من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل ( الحجاب )

الأربعاء 25 ذو القعدة 1436//9 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
علي محمد مقبول الأهدل
من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل (الحجاب)
يرى كثير من الناس أن شرعة الحجاب هذه التي اختص بها الإسلام المرأة، من أكبر الأدلة على اللامساواة التي أقامها بين المرأة والرجل؛ بل رأى بعضهم في هذه الشرعة دليلاً على ازدراء المرأة والتقييد البالغ لحريتها.

ولو تأمل هؤلاء الناس في الباعث على شرعة الحجاب، لاكتشفوا أن الأمر على عكس ما يتصورون[1] -كما سيأتي معنا لاحقاً.

ولذلك لو أردنا أن نقنع فتاة ما بالحجاب، فيجب أن لا نستعمل أسلوب الضغط والإكراه؛ فيضغط الأب على ابنته، والزوج على زوجته؛ من أجل لبس الحجاب، ما الذي سيولده هذا الضغط؟ سوى الحقد الدفين على الحجاب وأهله.

لماذا زاد الحقد على الحجاب؟!
لأن طريقتنا في الإقناع خاطئة.. ماذا فعل الرسول في دعوته خلال ثلاثة وعشرين سنة؛ إن التشريعات لم تنزل جملة واحدة، ومنها مسألة الحجاب، فآية الحجاب وهي قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب: 53] نزلت في ذي القعدة في السنة الخامسة من الهجرة؛ أي: بعد خمس عشر سنة.

لماذا كل هذه المدة الطويلة؛ إنها مرحلة التربية والإقناع؛ الإقناع الحسي والعاطفي، ثم بعد أن تهيأت القلوب نزل التشريع، ولذلك تقول عائشة ل:”لو قال الله لهم: صوموا وصلوا وزكوا وتحجبوا لما أطاعوا، لكنه بدأ بالتهيئة الإيمانية، بدأ بغرس العقيدة في قلوبهم حتى إذا استقرت العقيدة والإيمان، ثم بدأت طلبات التشريع تنزل شيئاً فشيئاً ومرحلة بعد مرحلة.

وكذلك نحن إذا أردنا أن نقنع الفتاة بالحجاب فيجب أن نبين لها مغزاه الحقيقي الذي ينطوي عليه – بعد التدرج – فإذا جعلنا المسألة مسألة اختيار شخصي ومسألة اقتناع ديني فإن الفتاة ستلبس الحجاب عن قناعة، ولن أُملي عليها أوامري، فتتشبث هي برأيها وتقام تلقائياً.

لكن لماذا لا تلتزم الفتاة بالحجاب؟
المسألة هو أن هذه الفتاة عندما كانت تأتي سافرة في البداية كانت تحمل هدفاً أو فكرة أو ربما لم تكن متأثرة برأي يخالف الدين، لكنها كانت تعمل ذلك لأنها ترى نفسها عصرية الهندام، أي أنها كانت قد صاغت نفسها، ورتبتها على آخر طراز للفتاة العصرية المتقدمة، كما تشاهد ذلك في التلفاز أو الصحافة، أو سمعته في الإذاعة، أو ترى نفسها أينما سارتأو ذهبت لا حديث للآخرين إلا عنها، ولا إطراء إلا لقيمها ومبادئها؟!

إذاً: ليس علينا أن نقول للفتاة: البسي كما كانت جدتك أو عمتك تلبس.

لكن قبل أن نقول لها: البسي كما لبست جدتك أو عمتك أو أمك يجب أن نحطم الصنم الذي استحوذ على تفكيرها.. لقد ذهبت عبادة اللات والعزى؛ إنما أصنام اليوم هي القيم والمبادئ أمثال مبادئ الفتاة العصرية.

لابد أن نطرح البديل، أو نعرض على هذه الفتاة قيماً أعلى وأفضل من قيم هذه الفتاة العصرية، فإذا أفلحنا في إقناع الفتاة بهذه القيم الأعلى للمرأة المسلمة، فلسوف ترتبط بها، وسوف تفرض على نفسها كل رموز تلك القيم، وتختارها بنفسها، وتعتز بها، دون أن تشعر بالحقارة أو المهانة، كما حصل مع الفتاتين المسلمتين في فرنسا رفضتا كل الإغراءات وقبلتا حتى بترك الدراسة على أن تتنازل عن حجابها وقيمها ومبادئها.

والدليل على ذلك هو المرأة الصينية، فقد كان يضرب بها المثل في الجمال الذي أذعنت له كل نساء العالم؛ لأنها برعت في الجمال والزينة، والتدلل والدلع والغنج والفتنة، وكان الفلاسفة يكتبون بأسلوب علمي عن الطريقة التي تصبح بها المرأة مغناجاً، وبات جمال المرأة علماً متطوراً.

ولكن فجأة ما الذي دفع هذه المرأة المغناج لأن تلبس لباس الخيش وهو أرخص أنواع الألبسة، هذا الملبس الخشن الرخيص لتواجه الفتاة الفرنسية أو الأمريكية من غير أن تشعر إزاها بالحقارة، بل على العكس هي تشعر بالتفوق عليها.. إنها تعد نفسها ثورية وليست فتاة برجوازية، وترى أن الفتاة الفرنسية والأمريكية دمية ذات مظهر برجوازي؛ إنها ترى نفسها الأعلى والأفضل.

علينا أن نبحث عن الدافع الذي جعل هذه الفتاة الصينية صاحبة السوابق في التزين والدلع والجمال، تأتي الآن في القرن العشرين لتظهر أمامنا بهذا الهندام الخشن مستهينة بالفتاة الأوروبية الأنيقة.

ما الذي تغير.. أهو التقدم الاقتصادي الصيني؟ كلا.. فالاقتصاد الصيني ما زال متخلفاً أمام الاقتصاد الأوروبي، والفتاة الصينية بالمقياس الحضاري ما زالت متخلفة عن الفتاة الأوروبية، فأين هي من الفتاة الفرنسية أو الأمريكية؟!

إن الذي تغير هو القيم والمبادئ، فهذا القميص، وهذا اللبس الخشن ليس هو لباسها التقليدي المفروض عليها من قبل والديها، وليس هو لباس العوز والفقر، بل هو زي فكري مرتبط بالفكر الذي اعتنقته والذي تجاهد من أجله.

اقرأ أيضا  التجمل والمرأة

إنها تواجه الفتاة الفرنسية والأمريكية لتسألها: ما هي فلسفة ملابسك؟ غلاؤها.. ثمنها.. أناقتها، إذن ملابسك مرتبطة بالمال والجمال والأناقة فقط.. أما ملابسي فهي دليل على سمو الفكرة التي ترتكز عليها.. قيمتك أيها الفرنسية أو الأمريكية تكمن في مالك وثروتك وملابسك الغالية.

وقيمتي تكمن في عقيدتي وأسلوب تفكيري، وهما أسمى وأعلى من المال والثروة.

هذا نموذج لامرأة صينية!! فما هو نموذجنا؟

للأسف كان نموذجنا نحن المسلمين أن لبس الحجاب عندنا إنما هو للأسرة الفقيرة المتخلفة التي تريد الفتاة أن تخفي رثاثة ثيابها وملابسها خلف حجابها.

أو هو للأسرة المتحجرة المتزمتة غير الواعية التي تغصب الفتاة على لبس الحجاب؛ لأن العادة أو التقاليد تأمر بذلك، فقط هذا هو معنى الحجاب عند البعض.

لقد كانت الفتاة السافرة تشعر تلقائياً بالتفوق على الفتاة المحجبة، وكانت الفتاة المحجبة تشعر بالمقابل بالحقارة والنقص تجاه الفتاة السافرة، فالقيم هي التي تحرك السافرة لأنها تشعر أنها أكثر عصرية وحداثة، ولبسها أقرب إلى ما ينزل في الأسواق المشهورة وتلبس من الماركات المشهورة مثل “دفنشي” أو ماركة “بوس”، أما الفتاة المحجبة فملابسها من “باب اليمن” أو “باب شعوب” أو غيرها من الأحياء الفقيرة في بلدها.

ومن هنا نستطيع أن نقول: إن المحجبة قيمها ومبادئها هذه قابلة للسقوط والانهيار، والسافرة الجميع معها والكل يتكلم عنها وعن جمالها وأناقتها.

إن أي فتاة تريد اليوم ارتداء الحجاب، ما هي دوافعها لاختيار هذا القرار؟ إن لديها دافعين:
الأول: إما أن تقول: هكذا كانت أمي وعمتي وخالتي يرتدين هذا الزي وهذا هو زيُّ بيئتنا، هذا هو الواقع ولابد أن أفعل ما يفعله الناس من حولي.

الثاني: وإما أن تقول: الحجاب الذي كانت أمي ترتديه يمثل فكراً عقائدياً وأمراً ربانياً، وقيمة دينية، وأنا أؤمن بهذا الفكر وأحمل هذه القيمة، والله أمرني أن ألتزم بتعاليم الحجاب، وديني يفرض عليَّ ذلك.

فالحجاب هو نفسه لم يتغير، لكن الدافع هو الذي تغير.

وبناء على ما سبق فالفتاة التي اختارت لباسها بدون قناعة وبدون دين في أي لحظة قد تتخلى عن حجابها.

أما الفتاة التي اختارت لباسها عن قناعة ودين لا يمكن أن تتخلى عنه، ولا يمكن أن تشعر بالحقارة أمام زميلتها التي لا تعير مسألة الحجاب شأناً ولا تقيم له وزناً، بل المحجبة تشعر وتحس بالتفوق على زميلتها؛ لأنها تطيع ربها؛ ولأن زيَّها مظهر لعقيدتها ودينها وأمتها، وهذا هو الشيء الذي له قدر وقيمة في نفسها.

ومثالنا لذلك هو “انديرا غاندي”؛ “فانديرا غاندي” ترتدي (الساري) الزي الهندي العائد إلى ثلاثة آلاف سنة مضت، وتلتقي قادة العالم الكبار، وتدخل منظمة الأمم المتحدة، ويصفق لها الأعضاء نصف ساعة، ويقومون احتراماً لها. لماذا لم تشعر “غاندي” بالحقارة؛ بل تفرض احترامها على الجميع؟!

ذلك لأن زيِّها ليس هو الزي التقليدي الموروث الذي كانت جدتها العزيزة ترتديه؛ بل هو الزي الذي تريد أن تقول به للغرب: لقد طالعت حضارتكم، وثقافة الفتاة اللائقة بنظركم، ومجلات عرض الأزياء عندكم، وقرأت كل ما أرتم فرضه علينا، ولكنني بزيي هذا الذي أسافر به إلى فرنسا وألمانيا وأمريكا ومقر الأمم المتحدة، أقول لكم: قرنان من الزمن وأنتم تبذلون قصارى جهودكم كي تعيدوا صياغتنا على نمطكم، لكن مساعيكم كلها ذهبت أدراج الرياح، وأنا ما زلت أنا.. أنا “انديرا غاندي” بزيي وبقيمتي وبعقيدة أمتي.

هذه هي وجهة نظري في هذه القضية، على أمل أن يتفهمها من أراد للفتاة أن تلبس الحجاب، إن علينا أن نغير أسلوب تفكير فتياتنا، وإذا نجحنا في ذلك فستلبس الفتاة الحجاب عن قناعة ودين، لا عن خوف وتقليد.

إننا نحترم الفتاة في فرنسا وأمريكا التي تلبس الحجاب، نحترمها ونرى أنها جديرة أن تكون مسلمة متميزة؛ لأن امرأةً وقفت أمام الدنيا من أجل مبدئها ودينها وحجابها؛ إنها تقلد عائشة وخديجة وأسماء وحفصة، أما السافرة فتقلد من (مارلين مانرو) أو (بروك شيلدز) أو (ليزبت تايلور) أو (نعومي كمبل) أو غيرهن كثير من أصحاب الموضات والشهرة، وشتان بين فريقين فريق ينتمي إلى أمته، وفريق يقلد الآخرين[2].

هل الحجاب في صالح المرأة إذا اقتنعت به؟ أو هو يقف أمام حريتها أو أنوثتها وجمالها؟
دعونا نناقش القضية بعيداً عن العاطفة والانفعال، ونذكر بعض الأدلة العقلية، وذلك على النحو الآتي:
الدليل الأول: الحجاب في صالح المرأة من الناحية المادية:
1- ثبت أن المرأة المصرية العاملة تدفع من الراتب (40%) إلى (50%) من أجل اللبس، وهنا لابد من التغيير في اللباس يومياً حتى لا تظهر أمام الزملاء والزميلات أنها لا تملك إلا نوعاً واحداً من اللباس، ولو كانت محجبة ما احتاجت إلى التغيير في اللبس يومياً.

اقرأ أيضا  كنديات غير مسلمات يرتدين الحجاب ويتجولن به.. هذه خلاصة تجربتهن

2- متابعة الموضة وتغيير ملابسها حسب ما يتوافق مع الموضة، وفي هذا جهد كبير وتضييع للمال وجري وراء كل ما أنتجته الأسواق من الملابس الجديدة الموافقة للموضة والشياكة، ولو كانت المرأة تلبس الحجاب لما احتاجت إلى هذا كله.

الدليل الثاني: الحجاب في صالح المرأة من الناحية المعنوية:
عندما يعمل الرجل في مكتبة ويلاحظ -مثلاً- زميلاته في العمل ويرى اللبس الجميل ويشم الرائحة الطيبة، ثم يعود إلى منزله فتقابله زوجته بثيابها الرثة -ثياب المطبخ- وقد يشم رائحة لا تعجبه، فيجري مقارنة بين زوجته وزميلته في العمل أو (سكيرتيرته) فهنا تغير قلبه على زوجته، وسبب التغير هو هذه المرأة غير المتحجبة! بل إن الموظف أو المدير قد يتزوج زميلته في العمل ويطلقها بعد سنة؛ لأنه قام من النوم فلم يجد الجمال والشياكة (والمكياج) الذي كان يجده في المكتب، وهذا ملاحظ مشاهد.

إذاً: فالرجل كان يحب زوجته وتغير قلبه على زوجته، والذي غير قلبه هذه المرأة المتزينة، فهل ترغب المرأة من إحدى النساء أن تغير قلب زوجها عليها؟

الجواب: لا. إذن فلماذا لا تتحجب المرأة وتحافظ على مشاعر الأخريات، وعلى مشاعر الرجل، خاصةً ونحن في زمن كثرت فيه المغريات، وهؤلاء الرجال ليسوا ملائكة ولا صالحين إلا من رحم ربك.

ومما يؤكد الناحية المعنوية للحجاب ما يلي:
أ) عندما تشترك المرأة مع الرجل في لقاء علمي أو فكري -مثلاً- يهدف إلى إصلاح اجتماعي، أو معالجة لمشكلة علمية أو ثقافية، فإننا نفترض في هذه الحالة مسايرة لرغبة من يتأففون من الحجاب وقيوده، أن تبرز المرأة في هذا اللقاء العلمي أو الفكري المشترك بادية الزينة، قد أبرزت الكثير من مغرياتها.. على نحو ما تفعله المرأة (المتحررة) اليوم.. ترى ما الذي يحصل عندما تقوم هذه المرأة بهذا المظهر المثير، لتناقش في مسألة فكرية، أو معضلة اجتماعية، أو حتى عمل أدبي؟

الذي لابد أن يحصل هو أن تهتاج في الرجال الذين يرونها ويسمعونها مشاعرهم الغريزية، وتتغلب على أنشطتهم الفكرية، فتشرد بهم الغريزة عن كلامها ومحاكماتها الفكرية، إلى ما يتبدى أمامهم من مغرياتها الجسدية.. أي: أن حديثها إليهم يكون في واد، والمهيجات الغريزية تسبح بهم في واد آخر، وهذا يعني بكل وضوح أن الرجال إنما يتعاملون معها على الرغم من حديثها العلمي أو الفكري الذي تطرحه، على أنها كتلة أنوثة تهيج الغريزة وتبعث على المتعة، ولا يحفلون من حديثها الفكري بشيء[3].

ب) كانت إحدى الشاعرات المعروفات في محيطنا العربي، تلقي قصيدة في أمسية شعرية جامعة، وكانت بادية الزينة، وكانت تميل شعرها الطويل المسترسل أثناء الإلقاء إلى طرف من وجهها، ثم ما تلبث أن ترده عنها في حركة مثيرة.

ولما انتهت من إلقاء قصيدتها وعجت القاعة بالتصفيق سأل أحد الجالسين صاحبه: كيف رأيت شِعرها -بكسر الشين-؟
فقال: إن لها شَعراً -بفتح الشين- يأخذ بالألباب.
هل في الناس من لا يقرأ في هذا الكلام أسوأ عبارات الامتهان الجارحة؟![4].

جـ) وقد سئل العلامة «أحمد وفيق باشا»؛ سأله بعض عشرائه من رجال السيادة في أوروبا في مجلس بإحدى العواصم قائلاً: لماذا تبقى نساء الشرق محجبات في بيوتهن مدى حياتهن من غير أن يخالطن الرجال ويغشين مجامعهن؟
فأجابه قائلاً: لأنهن لا يرغبن أن يلدن من غير أزواجهن.

الدليل الثالث: الحجاب في صالح المرأة حتى لا تتعرض للفتنة والإيذاء:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59].

ففي قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب:59] تلك هي الحكمة؛ أي: أن الحكمة من الحجاب ليست إعانة المرأة بواسطته على الانضباط بالأخلاق الفاضلة، ولكن الحكمة منه إعانة الرجال الناظرين إليها على هذا الانضباط ذاته، وعلى أن ينظروا إليها ويتعاونوا معها إنسانة مثلهم ذات مقومات علمية وثقافية وقدرات اجتماعية، لا على أنها كتلة من المهيجات الغريزية[5].

ومعلوم أن المرأة إذا التزمت بالحجاب الشرعي عُرفت بالعفة وأنها مستورة محتشمة بعيدة عن أهل الريب والخنا، وحتى لا تُفتن ولا تَفْتِن غيرها فلا تؤذى. وكف عنها الفساق ومن في قلوبهم مرض بخلاف المتبرجة فإنها مطموع فيها[6]؛ فالحجاب عنوان العفة كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب:59] يعرفن بالحشمة والتستر فلا يؤذيها الفساق وضعاف الدين.

اقرأ أيضا  امرأة تعتدي على مسلمة منتقبة في جامعة بأستراليا

الدليل الرابع: الحجاب يوافق الأمر الفطري لدى المرأة:
إن الحجاب أمر فطري للنساء تقتضيه فطرتهن؛ لأن النساء جبلن على الرقة والضعف، فيجدن في أنفسهن حاجة إلى رجل يقوم بحمايتهن وحماية أولادهن، الذين يؤثرونهم على أنفسهن. وهن يحملن في فطرتهن تخوفاً من الرجال الأجانب، وهذا التخوف يقتضي فطرة التحجب وعدم التكشف.

ثم إن ما يقرب من سبعة أعشار النساء، إما متقدمات في العمر، أو دميمات لا يرغبن في إظهار شيبتهن أو دمامتهن، أو أنهن يحملن غيرة شديدة في ذواتهن، يخشين أن تفضل عليهن ذوات الحسن والجمال، أو أنهن يتوجسن خيفة من التجاوز عليهن وتعرضهن للتهم. فهؤلاء النساء يرغبن فطرة في الحجاب، حذراً من التعرض والتجاوز عليهن، وتجنباً من أن يكن موضع تهمة في نظر أزواجهن؛ بل إن المسنات أحرص على الحجاب من غيرهن.

وربما لا يتجاوز الاثنتين أو الثلاث من كل عشر من النساء هن: شابات وحسناوات، لا يتضايقن من إبداء مفاتنهن! إذ من المعلوم أن الإنسان يتضايق من نظرات من لا يحبه أو لا يعرفه. وحتى لو فرضنا أن حسناء جميلة ترغب في أن يراها اثنان أو ثلاثة من غير المحارم، فهي حتماً تستثقل وتنزعج من نظرات سبعة أو ثمانية منهم؛ بل تنفر منها.

فالمرأة لكونها رقيقة الطبع سريعة التأثر تنفر حتماً -ما لم تفسد أخلاقها وتتبذل- من نظرات خبيثة تصوب إليها، والتي لها تأثير مادي كالسم -كما هو مجرب- حتى أننا نسمع: أن كثيراً من نساء أوروبا -وهي موطن التكشف والتبرج- يشتكين إلى الشرطة من ملاحقة النظرات إليهن قائلات: إن هؤلاء السفلة يزجوننا في سجن نظراتهم.

وهكذا فإن رفع المدنية الغربية الحجاب، وإفساحها المجال للتبرج يناقض الفطرة الإنسانية. وأن أمر القرآن الكريم بالحجاب -فضلاً عن كونه فطرياً- يصون النساء من المهانة والسقوط، ومن الذلة والأسر المعنوي، ومن الرذيلة والخنا[7] .. فالمرأة بالحجاب -فطرةً وشرعاً- معدن الفضيلة والطهارة والنظافة: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب: 53] فلا يقل أحد غير ما قال الله تعالى، لا يقل أحد: إن الاختلاط وإزالة الحجب والحجاب والترخص في الحديث، واللقاء، والجلوس، والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب، وأعفُ للضمائر، وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة، وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك… إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف والجهال بحكمة الله. لا يقل أحد شيئاً من هذا والله يقول: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 53] يقول هذا عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات.. أمهات المؤمنين، وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لا تتطاول إليهن وإليهم الأعناق! وحين يقول الله قولاً ويقول خلق من خلق الله قولاً، فالقول لله سبحانه وتعالى، وكل قول آخر هراء لا يردده إلا من يجرؤ على القول بأن العبيد الفانين أعلم بالنفس البشرية من الخالق الباقي الذي خلق هؤلاء العبيد!

والواقع العملي الملموس يهتف بصدق الله، وكذب المدعين غير ما يقوله الله، والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول.

وها هي البلاد التي بلغ فيها التكشف والتعري أقصاه أظهر في هذا وأقطع من كل دليل، والغرب أول من قطف أبشع الثمار لعدم فرضية الحجاب[8].

________________________________________
[1] المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الإلهي: محمد سعيد البوطي (ص: 154).
[2] للتوسع فيما سبق راجع: المرأة بين لطائف التشريع الإسلامي والنظام الغربي، د. محمد سعيد البوطي، وحجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والحجاب، د. علي شريعتي.
[3] انظر: المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني: د. محمد سعيد البوطي، (ص:157).
[4] المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الإلهي، د. محمد سعيد البوطي (ص:162).
[5] المرجع نفسه (ص:162).
[6] حراسة الفضيلة: د. بكر أبو زيد (ص:55).
[7] المرأة في الإسلام حرية أم عبودية؟ خديجة النبراوي (ص:92-93).
[8] انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب (5/2878).
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.