الضائقة الاقتصادية تخدم أجندة السلام في جنوب السودان
الخميس 24 جمادى الأولى 1437//3 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
جوبا
بعد أن كان الخطاب الرسمي في جوبا يصف اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والمعارضة المسلحة، بجنوب السودان، في أغسطس/ آب من العام الماضي، بـ”الاتفاق السيء”، بدأت ملامح هذا الخطاب تتغير، بالحديث عن ضرورة تنفيذ بنود هذه المعاهدة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، للخروج من الضائقة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد.
وتحاول السلطات في جوبا، من خلال المصالحة مع المعارضة المسلحة، ضمان تدفق المساعدات المالية الدولية إلى الحكومة الجديدة، بعد أن فشلت سياسة “تعويم” سعر العملة الصعبة، مقابل العملة المحلية، قبل أكثر من ثلاثة أشهر.
وتشهد أسعار البضائع والمواد الاستهلاكية الضرورية ارتفاعا جنونيا في البلاد، بعد أن حلق سعر الدولار الأمريكي أمام “الجنيه” (الدولار=3.5 جنيه)، مما خلق حالة كبيرة من التذمر بين المواطنين، الذين باتوا يصفون السياسات الحكومية بـ”الفاشلة”.
وبات الشارع في جنوب السودان، يطالب بالإسراع في تنفيذ بنود اتفاقية السلام الموقع العام الماضي لضمان تحسن الوضع الاقتصادي الخانق، خاصة في الولايات الحدودية المتاخمة لدولة السودان(شمال)، التي بدأت تشهد موجات من الهجرة الجماعية إلى داخل الأراضي السودانية بحثا عن الغذاء.
وقادت تلك الظروف مجتمعة قبل أسبوعين، الرئيس سلفاكير ميارديت، إلى التفكير في إعلان حكومة انتقالية بغياب نائبه الأول وزعيم المتمردين، ريك مشار، في محاولة للاستجابة للضغط الدولي، والحصار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
وأوضح “ميارديت”، في اجتماعه مع ممثلي الأحزاب السياسية في بلاده، أنه يريد القيام بتلك الخطوة للحصول على الدعم الذي وعده به المجتمع الدولي، لكن تمسك بقية الأطراف بضرورة حضور زعيم المتمردين إلى جوبا، قبل تشكيل الحكومة قاد إلى تجميد المقترح، وصدور بيان رئاسي يطالب “مشار” بالحضور إلى العاصمة خلال أسبوع.
وبالتزامن مع ذلك، طالبت المجموعات الممثلة لجماعات أصحاب المصلحة من الموقعين على اتفاقية السلام في جنوب السودان (الحكومة، وأحزاب المعارضة السلمية، وقيادات الحركة الشعبية)، إلى المسارعة بتنفيذ البنود الأمنية الواردة في اتفاق السلام، سيما الجانب الخاص بترحيل قوات المعارضة من مناطق تواجدها إلى العاصمة جوبا، لكن الحكومة تعللت بصعوبة المسألة بسبب عدم امتلاكها الأموال الكافية، بعد أن كانت قد التزمت بنفقات إقامة “وفد المقدمة” التابع للمعارضة، والذي يضم أكثر من 300 فرد متواجدين بالعاصمة، منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وقد ساهم تدخل سفراء دول الترويكا المتواجدين في جوبا، من خلال التزامهم بنقل قوات المعارضة في إنقاذ لاتفاقية السلام من معضلة حقيقية كادت أن تودي بها بسبب عدم امتلاك الحكومة والمتمردين للموارد المالية التي تساعدهم في تنفيذ مستلزمات الاتفاق، إلى جانب اشتراطات جديدة للمعارضة المسلحة، تتعلق بتحديد مواقع سكن القوات، وتجهيزها بشكل متكامل من حيث الخيام ومياه الشرب والمواد الغذائية.
وفي ظل استمرار حالة التجاذب بين أطراف اتفاقية السلام في جنوب السودان، تزداد الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمواطنين سوءا، مما قاد إلى موجة من اللجوء نحو معسكرات الأمم المتحدة في كينيا ويوغندا وأثيوبيا.
وتشير العديد من التقارير الإعلامية المحلية، إلى عودة الآلاف من الأسر التي كان أبناؤها يقيمون بدول الجوار إلى جنوب السودان، بسبب حالة التراجع التي ظل يشهدها “جنيه” جنوب السودان، مقابل العملات الصعبة وتحديدا الدولار.
وشكلت هذه الظروف، تحديا كبيرا أمام الحكومة في جنوب السودان، والتي باتت تأمل في أن يقود إعلان تشكيل الحكومة الانتقالية إلى تحسن الأوضاع المعيشية للمواطنين.
ويرى المحلل الاقتصادي بجنوب السودان، المدرس في كلية الاقتصاد بجامعة جوبا، جون ديفيد، أن المدخل لتحسين الوضع الاقتصادي الحرج، الذي تمر به جنوب السودان يتمثل في ضرورة تحقيق الاستقرار السياسي عن طريق تنفيذ بنود اتفاقية السلام الأخيرة.
وقال ديفيد، لـ”الأناضول”، إن “الدول المانحة لن تقوم بتقديم الدعم والمساعدات المالية المطلوبة إلا عبر الحكومة الانتقالية الجديدة”.
وأضاف، أنه “من خلال الدعم الذي ستقدمه الدول المانحة ستتوفر العملة الصعبة في إطار مشروعات إعمار ما دمرته الحرب في جنوب السودان، وهذا من شأنه أن يقود إلى ارتفاع لقيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية”.
وتوقع المتخصص الاقتصادي، أن تقوم الحكومة الانتقالية الجديدة، بمراجعة سياسة “تعويم” سعر الصرف بالنسبة للدولار، بعد أن اتضحت آثارها المدمرة، بحسب الأناضول.
وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.