من أسرار القرآن
الثلاثاء4 جمادى الثانية1436//24 مارس/آذار 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3]
لهذه المجلة عليَّ دَيْنٌ واجب وحق محتوم، تهاونت فيه منذ انتقلت إلى التدريس، ولئن جاز أن يفخر المرء بشيء، إن أحق ما يفخر به هو الرجوع إلى الحق، وهأنذا أستعين الله – جلت قدرته – في أداء هذا الدَّيْن، وأكتب على بركته تعالى في (أسرار القرآن الكريم)، ولست أقصد إلى تفسيره وشرح ما فيه من أخلاق وآداب، وحكم وأحكام؛ فتلك مهمة يقوم بها حضرات إخواني الوعاظ أجلَّ القيام؛ إنما أحاول أن أطرف القراء بتحف من أسراره وما أبدعها! وأن أتحفهم بطرف من بدائعه وما أروعها وأكثرها! ولعل من أمارات التوفيق – وما توفيقي إلا بالله – أن يكون أول نجوم هذا الدَّين سر إنزال هذا القرآن الكريم في هذا الشهر العظيم.
مما لا شك فيه أن الله – تبارك وتعالى – نزَّل الذكر الحكيم على خاتم النبيين محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه، في خلال رسالته، وهي ثلاث وعشرون سنة، أنزله منجمًا مفرقًا على حسب الوقائع والمصالح؛ تيسيرًا لحفظه وكتابته، وإعانة على وعيه وفهمه، وتحقيقًا لتمام إعجازه ونشر هدايته، وكان أول نجم صدر منه سورة العلق، وما أجمل المناسبة بين بدء القرآن وخلق الإنسان، وتعداد نعم الرحمن! إنه اللطف والجمال الذي يعجز البيان عن كشف أسراره، وتعيا الأقلام دون الوصول إلى مناره، نزل هذا الصدر المعظم في ليلة هي أعظم الليالي بركة وقدرًا، وأجلها شأنًا وذكرًا، وأكثرها للعاملين مثوبة وأجرًا ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3]، فلئن تفاخرت الشهور إن شهر رمضانغُرَّتها، ولئن تباهت الليالي إن ليلة القدر درتها، ذلك فضل الله الذي قضت حكمته أن يفضل بعض الشهور والأزمنة على بعض، كما فضل بعض المساجد والأمكنة على بعض، وكما فضل بعض عباده وجعلهم درجات ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ [القصص: 68]، وإذا كان من اللطائف أن يعين هذا الشهر وقتًا للصيام، وفرضًا للفطام العام، فإن من أجمل اللطائف أن تُبْهَم ليلة القدر، ويتيمة الدهر؛ ذلك بأنه لما خص رمضان بأعظم آيات الربوبية، ناسب أن يُخَصَّ بأهم سمات العبودية، فبقدر هضم النفس، يترقى العبد في مدارج الأنس، ويصل إلى معارج القدس، فتصفو روحه من الأكدار، ويندمج في سلك المقربين الأخيار، ولا يزال مجدًّا دائبًا حتى يظفر ببغيته، ويستمكن من طَلِبته، محتفلاً بهذه الليلة المباركة في ليالٍ مباركات، وهل ينال هذا الفضل إذا عرفها، فأخلد إليها وألقى عصا التسيار عندها؟ ما أجل إحياء هذا الشهر الكريم بما كان يحييه به النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع العبادات، وصنوف القربات! لقد كان جبريل يدارسه القرآن في رمضان، وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، وكان يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره، وكان إذا دخل العشر جدَّ وشدَّ المئزر[1]، وأحيا ليله، وأيقظ أهله ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
المصدر: نور الإسلام عدد 15 غرة شعبان سنة 1360هـ 24 أغسطس سنة 1941م السنة7
________________________________________
[1] كناية عن شدة الاجتهاد، وكل ذلك ثابت بالأخبار الصحيحة؛ وإنما تجاوزت عن السند – على غير عادتي – قصدًا إلى الاختصار.
المصدر:الألوكة