الإرهاب يأكل بعضه

لا للإرهاب - telescope-sa.com -
لا للإرهاب – telescope-sa.com –

محمد خليل مصلح

الخميس 5 ذو القعدة 1436//20 أغسطس/آب 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا

كل المؤشرات تؤكد فرضية فشل الكيان العبري في مهمته ودوره الأساسي والجوهري في تكوين أمة يهودية واحدة، وشعب منصهر في بوتقة واحدة تخلص من شوائب الشتات، والتنافر الثقافي والفكري والاجتماعي القصري بحكم (الغيتو) الإسرائيلي، كما تصورها الرواية اليهودية للشتات اليهودي في العالم، وكأن ما يسمى الشعب اليهودي شعب واحد تجمعه روابط العرق والأصل الواحد.

يومًا بعد يوم يتعزز فشل المهمة، إذ لم ينصهر الشعب في بوتقة واحدة، ولم يندمج أو لم تنخرط إثنياته وثقافاته المتعدة في الكيان، ولم يتلاش التمييز بل على العكس يتعزز في واقع المجتمع الصهيوني، وتتعزز مسألة التمييز بين الطبقات والعرقيات والإثنيات في الكيان؛ فما زال الشرقي شرقي والغربي غربي والثقافات تحتفظ بخطوطها وألوانها ولغتها وأنماط معيشتها، ولم تسد فيه العلمانية بل تعززت القومية المتطرفة التي تغذيها الأوهام الدينية، والأفكار المتطرفة جدًّا (الفوقية على الأغيار كما يسمونهم).

توظيف الدين
منذ البدايات حاولت الحركة الصهيونية توظيف الدين لخدمة أهدافها؛ لتحفيز اليهود على الهجرة لأرض فلسطين بدوافع دينية، وأن الرب منحهم هذه الأرض وسلطهم على من كان فيها من السكان الأصليين لأنهم وثنيون، رفضت كل العروض وأصرت على أن تكون دولتهم على أرض فلسطين؛ استغلالًا لفكرة دولة يهودا القديمة في فلسطين مع ما أصابها من انقطاع وصراعات داخلية بين الابن وأبيه، حتى ورث سليمان حكم أبيه إلى حدوث السبي الأول لليهود، مع أن ذلك لم يقطع السكان الأصليين الكنعانيين من صلتهم بالأرض وبقائهم على ترابها، إذ انصرت دولة اليهود القديمة (مملكتهم) في بعديها الزماني والمكاني ثم تلاشت بفعل السبي والشتات.

اقرأ أيضا  التحذير من الفرقة والاختلاف

يسترجع المستوطنون كما يبدو هذه الأبعاد في مواجهتهم للدولة الرسمية ضاربين عرض الحائط؛ أنه دون دعم وحماية الدولة الرسمية لما تكاثرت وقويت هذه المجموعات الاستيطانية الإرهابية، الدولة وفرت البيئة والمظلة السياسية والفكرية والمالية والقانونية، ومع ذلك يبدو أن هذا المولود المسخ خرج على راعيه، ويظهر تمرده على النظام والقانون بصور متعددة من ممارسة الإرهاب الفردي والجماعي على العرب الفلسطينيين في الضفة الغربية أو في أراضي الـ48، للإرهاب اليهودي داخل الكيان جذور تاريخية وفكرية إذ مثل أداة الدولة في تنفيذ المهمات القذرة التي لا تستطيع تنفيذها لتحقيق هدف التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وحل المعضلات التي لها علاقة بمسألة البعد الديمغرافي والخوف على الدولة من دولة أكثريتها من “الأغيار”، ما يدنس فكرة الدولة اليهودية النظيفة، لذلك تواجه الدولة الرسمية معضلة في كيفية مواجهة هذا التمرد في الوقت الذي تعد ذلك التكوين الفكري السياسي الاستيطاني مفيدًا وضروريًّا للحفاظ على الوجود اليهودي وتحقيق أهدافه: إرهاب الفلسطينيين لاستكمال التهجير القسري؛ وضرب فكرة الحل السياسي المبني على دولتين لشعبين إذ في صميمه يتناقض معه، وهو ما يتوافق مع الفكرة الصهيونية للحق والوجود الصهيونيين، أي مع المشروع الصهيوني السياسي وأهدافه الكولونيالية؛ وتجسيد فكرة ضم الضفة الغربية إلى أراضي الـ(48)، ما ينادي به أقطاب الكيان العبري رئيسه وأحزابه الدينية والقومية؛ ومعالجة فكرة الحدود بفرض الاستيطان، ما يخدم سياسيًّا ودينيًّا واقتصاديًّا ذلك النظام في الكيان، وخاصة أن وزارة القضاء والجيش لن يستسهلا مواجهة تلك المجموعات تحت وطأة التأثير للجماعات الدينية والمؤسسات الدينية، وسلطة الحاخامات في الدولة، والموازنة بين الأهداف الخفية للكيان، والتأثيرات الجانبية لهذا الإرهاب على صورة الكيان وعلاقاته مع الحلفاء الغربيين؛ للحفاظ على المصالح المشتركة للجميع.

اقرأ أيضا  وفي السماء رزقكم..

ومن وحي التاريخ يبدو أن الحالة اليهودية ستواجه كما واجهت في عصر داود حالات الاقتتال والاحتراب الداخلي، وضع لازب يواجه اليهود ويعكس حقيقتهم الدموية، ليس مع جيرانهم، بل فيما بينهم، ملحمة اليهود ليست في حقيقتها مع الأعداء بل بسبب الخيانة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب طبيعة الكراهية والحقد بينهم، والميل إلى الانتحار الذاتي بدعوى الحفاظ على البقاء والنقاء اليهودي، الفراغ في حياة اليهود عنصر تدميري، لذلك تجدهم يجتهدون باستمرار لملء الفراغ بإغراق المنطقة بالمشاريع والمبادرات السياسية للهروب إلى الأمام، الكيان يدرك أن الجمود السياسي يمنح الحكومة هدنة داخلية مع المستوطنين، لكنه ينعكس سلبًا مع الجانب الآخر الفلسطينيين، ويمنح المقاومة المبرر السياسي والمسوغ الفكري والفهم لاستمرار المقاومة ضد الاحتلال وأنها الخيار الإستراتيجي لإخضاع العدو ورفض الاحتلال، وإن شكل لبعض مصلحة ومنفعة، وأيضًا يضع الكيان تحت ضغوطات دولية للاستمرار في المفاوضات حتى لا يظهر رافضًا للسلام والاستقرار في المنطقة، والمفارقة المعضلة لدى الكيان أن الحراك السياسي والحديث عن حل الدولتين يثيران حفيظة المستوطنين، ما يدفعهم إلى تطبيق فكرة تدفيع الثمن المتمثل بتنظيم “جباية الثمن” من الفلسطينيين ودولة الاحتلال.

اقرأ أيضا  معضلة القصور في تحرير الأسرى من المعتقلات الإسرائية

خلاصة الفكرة أنه مع إرهابية التنظيم ضد الفلسطينيين يحمل بذور الاقتتال الداخلي، ما يعد عنصرًا مهمًّا في المعركة المستقبلية مع كيان الاحتلال، إذ سيضاف هذا العامل إلى العوامل التي تصب في مصلحة المقاومة، إضافة إلى الوقت وكفاءة المقاومة وضعف الروح القتالية لدى الجيش وقياداته العسكرية والسياسية والعامل الديمغرافي؛ تتكاثر العناصر الهدامة داخل مجتمع الكراهية تلك النار التي تتسع وتتدحرج من موقع إلى موقع، فلم يعد الكيان يتحكم ويحتكر عناصر القوة للنصر، ولا التمييز بين مفهوم إدارة الصراع وحل الصراع؛ فحالة اللاحرب واللاسلم في المنطقة والوضع الراهن تعمل في خدمة رؤية ومعادلة الصراع الشمولية مع كيان الاحتلال اليهودي.

المصدر : فلسطين أون لاين