روسيا إذ تغزو سوريا لدعم الاستبداد

السبت 22 صفر 1437//5 ديسمبر /كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا.
د. علي العتوم
روسيا البلد ذو الخلفية الشيوعية التي قامت أصلاً بثورتها – كما كانت تزعم – لإنقاذ الشعوب من حكامها الطغاة، وتحرير ناسها من الدكتاتوريات، ونصرة طبقة البلوريتاريا (الصعاليك) المسحوقة، ومحاربة الدين إذ هو عندها أفيون الشعوب. نعم روسيا هذه ترسل اليوم بقواتها المجحفلة لإنقاذ الحكام الطغاة من غضبة شعوبهم، وتثبيت عروشهم المتهاوية، والحفاظ على أديانهم الطائفية الفاسدة، ليصبح هؤلاء الحكام الطغاة في نظرها الأحرار الذين يجب أن يُدعموا، وتصبح الشعوب المظلومة من حكامها المستبدين هؤلاء هي المتنطعة في مطالبها، الظالمة لحكامها، وتضحي طبقات مجتمعاتها الكادحة هي الجزارة وحكامها الضحايا!!
ياللهِ، إنه لمنطق جد عجيب ومعكوس، ومفهوم غاية في العِوج والغرابة تطالعنا به اليوم روسيا زعيمة الحريات في العالم ومنقذة الشعوب من كوابيسها، كما كانت تزعم ويزعم لها ذلك انصارها من أبناء شعوبنا العربية الضائعين وأخلاف أمتنا الإسلامية المضبوعين بها في طول البلاد وعرضها. وأين تُمارس روسيا مثل هذه السياسات الغاشمة، وتقوم بتلك التصرفات الفاضحة لكل ادعاءاتها بمناصرة الحريات ؟ إنها تقوم بها وتُمارسها في منطقتنا العربية بالذات التي كانت تدَّعي فيها يوماً – ولعلها ما زالت – أنها نصيرتها ضد الإمبريالية الغربية.
نعم، هذه روسيا داعية الإلحاد بالأمس، وعدوة الدين، والزاعمة نصرة المظلومين ومحارَبة الظالمين، تدافع اليوم عن الدين المنحرف دين الطائفة النُصيرية في سوريا ، وتحارب بكل قسوة وجبروت المظلومين المطالبين بحرياتهم، وتقف بكل قوتها وجبروتها إلى جانب ظالميهم المستبدين الذين غاصوا في دمائهم حتى الأذقان، تدعمهم وتطيل في عمر عسفهم وضلالهم. كل ذلك تفعله وبكل صلافة ووقاحة في أرض الشام المباركة أرض النبوات وساحة الفتوحات، فتُدنِّس ترابها الطهور بأقدامها الرَّجِسة، وتقصف تجمعاتها وهي الآمنة بصواريخها الجهنمية، وتدمر معالمها وهي منارات الحق والهدى بحممها الشيطانية، كل ذلك لتحمي طاغية ظالماً يدأب منذ خمس سنوات على قتل شعب تحكَّمَ فيه وتجبَّرَ، وقد سامه هو وأبوه وعصابته المارقة على مدى نصف قرن كل أنواع الخسف والهوان، وأذاقه أبشع صنوف الأذى والحرمان.
وياللعجب، إذ لا ينقص روسيا في هذا الصدد الوقاحة والبجاحة، وهي تصرِّح بملء فِيْها – وعلى لسان طاغيتها بوتين – الماركسي الملحد، بل الصليبي الحاقد على كل ما فيه إسلام ومسلمون – أنها ساقت جحافلها لغزو سوريا لحماية الأسد ونظامه، وهو نظام عسف وطاغوتية، وعنصرية فئوية يتسلط فيه على جمهور يطالب بحرياته، وينادي باسترداد حقوقه، ويدأب للانعتاق من تحكّم طائفة مذهبية في كل شأن من شؤون حياته، فهي الآمرة الناهية، وما على الشعب بعدها بكلِّ فئاته إلا أن يُؤْمر فيُطيع، وكأنه ليس إلا السائمة أو القطيع !!
وياللعجب كذلك، أن بعض الأقطار التي تدعي نصرة الإسلام، أعني هنا إيران التي جاءت يوماً بثورة نادت فيها بمحاربة الظلم والظالمين، ونصرة الضعفة والمساكين. نعم العجب منها اليوم وقبل اليوم أن تقف بجانب الجبّارين وتتعاون مع الكفرة والملحدين، فهاهي تقف الآن إلى جانب تدخل روسيا الكافرة المجرمة ضد سوريا المسلمة الموحدة، وتؤيد عدوانها عليها وترحب به، وتقف معه في حلف عسكري واستخباراتي لقمع ثورتها المجيدة، وكبت صوت ثوارها الموحدين، لطائفية بغيضة فيها حملتها عبر القرون لثارات جاهلية بائدة واجتهادات مذهبية سخيفة.
ويتضاعف العجب أن نرى العرب بأقطارهم المختلفة – إلا من رحم الله – وجامعتهم (العتيدة)، لا يحركون ساكناً إزاء هذا الاقتحام الفاجر، بل نجد دولاً منهم تظهر دعمها لهذا الغزو الاحتلالي كمصر ولو بلسان الحال والعراق وبلسان المقال، وأحزاباً قومية على مختلف مذاهبها وتوجهاتها تخنس، بل تفركُ أيديها فرحاً لمثل هذه الهجمة الوحشية من الدب الروسي على بلد عربي عريق، وقطر متنور متحضر يناضل من أجل حريته المسلوبة، كما نرى تأييداً لهذه الهجمة الباغية وبطرق خبيثة ماكرة، وأساليب مفضوحة سافرة من المجتمع الدولي وعلى رأسه دول الغرب وفي مقدمتها أمريكا، تلك التي اتّخذت من الكذب ديدنها ومِن الخِداع هِجّيراها، فأظهرت يوماً ذرّاً للرماد في العيون أنها ضد الأسد ومع شعب سوريا المطالب بحقوقه، ثم عادت لتقف الآن مع روسيا في مساندته وهو الذي ذبح الناس وشردهم في كل مكان.
أجل، إنها الحرب المفضوحة على الإسلام والمسلمين عامة وعلى العرب من أهل السنة خاصة، لأنهم مادة الإسلام، والفئة الوحيدة التي تستمد أفكارها من كتاب الله وسنة رسوله، والتي لم تفسدها المذهبية المقيتة، ولا الطائفية البغيضة. إنهم لا يريدون لسوريا أو لأي قطر عربي أن يتحرر ويتوحد مع أشقائه ليحكمه نظام عادل يستمد نهجه من شرعه الحنيف، لأنه حينئذ سيكون طليعة لتحرير العالم من الطاغوتية والعبودية، وهو ما ترفضه الأنظمة الجاهلية التي تحكم العالم اليوم عربية أو غربية أو شرقية. ومن هنا نجد أن هذه القوى جميعاً اتفقت على إبعاد الإسلام عن سدة الحكم، والمسألة بعدُ ليست مسألة إرهاب، فالقوى العالمية والمحلية التي تحاربنا اليوم هم الذين خلقوا الإرهاب، وإلا فما الذي يجعل أمريكا الرأسمالية (النصرانية) ودول الغرب جميعاً تقف إلى جانب روسيا الماركسية الشيوعية وإلى جانب هؤلاء الصين البلد الشرقي الوثني ؟! إنه عداؤهم للإسلام. أما حكام العرب فهم – إلا من رحم الله – صنائع هؤلاء جميعاً. ومن هنا كانت الحرب من هؤلاء لا على ما يزعمونه من إرهاب، بل على الآمنين المسالمين، وضد كل من يحمل السلاح بحق وصدق في وجه النظام السوري الجائر، لأن البديل هو الإسلام وهو عندهم الموت الزؤام.
وكلمة أخيرة، لقد انكشفت إيران، وانكشفت مهمتها في المنطقة. وهذه أفعالها تدل عليها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، خلق الفتن وراء الفتن والتسبب في إراقة الدماء تلو الدماء، وانكشف كذلك وانفضحت على رؤوس الأشهاد تلك الدعوات القومية البائرة التي كانت تتبجح بأنها قامت ضد الاستعمار والاحتلال وإذا بها اليوم ترحب باحتلال روسيا لبلاد العرب.
وختاماً أيها القوم إن روسيا كانت وما زالت – رغم ما نادت به من ماركسية كان وراءها اليهود – صليبية إلى النخاع وحاقدة على الإسلام إلى العظم، يمثل ذلك اليوم فيها طاغوتها بوتين الذي عاودته أحلام القيصرية، وخامرته خيالات الستالينية في السيطرة على العالم الإسلامي وإبادته والوصول إلى مياهه الدافئة، ولكن كل هؤلاء الكائدين للإسلام خسئوا وخابوا، وستكون سوريا إن شاء الله عما قريب مقبرتهم كما كانت لهم أفغانستان، وعلى الباغي تدور الدوائر، وصدق الله العظيم:(سيُهْزَمُ الجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُر، بلِ الساعَةُ مَوْعِدُهُمْ، والسّاعَةُ أدْهَى وأمَرّ) والله أكبر ولله الحمد…
-السبيل-

اقرأ أيضا  كيف كانت النصيحة هي الدين؟
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.