الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم
السبت 21 ذو القعدة 1436//5 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
سعيد بن محمد آل ثابت
الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم
قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب:21]. قال ابن كثير: هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين؛ ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب. ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟ ولهذا قال: ﴿ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾[1].
فرسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم وأجل ما يقتدي به المسلمون بل وغيرهم، إذ كانت وصية الله وأمره بذلك، وهو أعلم برسوله وبالناس أجمعين، وأدرى بصلاحهم حيث جعل في نبيّه كامل الصفات وأجل السمات، ودونك هذه الأخبار تأملها واستنتج القاسم المشترك فيها؛ عند أحمد وأبي داود عَنْ جَابِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَقَالَ: “خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ”. وفي الصحيحين عن حمرانَ مولى عثمانَ بنِ عفانَ: أنه رأى عثمانَ دعا بوَضوءٍ، فأفرغ على يديه من إنائَه فغسلَهما ثلاثَ مراتٍ، ثم أدخل يمينَه في الوَضوءِ، ثم تمضمضَ واستنشقَ واستنثرَ، ثم غسل وجهَه ثلاثًا ويديه إلى المرفقينِ ثلاثًا، ثم مسح برأسِه، ثم غسل كلَّ رجلٍ ثلاثًا، ثم قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتوضأُّ نحوَ وُضوئِي هذا، وقال: من توضأَ نحوَ وُضوئِي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحدِّثُ فيهما نفسَه، غفر اللهُ له ما تقدمَ من ذنبِه. وفي الصحيح عن مالك بن الحويرث قال: أتَينا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونحن شَبَبَةٌ مُتَقارِبون، فأقَمْنا عِندَهُ عِشرين يومًا وليلةً، فظنَّ أنا اشْتَقْنا أهْلَنا، وسَألَنا عمَّنْ تَرَكْنا في أهْلِنا، فأخبَرناه، وكان رَقيقًا رَحيمًا، فقال: “ارْجِعوا إلى أَهلِيكم، فعَلِّموهم ومُروهم، وصَلُّوا كما رأيتُموني أُصَلِّي، وإذا حضرَتِ الصلاةُ، فلْيُؤَذِّنْ لكم أحَدُكم، ثم لْيَؤُمَّكم أكبَرُكم”. وفي صحيح الأدب المفرد دخلنا على عائشةَ فقلنا: يا أمَّ المؤمنين! ما كان خُلُقُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؟ قالت: كان خُلُقُه القرآنُ. قال الألباني: صحيح لغيره. وفي الصحيح وغيره عن جرير بن عبد الله قال: ما حجبني النبيُّ صلى الله عليه وسلم منذُ أسلمتُ، ولا رآني إلا تبسمَ في وجهي. ولقد شكوتُ إليه أني لا أثبتُ على الخيلِ، فضرب بيدِه في صدري وقال: اللهم ثبتْه، واجعلْه هاديًا ومهديًّا.
وفي الصحيح سُئلت عائشةَ ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصنعُ في بيتِه؟
قالت: كان يكونُ في مهنةِ أهلِه تعني خدمةَ أهلِه فإذا حضرتِ الصلاةُ خرجَ إلى الصلاةِ. وفي صحيح الترغيب للألباني، قال رسول الله: يا عائشةَ! ذَرِينِي أتعبَّدُ الليلةَ لربِّي قلتُ: واللهِ إنِّي أُحِبُّ قُرْبَكَ، وأُحِبُّ ما يَسَرُّكَ. قالتْ: فقامَ فتَطَهَّر، ثُم قامَ يًصلِّي، قالتْ: فلمْ يَزلْ يَبكِي حتى بلَّ حِجْرَه، قالتْ: وكانَ جالِسًا فلمْ يَزلْ يبكِي حتى بَلَّ لِحيتَه. قالتْ: ثُم بكَى حتى بلَّ الأرضَ. فجاء بلالُ يُؤْذِنَه بالصَّلاةِ، فلمَّا رآهُ يبكِي، قال: يا رسولَ اللهِ! تبكِي وقدْ غفر اللهُ لكَ ما تقدَّمَ من ذنبِكَ وما تأخَرَّ؟ قال: “أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟ لقد أُنزِلتْ علىَّ الليلةَ آيةٌ؛ ويْلٌ لِمن قرأَها ولم يتفكرِ فيها: إن في خلق السموات والأرض الآيةُ كلُّها”. وفي الصحيح قام النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى تورَّمَتْ قدَماه، فقيل له: غفَر اللهُ لك ما تقدَّم من ذَنْبِك وما تأخَّر، قال: “أفلا أكونُ عبدًا شَكورًا”. وعند الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصَفَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ليس بِالطَّويلِ الْمُمَغَّطِ، ولا بِالقصيرِ المُتَردِّدِ، وكانَ رَبْعةً من القومِ، ولمْ يَكُنْ بِالجعدِ القَطَطِ ولا بِالسَّبْطِ، كان جَعْدًا رَجِلًا، ولَمْ يَكنْ بِالْمُطَهَّمِ، ولا بِالْمُكَلْثَمِ، وكان في الوجْهِ تَدْوِيرٌ أبيضَ مُشْرَبًا، أدْعَجَ العيْنَيْنِ، أهْدَبَ الأشْفارِ، جليلَ الْمُشَاشِ والْكَتَدِ، أجْرَدَ ذا مَسْرُبَةٍ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ والْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي في صَبَبٍ وإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، بين كَتِفَيْهِ خاتَمُ النُّبوةِ، وهُو خاتَمُ النَّبيينَ، أجودَ الناسِ كَفًا، وأشْرَحَهمْ صدْرًا، وأصْدَقَ الناسِ لَهْجةً، وألْينَهمْ عَرِيكةً، وأَكرمَهمْ عِشرَةً، مَن رآهُ بَدِيهةً هابَهُ، ومَن خالَطَهُ مَعرِفَةً أحَبَّهُ. يقولُ ناعَتَهُ: لَم أرَ قبْلَه ولا بَعدَه مِثلَه، صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وعند مسلم وغيره عن جابر بن عبد الله كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا خطب احمرَّتْ عيناه، وعلا صوتُه واشتدَّ غضبُه. حتى كأنه مُنذِرُ جيش، يقول: صبَّحكم ومسَّاكم. ويقول: “بُعثتُ أنا والساعةُ كهاتَين”. ويقرنُ بين أصبعَيه السَّبَّابةَ والوُسطى. ويقول: “أما بعدُ. فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ. وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ. وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها. وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ “. ثم يقول: “أنا أَوْلى بكلِّ مؤمنٍ من نفسِه من ترك مالًا فلأهلِه. ومن ترك دَيْنًا أو ضَياعًا فإليَّ وعليَّ”. وفي صحيح والترغيب للمنذري عن زيد بن سهل ورواه الترمذي قال: شكوْنا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الجوعَ، ورفعنا ثيابَنا عن حجرٍ على بطونِنا، فرفع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن حجرَيْن.
وغير ذلك من الآثار الكثيرة ذات المعاني الوفيرة في هدي رسول الله وسنته، والمحدق في تلك الآثار لم يجدها إلا دعوةً للاقتداء به، أو وصفاً عن حاله وردة فعله، بدءاً بالصلاة وهي أعظم العبادات حتى الأخلاق والسلوك والسيرة الأسرية، كل ذلك وصفاً لهديه ونهجه دون وصية مباشرة منه عليه الصلاة والسلام، وأهل التربية والتعليم عندهم مفهوم المنهج الخفي، ويعرفونه: بأنه مجموعة المفاهيم والعمليات العقلية والاتجاهات والقيم والأداءات التي يكتسبها المتعلم خارج المنهج المعلن أو الرسمي طواعية وبطريقة التشرب نتيجة تفاعل المتعلم تفاعلات مختلفة مع زملائه ومعلميه في المدرسة ومن خلال الأنشطة غير الصفية وبالملاحظة والقدوة. فيتعلم الطلاب قدرا ً كبيرا من المعلومات والمعارف والحقائق داخل المدرسة من مصادر غير المنهج الموجود في الكتب المدرسية وهذا المنهج يتخذ عدة أسماء ولكنها تحت معنى واحد وهذه المسميات متمثلة في المنهج الضمني أو المختبئ أو الموازي أو غير المكتوب أو غير الرسمي أو غير المدرسي أو غير المخطط؛ فالمنهج الخفي أو المستتر موجود معنا ويرافقنا في كل ما نقوم به من أعمال لها علاقة بالتربية والتعليم. وإذا ما نظرنا للمنهج الخفي في مدرسة الرسول عليه الصلاة والسلام وجدناه حاضراً بقوة في كل مشهد تقريباً، وهذا ما عزز المجتمع الرسالي حتى كان أحدهم مصحفاً يمشي، فيتعين على المربي المؤثر امتثال ما يعتقد فهو أخصر الطرق وأعمقها في الإصلاح والتغيير.
________________________________________
[1] تفسير ابن كثير.
الألوكة