العنصرية والتعصب.. خطر يهدد القيم والأخلاق
الخميس8 ذو القعدة 1437/ 11 أغسطس/ آب 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.
يواجه المجتمع العديد من التحديات التي تهدد القيم والأخلاق والمبادئ التي نشأ وتربى عليها الكثير، ومن هذه التحديات التي يجب التنبه والتصدي لها من قبل الجهات المختصة ومن مؤسسات المجتمع هي إثارة النعرات القبلية والتمييز العنصري والتي بدأت تنمو بشكل متزايد وتتغلغل في أوساط الشباب والمراهقين وتنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي وبعض من القنوات الفضائية الشعبية التي تعزز مبدأ التفاخر والاستعلاء على الغير.
داء خطير
وتؤكد الجوهرة الغامدي – باحثة قانونية في هيئة حقوق الانسان – أن التمييز العنصري داء اجتماعي خطير يتنافى مع كرامة الانسان ومبدأ العدل والمساواة قال تعالى “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر”والدين الاسلامي رسخ مفهوم الكرامة بغض النظر عن اللون، الجنس، الدين، اللغة، العرق، وجعل العزة والكرامة حق اصيل لكل إنسان قال تعالى “فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين” وهذا الحق شيء ثابت ولا يجوز الانتقاص منه، لانه شرف وتكريم من الله سبحانه وتعالى، ولو أدرك الانسان حقيقة هذا التكريم والمساواة بين البشر لنبذ التعصب والتمييز العنصري الذي حذّر منه رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة وأتم التسليم بقوله “دعوها فإنها منتنة” لما لها من أضرار وخيمة على المجتمعات وذلك بإثارة النعرات الطائفية والمذهبية التي تسهم في بث الفتنة والتفرقة بين الناس وتفتيت روابط الوحدة واللحمة الوطنية، وبالتالي دمار المجتمع وتفككه وتخلفه وعلى الرغم من نبذ الدين الاسلامي للتمييز العنصري والدعوة الى المساواة والعدل والتسامح وإبرام الاتفاقيات الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وقيام ميثاق الأمم المتحدة على مبدأي كرامة جميع البشر وتساويهم والإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن البشر يولدون أحراراً ومتساوون في الكرامة والحقوق وان من حق كل إنسان ان يتمتع بجميع الحقوق والحريات دون أي تمييز لا سيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي والمادة السابعة من الإعلان تنص على “الناس جميعاً سواء أمام القانون وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز” إلا اننا نرى تفاقم وتفشي القبائلية والطائفية وقضايا عدم تكافؤ النسب وعدم قبول الآخر والانتقاص منه والتباهي بالجنس والقبيلة واللون متناسين قوله تعالى”إن اكرمكم عند الله اتقاكم” كما أن لبعض وسائل الاعلام وخاصة بعض البرامج ذات الجماهيرية دورا كبيرا في المساهمة في توسيع نطاق التمييز العنصري وكذلك في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال ما يكتب البعض من انتقاص الآخرين دون وجود رقيب او حسيب وهذا مؤشر خطير يجب علينا التصدي له والعمل على مكافحته والقضاء عليه وذلك من خلال نشر الثقافة الحقوقية في المجتمع وبيان تبعات التمييز العنصري وآثاره السلبية المدمرة وهذا ما نقوم به من خلال عملنا في الجمعية الوطنية لحقوق الانسان.
وشددت الباحثة القانونية على أهمية وجود نظام رسمي يجرم التمييز العنصري بكافة أنواعه وأشكاله ويتم العمل به وتطبيقه بحزم، داعية المؤسسات التعليمية للتصدي للعنصرية من خلال وجود مناهج تعليم تؤكد على نبذ العنصرية وتوعية الطلاب والطالبات بذلك، لينشأ جيل واع بعيداً عن النعرات الطائفية والمذهبية والقبلية بالإضافة إلى تفعيل برامج اليوم العالمي للقضاء على العنصرية في جميع المدارس والجامعات ليساعد على رفع الوعي لدى الأجيال الحالية والقادمة والتخلص من هذه الصفة الذميمة.
الأسماء المستعارة
ويرى بسام فتيني – إعلامي – أنه في ظل غياب الأنظمة والقوانين الواضحة والصريحة بمحاسبة ومعاقبة وتجريم كل ما يمكن تفسيره بأنه ممارسة عنصرية تتخذ الانتقاص من الهوية او الدين او المذهب او الطائفة ستظل هذه المشكلة قائمة دون حلول حقيقية واليوم وفي ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي اصبحت عبارات العنصرية والانتقاص من الطرف الآخر اكثر سهولة من السابق لاسيما ان توفرت سبل ارتكاب الجرم دون عقاب فالأسماء المستعارة كثيرة وآليات المتابعة اللحظية لكل التجاوزات تقريبا مفقودة لتكون النتيجة وجود عبارات عنصرية وتجاوزات لفظية متعددة بالآلاف دون حسيب او رقيب واقترح لعلاج هذه الظاهرة ان تواكب الجهات ذات العلاقة التطور السريع وتخصص حسابات موثقة لها في جميع مواقع التواصل الاجتماعي لتلقي الشكاوى في نفس لحظة ارتكابها والتعامل معها قانونيا مع المحاسبة والتشهير لكل من يستسهل ذلك.
بحث الأسباب
وترى ايمان الشاطري أن المجتمع بحاجة إلى بحث أسباب التمييز العنصري وتصنيفه. وقالت كلما تعمقنا وركزنا على صنف من العنصرية وصلنا بصورة أسرع إلى أسبابها وناقشناها وأوجدنا لها الحلول كما أنه غالباً نحن بحاجة إلى محاورة تلك العقول والتي ظلمت نفسها حين تربعت على عرش الكمال وتغيبت تماماً عن أن صفة الكمال هي صفة إلهية ودوام الحال من المحال فقد يغير الله على من استصغرناهم ليجعلنا في مكانتهم وأقل الحياة عبرة لمن اعتبر فمتى سنصحو إذا كان الآن في متناول أيدينا دروس من الواقع تبرز نتائج التمييز العنصري المقيت الذي لا يثمر سوى الكراهية والظلم.
من جهته قال: د. ماجد الفيصل – كاتب وأكاديمي – لا زلت لا افهم الحيرة والتساؤل القائم حول أساليب مكافحة التمييز العنصري ولدينا أحكام الشرع الحنيف التي من شأنها الحد من جميع أشكال التمييز العنصري سواء من خلال اتباع النصوص الصريحة والواضحة في كتاب الله تعالى او سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولهما السمو على جميع المصادر الشرعية والنظامية وأيضاً لدينا تجارب الامم وخبراتها في كشف خطورة التمييز العنصري والويلات التي تجرعتها تلك الامم جراء العنصرية سواء في الماضي او الحاضر كما ان من الايجابيات التي لدينا ولله الحمد الانظمة التفصيلية التي تبنتها السلطة التنظيمية في المملكة وافضل مثال يستشهد به في هذا السياق هو تصديق المملكة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري بموجب المرسوم الملكي رقم م/١٢ وبالتالي أصبحت هذه الاتفاقية بموجب هذا التصديق نظاماً وطنياً داخلي وملزم لجميع سلطات الدولة بما لا يتعارض مع احكام الشريعة الاسلامية بل ان البعض ذهب إلا ان هذه الاتفاقية وما تضمنته في قواعد تنظيمية اجرائية كفيلة بتحقيق تطوير إجرائي تنظيمي مستمر ومتابع من قبل السلطة التنظيمية في أساليب مكافحة التمييز العنصري، وقد اشتملت الاتفاقية على قواعد نظامية تفصيلية من شأنها مناهضة جميع أشكال التمييز العنصري بداية من تعريف الأفعال المجرمة في سياق التمييز العنصري وأنواعه إلى نواحي التطوير التي تعني السلطات الثلاث التنظيمية والقضائية والتنفيذية في هذا السياق.
توعية المجتمع
وأضاف: شهدت المملكة مؤخرا حراكا فكريا وتنظيميا من قبل مجلس الشورى حول أهمية صدور نظام جزائي خاص لتجريم تلك الأفعال ولم يصدر حتى الآن، فصدور هذا النظام بالتأكيد سيساهم في وضوح الأفعال المجرمة والعقوبات المقررة لتلك الأفعال بحيث يصبح من اليسير تحقيق أقصى درجات التوعية والنشر في المجتمع بجميع ثقافاته وعاداته وتقاليده مما يساهم في تحديد ماهية تلك الأفعال وعقوباتها فضلا على فوائد اخرى تتعلق بوضوح إجراءات التحقيق والمحاكمة في مثل تلك الجرائم، ودائما ما نهتم في المجال الأكاديمي بإجراء الدراسات المقارنة لنطرح التساؤلات حول ماهية وجودة المعايير المطبقة كتلك المنصوص عليها في الاتفاقية والمتبعة على الصعيد الوطني فتتضح نقاط الضعف والقوى في السياق المقارن مما ييسر على السلطة التنظيمية ادراك مدى التقدم في هذا المجال او الحاجة للتطوير بل ان إجراء المقارنة غالبا ما يتم اللجوء اليه من قبل السلطة التنظيمية من تلقاء نفسها في التقارير التي تقدمها الدول الأطراف في تلك الاتفاقيات للجان المعنية بتنفيذ تلك الاتفاقيات بحيث يتضح لتلك الدول نقاط الضعف والقوة في القوانين الوطنية ومدى الحاجة للتطوير من عدمه أخيرا لابد ان ننوه ان جرائم العنصرية تجسد خطراً حقيقياً لانها قد تتصل بها بث اسباب الفرقة والفتنة وتقويض ركائز المجتمعات ونجدها ايضا متصلة بزعزعة لحمة الاوطان ومتصلة بجرائم الفساد وايضا نجدها متصلة في كثير من الجرائم الاخرى التي تستهدف المجتمعات على الامد القصير والطويل في أمنها واستقرارها لذلك مثل هذه القضية من القضايا الهامة التي تكون في حاجة إلى متابعتها والاهتمام بمؤشراتها بشكل مستمر من قبل المراكز المتخصصة في كثير من المجتمعات التي تحرص دائما على حماية جميع ركائز الوحدة الوطنية وقوتها، وجدير بالإشارة ان من أهم الركائز التي يعتمد عليها في توعية المجتمع في هذا السياق هو استحداث مؤسسات مجتمع مدني متخصصة في مكافحة ومتابعة الأوجه الدقيقة من صور العنصرية وعملها على تقديم العون لضحايا تلك الجرائم من جهة وتقدير الدراسات والبحوث المرتبطة وهذا ما نلمس التوجه بصدور نظام الجمعيات والمؤسسات الاهلية عام ١٤٣٧هـ الذي سيساهم بشكل كبير في دعم مثل هذه الجمعيات الانسانية التي يحتاجها المجتمع في حاضره ومستقبله.
المصدر: الرياض