خطبة المسجد الحرام – فضل كلمة التوحيد: لا إله إلا الله
الثلاثاء 14 محرم 1437//27 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس
فضل كلمة التوحيد
لا إله إلا الله
ألقى فضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: “فضل كلمة التوحيد: لا إله إلا الله”، والتي تحدَّث فيها عن فضل كلمة التوحيد، وأن الله – سبحانه – فضَّلَ المسلمين بها على غيرهم من الأمم، وذكر ما يجبُ عليهم تجاهَ ربِّهم شُكرًا لهذه النعمة وحِفاظًا عليها، وشدَّد على ضرورة التمسُّك بالكتاب والسنة لضمانِ النصر والتمكين في الدنيا، والفوز بجنات النعيم في الآخرة.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمدك ربي ونستعينُك ونستغفرُك ونتوبُ إليك، ونُثنِي عليك الخيرَ كُلَّه ثناءً كثيرًا طيبًا مديدًا، مِلءَ الآفاق مُبارَكًا مزيدًا.
لك الحمدُ اللهم يا خيرَ ناصرِ
لدينِ الهُدى ما لاحَ نجمٌ لناظِرِ
لك الحمدُ ما هبَّ النسيمُ من الصَّبَا
على نِعَمٍ لم يُحصِها عدُّ حاصِرِ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا بربوبيته وألوهيته وتوحيدًا، وتعظيمًا لجلاله – سبحانه – وتفريدًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أزكى من دعا للتوحيدِ اعتقادًا وعملاً فريدًا، صلَّى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين البالغين بالحقِّ رُكنًا شديدًا، وعِزًّا مشيدًا، وصحبِهِ الباذِلين لكلمةِ الإخلاص طارِفًا وتليدًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ ممن رجا وعدًا واتَّقَى وعيدًا، وسلِّم ربَّنا تسليمًا عديدًا إلى يوم الدين سرمدًا مزيدًا.
أما بعد، فيا عباد الله:
إن رُمتُم من التآخي ائتلافًا، ومن التمكينِ والعِزِّ ازدِلافًا، ومن ثوابِ الرحمنِ جناتٍ ألفافًا؛ فعليكم بتقوى الله قولاً وعملاً واعترافًا، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
عليك بتقوى اللهِ سرًّا وجهرةً
ففيها جميعُ الخيرِ حقًّا تأكَّدَا
لتُجزَى من اللهِ الكريمِ بفضلِهِ
مُبوَّأ صدقٍ في الجِنانِ مُخلَّدًا
أيها المسلمون:
في عصرنا الراهِن المُدلهِمِّ بالتقلُّبات الفكريةِ، والتحدياتِ السياسية والمُجتمعية، والمُؤثِّرات الثقافيةِ والمعلوماتية، وعلى مشارِفِ عامٍ هجريٍّ مُبارَكٍ جديدٍ لا يكتمِلُ استشرافُ المُستقبَل ورسمُ آفاقِهِ واستنطاقُ أندائهِ وأعماقهِ إلا في ضوءِ نعمةٍ جُلَّى قد كمُلَت فضائلُها وتمَّت، وكثُرت دلائلُها وجمَّت، وأذهبَت الغياهِبَ عن الدنيا وجلَّت، وهزَّت فيالِقَ الإلحاد والوثنيَّةِ وفلَّت؛ إنها أعظمُ كلمةٍ قِيلَت في هذا الوجود، وسُطِّرَت رمزًا للخُلود، وأجلُّ عبارةٍ لهَجَت بها الألسُن في الأصقاع، وأزكَى مقولةٍ شُنِّفَت بها الأسماعُ.
هي النعمةُ المُسداة، والمِنَّةُ المُهداة، هي أكبرُ نعمةٍ يمنُّ الله – تبارك وتعالى – بها على من يشاءُ من عباده، إنها – يا رعاكم الله -: كلمةُ التوحيد: (لا إله إلا الله)، ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].
معاشر المسلمين:
ولئن كان هذا أمرًا متفقًا عليه عند أهل القبلةِ تقريرًا، وسطَّرَته أقلامُهم تحريرًا، وتأصَّلَ في قلوبهم استشعارًا وتذكيرًا؛ فإن فِئامًا من بني الإسلام قد رضُوا باللَّقَب، واكتفَوا بالاسمِ وقنِعوا بالوصفِ، وغفَلوا عن المضمونِ في الجُملة، فتبلَّدَت منهم الحواسُّ، وجفَّت المشاعِر، وأجدَبَت القلوبُ إلا من رحِمَ الله.
ولهذا مهما بلغَ من حُرِمَ هذا الشرفَ العظيمَ في هذه الحياة الدنيا من مراتِب، وهما أُوتِي من جاهٍ ومالٍ وجمالٍ، ومن قوةٍ ودهاءٍ وذكاءٍ إلا أن أمنيَّته يوم القيامة: ﴿ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ: 40].
فنعمةُ (لا إله إلا الله) لا تُقدَّرُ بثمن، وكلُّنا في حبِّها مُرتَهَن؛ في الحديثِ الصحيحِ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – «أن موسى – عليه السلام – قال: يا ربِّ علِّمني شيئًا أذكُركَ وأعدوك به. قال: يا موسى! قُل: لا إله إلا الله. قال موسى: يا ربِّ! كلُّ عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى! لو أن السماوات السبعِ وعامِرهنَّ غيري، والأرضِين السبعَ في كِفَّة، ولا إله إلا الله في كِفَّة مالَت بهنَّ لا إله إلا الله»؛ أخرجه الحاكم، وابنُ حبَّان، وصحَّحه.
الله أكبر! إنه لو وقفَ المسلمون عند مُقتضى كلمةِ الإخلاصِ وأحكامها، وبديعِ مضامينها ومرامِيها؛ لما رأينا الظلمَ والاعتداء من الطُّغاة على الأبرياء، ولما تناهَشَ عِزَّتَنا الأعداءُ الألِدَّاءُ.
إخوة الإيمان:
إن هذا الدين القيم هو النعمةُ العُظمى، والمِنَّةُ الكبرى، وبه يمتازُ المؤمنُ عن غيره من أهلِ المِلَل الذين يشترِكون معه في نعمةِ الوجود والعقلِ والرزقِ وغيرها، إلا أن المسلمَ ينفرِدُ – بكلِّ شرفٍ واعتِزازٍ – بنعمةِ الإسلام، بنعمةِ (لا إله إلا الله)؛ فهي نعمةٌ تستوجِبُ منَّا أن نُمرِّغَ وجوهَنا وجِباهَنا وأنُوفَنا شُكرًا لله ربِّ العالمين.
إذا نزلَ الإسلامُ ساحةَ معشرٍ
تبدَّلَ فيه عُسرُه أبدًا يُسرًا
هو الأمنُ والإيمانُ والنعمةُ التي
بها تسعَدُ الأجيالُ في شأنِها طُرًّا
فمن لم يحيَ بها في هذه الحياة فهو الميتُ حقًّا؛ ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122]، ومن لم يستأنِس بها فهو المُستوحِشُ يقينًا؛ ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22].
أليس الله – تبارك وتعالى – هو الذي خلَقَنا فسوَّانا، وأوجدَنا وأحيانا، وبإحسانِهِ ربَّانا، ومتى دعوناهُ أجابَنا ولبَّانا، ومن كل كربٍ وضيقٍ نجَّانا؟ ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
فيا أحبَّتنا المكروبين المرثُوئين في كل مكانٍ! ألِظُّوا بالدعاء، واستَغيثوا بربِّ الأرضِ والسماءِ أن يُنجِيَكم من كل باغٍ ظَلوم، ومُستبدٍّ غَشوم.
يا مَن بذَرت الكيدَ في أرضِ النَّدَى
مهلاً فلن تجنِي سوَى البغضاءِ
لن يُقنِعَ الناسَ الكذُوبُ بقولِهِ
ولو ارتقَى لمنازلِ الشُّرَفاءِ
ومن أعظم معاني هذا الدين وأسمى مبادئه؛ بل أروع حقائقه وأجمل دقائقه التي هي جوهرُه ولُبُّه، وعِمادُه وطُمْبُه: إظهارُ الانكِسار والافتِقار والحاجةِ لله الواحدِ القهَّار.
أمةَ العقيدة:
الفائزون بكلمة التوحيد هم طُلاَّبُها، والعاجِزون من أعياهم التحقُّقُ بها واكتِسابُها، فهُرِعوا إلى التِّقانات والفضائيات، ولوَّثوا سَلسالَ التوحيد بالشركيَّات والخُرافات، ووَبيلِ المُعتقَدات؛ فليست كلمةُ التوحيد مُجرَّد لفظةٍ تُقال، أو عبارةٍ تُردَّدُ على الألسُن، وإن كان مُجرَّدُ التلفُّظ بها عاصمًا للدمِ والمالِ والعِرْضِ، ولكن هي بمثابةِ الدمِ للبَدَن، والهواءِ للأحياء، والماءِ للنبات، فإذا ما استقرَّت في السُّويْداء وحُقَّت، وانداحَت في الروحِ وترقَّت، إلا وأعلَنها صاحبُها مُدوِّيَةً: ألا معبودَ بحقٍّ يستحقُّ أن تُصرَف له العبادة إلا اللهُ الواحدُ الأحدُ الصمدُ، لا إله إلا الله.
فتُصبِحُ أقوالُه وأعمالُه، ذَهابُه وإيابُه لله رب العالمين لا شريكَ له؛﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
وأن يُفردَ الله – جل وعلا – في رُبوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وطاعته والتحاكُم إلى شريعته، ولقد تجسَّدَت هذه الروح في أكمَل عبادِ الله وأحبِّهم إليه وأكرمِهم عليه وصفوتِه من خلقِه: أنبيائه ورُسُله – عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم -.
هذا نبيُّنا وحبيبُنا وقدوتُنا محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – يستقبِلُ القبلةَ يوم بدرٍ، ثم يمُدُّ يديه فيهتِفُ بربِّه: «اللهم أنجِز لي ما وعَدتَني، اللهم آتِني ما وعدتَني، اللهم إن تهلِك هذه العُصابة من أهل الإسلام فلن تُعبَد في الأرض». فما زال يهتِفُ بربِّه حتى أتاه أبو بكرٍ – رضي الله عنه – والتزَمَه من ورائه، وقال: يا نبيَّ الله! كفاكَ مُناشَدَتَك ربَّك، فإنه سيُنجِزُ لك ما وعدَك، ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾[الأنفال: 9].
معاشِر الأحِبَّة:
المُتأمِّلُ في هذا الحديثِ الشريفِ يجِدُ فيه صورةً حيَّةً ناطِقةً بالذلِّ والخُضوعِ، والتضرُّع والانطِراح، والافتِقار والالتِجاءِ إلى اللهِ الواحدِ الأحدِ من أفضل خلقِ الله – عليه أفضلُ الصلاة وأزكى التسليم -.
ورسَمتَ للتوحيدِ أكملَ صورةٍ
نفَضَت عن الأذهانِ كلَّ غُبارِ
فرجَاؤُنا ودُعاؤُنا ويقينُنا
وولاؤُنا للواحدِ القهَّارِ
وفي ظِلالِ تلك الضَّرَعات الوارِفة في معارجِ التوحيدِ الخالِصِ بين يدي الله – عز وجل – من جميعِ أنبياءِ الله ورُسُله: نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى وأيوب ويونس وزكريا ومحمدٍ – عليهم الصلاة والسلام -، يرتسِمُ أثرُ العقيدة وتحقيقُها لخيْرَي الدنيا والآخرة.
أمةَ التوحيد والسنة:
ومع ما لكلمة التوحيدِ من مكانةٍ جُلَّى؛ فإن الحِفاظَ عليها وتحقيقَ شُروطها ومُقتضياتها لاسيَّما في مجال التطبيقِ وميادين العملِ، وساحاتِ المواقفِ والابتلاءات يُعدُّ المقصدَ الأعظمَ في الحياة كلِّها؛ إذ أعظمُ مقاصدِ الشريعةِ الغرَّاء: حِفظُ الدين وجودًا وعدمًا، وحِراسةُ العقيدةِ من كلِّ ضُروبِ المُخالَفاتِ، لاسيَّما في عصرٍ طغَت فيه الصراعاتُ العقدية، والنَّعَراتُ الطائفيَّة، والخِلافاتُ المذهبيَّةُ.
وامتدَّ فُسطاطُ اللَّوثات، وانتشرَ رُواقُ المُحدَثات، واختلطَ فيها سَخينُ المَدامِعِ بدويِّ المدافعِ، ونالَ المُتمسِّكون بعقيدتهم الصحيحة وسنةِ نبيِّهم -عليه الصلاة والسلام -، ومنهجِ سلَفهم الصالح ما نالَهم؛ فإن العاقبةَ الحميدَةَ – بإذن الله – لهم.
فصبرًا صبرًا أهلَ التوحيد والسنة، صبرًا صبرًا أهلَ التوحيد والسنةِ في كل مكانٍ، ويا بُشراكُم؛ فهذه راياتُ النصر تلُوحُ، وبشائرُه تغدُو وترُوح، وشواهِدُه المُشرِقة المُتمثِّلةُ في مهدِ الرسالة، ومنبَعُ العقيدة والأصالَة، وموئِلُ السنة: المملكةُ العربيةُ السعودية أُنموذجًا مُتألِّقًا، وسَلسالاً مُتأنِّقًا في إيمانها وعقيدتها وأمانها ورخائها واستقرارها، كلُّ ذلك بفضل اللهِ، ثم بفضلِ صحةِ المُعتقَد، وسلامةِ المنهَج، وتحقيقِ العدلِ، ونزاهَةِ واستِقلالِ القضاء، وتطبيقِ الشريعةِ بيُسرِها وسماحتِها، ووسطيَّتها واعتدالِها.
ولن يبُوءَ المُزايِدون عليها وعلى عقيدتها ومنهجِها وقضائِها ووُلاتِها وعلمائِها، المُتوسِّعون بنشر أباطيلهم، المُصدِّرون لأضاليلهم، المُتنمِّرون في بيانات السُّوءِ والفتنةِ من قراصِنةِ العقيدة، وسَماسِرةِ الأفكارِ والتصوُّرات، ومُعولِمةِ الثقافات والتِّقانات إلا بالبَوارِ والتَّبَار.
أمةَ الإسلام:
ومع ما تعيشُهُ أمتُنا الإسلاميةُ من الواقعِ المريرِ في بِقاعٍ عزيزةٍ علينا مما أقضَّ مضاجِعَ المؤمنين الصادقين؛ فإننا نشعُرُ مُتفائلين أن لهيبَ التمحيصِ لا بُدَّ أن يُضِيءَ طريقَنا إلى العامِ الهجريِّ الجديدِ، مُستيقنين أن كلمةَ التوحيدِ عُدَّتُنا مطلعَ كل عامٍ جديدٍ، وأنها المثابَة التي لا مندُوحةَ لأمةٍ من أن تفِيءَ إلى معاقدِ شُموخِها وسُطوعِها، وعِزَّتها ولُموعها، لتحقيقِ أملِنا المنشود، وسُؤدَدنا المفقود، وما ذلك على اللهِ بعزيزٍ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].
لا إله إلا الله.
بارك الله لي ولكم في القرآنِ والسنةِ، ونفعَني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والحِكمةِ، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المُسلمين من كل ذنبٍ خطيئةٍ، فاستِغفروه وتوبوا إليه، إن ربِّي لغفورٌ رحيمٌ.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا لم يزَل فيَّاحًا، ابتغاءً لمرضاتِهِ واستِمناحًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أشرقَ نورُها وضَّاحًا، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أخلصَ الدينَ لله دعوةً وإصلاحًا، اللهم فصلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلهِ وصحبِه الأُلَى نشَروا التوحيدَ غُدُوًّا ورواحًا، فعمَّ البسيطةَ هِضابًا وبِطاحًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله:
اتقوا الله في السرِّ والعلَن، واحمَدوه على ما شرعَ لكم من التوحيدِ وسنَّ، واحذَروا شوبَه بما ظهرَ من البدعِ وما بطَن، واعلمُوا أن أصدقَ الحديثِ كتاب الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.
أمة التوحيد والسنة:
إن المُتأمِّل البصير الذي يرومُ عِزَّةَ أمته هو من يستنطِقُ الحادِثات المُستجِدَّات في ضوءِ أصولها الكُلِّيات تجاوُزًا للتحديات، وتخلُّصًا من الصِّراعات، وإننا لنُعيذُ أمتنا – وهي تُكابِدُ من المِحَن ما تُكابِد – أن يتفاقَمَ بلاؤُها من ذاتِها أكثرَ من عُداتِها.
وفي هذه الآونةِ خُصوصًا تعظمُ الأمانة وتجِلُّ المسؤولية المُناطةُ بأهل العقيدة، وحملَة الشريعة، ورجال العلم والدعوةِ والإصلاح، السائرين على المنهجِ الربانيِّ الوضَّاح، وكذا القادةُ والساسةُ أن ينتشِلوا المُجتمعات والأجيال من أوهاقِ الافتِئاتِ على العقيدة، والمُزايَدة على مرامِيها البَلْجاءِ العَتيدة، وأن يتَّخِذوا من التوحيد والسنة أطيبَ سَقْيِ وغِراسٍ، وخيرَ مِنهاجٍ ونِبراس، لإصلاحِ أحوالِ الأمة، وتوثيقِ اتحادها، ودحرِ الأرزاءِ عنها، وتحقيقِ أجلِّ مُرادها، ولن يكون ذلك إلا بالاعتصامِ بالكتابِ والسنةِ؛ ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103].
بني الإسلامِ قد حانَ اعتصامٌ
بحبلِ اللهِ نهجًا والتِزامًا
لنرفعَ رايةَ الإسلامِ عدلاً
ونحمِي حوزةَ المجدِ اعتِزامًا
إذ ذاك؛ يأبَى الله – سبحانه – تحقيقًا لوعده إلا أن يُتِمَّ نورَه بكشفِ الغُمَّة ونصرِ الأمة، ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا – رحمكم الله – على أزكَى البريَّةِ قدرًا، المبعوثِ في الدياجِي بدرًا، من أعلى رايةَ التوحيدِ والسنةِ نهيًا وأمرًا؛ فقد قال – جلَّ في عُلاه – قولاً كريمًا، ولم يزَل سميعًا عليمًا:﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
مُحمدٍ المُختارِ والآلِ بعدَهُ
وأصحابِهِ الغُرِّ الكرامِ الأكابرِ
مدَى الدهرِ والأزمانِ ما قالَ قائلٌ
لك الحمدُ اللهمَّ يا خيرَ ناصرِ
اللهم صلِّ وسلِّم على سيدِ الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبِهِ الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُلِ الشرك والمشركين، ودمِّر الطُّغاةَ والمُفسِدين وسائرَ أعداء الدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم وفِّقنا لكل خيرٍ يا رب العالمين، اللهم أيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا.
اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفَين إلى ما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وخُذ بنواصيهم للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقهم وإخوانَهم وأعوانَهم إلى ما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين، وإلى ما فيه خيرُ البلاد والعبادِ يا رب العالمين.
اللهم احفَظ على هذه البلاد عقيدَتها وقيادتَها وأمنَها واستقرارَها ورخاءَها يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم رُدَ عنا كيدَ الكائدين، وعُدوان المُعتدين، ومكرَ الماكرين، وحسَد الحاسِدين، اللهم واكفِنا شُرورَهم بما شِئتَ يا رب العالمين.
اللهم كُن لإخواننا المُستضعفين في عقيدتهم واتباعهم لسنة نبيِّك – صلى الله عليه وسلم -، المُتمسِّكين بمنهجِ سلَفهم الصالح، اللهم كُن لهم في كل مكانٍ يا رب العالمين.
اللهم احقِن دماءَ المُسلمين، اللهم احقِن دماءَ المُسلمين، اللهم احقِن دماءَ المُسلمين، وأصلِح أحوالَهم في كل مكانٍ.
اللهم احفَظ على إخواننا في يمننا وفي شامِنا وفي كل مكان أمنَهم واستقرارَهم يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم إنا خلقٌ من خلقِك، فلا تمنَع عنا بذنوبِنا فضلَك، اللهم إنا نستغفرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا.
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 47]، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار ﴾[البقرة:201]. واغفر لنا ولوالدينا ولجميعِ المسلمين والمُسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياءِ منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.
الألوكة