم – نهرا أحمر كالدم وفيه رجلٌ يسبح ، وعلى شط النهر رجلٌ معه حجارةٌ كبيرة ؛ فيفرغ السابح فاه ثم يلقمه الرجل حجرًا في فيه ويكرر ذلك .. وقال : هذا آكل الربا .. ورأى رجلًا كريه المنظر كأكره ما أنت راء ، وقال :إِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ ، الحديث رواه البخاري .. فهل بعد هذا الوعيد من وعيد ..﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ(37) ﴾ .

اقرأ أيضا  المصطفى : حلمه ، رفقه ، رحمته صلى الله عليه وسلم

اللهم أجرنا من عذاب النار . اللهم أجرنا من عذاب النار . اللهم أجرنا من عذاب النار .. ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنبونا وقنا عذاب النار .. نفعنا الله بهدي كتابه وأجرنا من خزيه وعذابه .. أقول قولي هذا وأستغفر الله – تعالى – لي ولكم .

الخطبــــــــــــــــــــــة الثانيــــــــــــــــــــــــــــــــة

الحمد لله ، الحمد لله معز من أعطاه ومذل من عصاه .. مجير من استجاره ومجيب من ناداه ، أحمده – تعالى – وأشكره وأثني عليه وأستغفره ، وأسأله النجاة لي ولكم .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد .. فكلام الله الحق : ﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ(185) ﴾ ..والإيمان والعمل الصالح هو – والله – طريق الفوز والفلاح ، ووعد الله ووعد رسوله صدق .. فلن يلج النار رجلٌ بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ، وعينان لن تمسهما النار / عينٌ بكت من خشية الله وعينٌ باتت تحرس في سيبيل الله .. وللتقوى منزلة عظيمة : ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) ﴾ .. والدعاء والاستعاذة بالله بابٌ عظيمٌ للنجاة .. عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” مَا سَأَلَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الله الجَنَّةَ ثَلاَثاً إِلاَّ قالَتِ الجَنَّةُ : اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَلاَ اسْتَجَارَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الله مِنَ النَّارِ ثَلاَثاً إِلاَّ قالَتِ النَّارُ : اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنِّي ” رواه أحمد وابن ماجة بإسناد صحيح .

ونحن في إقبال شهرٍ عظيم .. شهر العتق من النار ؛ فمن صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا ، وفي رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار ، ولله في كل ليلة عتقاء من النار .

اللهم ياحي ياقيوم ياذا الجلال .. اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك .. نسألك اللهم أن تدخلنا الجنة وأن تجيرنا من عذاب النار ، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار . اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار . اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار .. اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إيراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين .. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ..اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره .. اللهم ادفع عن الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن .

اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، اللهم انصر به دينك وأعل به كلمتك ، اللهم أصلح بطانته ، اللهم أصلح بطانته واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين ، اللهم ووفقه ولي عهده ونائبه الثاني لما تحبه وترضاه ياسميع الدعاء .

اللهم انصر المستضعفين من المسلمين ، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان يارب العالمين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ، اللهم انصر من نصر الدين واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين .

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين وفرِّجْ كرب المكروبين ، وفك أسر المأسورين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف برحمتكم مرضانا ومرضى المسلمين .

ربنا آتنا في الدينا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم يارب العالمين .. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسِّرْ أمورنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ..

اللهم بلغنا رمضان ، اللهم بلغنا رمضان ووفقنا فيه لما يرضيك من العمل الصالح ، وتقبل منا ياحي ياقيوم ياذا الجلال والإكرام .. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ..سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

المصدر:منبر الجمعـــــــــــــــــة من الحــــــــــــــرم المكـــــــــــي

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.