الحث على لزوم الآداب الإسلامية
الجمعة 18 ذو الحجة 1436//2 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعود بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
عباد الله:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ومراقبته في السر والعلانية، فإن تقوى الله جلّ وعلا هي خير زاد يبلغ إلى رضوان الله، وهي وصية الله جلّ وعلا للأولين والآخرين من خلقه وهي وصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لأمته، وهي وصية السلف الصالح فيما بينهم .
عباد الله:
إن من الأمور العظيمة التي ندبت إليها الشريعة الإسلامية، وحثت على فعلها والعناية بها، لزوم الأدب وتكميله وتحسين الخلق وتهذيبه، إذ إن ذلك هو عنوان سعادة المرء وفلاحه في الدنيا والآخرة، فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانهما بمثل تضيع الأدب وإهماله.
عبد الله: وحقيقة الأدب، استخراج الكامن في الإنسان من الكمال من القوة إلى الفعل، فإن الله سبحانه قد هيأ الإنسان لقبول الكمال بما أعطاه من الأهلية والاستعدادات التي جعلها فيه كامنة، فألهمه ومكنه وعرفه وأرشده وأرسل إليه رسله وأنزل إليه كتبه، لاستخراج تلك القوة التي بها أهلَّه، أهله بها لكماله، قال الله تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 – 10] ، فأخبر سبحانه عن قبول النفس للفجور والتقوى، وأن ذلك نالها منه، امتحانا واختبارا ثم خصَّ بالفلاح من زكاها، فنماها وعلاها ورفعها بآدابها التي أدب الله عز وجل بها رسله وأنبيائه وأولياءه، ثم حكم بالشقاء على من دسَّ نفسه فأخفاها وحقّرها وصغّرها وقمعها بالخِسة والفجور.
عباد الله:
والأدب كلمة عظيمة، ذات دلالاتٍ عميقة، وهي تعني اجتماعَ خصال الخير في العبد، في هيئته ومظهره وقومته وقعدته وحركته وسكونه وحديثه وسكوته وحله وارتحاله وجميع شؤونه، وهو إصلاح للمنطق واللسان والجوارح والجنان وصيانة كاملة للإنسان، به تتهذّب النفوس وتزكو النفوس، ويتجمل الظاهر والباطن، وبه تبتعد النفوس عن رعونتها، والقلوب عن شرورها والجوارح عن آفاتها، والأخلاق عن منغصاتها وخوارمها، بالأدب عباد الله تعلو منارات الدين وتتسع رقعته ويعظم إقبال الناس عليه، ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، قال الحسن البصري رحمه الله: (هو آداب القرآن)، نعم عباد الله، لقد تأدَّب عليه الصلاة والسلام بآداب القرآن فكمَّلها، وتحلى بتوجيهاته وإرشاداته فتممها، فكان خلقه صلى الله عليه وسلم الذي يتخلق به وأدبه الذي يتأدب به، هو القرآن الكريم، كما في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لما سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت :” كان خلقه القرآن “، أي أنه صلى الله عليه وسلم كان متأدبا بآداب القرآن متخلقا بأخلاقه واقفا عند حدوده عاملا بأوامره منتهيا عن نواهيه، بحيث لا ترى في القرآن من خلق ولا أدب إلا وهو متمسك به ملازم له على أتم وجه وأحسن حال، فكان بذلك أسوة لأمته، وقدوة في كل خير، ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾} [الأحزاب: 21].
والأدب عباد الله ثلاثة أنواع، أدب مع الله سبحانه، وأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه، وأدب مع الخلق.
أما الأدب مع الله عز وجلّ، فيكون بالحياء منه سبحانه، وتعظيم أمره ونهيه، والوقوف عند حدوده والإقبال عليه وحده رغبا ورهبا وخوفا وطمعا، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ﴾[الإسراء: 57]، إن الأدب مع الله هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهرا وباطنا، ولا يستقيم لأحد قطُّ الأدب مع الله، إلا بثلاثة أشياء، معرفته سبحانه بأسمائه وصفاته، ومعرفة بدينه وشرعه وما يحب ويكره، وثالث ذلك نفسٌ مستعدة قابلة لينة، متهيئة لقبول الحق علما وعملا.
وأما الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فالقرآن مملوء به، ورأس ذلك عباد الله التسليم له والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق، وأن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي، ولا إذنٍ ولا تصرف حتى يأمر هو وينهي ويأذن، كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1]، أي لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر، عباد الله وهذا باقٍ إلى يوم القيامة، فالتقدم بين يدي سنته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، كالتقدمُ بين يديه هو صلى الله عليه وسلم في حياته.
وأما الأدب مع الخَلْقِ، فهو معاملتهم على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم، فلكلٍ مرتبته من الأدب، فمع الوالدين أدب خاص، ومع العالِم أدب خاص، ومع الأقران أدب وهكذا، ولكل حال من الأحوال أدب، فللأكل آدابه وللشرب آدابه، وللركوب والدخول والخروج والسفر والإقامة والنوم آدابها، ولقضاء الحاجة آدابه، وللكلام آدابه وللسكوت والاستماع آدابه، والأدب هو الدين كله، إذ الدين عباد الله، إذ الدين هو دين الأدب الرفيع في أوامره الحكيمة وإرشاداته القويمة وتوجيهاته العظيمة، رزقنا الله وإياكم التأدب بآداب الإسلام والتمسك بآداب الشريعة، ونسأله جلت قدرته أن يرزقنا وإياكم أحسن الأخلاق والآداب لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو، وأن يغفر لنا ولكم ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانيه
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
عباد الله:
فوصيتي لنفسي وإياكم تقوى الله جلّ وعلا، فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، ثم اعلموا عباد الله أن المعاملة أياً كانت لها أصول، فالمعاملة مع الله تبارك وتعالى لها أصولها، والمعاملة مع النفس لها أصولها، والمعاملة مع الخلق باختلاف أجناسهم وأخلاقهم وآدابهم لها أصولها، وقد جمع صلوات الله وسلامه عليه أصول المعاملة في حديث فذٍّ جامع هو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم يقول صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: ” اتقِّ الله حيث ما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ” فهذا الحديث عباد الله، جمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم أصول المعاملة، المعاملة مع الله والمعاملة مع النفس والمعاملة مع عباد الله، أما المعاملة مع الله فإن أساسَ بنائها وأصلَ قيامها أن تكون مؤسسة ومبنية على تقوى الله جلّ وعلا، أينما كان الإنسان وأينما حل، اتق الله حيث ما كنت، اتق الله حيث ما كنت، وتقوى الله جلّ وعلا ليست كلمة يقولها المرء بلسانه أو عبارةً يتلفظ بها، وإنما تقوى الله جلّ وعلا أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، بذلك عباد الله يكون المرء من المتقين، وأما المعاملة مع النفس، فإنها تبني على ما قاله صلى الله عليه وسلم :” أَتبع السيئة الحسنة تمحها”، وهذا عباد الله فيه إشارة إلى أن الإنسان لابد له من الخطأ والتقصير كل بني آدم خطّاء، فالإنسان بطبعه مخطئ وتعتريه الغفلة ويعتوره النسيان، ولكن عليك أن تقبل على الله عز وجلّ إقبالا صادقا وأن تكثر من الحسنات، وأن تقبل على الله عز وجلّ تائبا منيبا وأن تجعل نصب عينيك طاعة الله عز وجلّ والإقبال عليه والتماس رحمته سبحانه وتعالى ورجاء فضله والخوف من عقابه وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم:” اتبع السيئة الحسنة تمحها “، بأن يكون العبد دائما وأبدا مقبلا على الحسنات مكثرا من الطاعات تائبا منيبا إلى الله جلّ وعلا.
وأما المعاملة مع الخلق، فأصل بنائها وأساس قيامها هو قوله صلى الله عليه وسلم: ” وخالق الناس بخلق حسن “، وتحت هذه الجملة العظيمة تدخل جميع الآداب وجميع الأخلاق، فيدخل تحت هذه الجملة، صدق الحديث وحفظ الأمانة والوفاء بالوعد وطلاقة الوجه وحسن الكلام إلى غير ذلك من الأخلاق العظيمة والآداب الكريمة التي دعا إليها ديننا الحنيف، فهذا عباد الله حديث عظيم جامع، جمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم أصول المعاملة مع الله عز وجلّ ومع النفس ومع عباد الله تبارك وتعالى، وإني لأسأل الله جلّ وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يأخذ بنواصينا جميعا إلى الخير وأن يعيننا وإياكم على طاعته وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأن يهدينا لصالح الأعمال والأقوال لا يهدى لصالحها إلا هو سبحانه وتعالى وأن يصرف عنا سَيِّئَ الأعمال والأقوال لا يصرف عنا سيئها إلا هو تبارك وتعالى وأن يوفقنا وإياكم لكل خير وأن يجعلنا هداةً مهتدين من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، وصلوا رحمكم الله على إمام المتقين وخير عباد الله أجمعين محمد بن عبد الله.
كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾ [الأحزاب: ٥٦] وقال صلي الله عليه وسلم :” من صلى علي واحدة، صلى الله عليه بها عشرا”، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام الحث من الإكثار من الصلاة والسلام عليه في ليلة الجمعة ويومها.
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبى السبطين علي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين ودمِّر أعداء الدِّين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك المؤمنين، اللهم انصر إخواننا المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم انصرهم نصرا مؤزرا اللهم أيدهم بتأييدك وأحفظهم بحفظك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك اللهم مزقهم شر ممزق اللهم خالف بين قلوبهم وشتت شملهم وألقِ الرعب في قلوبهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام واجعل عليهم دائرة السوء يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدده في أعماله وأقواله وألبسه ثوب الصحة والعافية، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلي الله عليه وسلم، واجعلهم رحمةً على عبادك المؤمنين، اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدي والسداد، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم لك أسلمنا وبك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا وبك خاصمنا نعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلنا فأنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعللنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين واكتب الصحة والعافية لعموم المسلمين ونسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تيسر لحجاج بيت الله حجهم وأن تعينهم على طاعتك وأن توفقهم لكل خير يا ذا الجلال والإكرام وأن تعيدهم إلى بلادهم وذنوبهُم مغفورة وطاعتُهم مقبولة يا رب العالمين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا سَحاً طبقا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
الألوكة