الأزمة السورية وضعف الموقف العربي

الجامعة العربية - al-jazirahonline.com
الجامعة العربية – al-jazirahonline.com

د.فهمي شراب

الخميس 17 ذو الحجة 1436//1 أكتوبر/تشرين 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية

جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي اوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 70 لتحسم الخلاف في المواقف من جهة، وتؤكد “الانقسام الغربي” على مسألة بقاء الأسد في النظام من عدمه من جهة أخرى، فبرغم تغير بعض المواقف الأوروبية تجاه النظام وإبدائهم مواقف تفيد بإمكانية بقاء الأسد مؤقتا عبر عملية سياسية انتقالية، فان الولايات المتحدة ترفض أي حل سياسي يشمل بقاء الأسد، معتبرة انه كان سبباً في هذه الأزمة، ولكنها أيضا ترفض الإطاحة به عبر عمل عسكري. وقد هيمن الملف السوري على معظم الخطابات التي ألقاها قادة العرب والغرب في الأمم المتحدة، وبرغم عنونة الكثير من الأخبار بان “بوتين يسرق الأضواء من اوباما”، إلا أن التسعون دقيقة التي أمضاها الرجلان على هامش الاجتماعات في الأمم المتحدة كان فحواها الاتفاق أن هناك عدواً واحداً مشتركاً وهو “داعش” يجب محاربته تحت مفهوم”الإرهاب”. وظل الموقف الأمريكي متمسكاً بفكرة أن لا يكون الأسد جزءا من العملية السياسية الانتقالية، وأن يأتي انسحابه من المشهد السوري تدريجياً، معتبراً أيضا أن تشكيل الروس حلفاً لتبادل المعلومات الاستخبارية بين سوريا وإيران وروسيا انه مسألة “مبالغ فيها، لان هذا التعاون موجود منذ البداية، ولكن أعلن عنه مؤخرا كنوع من الحرب الإعلامية “البروبوغندا”.

 ويمكن قراءة  التدخل الروسي الأخير في الأزمة السورية  كمؤشر على فشل السياسات  الإيرانية في تحقيق أي انتصار عسكري أو سياسي بعد مرور أكثر من أربعة أعوام على اندلاع الثورة السورية، فبعد أن تعثر التمدد الإيراني في اليمن وانحسر النفوذ الإيراني في سوريا وبدت ملامح الضعف على نظام الأسد، أقحمت روسيا نفسها عسكرياً في المستنقع السوري بعد أن بات واضحاً أن النظام بدأ يقترب من نهاياته. حيث يقف خلف تدخلها مصالح برجماتية بحتة، منها؛ الحفاظ على حق الاستفادة من ميناء طرطوس، وضمان تدفق السلاح الروسي إلى المنطقة، وأهمية سوريا وتأثيرها على مجريات الأحداث في لبنان والعراق والأردن، وان روسيا لا تريد أيضا أن تخسر حلفاء جدد برؤيتهم روسيا تتخلى عن حلفاؤها وأصدقائها التقليديون.

اقرأ أيضا  أوباما يتصل هاتفياً مع العاهل السعودي حول التحول السياسي في سوريا ودعم معارضتها

وقد تعتبر موجات الهجرة السورية إلى أوروبا مؤخرا من مسببات تغير الخطاب الأوروبي تجاه الأزمة السورية  (ألمانيا، والنمسا، وإسبانيا، وبريطانيا، والمجر)، حيث دعت لتعاون مع روسيا وإيران لإيجاد حل عاجل يوقف تدفق اللاجئين حتى لو تطلب ذلك الانفتاح على الأسد، كما ساهم في تغير قناعات تلك الدول استعصاء استصدار قرار من مجلس الأمن لفرض حظر جوي، أو الموافقة على عملية عسكرية ضد النظام السوري.

أيضا روسيا بتدخلها العسكري في سوريا قللت من أهمية ردود الفعل الغربية والأمريكية تحديدا، حيث تجرأت في العام الماضي بإلحاق شبه جزيرة القرم بروسيا الاتحادية، وفي عام 2008 تدخلت في جورجيا عسكريا، ولم يوازِ ذلك أي رد فعل على قدر أهمية  وعظم الحدث، إلا أداة العقاب الوحيدة المتمثلة في العقاب الاقتصادي لروسيا.

وقد التقت المصلحة الروسية و الصهيونية مع مصالح الأسد، حيث يجمع السابقون على ضرورة محاربة داعش، وضمان عدم تأسيس دولة “سُنية” على حدود الكيان الصهيوني، فبقاء الأسد خيار استراتيجي بالنسبة للكيان الصهيوني وذلك إن لم يكن في المقدور تقسيم سوريا إلى أربعة دويلات حسب ما يريده قادة الكيان، وقد عبر عن ذلك بوضوح وزير الداخلية السابق “جدعون ساعر” حيث دعا إلى تقسيم سوريا إلى أربعة دويلات وفق المكونات العرقية المذهبية (كردية في الشمال، علوية في الغرب، درزية في الشرق والجنوب، وسنية في الوسط).

مهمة التدخل ستنحصر في المحافظة على ما تبقى لنظام الأسد وليس استعادة ما خسره والتمركز حول نقاط مصالح الروس في بعض المدن، والجيش النظامي لا يستطيع لإنهاء الصراع أو ضمان نتائجه لأنه يقاتل على الأرض مجموعات منظمة  تحفظ تضاريس وطبوغرافية المدن السورية وتعمل بشكل يستنزف النظام.

اقرأ أيضا  متطوع من غزة يدعو الشباب المسلم لتحرير المسجد الأقصى المبارك

برغم طموح روسيا في سوريا إلا أن التجربة الأفغانية ترخي بظلالها السوداء على صناع القرار الروسي، وتقف عائقا  أمام التورط الكلي في المستنقع السوري ضمن عملية عسكرية شاملة، ولان ذلك قد يعرض روسيا لخسائر في الجنود والإمكانيات مما سينعكس على الرأي العام الروسي.

ويبدو أن المشهد السوري ليس أزمة داخلية يتجشم صعاب تجربتها السوريون في الداخل والخارج فقط، حيث قُتل أكثر من350 ألف ونزح أكثر من 6 مليون،  بل هي أزمة دولية بامتياز، حيث تتصارع روسيا والولايات المتحدة في معركة يسطر ملامحها المدرسة الواقعية ولغة المصالح. فمنذ البداية، كان التخلي عن دعم الثورة وتسويف تسليحها بأسلحة نوعية هو جزء من إستراتيجية غربية تتوافق مع الفكر الصهيوني في إرهاق واستنزاف جميع الأطراف السورية وتركهم يقضون على بعضهم البعض، ليفرض الغرب في نهاية الأمر كامل إرادتهم وشروطهم، ويبدؤون في التسابق للحصول على  مشاريع  وحصص في إعادة الاعمار كما حصل في العراق سابقا وليبيا لاحقا.

وفي تحليل مضمون التصريحات الأمريكية التي أفادت بعدم وجود إرادة سياسية ونية للتدخل العسكري ضد نظام الأسد، فان القراءة الأولى تفيد بان النظام يفهم تلك الرسائل على أنها رسائل طمأنة، تشجعه وتطلق يده لارتكاب جرائم ومجازر جديدة  ضد الشعب السوري في ظل غياب رد فعل دولي وإقليمي.

أما الموقف العربي فقد كان رهينة الإرادة الإقليمية (التركية -الإيرانية) وتدخلهما المباشر، ومن ثمة رهينة النظام ثنائي القطبية المتمثل في (روسيا -الولايات المتحدة)، وسجل النظام الإقليمي العربي فشلاً واضحاً في هذا الملف منذ البداية، وإخفاق في حل القضايا العربية المركزية التي تتعلق بالأمن القومي العربي، حتى أن القضية الفلسطينية المركزية باتت هامشية في هذا المؤتمر،، فدخول بعض الدول في مواجهة مباشرة مع شعوبها بعد ما سمي بـ” ثورات الربيع العربي” أضعف دورها الخارجي تجاه القضايا العربية، وبدا الارتباك على الموقف العربي وعدم وضوح  الرؤيا والإستراتيجية، وخاصة بعد أن طرأ تغير في بعض مواقف الدول الإقليمية (تركيا) وبعض الدول الغربية. مما جعل الدول العربية تبدو ساحة وارض قتال تجري عليها حروبا بالوكالة الخاسر الأكبر فيها هو المجتمع السوري بجميع مقدراته.

اقرأ أيضا  لبنان:المعتوق يشيد باستقبال لبنان عددا كبيرا من اللاجئين السوريين

فقد هيمن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لعدة عقود سابقة ضمن النظام العربي ومفاهيم جامعة الدول  العربية، ولكن، وبعد ما سمي بـ ثورات الربيع العربي” فتح الباب واسعا ودون مواربة أمام التدخلات الخارجية في الشئون الداخلية العربية، ومنها الحالة الليبية والحالة السورية.

ولكي يستعيد النظام العربي بعضا من هيبته وقوته يجب تكثيف التعاون والتنسيق المشترك بشأن القضايا الساخنة والعالقة، وحل هذه الملفات ضمن نظامه، ومعالجة الأزمات بعيدا عن الاستعانة بالأطراف الخارجية التي تستغل مثل هذه القضايا لتعظيم مصالحها في المنطقة كما يفعل الدب الروسي. وحتى لا تظل الدول العربية جرماً يسبح في فلك الأجندات الخارجية. كما على المعارضة السورية أن تقف صفا واحدا خلف قيادة واحدة، وتوحد خطابها الإعلامي، حيث الانشقاقات والانقسامات الداخلية تضعف موقفها دوليا وداخل ساحات القتال.

البيان – وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.