إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم

الإثنين2 ذو القعدة 1436//17 أغسطس/آب 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د.محمد أبو صعيليك
هذه مقولة للتابعي الجليل محمد بن سيرين رحمه الله، وقد رواها عنه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه، وهي إضافة منهجية صادرة عن رجل من تلامذة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، تفيد بوضوح أننا لا بد أن ننظر في شخصية حامل العلم، ومدى التزامه بدينه ودورانه معه، فإن كان كذلك أخذنا عنه العلم؛ لأننا نأخذ عنه الدين، وإذا لم يكن كذلك لم نأخذ عنه العلم.
وبالتالي لا نأخذ عنه الدين، بل تركنا له علمه الذي ادعاه، وإن وافقه عليه آخرون، لأنه ليس من أهل الدين، ولأن الأمة لا تتلقى العلم والدين إلا من أهله القائمين به، العاملين به، الصادقين في تحمله، الصابرين على اللأواء والشدة التي تلم بالصادقين من علماء الأمة لمخالفتهم من حولهم وخروجهم عن مألوف الناس، وعدم مداهنتهم أهل الباطل.
وفي هذه الأيام حيث تختلط بين الناس المفاهيم، وتتضارب فيهم الأفكار، ويظهر في واقع الأمة أقوام يدعون العلم، ويعملون على التصنيف فيه حتى يحسبهم الناس علماء، لكن قلوبهم خالية من الإيمان، ونفوسهم بعيدة عنه يغلب عليهم التكسب بهذا الدين، والمتاجرة بهذا العلم، يعملون على تغرير الأمة، وإبعادها عن ثوابتها، وتضليلها عن الحق الذي هو فيها، تخالف أقوالهم أفعالهم، وبواطنهم ظواهرهم.
لكن الأمة قد لا تعلم حال هؤلاء، فينخدع بعضها بهم، فيروهم من العلماء وليسوا هم كذلك، خاصة أن الأبواب لهم تفتح، وأن وسائل الإعلام لهم تُقرب، وأن المراكز العلمية ومن فيها لهم تتقرب، فيظن هؤلاء المساكين أن هؤلاء علماء يؤخذ بعلمهم، ويوقف عند رأيهم، ويلتفت إلى قولهم، وما يدري أولئك أن هؤلاء قطاع طريق على باب الله، يُحرفون الكلم عن مواضعه، ويضللون الأمة فيما تريد.
وعندها فلا خيار للأمة، إلا أن تأخذ بميزان ابن سيرين في تقويم العلم وأهله، فمن كان من أهل الدين، والالتزام بالوحي ممن نجعله بينا وبين الله، ممن يوثق بدينه وعلمه، فهذا يؤخذ عنه العلم، ومن لم يكن كذلك أخذاً للعلم عن أهله، وصدقاً في حمل هذا العلم، وحسن التزام به، وحسن انحياز لقضايا الأمة، وحسن تمثل للشرع، فهذا وأمثاله ممن لا يجوز أن نأخذ عنه العلم، ولا أن تجثوا الناس أمامه بالركب، ولا أن يسمع الناس شقشقة لسانه، ولا أن يسمح له بتغرير الناس وخداعهم بعلمه، فإنه غير مأمون على هذا العلم، وغير مأمون على تراث الأمة، وإذا مكن له أذاق الأمة الويلات، فأفرغ الدين من معناه وداهن ونافق في أحكام الشرع، وهذه دعوة إلى أن نعرف ممن نتعلم ولمن نقرأ، فمن كان مع أمته حتى لو ضعفت إمكاناته العلمية، فهذا ممن يؤخذ عنه العلم، ومن لم يكن مع أمته وقد ملأ رفوف المكتبات بالمؤلفات، فهذا حقيق ألا يؤخذ عنه العلم، وأن لا يلتفت إليه ولا يوقف عند دعواه.
فهو ميزان دقيق، ما أحوجنا أن نطبقه في أمر الثقافة لنعرف من معنا، ومن مع غيرنا، فإن أولئك الذين يضللون الأمة، ويرونها من الخوارج، ويتأكلون على حسابها، قوم لا يستحقون أن تتلقى الأمة عنهم العلم.
وإن أولئك الذين انحازوا للأمة وكانوا معها، وبذلوا نفوسهم ودماءهم وأرواحهم وأبناءهم من أجلها هم الحقيقون بأن تأخذ الأمة عنهم، فيامن يتعلم العلم، أين أنت عن أمثال سيد قطب، ومحمد قطب، والقرضاوي، وعبدالحميد كشك، ومحمد الغزالي، ومحمد يوسف موسى، ودراز، والساعاتي، وعلوان، وحوى، والسباعي، وأمين المصري، وحسن أيوب، والأشقر، ومحمد عبده، وعلال الفاسي، وابن باديس، والإبراهيمي، والحامد، والميداني، وسفر الحوالي، وابن حميد، وسواهم من الصادقين، فانهل من علومهم، وتعلم من كتبهم، وأقبل على مصنفاتهم، واقتد بأفعالهم، واستفد مما عندهم، فقد خبرت الأمة ما عندهم، فعلمت صدقهم، وخلّدت ذكرهم، وقدمتهم في صفوفها، وأحاطتهم بقلوبها، تأخذ بركة العلم، وحسن البحث، واقتران العلم بالعمل، وتقْرب من الصالحين، وتكون منهم، والله المستعان.
وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.

اقرأ أيضا  الإسلام والذوق
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.