المستوطنات الإيرانية من سوريا وحتى اليمن

عدنان هاشم

الاثنين 4 رجب 1437// 11 أبريل/نيسان 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”

ترجع معظم الدراسات الأولى للاستيطان الصهيوني في فلسطين إلى ممارسات الثري الصهيوني منتيفيوري، الذي استطاع في عام 1855م أن يشتري قطعة أرض في مدينة القدس، أقام عليها في عام 1857م أول حي سكني صهيوني في فلسطين خارج أسوار مدينة القدس، وهو حي (مشكانوت شعنا نيم) وعرف في ما بعد بـ (يمين موسى).

بمثل هذه الطريقة للاحتلال تقوم إيران عبر رجلها الأول في سوريا عبد الله نظام، بالاستيطان في “سوريا”، وعوضاً عن ممارسات فردية للأثرياء يقود الحرس الثوري هذا الاستيطان بمؤسساته وبنوكه داخل “دمشق” و “حمص” والمدن السورية، منذ الوهلة الأولى لعام 2011م والنظام الإيراني يُحرض على “الاستيطان” في “سوريا”، وبعد خمسة أعوام أحياءٌ بالكامل وسط دمشق أصبحت إيرانية.

تشتري إيران سوريا، وباعتراف أشد وقاحة وقذارة وبافتخار “الخائبين” يعترف المسؤولون الإيرانيون أن الدكتاتور الأسد مستمر في بيع أراضي شعبه للمال المُدنس بالرغم من مزاعمه “الخرقاء” بكونه قومياً؛ فما جلب القوميون لبلدان العرب سوى الاحتلال والاستعمار من سوريا والعراق ولبنان واليمن.

ليس اتهاماً أن إيران اعترفت؛ فالتقارير الفارسية التي صدرت شهر مارس/ آذار الماضي تؤكد أن الاحتلال الفارسي يلتهم المزيد من العقارات وزاد النشاط بشكل أكثر خبثاً وإمعاناً في نهج تلك البلاد الخاسر؛ ففي حي “السيدة زينب” وما جاوره تحولت اللغة الرسمية إلى “الفارسية”، فأغلب الساكنين هناك هم من “الفُرس الإيرانيين” أو “العُمال الأفغان”. يشتري قادة الحرس الثوري وكبار التجار التابعين للدولة الاستعمارية، الفلل والعمارات في ذلك الحي وينتقل العُمال الأفغان للسكن والعمل، يعاني (3 ملايين أفغاني في إيران من الاضطهاد) لذلك يرون الانتقال والحصول على سكن وعمل في “دمشق” فرصة سانحة، تحدث أحد المقاولين الإيرانيين لعُمال أفغان يريد نقلهم إلى “دمشق” أنها آمنة بل أشد أمناً من طهران نفسها!

اقرأ أيضا  الجامعة تدعو الى تحرك لثبيت وقف إطلاق النار في سوريا

تمت مصادرة أراضٍ واسعةً في منطقة المزة لبناء مشروع سكني إيراني كبير قرب السفارة، كما أن الإيرانيين يشترون عقارات كثيرةً وكبيرةً في سوريا، في حين سجل العام الماضي وصول نسبة الإيرادات الإيرانية للسوق السورية إلى نحو 35%، كما أن المناقصات الحكومية مفتوحة فقط للإيرانيين، كما يقول إيان بلاك محرر الشرق الأوسط في الغارديان سبتمبر الماضي. وينقل عن أحد سكان العاصمة دمشق: “تم بيع سوريا للإيرانيين… إنهم يسيطرون على كل شيء، إنها سوريا المحتلة من إيران”.

الملاحَظ أن الدولة الساسانية و “الصفوية” العائدة من جديد إلى بلاد العرب صدرت الموروث الصهيوني نفسه إلى أدواتها الإجرامية في اليمن ولبنان؛ ففي ثمانينيات القرن الماضي كان 48% من سكان الضاحية الجنوبية من المسلمين السُنة، قام حزب الله بشراء المنازل والأراضي الزراعية بمبالغ عالية جداً، ومن تمسك منهم بأرضه ومنزله يقتل في خضم حرب طائفية أحرقت الأخضر واليابس، واليوم يحكم الحزب الإيراني الضاحية الجنوبية بل يتحكم بكل سياسة لبنان الداخلية والخارجية. وبالمثل حدث في اليمن؛ فالمتمردون الحوثيون منذ عام 2004م، اشتروا المنازل والمزارع من المواطنين في صعدة، معقل الجماعة، بل احتل الحوثيون منازل النازحين في المحافظة وأخذوا مزارعهم واستوطنوها بأنصارهم من المذهب نفسه من محافظات أخرى، وقاموا بوضع ملكيات للساكنين الجدد، لذلك ما يزال 300 ألف نازح موجودين في حجة وعمران تحت الخيام. أهالي “دماج السُنة” عندما رفضوا بيع مساكنهم أو النزوح مع اشتداد الحروب الست بين الحكومة والحوثيين، قام الحوثيون عام 2011م بمحاربتهم، وصمدوا وواجهوا التخاذل حتى يناير/ كانون الثاني 2014م، إلى أن جرى تهجيرهم من مساكنهم بالقوة وبرضى حكومي، وخرج 15 ألفاً من سكان تلك المديرية ليتشتتوا بين محافظات البلاد، فأحكم الحوثيون قبضتهم عليها وحاولت إيران أن تلتهم اليمن كاملة لولا تدخُّل عاصفة الحزم.

اقرأ أيضا  غارات روسيا تتنافى مع أهدافها المعلنة في سوريا

بالعودة إلى سوريا، فالعام الماضي والحالي انتشرت مواكب عاشوراء وسط دمشق والجامع الأموي ترفع التوترات الطائفية في العاصمة، ليست فقط ترفع التوتر الطائفي كما يحبذ ليبراليو الشيعة العرب القريبين من إيران وصفها، هي أكثر من ذلك هو إحلال لسكان جُدد من خلال استيطان بلا عنف، لتدخلات قادمة أكثر وجعاً في الجسد السوري، حتى وإن انتصرت المعارضة وشنقت الدكتاتور وأتباع نظامه على بوابة المسجد الأموي، فإيران تعمل لأيام تعقب هذا الانتصار.

يعتمد هذا النوع من السياسية – التي استخدمت من قبل في “الأحواز”- على الاستيطان بشراء الأراضي والمباني ومن ثَمَّ تحول هؤلاء الذين نقلتهم إلى “مسمار جحا” لتتدخل في الوقت الذي تريد، فطالما أن التحرك ببطء في سوريا يُثقل كاهل إيران سياسياً واقتصادياً، وبالتأكيد سيحين الوقت الذي يلحق أفراد الحرس الثوري وميليشياته العربية الشيعية بالروس للخروج من سوريا، لذلك قررت إيران أن الاستيطان بهذه الطريقة يخرج المستوطنين من الحديث عن اتفاق سياسي وإخراجهم كما يحدث مع مقاتلي الحزب، الصهاينة فعلوا كذلك وكان البريطانيون هم الحماة والرعاة الرسميون.

ليست أحياء في دمشق وحدها، فحسب تقرير “صوت أمريكا بالفارسية” يتحرك الحرس الثوري والأثرياء والمقاولون مع المستوطنين في “حمص” القريبة، ونشط شراء العقارات في تلك المدينة التي تربط دمشق بقلب مناطق الساحل حيث الأقلية الشيعية العلوية، وعلى ما يبدو أن إيران مع مرور الوقت ستعلن دولتها الفارسية من دمشق وحتى الساحل سواءً كانت بمسمى دولة علوية شيعية أو تقسيم لنصيب الدكتاتور الأسد.

اقرأ أيضا  لجنة الإنقاذ الطبي في حالات الطوارئ تجري رحلات سفاري إنسانية لدعم الفلسطينيين

يتمتع المستوطنون الإيرانيون الذين أحضروا عائلاتهم بميزات خاصة منحها “الدكتاتور” لهم، ويحصلون على تسهيلات كبيرة من أتباعه تشمل حتى الضغط والسجن والتعذيب للعائلات السورية التي ترفض بيع منزلها رغم المبالغ الطائلة التي يدفعها الحرس الثوري للحصول على تلك المنازل قرباناً لحلفائه المحتلين حتى يبقى مدة أطول في “السلطة”، أصبح الأسد صاحب الشعارات القومية العربية يبيع أراضي سوريا للاحتلال ليبقى، وكيف لا يحدث ذلك وقد قتل نصف مليون سوري في أبشع جرائم لدكتاتور ضد شعبه.

يجلب الطغاةُ الغزاةَ، ويعطونهم الأراضي، ويذبحون شعوبهم، من أجل البقاء لأيام وشهور قليلة في السلطة، ثم يستوطن تاريخهم الكوارث، وصفحات سوداء، لن تذكرهم شعوبهم سوى باللعن والكثير من الشتائم؛ فالموقف من الغازي يجب أن يشمل العرب كاستراتيجية واحدة فبغير هذه الاستراتيجية لن نعيَ إلا وباقي العرب تحت إدارة إيران سوى بأموالها أو بجماعاتها المسلحة.

المصدر : موقع مجلة “البيان”

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.