مخالفات شرعية للصفحات الدعوية على الفيسبوك
السبت 8 ربيع الأول 1437//19 ديسمبر /كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
حسين أحمد عبدالقادر
مخالفات شرعية للصفحات الدعوية
على الفيسبوك
فضل الدعوة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إنَّ الدعوة إلى الله العظيم، وإرشاد الناس إلى دين الإسلام العظيم لَهُو عمَل جليل، وسبيلٌ فضيل، يَحرص عليه العقلاء، ويتسابَق إليه الأتقياء، يتزوَّد به المسلمون، وفيه يتنافس المتنافسون، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
متطلبات الدعوة:
ولكن الدعوة تَقتضي البصيرة والبُرهان، فقال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]، وفي ذلك يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: “يقول الله تعالى لعبده ورسولِه إلى الثَّقلين؛ الإنس والجنِّ، آمرًا له أن يُخبر الناس: إنَّ هذه سبيلُه؛ أي: طريقه ومسلَكه وسنَّته، وهي الدَّعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يَدعو إلى الله بها على بصيرةٍ من ذلك، ويقينٍ وبرهان، هو وكل من اتَّبعه، يَدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرةٍ ويقينٍ، وبرهان شرعيٍّ وعقلي”[1].
والدَّعوة تتطلَّب العلم؛ لكي يتحقَّق للدَّاعي إلى الله تعالى ما يَصبو إليه، وحتى يتجنَّب أن يكون سببًا في ضلال الآخرين وزَيغهم بما قد يُنشَر من أمور يَجهلها، ولا يدرِك حقيقتها، ولا يَعرف حكمها، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾[الإسراء: 36]، وفي ذلك يقول الشيخُ السِّعدي رحمه الله تعالى: “أي: ولا تتَّبع ما ليس لك به علم، بل تثبَّت في كلِّ ما تقوله وتفعله، فلا تظنَّ ذلك يذهب لا لك ولا عليك، ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾؛ فحقيق بالعبد الذي يَعرف أنه مسؤول عمَّا قاله وفعلَه وعمَّا استَعمل به جوارحَه التي خلقها الله لعبادته – أن يُعِدَّ للسؤال جوابًا؛ وذلك لا يكون إلَّا باستعمالها؛ بعبوديَّة الله وإخلاص الدِّين له، وكفِّها عمَّا يكرهه الله تعالى”[2].
ولذا؛ فحريٌّ بالمسلمين أن يحرصوا على العلم والتثبُّت والتحقُّق ممَّا يقومون بنشره؛ ابتغاءً لمرضاة الله تعالى، وسيرًا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابِه الكرام رضي الله تعالى عنهم، واتِّباعًا لنهج أهل العلم في نشر العلم.
مخالفات شرعية:
أولًا – نشر صور Comics:
يتفشَّى نَشر الصور التي يطلقون عليها Comics؛ وهي صور مأخوذة من مَشاهِدَ لأفلامٍ أو أغانٍ، أو غير ذلك من الأمور المخالفة للشرع، وفي هذا الأمر أكثرُ من جريمة لا يدرِك عاقبتَها الكثير:
امتهان المحتوى الشرعي:
فالموضوع الشَّرعي والدَّعوة إلى الله تعالى يستوجب التوقيرَ والتعظيم، وجَلب هذه الصور امتهانٌ لهذا المحتوى العظيم، واستخفافٌ بقَدر هذا العمل، والبعض يدَّعي النيَّة الحسنَة لتبرير فعله، وترويج جريمتِه، ولكن حُسن النيَّة لا يدفع بالمسلم للعمل الفاسِد، ولا يبرِّره؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ العبد لَيتكلَّمُ بالكلمة من رِضوان الله لا يُلقي لها بالًا، يرفعُه الله بها درجاتٍ، وإنَّ العبد ليتكلَّمُ بالكلمة من سخط الله لا يُلقي لها بالًا، يَهْوي بها في جهنَّم))؛ (رواه البخاري).
ولا يتجرَّأ على المشارَكة في نشر مثل هذه الأمور مَن يتدبَّر قولَ الله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66]!
الترويج لأهل الفسق وأعمالهم: فمَن يَنشر هذه الصور يساهِم في تذكير الآخرين بهذه الجرائم، ويؤلِّف قلوبَهم عليها، وعلى مشاركتها، والتندُّر بها، ويكون سببًا في دفعهم للبحث عنها ومشاهدتها، فيَحمل وِزرَ الذين يُضلهم بغير علمٍ، ولقد قال الله تعالى: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [النحل: 25].
ثانيًا: نشر المعلومة الشرعية بغير تثبُّت:
لا بد لِمن يَنشر المعلومة الشرعيَّة أن يتحقَّق من ثبوتها، وأن يتثبَّت من صحَّتها من أهل العلم ومن مصادرِهم التي يعتدُّ بها، فلا يتمُّ نشر الأحاديث الضعيفة، والمعلومات المغلوطة، ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ كذبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحد؛ مَن كذب عليَّ مُتعمِّدًا فليتبوَّأ مقعده من النار))؛ (رواه البخاري، ورواه مسلم في مقدِّمة صحيحه.
ثالثًا: نشر صور النساء:
نَشر صور النِّساء من المحرَّمات، والبعض قد يَقوم بنشر مقاطعَ مرئيَّة أو صورٍ بها نساء تحت زعم النيَّة الحسنة؛ مثل نشر صور نساء أسلَمْن، أو فيديوهات بها موعظة – على حدِّ زعمهم وافتراضهم – ولكن هذا النَّهج يخالِف قواعدَ الشرع التي يسعى المسلمون لنشرها، والنيَّةُ الحسنة لا تبرِّر العمل الفاسِد، فتعمُّد النظر إلى النِّساء الأجانب حرام؛ كما قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30]، فلا يجوز تعمُّد النَّظر إلى النساء الأجانب إلا لحاجةٍ أو ضرورة؛ كخِطبة، أو بيع أو شراء، أو نظر الطبيب للعلاج، ونحو ذلك، وكلُّ هذا يُقَدَّر بقَدره، وبحسب الحاجة والمصلحَة.
فلا يجوز إظهار المرأة على مقاطع فيديو ونشرُها على الناس؛ بحجَّة أنها مؤثِّرة، ومن المعلوم أنَّ المرأة عورة؛ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((المرأةُ عَورَةٌ))؛ رواه الترمذي (1173)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي[3].
رابعًا: نشر الموسيقا في مقاطعَ دعوية أو مشاهد الموعظة:
نشر بعض المقاطع الموسيقيَّة وصور النِّساء ضمنَ موادَّ إسلاميَّة أو مَشاهدَ وعظيَّة يتضمَّن خطأً وإساءة؛ فإنَّ سماع الموسيقا لا يجوز، وبالتالي لا يَجوز الإعانة عليه ولا التسبُّبُ فيه، وهذه الأمور ما دامت تَحتوي على أمر محرَّم فهي أيضًا محرَّمة، وتدخل في عموم النَّهي عن استماع المعازِف، وما فيها من المنفعة المتضمَّنة في هذه المقاطع ليس مبيحًا لارتكاب المحظور، لا سيما أنَّه لا يترتَّب على فَوات هذه المنفعة ضررٌ، بل يمكن تحصيلها بوسائل أخرى بعيدةٍ عن الحرام.
فيجب على المسلم الدَّعوةُ ونشر الخير والدلالة عليه، بواسطةِ ما تأكَّدَ من مشروعيته؛ كالشريط الإسلامي، والمحاضرات الدعوية المسجلة في المواقع الإسلامية التي لا يَشوبها شيء من الشرِّ[4]، والمصادر الإسلاميَّة حافِلة بالمواد الشرعية الموثوقة، والحمد لله تعالى.
خامسًا: نَشر الصور المزعومة للمسيح عليه الصلاة والسلام:
يتفشَّى وتنتشر جريمة نَشر الصور المزعومة للمسيح عليه وعلى نبيِّنا الصلاة والسلام في المجموعات الدَّعوية التي تَقوم بدعوة النَّصارى للإسلام، وهذا أمرٌ منكَر ومحرَّم؛ فيحرم قطعيًّا تمثيلُ أنبياء الله تعالى ورسله صلى الله عليهم وسلم، وكذا تَمثيل الصَّحابة رضي الله تعالى عنهم؛ لِما في القيام بذلك من تنقُّصهم والامتهانِ لهم والاستخفاف بهم، والإخلالِ بتعظيمهم وتوقيرهم، وتعريضهم للنَّيل منهم، ولِما فيه من الاختلاق والكذب على أصفياء خلقِ الله تعالى، ولا يجوز أن يتمَّ رسم صورة للمسيح عليه وعلى نبينا وجميعِ الأنبياء الصلاةُ والسلام، ولا يَجوز مباشرة هذا الفعل بالنَّقل والترويج.
فهذا كله ممنوع محرَّم؛ لما فيه التنقُّص من مقام أنبياء الله عليهم السلام، وابتذالِ مكانتهم في النفوس، ولِما يَدخله عادة من الكذب عليهم، وإظهارهم في حالٍ غير ما كان عليه واقعهم، سواء كانت المخالفة قليلة أو كثيرة؛ فلا يحلُّ لأحدٍ أن يَكذب على أنبياء الله عليهم السلام، أو يتنقَّصَ من مقامهم، أو يمثِّلَ شخصهم، أو يصوِّره، مهما كان مقصَدُه نبيلًا، وغايته شريفة؛ فالغاية إذا كانت نبيلة، فالوسيلة أيضًا لا بد أن تكون مشروعة[5].
وبعض المسلمين يدَّعون أنَّهم يقيمون حجَّةً على النَّصارى؛ لكي يَشرحوا لهم مفاسد فعلهم من خلال نَشر هذه الصور، وهذا أمرٌ لا يَستقيم مع الحقِّ، ولا يتَّسق مع القواعد الشرعيَّة؛ فحُسن النيَّة لا يبرِّر القيام بالمخالفة الشرعيَّة، ولا يجوز مجاراة أهل الباطل لاسترضاء النَّفس، واتِّباع الهوى، وتتبُّع الغير بلا علم وبلا هُويَّة شرعية، ويجب على أصحاب الصفحات الدعويَّة منعُ نَشر هذه الصور مطلقًا، سواء أكانت من مسلمين أو نصارى، وعدم التهاون في هذا الأمر، وليعلم المسلم أنَّ المخالفة الشرعيَّة لن تكون سبيلًا لنيل المغانِم، ولن تكون طريقًا لهداية الغير.
سادسًا: سبُّ اسم يسوع، والتنقُّص منه:
من المخالفات الجسيمة المنتشرة في الصَّفحات الدعويَّة التي تقوم بدعوة النَّصارى قيامُ البعض بسبِّ اسم “يسوع”، والمراد بـ “يسوع” في كتب النَّصارى هو: المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وهم يسمُّونه بلسانهم: “يسوع”، وأما كونهم يَكذبون عليه ويدَّعون أنَّه ابن الله تعالى، أو أنه قُتل، أو صُلب، أو نحو ذلك من كذبهم وتحريفهم – لا يسوِّغ لنا أن نعتديَ عليه، ولا أن نقابل كذبهم بكذبٍ مثله، فسبُّ يسوع النصارى من أَعظم السَّفه وأكبر الخطايا؛ لأنَّ السبَّ يقع على نبيٍّ كريم من أولي العزم من الرسل صلى الله عليه وسلم، ولو عَلم السابُّ أنه يسبُّ بذلك نبيًّا من أنبياء الله تعالى، وقصَدَه – كَفَر؛ لأنَّ سبَّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كُفر باتفاق المسلمين[6].
توجيه لأصحاب الصفحات الدعوية:
أولًا: أصحاب الصفحات والمجموعات الدَّعوية مسؤولون مسؤوليَّةً كاملة عمَّا يَحدث في الصفحة أو المجموعةِ من مشاركاتٍ، ويَجب عليهم وضعُ الضَّوابط ومراقبتها، ومنع المخالفات الشرعيَّة؛ وفقًا لقواعد الشرع الحنيف، وطبقًا لما تمَّ بيانه؛ حتى لا يتحمَّلوا أوزارَ غيرهم.
ثانيًا: يَجب الحرص على كتابة الآيات من القرآن الكريم بطريقةٍ صحيحة، وعدم كتابة الآيات في سِياق الكلام بدون تمييزِ الآيات الكريمة، وتوضيح أنَّها من القرآن الكريم؛ على نحو قولنا: “قال الله تعالى”، ويُرجى أيضًا كتابة رقم الآية واسم السورة؛ ليكون ذلك مرجعًا للغير لكي تحقِّق أكبر استفادة، وموقع آيات هو مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود من المصادر المعتمَدة التي يُمكن الرجوع لها للقيام بالبحث وكتابة الآيات من القرآن الكريم، وأيضًا كتابة ونقل الأحاديث النبويَّة من مَصادرها المعتبرَة، والتأكُّد من صحَّة الأحاديث النبويَّة، وكتابتها بطريقةٍ صحيحة من المواقع المعتبَرة، وموقع الدُّرر السنيَّة أحد الصروح الإسلاميَّة المتخصصة في التحقُّق من صحَّة الأحاديث النبوية، ويفضَّل الإشارة للمصادر الشرعيَّة من مواقعَ إسلامية، وكتب دعوية موثوق في نَهجها؛ وذلك اتباعًا للنهج العلمي، ولنسبِ الفضل لأصحابه، والدلالة على الحق لأتباعه.
نسأل اللهَ تعالى أن يَرزقنا الهدايةَ وهداية الغير بفضلِه سبحانه، وأن يعلِّمنا من علمه العظيم.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتَّبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.
________________________________________
[1] تفسير ابن كثير؛ من موقع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود.
[2] تفسير السعدي؛ من موقع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود.
[3] موقع الإسلام سؤال وجواب.
[4] موقع الشبكة الإسلامية.
[5] موقع الإسلام سؤال وجواب.
[6] موقع الإسلام سؤال وجواب.
-الألوكة-