قصة الناجية السورية الوحيدة من القصف الروسي لمستشفى معرة النعمان
الأحد 13 جمادى الأولى 1437//20 فبراير/شباط 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
حمص
أذكر شيئاً، كنت قد وصلت للتو وكانت الساعة قد تجاوزت التاسعة صباحاً بقليل، لم أسمع دويَّ الانفجارات، لكني شعرت بشيء ما اقتلعني من مكاني وغيبني عن الوعي، لا أعلم كم من الوقت بقيت تحت الأنقاض، لا أذكر بالتحديد، ولا أذكر إنْ كان لي أمل بالنجاة، وكل ما أعرفه الآن هو أني بحاجة لإيقاف الألم”.
بهذه الكلمات وبصوتها المتقطع وصفت رفيف حرامي، الممرضة الناجية من قصف مستشفى أطباء بلا حدود في مدينة معرة النعمان شمال غرب سوريا حالها لـ”هافينغتون بوست عربي”، رفيف والبالغة من العمر 26 عاماً والأم لطفلتين، كانت قد أمضت شهرها الأول كممرضة في المستشفى الذي تديره المنظمة وبراتب لا يتجاوز 70 دولاراً أميركيًّا في محاولة لإعالة ابنتيها بعد أن اعتقل النظام السوري والدهما.
25 قتيلاً
طائرات روسية كانت قد شنت صباح الإثنين 15 شباط /فبراير 2016 أربع غارات متتالية على المستشفى الواقع في مدينة معرة النعمان، وأدت إلى مقتل 25 سوريا بينهم 9 من كادر المستشفى الذي يقدم خدماته لما يزيد عن 250 ألف سوري من سكان المدينة والمناطق المحيطة بها.
منظمة أطباء بلا حدود وعلى لسان رئيسها ميغو ترزيان قالت، إن الغارات شنتها قوى موالية للرئيس بشار الأسد، فيما نقلت وكالة رويترز للأنباء عن رئيس بعثتها في سوريا مسيميليانو ريباودنغو قوله بأن هذا الهجوم متعمد ضد مؤسسة صحية.
الطيار الروسي أراد قتل أمي
ابنتها مريم ذات الـ6 سنوات قالت لـ”هافينغتون بوست عربي” إنها ركضت على الفور إلى مكان المستشفى، ورأت أمها هناك عندما أخرجوها من تحت الأنقاض، “الطيار الروسي هو من حاول قتل أمها” قبل أن تبدأ في رحلة بكاء طويل تقول مريم.
مروان أبو حجر “شقيق زوج رفيف” قال أيضاً: كان يوماً عاديًّا حتى سمعنا صوت الغارة، سألت عن مكان الضربة فأخبروني أنها استهدفت المستشفى، توجهت على الفور إلى هناك، قبل وصولي بمئات الأمتار عادت الطائرة لتقصف مجدداً ومجدداً”.
4 غارات حولت المبنى ذا الـ5 طوابق إلى كتلة من الأنقاض، الطائرات كانت تستهدف مبنى المستشفى فقط، لا شيء غيره أو حوله، القصف كان مُرَكَّزاً والصواريخ موجهة، ويضيف أبو حجر “لا صحة للحديث عن أن الدمار كان نتيجة قصف عشوائي، بصراحة لا أستطيع وصف الدمار”.
يتابع، “في البداية لم أتوقع وجود ناجين، صوت الأنين قادنا إلى رفيف، تَطَلَّب الوصول إليها 7 ساعات كاملة من الحفر وإزاحة الأنقاض، في البداية ولحظة إخراجها لم أتعرف عليها، عرفتها لاحقاً من ثيابها، أحمد الله أنّنا استطعنا إنقاذها، لكن للأسف استشهد الباقون، وكانت هي الناجية الوحيدة ممن بقوا تحت الأنقاض”.
نحاول نقل رفيف إلى مكان آمن لتلقي العلاج -يقول مروان- فهي تعاني الآن من كسور متعددة في ساقيها وشعر بالجمجمة أدى إلى إصابتها بنوبات فقدان ذاكرة مؤقتة.
بديعة خلف ممرضة أخرى روت لـ”هافينغتون بوست عربي” لحظات الانفجار التي عاشتها، تقول بديعة كنت في غرفة الممرضات الواقعة في الطابق الثاني، فاجأني صوت انفجار كبير، وبدأ المبنى بالانهيار، شعرت تماماً عندما انهار السقف بي وحوصرت بين الأنقاض، فقدت القدرة تماماً على التحرك، بعدها بـ5 دقائق تقريباً عاد صوت الطائرة التي ألحقتنا بضربة ثانية، لم أستطع إلا نطق الشهادتين فأنا ميتة لا محالة تقول بديعة، لحسن حظي أن الانفجار الثاني قذفني بعيداً عن المبنى ووجدت نفسي في ساحة ترابية تحيط بالمبنى وعلى بعد 30 متراً تقريباً منه.
تقبع بديعة حالياً في أحد المستشفيات الميدانية المحيطة بمدينة معرة النعمان فيما تعاني من عدة جروح وكسور يتركز أحدها في العمود الفقري.
استهداف واضح للمشفى
الدكتور مازن السعود مدير المشفى قال لـ”هافينغتون بوست عربي” بأن الهدف كان قتل أكبر عدد ممكن، بدليل استهداف المشفى بأربع غارات في وقت تبديل ورديات العاملين”.
ويوضح السعود أن الغارات الأولى والثانية أدت إلى انهيار المشفى بشكل كامل على من فيه، أما الثالثة والرابعة فقد استهدفتا تجمع الأهالي وكوادر الدفاع المدني التي كانت تعمل على إزاحة الأنقاض بهدف البحث عن ناجين.
القصف على المشفى جاء أيضاً بهدف التهجير يقول الدكتور السعود، “عندما تَحْرِم تجمعاً سكانياً كبيراً من الخدمات الطبية، فأنت بالتأكيد تدفع السكان للنزوح بعيداً عن المدينة، قصف المشفى كان متعمداً مئة بالمئة”.
فالمشفى بحسب السعود مزود بعلامات دلالة طبية ويقع في مكان منعزل بعيداً عن أي بناء مجاور أو مقر من مقرات الجيش الحر والكتائب المسلحة، وعن الجهة المستهدفة يقول الدكتور مازن بأن الطائرات هي روسية بالتأكيد، نحن الآن نملك الخبرة الكافية للتمييز بين الطائرات العاملة في السماء السورية -يتابع الدكتور- طريقة القصف، ارتفاع وحجم وشكل الطائرة، وحتى لونها، يؤكد بأنها طائرة سوخوي روسية.
يُذكر أن منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” كانت قد وثقت ومنذ اندلاع الثورة السورية وحتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2015 ما يقارب 336 هجوماً على 240 مؤسسة طبية في سوريا، فيما بلغ عدد قتلى العاملين في مجال الصحة 697 شخصاً، المنظمة ذكرت وفي تقرير لها عن مسؤولية النظام السوري وحلفائه عن 90 بالمئة من هذه الهجمات.
فيما تقول الأمم المتحدة بأن 58% من المستشفيات في سوريا خرجت عن الخدمة بشكل كامل أو جزئي حتى الآن، مما خلق عجزاً وأدى إلى ارتفاع كبير في عدد الوفيات التي كان من الممكن تفاديها.
هافينغتون بوست عربي
-السبيل-