هل يصنع الشباب الإيراني الثورة ضد نظام الملالي؟
عدنان هاشم
الأحد 11 جمادى الثانية 1437// 20 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”
تعيش إيران تقلبات سياسية واقتصادية كمخاضات لثورة قادمة ضد سلطة النظام الحاكم، بدأت منذ 2009م، مع دخول إيران مرحلة الجيلين الثالث والرابع للثورة الخمينية، وهو الجيل الفتيّ “الشاب” الذي يبحث عن المستقبل ويريد الخلاص من أجل بلده ومستقبله في ظل زيادة التردي السياسي والحقوقي والاقتصادي والاجتماعي بفعل الاستبداد وأكثر بفعل الفساد الأكثر وجعاً للشعب الإيراني.
تحرك شباب إيران عام 2009م، ليهز نظام الولي الفقيه، ويجعله يفكر كثيراً في شرعيته، وخلال الانتخابات البرلمانية 2011م، كان الإقبال الضعيف مؤشراً لعدم هذه الشرعية، وفي انتخابات عام 2013 وبعد تقدير خامنئي للأحداث السياسية والاجتماعية بعد احتجاجات انتخابات 2009، وتقييمه الواقعي للانتخابات البرلمانية في عام 2011، لم يكتف بالتحدث عن “حقوق الشعب” فحسب بل وشجّع معارضيه على المشاركة في صناديق الانتخابات من أجل مصلحة البلاد والمصالح القومية.
وكانت تلك المرة الأولى التي يخرج فيها خامنئي للحديث عن حقوق الشعب مع تزايد الفساد والاستحواذ “بيت الإمام” والحرس الثوري جاء ترتيب مؤشر إيران في مدركات الفساد العالمي2014م (136) من أصل 172 دولة بارتفاع عن عامي 2012م و 2013م،مقداره أربع درجات.
تحسن حياته الاقتصادية والمعيشية والآمنة هي ما يهم الشاب الإيراني الآن، لذلك كان صوته واضحاً في فبراير 2016م، عندما صوت للإصلاحيين من أجل الحياة الكريمة بعيداً عن مجمل تحرير السياسة والاقتصاد في آن من المرشد وأركان نظامه، وعندما تحل الصدّمة بأن تلك العقوبات المفرج عنها لا تمثل سوى 20بالمائة من مشاكل الاقتصاد الإيرانية فيما يمثل الفساد السبب الأول إلى جانب المؤسسات الموازية. سيبحث في الشوارع عن طريقه نحو الحل الجديد، الذي لن يتفهم معها احتياطات الثورة ولا تحذيرات خامنئي المستمرة من الغزو الثقافي الغربي، ولا حتى تحذيره من نهاية “الفكر الثوري” من المدارس، من زاوية استراتيجيات التوازن التي تتحول بموجبها التهديدات الخارجية إلى وسائل للتحايل والسيطرة على الضغوط الداخلية، وبالتالي تعزيز شرعية النظام.
فيما يقوم الشباب الإيراني بالكفاح في بيئة اقتصادية يصل التضخم فيها إلى 30 في المائة، وفقًا لأرقام البنك المركزي الإيراني، و35 في المائة وفقًا لخبراء وأساتذة اقتصاد إيرانيين، و42 في المائة وفقًا لتصريحات صدرت عن الرئيس الإيراني. ورافق ذلك ارتفاع نسبة البطالة إلى 13 في المائة وفقًا لبعض الإحصاءات التي تعكس وجهة النظر الرسمية و 25 % بحسب الاقتصاديين الإيرانيين، والتي تشير إلى أن 37% من الشباب عاطلين عن العمل.
يتجه الولي الفقيه ونظامه كأي نظام استبدادي بعيداً عن كل ذلك، ولم يعد يفكر سوى في كيفية تعزيز شرعيته، ليس بتطلعات الشباب بل باتجاهات مغايرة تماماً عبر ثلاث اتجاهات: أولها إيجاد زعيم ثوري جديد: فانتشرت أفلام الفيديو والصور عن قيادة قاسم سليماني للعمليات العسكرية في العراق وسوريا، كتعبيرات علنية في جزء من حملة أوسع يقودها الحرس الثوري الإيراني يعود تاريخها إلى أعقاب الحركة الخضراء في عام 2009.
“لقد واجهنا أزمة متعلقة بالشرعية بعد قمع الانتفاضات في عام 2009” هكذا قال قائد متقاعد من الحرس الثوري الإيراني، يعمل الآن في الإنتاج الإعلامي المؤيد للنظام في حوار له مع صحيفة المونيتور الأمريكية في (13 مارس). وأضاف: “الناس، وبخاصة الشباب، بدؤوا في الابتعاد عنا. وأدركنا أنه يجب علينا كسب تأييدهم بها مرة أخرى. كان علينا أن نقدم لهم نموذج البطل الذي يمكنهم احترامه”. سليماني، أو الحج قاسم كما يُعرف في إيران، أصبح أحد هؤلاء الأبطال الذين أرادت وسائل الإعلام الموالية للنظام تصويرهم جنبًا إلى جنب مع مصطفى جمران والإمام موسى الصدر، اللذان قُتلا في عام 1981 و1978، على التوالي، وهناك الآن العديد من الأفلام والبرامج الوثائقية التي دعمتها وأنتجتها المراكز الثقافية الموالية للنظام عنهما. ومع ذلك، أدرك منتجو وسائل الإعلام أنه يجب عليهم تقديم بطل لا يزال على قيد الحياة ليكون نموذجًا للشباب الإيراني.
وإن كان ذلك سيصب في تعزيز بقاء الحرس الثوري جزئياً للتماسك الجبهة المتدينة في إيران والذين لا يتجاوزن 10 بالمائة، فحسب أقرب التقارير لمجلس الشورى فإن قرابة 87بالمائة لا يؤدون الصلاة في إيران، وبذلك هم لا يستعمون لفقهاء الشيعة، ولا يرغبون في البحث عن قيادات جديدة تعزز سطوة هذا النظام الكهنوتي الاستبدادي كما يراه الإيرانيون.
الاتجاه الثاني: منذ عام 2011، والمراكز الثقافية الموالية للنظام، والمدعومة بتمويل من الحرس الثوري والمنظمة شبه عسكرية التابعة للباسيج (قوات التعبئة الشعبية) تكثّف جهودها لظهور المزيد من وسائل الإعلام التي تُظهر الحرس بشكل إيجابي و وطني. وقال عضو سابق في الحرس الثوري يدير استوديو للإنتاج الإعلامي في طهران، تحدث باسم مستعار، علي الحسني، مع صحيفة المونيتور.: “بغض النظر عن الجانب الذي كنت تنحاز له أثناء الحركة الخضراء، أصبح من الواضح بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا أنَّ قوات الأمن الإيرانية كانت محقة في التأكد من عدم ظهور شيء آخر من الحركة الخضراء في عام 2009. كان من الممكن أن نتحول إلى سوريا، وكنا بحاجة للتأكد من أن شبابنا لن يسير في هذا الطريق.” وقال مهدي، عضو في قوات الباسيج يؤمن بضرورة الإصلاح: “أنا أتفهم الحاجة إلى التغيير في هذا البلد. لكني لا أريد أن يذهب شبابنا إلى أحضان أي حركة معارضة. لا يمكننا السماح بأن تتحول إيران إلى سوريا، والقوات الوحيدة التي تحمينا هي الحرس الثوري.”
فيستخدم النظام الإيراني استمالات التخويف من أجل بقاء النظام الحاكم في إيران، ويبررون بذلك كل الانتهاكات التي تحدث في الداخل ورفض الإصلاحات الاقتصادية والسياسية بأن النظام في حال حرب خارج الأراضي الإيرانية “العراق وسوريا” و “لبنان والبحرين واليمن”، ويجب على الشباب الإيراني الاحتمال.
لكن الجريمة الأكبر التي ترتكب بحق الشعب الإيراني أن سبب دمار اقتصادهم وسياستهم هي من أجل بقاء تحالف النظام “المرشد و الحرس الثوري” فمؤسسة الحرس الثوري تمثل ثاني أكبر مستثمر في البلاد بعد الحكومة، فيما استثماراتهم وتجارتهم مع المرشد في الخارج بالمليارات، و وفق قانون “الاستثمار” فالحرس الثوري لا يدفع الضرائب، ويملك مسؤول (مشرف) في كل المؤسسات الحكومية، “ممثل الإمام المعظم”، بالإضافة إلى مؤسسات موازية فوزارة الدفاع تقابلها الحرس الثوري، والبرلمان يقابله مجلس تشخيص مصلحة النظام، والاقتصاد يقابله مؤسسات آل البيت والإمام ..الخ من التسميات والمتوازيات الأكثر كارثية في إيران.
الاتجاه الثالث: أن النظام استطاع امتصاص المعارضين للنظام، من خلال الانتخابات الأخيرة إلى جانب انتخاب حسن روحاني عام 2013م، والذي أدى بدوره إلى صعود شكل جديد من أشكال القومية الواقعية؛ بمعنى أن حتى معارضي الجمهورية الإسلامية يؤيدون بعض جوانب عمليات للحرس الثوري.
إن إيران كبلد من الإقطاعيات في العصور الوسطى تشير بوضوح إلى أنها تجربة نراها كثيرًا في بلدان عدة وأنظمة سياسية متفاوتة تدَّعي الديمقراطية. إذً نستطيع استنباط قاعدة: يستحيل على المستبد أيًّا كان التنازل عن سلطته حتى يحدث أمر من ثلاثة: إما وفاته، وإما مطالب شعبية واسعة النطاق بإسقاطه، وإما تحولات جذرية داخلية أو خارجية.
وقد ظهر واضحاً للشباب الإيراني حدوث الأمرين الثاني والثالث، وبقت الأولى والمرشد في سن الموت 78 عاماً، وبوفاته سيحدث ما حدث لديكتاتور إسبانيا، الجنرال فرانكو الذي تمسك بحكمه حتى آخر رمقٍ من حياته. بعد وفاته في عام 1975 بدأ الجمهوريون حقبة جديدة في البلاد بعد 36 عامًا من الطغيان.
موقع مجلة “البيان” السعودية