قضية مسلمي الروهنجيا المنسية
الثلاثاء 28 محرم 1437//10 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
صلاح عبدالشكور
عَرَضت قناة الجزيرة تقريرَيْن إخباريَّيْن عن مُسلمي الروهنجيا المضطهدين دينيًّا وعرقيًّا في بلدهم الأصلي “إقليم أراكان بورما”، ميانمار حاليًّا؛ حيث أوضحت التقاريرُ الأوضاعَ الإنسانية الصعبة التي يعيشُها هذا الشعب المسلم في مُخيَّمات اللاَّجئين على الحدود البنغلاديشية، منذ سنوات طويلة بعد أن هجَّرتْهم السُّلطات البوذية قَسرًا من بلادهم، ففروا هاربينَ إلى أقرب دولة مُسلمة لهم، وهي بنغلاديش التي تعاني هي الأخرى أزماتٍ اقتصادية مستمرة، وإلى دول أخرى مثل ماليزيا ودول الخليج، وللأسف فإن هذه القضيةَ الإسلامية لم تُعطِها وسائلُ الإعلام حَقَّها من التناول والطرح، فباتت قضيةً منسيَّة حتى للمهتمِّين بالشأن الإسلامي – إلاَّ من رحم الله – رغم تشابُه قضية هؤلاء المسلمين بقضية إخواننا في فلسطين إلى حد كبير.
أفصحت الصور والمقاطع التي عرضتها قناةُ الجزيرة عن حجم المعاناة، التي يَعيشُها أبناء الروهنجيا على الحدود البنغلاديشية، فلا مساكنَ سوى الأعشاش والمخيَّمات البلاستيكية، ولا غذاءَ ولا دواءَ ولا ماء ولا تعليم، وكأنهم معزولون تمامًا عن هذا العالم الكبير، الذي وصل بحقوقه وعلومه وتقنيته إلى مستويات عالية جدًّا، إنَّها صورة حية من المأساة، تُجسد تفاصيلها كل معاني الأسى والحرمان، وكل أصناف البؤس والشقاء.
ومن المؤسف حقًّا أن غالبية المسلمين اليومَ لم يعرفوا شيئًا عن هذه القضية، التي مرَّ عليها إلى يومنا أكثرُ من ستين عامًا، ولم تكن القضية وليدةَ الليلة، ومع ذلك غابت قضيةُ هؤلاء المسلمين الذين باتوا فريسةً للفقر والحرمان، ومُمارساتِ القمع والتهجير من حكومة بورما، التي مارست ولا تزال تُمارس أبشعَ صُور الاضطهاد ضِدَّ المسلمين الأراكانيِّين؛ حيث ألغت الحكومةُ جنسيةَ المسلمين الروهنجا في أراكان ظُلمًا وعُدوانًا بموجب قانون المواطنة والجنسية، الذي وضععام 1982م؛ ليتم تهجيرهم وطَرْدهم من أراضيهم، وهو ما حصل بعد ذلك، ولا يزال التهجيرُ مُستمرًّا حتى اللحظة.
وحَرَمت المسلمين أيضًا من حرية السفر والتنقُّل داخلَ البلد وخارجه، وقامت باعتقال المسلمين وتعذيبهم، كما أجبرت الحكومة البوذية المسلمين على القيام بأعمال السُّخْرَة دون أجر، كتَعْبِيد الطُّرق، وحفر الخنادق في المناطق الجبلية البورمية، والخدمة في مُعسكرات الاحتلال، إضافةً إلى مُصادرة أوقاف المسلمين وأراضيهم الزِّراعية، ونَهب أموالهم، ومنعهم من الاستيراد والتصدير، أو مُمارسة الأعمال التجارية، ووضع العقبات أمام دراسة أبناء المسلمين علومَ الشريعة، ومنعهم من الزواج، وتحديد النَّسل، إلى ما هنالك من سلسلة طويلة من المآسي تَحتاج إلى مؤلفات؛ لتوضيح أبعادها السياسية والإنسانية.
ومع استمرار هذه الصور المأساوية، وتقادم هذا النَّزف لإخواننا الروهنجا – ضاعت دولةٌ إسلامية من دول المسلمين، وصل إليها الإسلامُ في عهد الخليفة الراشد هارون الرشيد – رحمه الله – وبعد أن حكمها المسلمون قرابةَ ثلاثة قرون ونصف تقريبًا من عام (1430)م إلى عام (1784)م، تولَّى حُكمَها ثمانيةٌ وأربعون ملكًا مسلمًا على التوالي، نسأل الله أن يعيدَ هذه الدولة المسلمة لشعبِها، ويرفع الضرَّ عن المتضرِّرين.
وفي سبيل نُصرة هذه القضية سَعَت مُنظَّمات ودول كثيرة، وبذلت جهودًا كبيرة؛ لاحتواء مشكلة المسلمين، والوقوف معهم، ومساندتهم؛ حيث استقبلت حكومةُ المملكة العربية السعودية أعدادًا كبيرة من المهاجرين الأراكانيِّين وآوتْهم إليها، وساندتهم بكلِّ ما يُصلح حالهم، منذ الستينيَّات الهجرية، وهو مَوقف مُشرِّف ومشهود لهذه البلاد وحكومتها السبَّاقة إلى كل خير، الداعمة لكلِّ قضية إسلامية في العالم، وقد كانت هذه الوقفة الإسلامية المباركة، وهذه اليد الحانية من أعظم أسباب تَخفيف المعاناة على أبناء هذا الشَّعب المغلوب على أمره، والمأمول من كلِّ الدُّول والحكومات الإسلامية على وجه الخصوص – سُرعة إغاثة هذا الشَّعب، والمطالبة بحقوقه لدى الجهات الحقوقية، ومُساندة مَن يُقيم في أراضيها، أسألُ الله أن يُفرج همَّ المهمومين من المسلمين في كل مكان.
الألوكة