من روائع وصايا الأمهات (4)

الأحد 27 ذو الحجة 1436//11 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
وائل حافظ خلف
من روائع وصايا الأمهات (4)
(الوصايا من 12 إلى 15)
الوصية الثانية عشرة
الوصية الثانية عشرة
ما يروى من وصية الخنساء – رضي الله عنها – أبناءها ليلة القادسية

ذكر الزبير بن بكار، عن محمد بن الحسن المخزومي[1]، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي وَجْزَةَ، عن أبيه، قال:

حضرت الخنساء[2] حرب القادسية، ومعها بنوها أربعة رجال، فقالت لهم من أول الليل:
((يا بَني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وواللهِ الذي لا إله إلا هو، إنكم لبَنُو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خُنْتُ أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هَجَّنْتُ حسبكم، ولا غَبَّرْتُ[3] نَسَبَكم.

وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين.

واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].

فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين، فاغْدُوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمَّرَتْ عن ساقها، واضطرمت لظًى على سياقها، وجللت نارًا على أرواقها، فتيمموا وَطِيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها؛ تظفروا بالغُنم والكرامة، في دار الخلد والمُقامة)).

فخرج بنوها قابلين لنصحها، عازمين على قولها، فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم، وأنشأ أولهم يقول:
يا إخوتي إن العجوز الناصحه
قد نَصَحَتْنا إذ دَعَتْنا البارحه
مقالة ذات بيان واضحه
فباكروا الحرب الضروس الكالحه
وإنما تَلْقَوْن عند الصائحه
من آل ساسان الكلابَ النابحه
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة
وأنتم بين حياة صالحه
أو ميتة تورث غُنما رابحه

اقرأ أيضا  التربية الإسلامية و تحديات العصر

وتقدم فقاتل حتى قُتل – رحمه الله.

ثم حمل الثاني وهو يقول:
إن العجوز ذات حَزْم وجَلَد
والنظرِ الأوفقِ والرأيِ السَّدَد
قد أمرتنا بالسَّدَاد والرَّشَد
نصيحة منها وبرًّا بالولد
فباكروا الحرب حماة في العدد
إما لفوز بارد على الكبد
أو ميتة تورثكم عز الأبد
في جنة الفردوس والعيش الرغَد

فقاتل حتى استشهد – رحمه الله.

ثم حمل الثالث وهو يقول:
والله لا نعصي العجوز حرفا
قد أمرتنا حَدَبًا وعطفا
نصحًا وبرًّا صادقًا ولطفا
فبادروا الحرب الضروس زحفا
حتى تَلُفُّوا آل كسرى لَفّا
أو تكشفوهم عن حِماكم كشفا
إنا نرى التقصير منكم ضعفا
والقتل فيكم نجدة وزلفى[4]

فقاتل حتى استشهد – رحمه الله.

ثم حمل الرابع وهو يقول:
لست لخنساءٍ ولا للأخرم
ولا لعمرٍو ذي السناء[5] الأقدم
إن لم أَرِدْ في الجيش جيشِ الأعجم
ماضٍ على الهول خِضم خضرم
إما لفوز عاجل ومغنم
أو لوفاة في السبيل الأكرم

فقاتل حتى قتل. رضي الله عنه وعن إخوته.

فبلغها الخبر فقالت:
((الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته[6])).

وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة، لكل واحد مائتيْ درهم، حتى قُبض – رضى الله عنه.

[“الاستيعاب في معرفة الأصحاب” لأبي عمر ابن عبد البر (4/1827-1829)، الترجمة رقم (3317)، و”سنن الصالحين” لأبي الوليد الباجي (ص240-242)، و”أسد الغابة في معرفة الصحابة” لابن الأثير عز الدين (6/93) ط/ دار الفكر – بيروت، و”الإصابة في تمييز الصحابة” لابن حجر (4/381) ط/ مكتبة مصر].
♦♦♦

اقرأ أيضا  الحديث النبوى الشريف

من وصايا عائشة بنت أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري النيسابوري ابنتها

أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال:
كانت عائشة بنت أبي عثمان [7]من أزهد أولاد أبي عثمان وأورعهم وأحسنهم حالاً ووقتًا، وكانت مجابة الدعوة. سمعت ابنتها أم أحمد بنت عائشة تقول: قالت لي أمي:
((لا تفرحي بفان، ولا تجزعي من ذاهب، وافرحي بالله – عز وجل -، واجزعي من سقوطك من عين الله – عز وجل -)).
♦♦♦

قال: وسمعتها تقول: قالت لي أمي:
((الزمي الأدب ظاهرًا وباطنًا، فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهرًا، ولا أساء أحد الأدب باطنًا إلا عُوقب باطنًا)).
♦♦♦

وقالت عائشة:
((مَنِ استوحش من وحدته فذاك لقلة أنسه بربه)).

وقالت:
((من تهاون بالعبد فهو من قلة معرفته بالسيد؛ فمن أحب الصانع أحب صنعته)).
[“صفة الصفوة”].

________________________________________
[1] قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في محمد هذا: ((هو المعروف بابن زبالة، أحد المتروكين)).
ذلك، وقد روى الطبري في “تاريخه” – في حوادث سنة أربعَ عشرةَ – بسند واه نحو هذه القصة، لامرأة من النَّخَع.
فكلتا الروايتين – كما ترى – لا تقوم على ساق.
[2] اسمها تماضر بنت عمرو بن الشَّرِيد السلمية، وهي أشعر شواعر الجاهلية والإسلام باتفاق.
[3] ضبطت في بعض الأصول: ((ولا غيرت))، بالياء المثناة من تحت.
[4] في بعض المراجع: ((وعُرفا)).
[5] في “الإصابة” ((ذي السعاء))، ووقع في “السنن”: ((ذي النَّساء)).
[6] في هذا القول نظر؛ فمستقر رحمة الله ذات الله، إذ الرحمة صفة، مستقرها الموصوف – عز وعلا.
وقد قال البخاري في “الأدب المفرد”: باب مَن كره أن يقال: “اللهم اجعلني في مستقر رحمتك”، ثم قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثني أبو الحارث الكرماني، قال: سمعت رجلًا قال لأبي رجاء: ((أقرأ عليك السلام، وأسأل الله أن يجمع بيني وبينك في مستقر رحمته)). قال: ((وهل يستطيع أحد ذلك؟!)). قال: ((فما مستقر رحمته؟)). قال: ((الجنة)). قال: ((لم تُصِبْ)). قال: ((فما مستقر رحمته؟)). قال: قلت: ((رب العالمين)). وإسناد ذا الخبر صحيح.
قال الشيخ ناصر الدين الألباني – رحمه الله – في “صحيح الأدب المفرد” حاشية (ص286-287): ((أبو رجاء اسمه مِلْحان بن عمران العُطَاردي، وهو ثقة مخضرم، قال الذهبي في “الكاشف”: ((أسلم في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهو عالم عامل نبيل، مقرئ معمَّر)).
قال الشيخ: ((وهذا الأثر عنه يدل على فضله وعلمه، ودقة ملاحظته؛ فإن الجنة لا يمكن أن تكون مستقر رحمته – تعالى-؛ لأنها صفة من صفاته، بخلاف الجنة؛ فإنها خلق من خلق الله، وإن كان استقرار المؤمنين فيها إنما هو برحمته – تعالى -، كما في قوله – عز وجل -: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 107]، يعني: الجنة)). وانظر “فضل الله الصمد” للجيلاني (2/236-237).
[7] توفيت – رحمها الله – سنة ست وأربعين وثلاث مئة.
الألوكة

اقرأ أيضا  محكّات الأخلاق
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.