هل القرآن الكريم معجزة لا يستطيع البشر جميعاً أن يأتوا بمثله؟

الاثنين19 جمادى الثانية الموافق 29 أبريل 2013 وكالة معراج للأنباء (مينا)

 

سؤال ينبغي لكل مؤمن بهذا القرآن، ولكل كافر به أن يبحث عن جوابه؛ لأن هذا القرآن يقول: إن سعادة الدنيا مضمونة في اتباعه، وشقاء الدنيا ناتج عن تركه، اسمعه يقول: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى* ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً} [طه/123ـ124]. بل يقول: إن هذه الحياة ليست خاتمة الإنسان، ووراءها حياة أبدية سعادتها مضمونة في اتباعه، وشقاؤها ناتج عن تركه، اسمعه يقول: {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} [السجدة/19ـ20].

وإذا كانت القضية بهذه الخطورة فمن واجب المؤمن ـ إن كان حريصاً على مصلحة نفسه ـ أن يسارع إلى العمل به، ومن واجب الكافر أن يتحقق مما كفر به، فإما أن يتبين له أنه الحق فيغير موقفه، وإما أن يكتشف أن موقفه صحيح فيتمسك به، ويشتد في الإنكار على المسلمين، ويقول لهم: دعونا من هذه الدعاوي الفارغة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌!!

وطريق المؤمن والكافر هو النظر في هذا التحدي الذي يعلنه القرآن: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} [الإسراء/88].

وهذا النظر ليس بأمر غامض ولا معقد، فهذا الكتا‌ب منسوب إلى الله عز وجل على أنه كلامه، وقد جاءت هذه النسبة على لسان إنسان أمي، فإن كان هو كلام الله حقاً فلا شك أنه خال من أي خطأ مهما كان يسيراً، وإن لم يكن من كلامه فما أيسر أن يكتشف الناس خطأً بل أخطاءً كثيرة في كلام إنسان أمي؟! لكن لا بد أن يكون الخطأ محققاً، وليس من الأمور التي تختلف فيها وجهات النظر، فيقول بعض الناس: هذا خطأ، ويقول الآخرون: هذا صواب، أو يقولون: لا ندري. وما أسهل أن يوجد الخطأ المحقق في كلام إنسان أمي؟!

اقرأ أيضا  سورة الذاريات 51/114

أما أن يؤلف إنسان كتاباً خالياً من الخطأ في أمور متنوعة تختلف فيها الأنظار، وتغيرها تغيرات الأعصار، دون أن يكون مؤيداً من الله فهذا ما ينفيه العقل والمنطق في تاريخ الإنسانية كله، بل إن التجارب أثبتت أن خلو كتاب من أخطاء الطباعة يكاد يكون مستحيلاً، مع أنه خطأ معلوم، فكيف يمكن أن يخلو كتاب يتناول أموراً متنوعة تختلف فيها الأنظار، ويغيرها تقلب الأعصار؟! ويتضح ذلك من خلال الافتراض التالي، إن شاء الله تعالى.

لنفترض أن العالم كله اتفق على أن يتعاون في تأليف كتاب، ولنفترض أنه في علم تجريبي، فإنه يقل مجال الخطأ فيه قدر الإمكان، ولنفترض أنه في علم واحد هو الطب، وفي اختصاص واحد منه هو أمراض القلب، ولا يشترك فيه إلا أعلم رجال الاختصاص، يودعون فيه أوثق معلوماتهم، هل يمكن أن يقع في هذا الكتاب خطأ؟

قد نقول: لا، وقد نختلف، إلا أننا نتفق بلا شك على أن احتمال الخطأ قليل جداً، إن لم يكن معدوماً، لكن هل يمكن أن يكتشف فيه خطأ بعد عشر سنين؟ قد نقول: نعم، وقد نختلف، لكن إذا مضت مائة سنة فسنتفق على أن الخطأ أصبح محققاً؛ لأن التطور يكشف عن الأخطاء التي كانت خفية في الزمن الماضي، إذن فكيف يكون حال الكتاب المذكور بعد ألف سنة ؟ وكم يظهر فيه من الأخطاء ؟!

تعالى معي أيها القارئ لنغير جانباً من الافتراض الذي افترضناه، ثم نرى أثر التغيير.

فقد ذكرنا أن كل المختصين في العالم اجتمعوا على تأليف هذا الكتاب، ألا يزيد احتمال الخطأ إذا شارك فيه نصفهم فقط ؟ ثم كم يزيد الاحتمال إن كانوا ربع المختصين ؟ ثم كم يزيد الاحتمال إن كانوا عشر المختصين، بل ثلاثة منهم بل واحداً؟ وقد مضى على تأليف الكتاب ألف عام ؟

اقرأ أيضا  بلاغة القرآن

عد معي أيها القارئ ثانية إلى افتراضنا لنغير فيه جانباً آخر، ثم نرى أثر التغيير، لقد قلنا: إن الكتاب في اختصاص واحد هو أمراض القلب، ألا تزيد نسبة احتمال الخطأ لو قلنا إنه في اختصاصين ؟ فكم تزيد النسبة لو قلنا: إنه في الأمراض الباطنية كلها ؟ ثم كم تزيد إذا قلنا: إنه في الطب بجميع اختصاصاته ؟ ثم كيف يكون حال الكتاب لو أضفنا إلى علم الطب علوماً أخرى تتعلق به كعلم الصيدلة، وصناعة الدواء، وكصناعة الوسائل الطبية، وكالهندسة الوراثية، وأثرها على الأمراض والبيئة، وآثارها على الصحة، وكعلم النفس وأثره على الأمراض ؟ كيف يكون حال الكتاب والمؤلف واحد والاختصاصات متنوعة، والعلوم متعددة وقد مضى من الزمن ألف عام ؟ أو قل ما الذي يبقى من الصواب في الكتاب؟!

لا تضجر مني أيها القارئ، فهذه المرة الأخيرة التي أدعوك فيها للتغيير: لقد افترضنا أن المؤلفين أو المؤلف في أعلى درجات الاختصاص، فلنفترض الآن أنه مبتدئ في اختصاصه، ألا يزيد احتمال الخطأ ؟ وكم يزيد الاحتمال لو كان طبيباً غير مختص أي هو طبيب عام؟ ثم ماذا يكون حال الكتاب لو كان مؤلفه لا يحمل إلا شهادة الثانوية، بل الإعدادية، بل الابتدائية ؟ ثم ماذا لو كان أمياً، لا يعرف حتى أداة العلم الأولي أي القراءة والكتابة، بل أملى الكتاب إملاءً؟!

كم ينبغي أن يبقى من الصواب في هذا الكتاب إذا كان هذا حال مؤلفه، وانفرد به وحده، وتناول علوماً متعددة، ومضى عليه ألف عام، بل قل ألف وأربعمائة وثلاثون عاماً؟! ألا يدل خلوه من الخطأ على أنه من عند الله ؟!

اقرأ أيضا  تأملات في عوائق تدريس مادة القرآن الكريم.. الأسباب والعلاج

هذا هو مثال القرآن الكريم: تناول علوماً متعددة:

 (1) خلاصة علم العقائد الدينية، ما صح منها وما أصابها من فساد.

(2) وخلاصة تاريخها وأطوارها منذ فجر الإنسانية.

(3) وخلاصة تاريخ الإنسانية نشأة وأطواراً مع أشهر أمم الأنبياء.

(4) وخلاصة علم الأخلاق، وما يطرأ عليها من الفساد.

(5) وأساس أنواع العبادات.

(6) وخلاصة علم الحقوق بكل فروعه: الأحوال الشخصية والأسرية، والحقوق المالية، والقوانين المدينة، والعسكرية والحربية والدولية، وقواعد إثبات الحقوق.

(7) وناقش الخصوم ورد شبهاتهم.

(8) وتعرض لعلوم أخرى تعرضاً يقل حيناً، ويزيد حيناً، كعلم الفلك والطبيعة بحراً وبراً وجواً، وكعلم الحيوان، وعلم النبات.

هذا الكتاب جاء على لسان إنسان أمي، في بلاد أمية، في أمة أمية، وهو يتحدى منذ ألف وأربعمائة وثلاثين عاماً، يتحدى كل الناس ومعهم الجن، يقول لهم: أثبتوا خطأً واحداً تكونون على يقين منه، أو قولوا: آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون…

 هل يقدر على هذا التحدي غير الله الذي وسع كل شيء علماً ؟! ما بال الناس لا ينظرون في شأن هذا القرآن ؟! {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} [النساء/82] ؟! صدق الله العظيم

 

( من كتاب  القرآن إعجاز تشريغي متجدد)

 (R-024/R-04).وكالة معراج للأنباء (مينا).

 
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.