الفرق بين: الغيبة والبهتان والشتم والإفك

السبت 15 صفر 1437//28 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ ندا أبو أحمد
الفرق بين: الغيبة والبهتان والشتم والإفك
تمهيد:
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهد الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الغِيبة هي الداء العضال، والسُّمُّ الذي في الألسن أحلى من الزُّلال.
• قال بعض الحكماء: “الغِيبة فاكهة الكفار، وضيافة الفُسَّاق، ومراتع النساء، وطعام كلاب النار”.
فالغِيبة مرض خطير، وداء فتَّاك، ومعولٌ هدَّام، وبذرة تنبت الشرور بين أبناء المجتمع الواحد؛ فهي تفرِّق بين الأحباب، وتنشر بينهم العداوة والبغضاء، وتعمل على تفكيك المجتمع وإثارة الفتن.
• والغِيبة خطرها عظيم، وجُرمها كبير، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينها وبين قتل النفس وغصب المال في الجرم والتحريم.
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلُّ المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله، وعِرضه[1])).
ومع هذا تساهل في الغِيبة كثيرٌ من المسلمين، وقلَّ أن يَسْلَمَ منها مجلس، ويندر أن ينفك منها مجتمع، إلا ما رحم ربي.
فهذه صرخة تحذير وإنذار، من هذا الداء العضال الذي ملأ الديار.
• معنى الغِيبة:
ليس هناك تعريف للغيبة أفضل من تعريف الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أوتي جوامع الكلم؛ فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أتدرون ما الغِيبة؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذِكْرُك أخاك بما يكره))، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبتَه، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه[2])).
• ويدل على هذا – أيضًا – ما أخرجه الأصبهاني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً، فقـالوا: لا يأكل حتى يُطْعَمَ[3]، ولا يَرْحَلُ حتى يُرْحَلَ له[4]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغتبتموه!))، فقالوا: يا رسول الله، إنما حدَّثنا بما فيه، قال: ((حَسْبُك[5] إذا ذكرت أخاك بما فيه)).
يقول التَّهانَوِيُّ رحمه الله: “الغِيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكرت نقصانًا في بدنه، أو في لبسه، أو في خُلُقِه، أو في فعله، أو في قوله، أو في دينه، أو في دنياه، أو في ولده، أو في ثوبه، أو في داره، أو في دابته”.
والغِيبة لا تقتصر على القول، بل تجري أيضًا في الفعل؛ كالحركة، والإشارة، والكناية، وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها: أنها أشارت بيدها إلى امرأة أنها قصيرة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغتبْتِها)) [6].
والتعريض بالغِيبة كالتصريح، والإيماء، والغمز، واللمز، والكناية، وكلُّ ما يُفْهَم منه تنقيص الغير، فهو داخل في الغِيبة، وهو حرام، والتصديق بالغِيبة غيبة”؛ (انظر كشاف اصطلاحات الفنون: 3 /1091)، (الإحياء: 3 /142).
وقال الراغب رحمه الله: “الغِيبة: هي أن يذكر الإنسان عيبَ غيره في غير مُحْوج إلى ذكر ذلك”.
وقال ابن الأثير رحمه الله: “الغِيبة: أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه”؛ (انظر فتح الباري: 10 /484).
• الفرق بين الغِيبة، والبهتان، والشتم، والإفك:
قال الجُرْجانيُّ: “الغِيبة: ذكر مساوئ الإنسان التي فيه في غيبته”.
والبهتان: “ذكر مساوئ للإنسان، وهي ليست فيه”؛ (التعريفات: 169).
والشتم: “ذكر المساوئ في مواجهة المقول فيه”؛ (الكفوي في الكليات: 669).
والإفك: أن تقول في إنسانٍ ما بلغك عنه، فتنقله دون التثبت والتيقُّن من صدقه.
قال الحسن البصري رحمه الله:
“ذكر الغير بما يكره ثلاثة: الغِيبة، والبهتان، والإفك، وكلٌّ في كتاب الله عز وجل، فالغِيبة: أن تقول ما فيه، والبهتان: أن تقول ما ليس فيه، والإفك: أن تقول ما بلغك عنه”؛ (تفسير القرطبي: 16 /335)، (الإحياء: 3 /193). ________________________________________
[1] العِرْض: بكسر العين المهملة وسكون الراء، وهو موضع المدح والذم في الإنسان.
[2] بهته: أي: ادعيت عليه ظلمًا، وفي المصباح: قذفته بالباطل، وافتريت عليه بالكذب.
[3] لا يأكل حتى يُطْعَمَ: أي: إنه ضعيف إلى درجة احتياجه إلى مساعد يطعمه، وخادم يوكله، وساقٍ يسقيه.
[4] ولا يَرْحَلُ حتى يُرْحَلَ له: أي: إنه لا يسافر إلا إذا حمله آخر أو ركب على دابة.
[5] حَسْبُك: أي كافيك بتعداد أوصاف ثابتة فيه، ولكن يكره ذكرها، ويجب سترها؛ ففيه الترهيب عن ذكر أخيك بما يكره مطلقًا.
[6] هذا الحديث رواه ابن أبي الدنيا وابن مردويه من رواية حسان بن مخارق عنها، وحسان وثقه ابن حبان، وباقيهم ثقات.
الألوكة

اقرأ أيضا  نهج الرسول في الدعوة إلى الله
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.