يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون

السبت 18 محرم 1437//31 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
محمد حسن نور الدين إسماعيل
النداء الثامن عشر للمؤمنين في القرآن
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].

قال الحسن البصري – رحمه الله تعالى -: “أُمِروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم، وهو الإسلام، فلا يدَعوه لسراء ولا ضراء ولا لشدة ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين، وأن يصابروا الأعداء الذين يكتمون دينهم”، وكذلك قال غير واحد من السلف.

المصابرة: هي الصبر في وجه العدو الصابر، ومن هنا كانت المصابرة أشد من الصبر؛ لأنها صبر في وجه عدو صابر، فأيهما لم يصبر على صبره، هلَك وأصبح النجاح لأطولهما صبرًا.

قال زفر بن الحارث في اعتذاره عن الانهزام:
سقَيْناهم كأسًا سقونا بمثلها = ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
وأما المرابطة: فهي المداومة في مكان العبادة والثبات، وقيل: الصلاة بعد الصلاة؛ قاله ابن عباس رضي الله عنهما، ويشهد له حديث: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط))[1].

﴿ اصْبِرُوا ﴾؛ أي: على الصلوات الخمس.
﴿ وَصَابِرُوا ﴾ أنفسكم وهواكم.
﴿ وَرَابِطُوا ﴾ في مساجدكم.
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ فيما عليكم ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.

اقرأ أيضا  تفسير القرآن بغير لغته

وقيل: المرابطة هنا المراد بها (مرابطة الغزو) في نحور العدو، وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها من دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين، وقد وردت أخبار بالترغيب في ذلك وذكر الثواب فيه.

فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها))[2].

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رباط يوم وليلة خيرٌ من صيام شهر وقيامه، وإن مات مرابطًا، جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأُجرِي عليه رزقه، وأمِن الفتَّان))[3]؛ الفتان: أي فتنة القبر.

قال ابن جرير: “كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعًا من الروم وما يتخوَّف منهم، فكتب إليه عمر: أما بعدُ، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة يجعل الله له بعدها فرجًا، وإنه لن يغلب عسرٌ يسرينِ، وإن الله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200]”.

روى الحافظ ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن سكينة قال: أملى عليَّعبدالله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، وودعته للخروج، وأنفذها معي إلى الفضيل بن عياض في سنة سبعين ومائة:
يا عابدَ الحرمين لو أبصَرْتَنا
لعلمتَ أنك في العبادة تلعبُ
مَن كان يخضبُ خدَّه بدموعِهِ
فنحورُنا بدمائنا تتخضَّبُ
أو كان يُتعِبُ خيله في باطلٍ
فخيولُنا يوم الصبيحة تتعبُ
ريحُ العبير لكم ونحن عبيرُنا
وَهَجُ السنابك والغبار الأطيبُ
ولقد أتانا من مقالِ نبيِّنا
قولٌ صحيح صادق لا يكذبُ
لا يستوي وغبار خيلِ الله في
أنفِ امرئٍ ودُخَان نار تلهبُ
هذا كتابُ الله ينطق بيننا
ليس الشهيد بميِّت لا يكذبُ

اقرأ أيضا  إعجاز القرآن بين الخلق والأمر

قال: فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في مسجد الحرام، فلما قرأه ذرفت عيناه، وقال: صدق أبو عبدالرحمن ونصحني، ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث؟ قال: نعم، قال: فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبدالرحمن إلينا، وأملى عليَّ الفضيل بن عياض:
حدثنا منصور بن المعتمر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، علِّمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله، فقال: ((هل تستطيع أن تُصلِّي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟))، فقال: يا رسول الله، أنا أضعف من أن أستطيع ذلك، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فوالذي نفسي بيده، لو طُوِّقت ذلك ما بلغتَ فضل المجاهدين في سبيل الله، أَوَما علمتَ أن فرس المجاهد ليستن في طِوَله فيكتب له بذلك الحسنات؟)).

اقرأ أيضا  القصة في القرآن الكريم: قصة أصحاب الكهف

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾؛ أي: في جميع أموركم وأحوالكم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حيث بعثه إلى اليمن: ((اتَّقِ الله حيثما كنتَ، وأتْبِعِ السيئةَ الحسنة تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخلق حسن))[4].

﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾؛ أي: في الدنيا والآخرة[5].

________________________________________
[1] رواه مالك، وأحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي رحمهم الله تعالى، وانظر: أيسر التفاسير – الجزائري ج1ص236.
[2] رواه البخاري رحمه الله تعالى.
[3] رواه مسلم رحمه الله تعالى، وانظر: تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى.
[4] رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، رحمهم الله تعالى، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه – ص.ج رقم 97.
[5] تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.