شرح حديث: إنما الأعمال بالنيات
الأربعاء 22 محرم 1437//4 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
عبدالعال بن سعد الرشيدي
شرح حديث: إنما الأعمال بالنيات
عن أمير المؤمنين أبي حفصٍ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه))؛ رواه إمامَا المحدِّثين: أبوعبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرةِ بن بَرْدِزْبَهْ البخاريُّ، وأبو الحسين مسلم بن الحَجَّاج بن مسلمٍ القُشيريُّ النيسابوريُّ في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة.
راوي الحديث:
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزى بن رباح بن عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي، أبو حفص أمير المؤمنين.
قال ابن عبدالبر: كان إسلامه عزًّا ظهر به الإسلام بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شهد المشاهد كلها، وولي الخلافة بعد أبي بكر، نزل القرآن بموافقته في أشياء، ومناقبه وفضائله كثيرة جدًّا ومشهورة، ولي الخلافة عشر سنين وخمسة أشهر، وقيل: ستة أشهر، وقُتل شهيدًا، طعنه أبو لؤلؤة المجوسي لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين للهجرة وهو ابن ثلاث وستين[1].
منزلة الحديث:
◙ قال النووي – رحمه الله -: أجمع المسلمون على عِظَم موقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وصحته[2].
◙ قال العراقي – رحمه الله -: هذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام حتى قيل: إنه: ثُلُث العلم، وقيل: رُبُعه، وقيل: خُمُسه، وقال الشافعيُّ وأحمدُ: إنه ثلث الإسلام[3].
◙ استحب العلماء أن تستفتح المصنفات بهذا الحديث، وممن ابتدأ به أول كتابه الإمام أبو عبدالله البخاري، وقال عبدالرحمن بن مهدي: ينبغي لكل من صنف كتابًا أن يبتدئ فيه بهذا الحديث؛ تنبيهًا للطالب على تصحيح النية[4].
◙ وعن الإمام أحمد – رحمه الله – قال: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر: ((إنما الأعمال بالنيات))، وحديث عائشة: ((مَن أحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ))، وحديث النعمان بن بشير: ((الحلال بيِّن، والحرام بيِّـن))[5].
◙ وقيل: ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث[6].
غريب الحديث:
◙ ((إنما)) تفيد الحصر، وهو إثبات حكم الأعمال بالنيات.
◙ النية لغةً: القصد.
شرعًا: هي اعتقاد القلب فعل شيء، وعزمه عليه من غير تردد[7].
شرح الحديث:
((إنما الأعمال بالنيات))؛ أي: إنما صحةُ الأعمال بالنيات، أو لا صحة لعمل إلا بنية، قال الخطابي: معناه أن صحة الأعمال ووجوب أحكامها إنما يكون بالنية؛ فإن النية هي المصرفة لها إلى جهاتها، وقال الحافظ العراقي: المراد بالأعمال هنا أعمال الجوارح كلها حتى تدخل في ذلك الأقوال؛ فإنها عمل اللسان، وهو من الجوارح[8].
قال ابن هبيرة – رحمه الله -: لا يقبل الله عملًا إلا بنية، حتى إن المسلم يضاعف له الثواب على أكله وشربه، وقيامه وقعوده ونومه ويقظته، على حسَب نيته في ذلك، وربما يجمع الشيء الواحد عدة وجوه من العبادات بالنية[9].
وقال ابن القيم – رحمه الله -: تداخل العبادات في العبادة الواحدة هو باب عزيزٌ شريف، لا يعرفه إلا صادق، حاذق الطلب، متضلع من العلم، عالي الهمة، بحيث يدخل في عبادة يظفر فيها بعبادات شتى، وذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء[10].
وقال ابن رجب – رحمه الله -: وأما النية بالمعنى الذي ذكره الفقهاء، وهو تمييز العبادات عن العادات، وتمييز العبادات بعضها عن بعض، فإن الإمساك عن الأكل والشرب يقع تارة حمية، وتارة لعدم القدرة، وتارة تركًا للشهوات لله عز وجل، فيحتاج في الصيام إلى النية.
وكذلك العبادات: كالصلاة والصيام، منها نفل، ومنها فرض.
وكذلك الصدقة: تكون نفلًا، وتكون فرضًا[11].
((وإنما لكل امرئ))؛ أي: إنسان ((ما نوى))؛ أي: جزاء ما نواه في عمله، من خير أو شر.
((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) الهجرة: الترك، والهجرةُ إلى الشيء: الانتقال إليه عن غيره، وفي الشرع: تركُ ما نهى الله عنه[12].
قال النووي: معناه: من قصد بهجرته وجه الله، وقع أجره على الله، ومن قصد دنيَا أو امرأة فهي حظه، ولا نصيب له في الآخرة بسبب هذه الهجرة[13].
سبب ورود الحديث:
قيل: إن الحديث سِيق بسبب رجل أراد التزوج من امرأة يقال لها: أم قيس، فهاجر من أجل ذلك، واستدل بالآتي:
روي عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: (من هاجر يبتغي شيئًا فإنما له ذلك، هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها: أم قيس، فكان يقال له: مهاجر أم قيس)[14].
قلت: قد أنكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله وغيره من العلماء، فقال: وقد اشتهر أن قصة (مهاجر أم قيس) كانت سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها))، وذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم، ولم نرَ لذلك أصلًا يصح.
وقال ابن حجر – رحمه الله -: ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك، ولم أرَ في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك، والله أعلم[15]؛ اهـ.
الفوائد من الحديث:
1- النية محلها القلب، واللفظ بها بدعة.
2- أن مدار الأعمال على النيات؛ صحة وفسادًا، وكمالًا ونقصًا.
3- في الحديث إشارة إلى أن من أراد الغنيمة صحح العزيمة، ومن أراد المواهب السَّنِية أخلص النية.
4- أن الأمور بمقاصدها.
5- الفرق بين العبادة والعادة هو النية.
6- أن نية المؤمن تبلغ إلى حيث يبلغ عمله.
7- أن الإنسان يعطى على نيته ما لا يعطى على عمله.
شواهد الحديث:
1- حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ((رُبَّ قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته))[16].
2- حديث عائشة رضي الله عنها: ((ثم يُبعَثون على نيَّاتهم))[17].
3- حديث أبي موسى رضي الله عنه: ((مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله))[18].
4- حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نية المؤمن خير من عمله))[19].
________________________________________
[1] الإصابة (2/ 519 رقم 5736)، الاستيعاب (2/ 459)، أسد الغابة (4/ 145 رقم 3824)، حلية الأولياء (1/ 38)، (سير أعلام النبلاء: سيرة الخلفاء الراشدين 71).
[2] شرح مسلم للنووي (13/ 47 ح 1907).
[3] طرح التثريب في شرح التقريب (1/ 6 ح 1) شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (2).
[4] شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (3).
[5] جامع العلوم والحكم (1/ 24).
[6] فتح الباري (1/ 17 ح 1) المجالس السنية (7).
[7] المغني (3/ 68).
[8] معالم السنن، للخطابي (3/ 211 ح 1078)، طرح التثريب في شرح التقريب (1/ 7).
[9] الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة (1/ 136 ح 34).
[10] الجواب الكافي (265).
[11] جامع العلوم والحكم (1/ 43).
[12] تحفة الأحوذي (5/ 233 ح 1647).
[13] شرح مسلم للنووي (13/ 48 ح 1907)، فتح الباري (1/ 23 ح 1).
[14] أورده الحافظ في الفتح (1/ 16 ح 1) عن سعيد بن منصور، وقال: رواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ: (كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أم قيس)، وهذا إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأورده الحافظ الذهبي في السير (10/ 590) في ترجمة سعيد بن منصور، وقال: إسناده صحيح، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح (2/ 101).
[15] جامع العلوم والحكم (1/ 35)، فتح الباري (1/ 16 ح 1)، ألفية السيوطي، شرح أحمد شاكر (214)، التأصيل للشيخ بكر أبو زيد (73).
[16] رواه أحمد (3584).
[17] رواه البخاري (2118).
[18] رواه البخاري (2810) ومسلم (1904).
[19] قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 61): رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون، إلا حاتم بن عباد بن دينار الجرشي، لم أرَ مَن ذكر له ترجمة، ورواه أبو نعيم في الحلية (3/ 255).
الألوكة