المسارعة إلى الخيرات والمنافسة في الأعمال الصالحات

الثلاثاء 14 محرم 1437//27 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
في المسارعة إلى الخيرات
والمنافسة في الأعمال الصالحات
الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمَدُه – سبحانه – هو الذي نزَّل الكتاب وهو يتولَّى الصالحين، وأشهَدُ أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، أمَر بالمُسارَعة إلى الخيرات، وحثَّ على اغتِنام الأوقات بجليل الطاعات، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، سيِّد المسارِعين إلى الخيرات، وأشرَف السابقين إلى الجنَّات، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الهِمَم العالِيات.

أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناس:
اتَّقوا الله – تعالى – وسارِعُوا إلى مَرضاته بجليل الطاعات، وعَظِيم القُربات، واغتِنام الفُرَص والأوقات، اغتَنِمُوا حياتَكم قبل فَنائِها، وأعمارَكم قبل انقِضائها، ونِعَمَكم قبل زَوالِها، وعافِيتَكم قبلَ تحوُّلها، ويسر أُمورِكم قبلَ عُسرِها، بادِرُوا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلِم يُصبِح الرجل مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، ويُمسِي مؤمنًا ويُصبِح كافرًا، يبيع دينَه بعرَضٍ من الدنيا و((بادِرُوا بالأعمال سبعًا: هل تنتَظِرون إلا فقرًا منسيًا، أو غنًى مُطغِيًا، أو مرَضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجَّال، فشرُّ غائبٍ يُنتَظَر، أو الساعة فالساعة أدهَى وأمرُّ؟)).

أيُّها الناس:
إنَّ الله – تعالى – قد حَثَّنا على المسارَعة إلى مغفرته وجنَّته، فقال – سبحانه -: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].

وأوضَحَ ربُّنا – سبحانه – أنَّ المسارعة إلى مغفرته وجنَّته ليسَتْ بالدعوى ولا بالتمنِّي، وإنما تتحقَّق بفعْل جليل الأعمال الصالحات، التي يحبُّها ويَرضَاها ربُّ الأرض والسَّماوات، من الإحسان إلى الخلق ابتِغاءَ وجهِه، وكف الأذى عنهم، وتحمُّل أذاهم طمَعًا في عَفوِه وإحسانه، ومنها البعدُ عن اقتِراف المعاصي والسيِّئات، واجتِناب الفواحش، وظلم النفس في سائر الأوقات، والمبادرة إلى ذكْر الله وطلب مغفرته عند الوقوع في شيءٍ من ذلك جهلاً؛ لعدم علمٍ أو غلبة هوًى، والحذر من الإصرار على ما يعلم من الزلاَّت، فقال – جلَّ شأنُه -: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].

اقرأ أيضا  فضل إمساك اللسان عن الغيبة

فحين ذكَرُوا ربَّهم علِمُوا خطيئتهم فبادَرُوا إلى الاستِغفار، وتجنَّبوا الإصرار؛ ولهذا تكرَّم الله عليهم فوعَدَهم بالمغفرة والجنَّة بقوله: ﴿ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 136].

أيُّها المسلمون:
إنَّ المسارعة في الخيرات صفةٌ جامعة لفنون المحاسِن المتعلِّقة بالنفس وبالغير، وهي من فرط الرَّغبة في الخير؛ فإنَّ مَن رَغِبَ في أَمْرٍ سارَع في تولِّيه والقِيام به، وآثَر الفَوْرَ على التَّراخِي فيه؛ ولذلك يُسابِق إليه إحرازًا لقصب السبق، وحذارًا من الفَوات؛ ولهذا أمَر الله – تعالى – به حيث يقول: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [المائدة: 48].

واستِباق الخيرات يَتضمَّن المبادَرة إليها وفعلَها على أحسن الوجوه، وتكميلها بإيقاعها على أكمَلِ الأحوال، والخيرات تَشمَل جميعَ الفرائض والنَّوافِل من صلاةٍ وصِيام، وزكاة وحجٍّ وعمرة وجِهاد، وبر الوالدين وصلة الأرحام، ونفع خاص أو عام.

اقرأ أيضا  نهج الرسول في الدعوة إلى الله

والمسارِع والمُستَبِق في الدنيا إلى الخيرات هو السابِق في الآخِرة إلى الجنَّات؛ قال – تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57 – 61].

فهذه شهادةٌ من الله للمُسارِعين في الخيرات أنهم سابِقون إلى الجنَّات؛ كما قال – تبارَك اسمُه -: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ *مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ *وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 10 – 26].

فالسابقون إلى الخيرات هم أعلى أهل الجنَّة درجات، وهم أقرَبُهم إلى الله – تعالى – وأعظمهم منه كرامات؛ ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54 – 55].

وقد ورَد في الأحاديث الصحيحة أنَّ أهل الجنَّة صفوفٌ، وأنهم مائة وعشرون صفًّا، وأنَّ أقربهم من الله – تعالى – أعظمهم في الدنيا مسارَعةً إلى الخيرات، وأسبقهم إلى صفوف الصلاة، وفي الحديث الصحيح يقول – صلى الله عليه وسلم -: ((لو يعلَمُ الناس ما في النداء والصفِّ الأول – أي: من الخير – ثم لم يَجِدُوا إلاَّ أنْ يستَهِمُوا عليه – أي: يقتَرِعوا – لاستَهمُوا))، وفي الحديث الذي رواه مسلم أيضًا يقول – صلى الله عليه وسلم -: ((خيرُ صُفوف الرِّجال أوَلُها، وشرُّها آخِرُها)).

اقرأ أيضا  الزوجات أنواع

فسارِعُوا – رحمني الله وإيَّاكم – إلى المغفرة والجنَّات في استِباق الخيرات، واغتِنام الأوقات؛ فإنَّ في ذلكم التجارةَ الرابحةَ.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29 – 30].

وقال ربُّكم في وصْف هؤلاء: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [النور: 37 – 38].

بارَك الله لي ولكُم في القُرآن العظيم، ونفَعَنا جميعًا بما فيه نن الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستَغفِر اللهَ العظيم الجليل لي ولكم من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه يغفر لكم إنَّه هو الغفور الرحيم.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.