المـرأة وعـشـر ذي الـحـجـة
الإثنين2 ذو القعدة 1436//17 أغسطس/آب 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أميمة الجابر
إنها لأيام ثوابها جزيل، وفضلها كبير، والتفريط فيها نوع من ندامة، والفرصة فيها قد لا تتكرر، فهي أفضل أيام العام ومن أعظم مواسم الطاعات والقربات، فقد خصّها الشرع بالتكريم، ففيها يعظم الأجر، وتحط الأوزار، ويبدأ المؤمن عهدا جديدا مع ربه..
والمرأة المسلمة نصف المجتمع المسلم، ومقياس نجاحه التربوي والاجتماعي، كما أنها راعية البيوت المسلمة، ومربية الأجيال القادمة، ومقومة الشباب الواعد، ومعدّة المنهج التطبيقي للحياة السعيدة.
من هنا؛ رأيت أن أوجّه كلماتي إليها، وأن أرسل تذكرتي لها، أعاتبها تارة، وأنصحها تارة، وأحثها تارة، علّنا أن نبث خيراً نريده، ونفعاً نرتجيه.
أولاً: عليكِ أيتها المرأة المسلمة أن تعدّي لاستقبال هذه الأيام عدّة تليق بها، فتبتدئين بالتوبة النصوح، التي تنتظم كل ذنب وتفريط، والإقلاع عن كل ما يغضب الله سبحانه، والندم عليه، وعدم العودة إليه، فالتوبة قبل البدء في أية خطوة هي السبيل الصحيح للعمل، إذ بالتوبة تطهرين نفسك وتعدّين قلبك لاستقبال العبودية الحقة..
وتوبتك أيتها الصالحة هي توبة بعد نية مخلصة، وعزم راسخ، ثم توجّه إلى الله سبحانه بالتبتّل والرجاء والاستغفار الصادق.. إنها توبة تطبيقية، وعزم فعليّ، ونتيجة ظاهره للعمل، لا يبقى معها للذنب أثر، ولا للتقصير سبيل.
ثانياً: الخطوة التالية تتمثل في استدراك النقص الفائت وسد الخلل، وتعويض السابق، وعزم النجاة باغتنام تلك الأيام العشر ابتداء، فهي نعمة عظيمة من الله على عباده؛ إذ أكرمنا بشهر رمضان ومن بعده تلك الأيام، وإنما يقدرها حقّ قدْرها الصالحون المجتهدون الراغبون إلى الله، ويغفل عنها الغافلون الضائعون في متاهات الحياة.
ثالثاً: قد تتوق نفسك للالتحاق بركب الحجيج، وتشتعل النفس شوقاً لأداء الفريضة، غير أن عدم الاستطاعة تقيد الحركة وتمنع الطريق، فها هنا لا بد من تجديد النية والاعتذار إلى الله سبحانه، وتسجيل العهد على النفس أنه إذا كان العجز هذا العام قد أخّرني فلعلّي أن أحاول من قابل أن أكون في الصدارة، متبتلة إلى الله سبحانه، راغبة إليه، وربك الكريم إذا علم منك ذاك الشوق، ورأى منك تلك النية؛ سيكرمك بما هو خير لك عاجلاً، فعن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم رجع من تبوك، فدَنا من المدينة فقال: (إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً؛ إلا كانوا معكم)، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينة، حَبَسَهم العذر)، فلعلّك بنيتك الصادقة أن يكتب لك أجرهم.
رابعاً: لكل أيام فاضلات؛ عبودية تميّزها، وأيام العشر يميّزها الذكر عبادة وتقرباً إلى الله سبحانه، ومن أفضل الذكر قراءة القرآن والاستغفار، والتهليل والتحميد والتكبير، قال سبحانه: }واذكروا الله في أيام معدودات{.. فالزمي الذكر إذن في كل وقت وحين، والزمي أذكار الصباح والمساء، وشاركي أسرتك في الاهتمام بالذكر، وعلّمي أبناءك قيمة الذكر، وراجعي معهم حفظهم له وترديدهم إياه، ولا تشغلنّك مشاغلك أياً كانت عنه، ولا يزال لسانك رطباً من ذكر الله.
خامساً: احذري أيتها الأخت من المعاصي المهلكات، فالمعصية تحرم الرزق، والطاعات من الرزق، والمعصية تظلم القلب، وأنت بحاجة كبيرة لانشراح الصدر لتقبلي على الطاعة، والمعصية تصنع وحشة بين العبد وربه، وأنت بحاجة لاستشعار معية الله سبحانه.. وتشبّهي بالحجيج الصالحين فقد أمرهم الله سبحانه فقال: }فلا رفث ولا فسوق ولاجدال في الحج{، فالرفث والفسوق والجدال بدايات المعاصي التي نهى الله عنها في الحج، ومن لم يحج فعليه التخلق بخلق الحجيج، وترك السقوط في هاوية المعاصي والآثام.
سادساً: أنصحك بالإكثار من الصالحات في هذه الأيام المباركات، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها خير وأحب إلى الله من هذه العشر)، والصالحات تشمل كل ما يرضاه الرب سبحانه من بر الوالدين، وصلة الأرحام، وفعل المعروف، والدعاء لله سبحانه القريب المجيب، وكذلك الصدقة والصوم.
سابعاً: ويأتي إليك يوم النحر الذي قد يغفل عن فضله الكثيرون، يقول ابن القيم رحمه الله: (خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر)، لذلك فعليك إعانة زوجك وأسرتك ومن قبلهم نفسك؛ في اغتنام بر ذلك اليوم، والاجتهاد بالتفكير في الخروج بأفضل ما يمكن فيه؛ لاكتساب رضا الرب سبحانه.
ثامناً: لا يمكن أن تمر عليك أيتها المؤمنة تلك الأيام بغير تفكّر في معنى الانقياد والاستسلام لأوامر الله سبحانه وتعالى، وهو المعنى المشهور والفائض والمتعلَّم من قصة ابتلاء إبراهيم عليه السلام في ولده إسماعيل، والابتلاء في الولد من أعظم البلايا، فاستسلمي لأوامر ربك بانقياد ومحبة وثقة وتوكل، ولا تتركي للشيطان سبيلاً للإعاقة في ذلك، ولتجعلي تربية إبراهيم لابنه إسماعيل نموذجاً لك وقدوة في تربية أولادك، حيث كان ممتثلاً لأمر الله تعالى دون اعتراض؛ إذ قال لوالده }يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين{.. إنها التربية الإيمانية الحقة، والإيمان الصادق الذي يجب على المسلمة أن تعلّمه أبناءها وتغرسه في نفوسهم، فتربية الأولاد لا تقتصر على تلبية احتياجاتهم المادية والحسية، بل التغذية الروحية أساس التربية.
تاسعا : وعلى المرأة أيضاً أن تحسن الظن بربّها كما أحسنت أم إسماعيل الظنّ بربها، حيث سألت إبراهيم عليه السلام: آالله أمرك بذلك؟ فقال نعم، قالت: إذن لن يضيعنا..
فإنّ ثقتها بالله سبحانه تحققت؛ ففجّر لها بئر زمزم، فهذه الثقة بالله كانت سبب النجاة، وحسن الظن والثقة به سبحانه الذي ليس لنا سواه، وليس لنا رجاء إلا فيه، فهو سبب النجاة من كل كرب وسوء.
عاشراً: إن لك دوراً لا ينبغي أن تغفلي عنه؛ ألا وهو دور الدعوة إلى الله في هذه الأيام، فالدعوة إلى الله خير العمل، قال تعالى: }ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين{، ولكي تكوني داعية ناجحة؛ فعليك أن تكوني قدوة أولاً بأن تبدأي بالتطبيق العملي للأوامر الشرعية؛ لأن ذلك هو أساس الدعوة الناجحة، فالعمل دوما أهم من الكلام.
وأخيراً؛ فإنني أنصحك بالافتقار إلى الله سبحانه في هذه الأيام، فشعور الافتقار هو من أوثق ما يعيد الوصال بيننا وبين الله تعالى، فليس لنا سواه نرجوه ونأمل أن يلحقنا بالصالحين بنيّاتنا الواثقة به سبحانه.
وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.