الله أكبر في الكنيست الإسرائيلي

د. مصطفى الداوي

السبت، 19 صفر 1438 هـ الموافق 19 تشرين الثاني / نوفمبر 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”                     

أعلن الأول أحمد بالأصالة عن نفسه وهو الطيبي، وبالنيابة عن شعبه وأمته العربية والمسلمة المواجهة والتحدي، فوقف على منصتهم وسط قاعتهم التي بها يشرعون ويظلمون، بقوةٍ وبلا خوفٍ، وبثباتٍ لا تردد فيه ولا ضعف، وبلغةٍ عربيةٍ أصيلةٍ لا عبريةٍ دخيلةٍ، وفاجأ رؤوس العدو الإسرائيلي فأصغوا، وصدم الجميع فأقعوا، وأربك رئيس الكنيست فسكت وخنس، والتزم الصمت وحبس، وتحدى الطيبي بالحق ناديهم الذي كفر، وعقر لسانهم إذ ذكر، وأصابهم بالذهول والوجوم إذ كبر.

وبصوتٍ جميلٍ عالٍ ونديٍ رفع الثاني الأذان، وبعالي الصوت هادئًا دون اضطرابٍ كبر طلب، وبصوتٍ شجيٍ واثقٍ متمكنٍ ومتمرسٍ بالحق صدح، فأصاب الحضور بالخبل، وأسكت أعضاء الكنيست فلم يعد منهم من يقوى على القول، إذ صد عرار بصوته الجللُ هبلَ، وأعلن أن الأذان ليس جملًا، وأن نداء الله أكبر كلمة تعلو فوق الكل، وأنه والقائمة العربية في ناديهم عربٌ، وأنهم مسلمون ومسيحيون يدًا واحدة في مواجهة العدو الذي سرق الأرض واغتصب الحق، فلن يسكتوا عن من أراد أن يخفت صوتهم، أو أن يغير بالقانون قديم عهدهم.

إنه آخر ما كان يتوقعه العدو الإسرائيلي، وهو ما لم يكن في بال قيادته ولا في خيال مشرعيه، أن يأتيهم ما يحذرون من حيث لا يحتسبون، وأن يواجهوا الأذان في صرحهم الذي ظنوه عاليًا، وفي برلمانهم الذي أرادوه للظلم مشرعًا، وللبغي قانونًا، وللحرب على الشعب الفلسطيني منذرًا ومسعرًا، فهالهم صوت المؤذن وكلمات الأذان، فباتوا يضعون أصابعهم في أذانهم ويولون هربًا، مخافة أن تصدح كلمة الله أكبر آذانهم، وتهز أبدانهم، وتصدع قلوبهم، ولعلهم يعرفون جميعًا أثر هذه الكلمة وما لها من قيمةٍ عند المسلمين، فهي النداء الأول لأسمى شعيرةٍ في الإسلام، وأحد أركانه الخمسة الكبار، وهي التي اعتاد المسلمون سماعها خمس مراتٍ في اليوم والليلة، فيتنادون إثرها، ويجتمعون على وقعها، ويتعبدون بالصلاة من بعدها.

اقرأ أيضا  الموقف الأمريكي من الأزمة الكردية

قد لا آتي في مقالي بجديدٍ لافتٍ، وقد لا أضيف كثيرًا على ما تناقلته وسائل الإعلام، وما خطته الأقلام، وما تحدث به المعلقون والمتابعون، وقد لا تكون لمقالتي قيمة إلى جانب ما كتب وما نشر، ولكني أجد نفسي ملزمًا أن أكتب لينالني شرف الدفاع عن الأذان، والذود عن كلمة “الله أكبر”، والمساهمة في هذه المعركة التي تمس عقيدتنا، وتهدد أحد أهم ما يميز ديننا، لأكون أحد الذين غمرهم شرف الدفاع عن كلمة الإسلام، وألتحق بمن كان لهم فضل السبق في الدفاع عن هذا الدين ورفع أسواره وتحصين أبوابه.

ضاق العدو الإسرائيلي من قديم ذرعًا بالأذان، وآذى آذانه صوت المؤذنين، واشتكى أن مواطنيه ينزعجون منه، وتمنى الصمم على ألا يسمعه، فوضع أصابعه في آذانه كأسلافه الذين وضعوا في آذانهم كرسفًا لئلا يسمعوا صوت الأذان، وأعلن معركته وهو يعلم أنه خاسرٌ فيها لا محالة، وعاجزٌ عن أن يحقق فيها نصرًا، أو يفرض قانونًا يوقع عقوبةً على مخالفه، فالمسلمون في كل مكانٍ لن يتخلوا عن الأذان، ولن يتركوه لظلم ظالمٍ أو بغي حاكم، أو تسلط متجبرٍ عُتلٍ زنيم، مهما امتلك من القوة، وتحكم في السلطة والقرار.

اقرأ أيضا  آسيان ملتزمة بتحقيق مجتمع متكامل ومستقر ومزدهر

ربما يأتي مشروع القرار الإسرائيلي بمنع رفع الأذان بمكبرات الصوت في بعض المناطق الفلسطينية في محاولةٍ خبيثةٍ من العدو لشطب الهوية العربية والإسلامية عن أرض فلسطين التاريخية بما فيها القدس، التي تضم تلالها المسجد الأقصى المبارك، كونه يعلم أن الأذان عقيدة إسلامية وهوية عربية، وأنه أحد أهم المظاهر التي تسترعي انتباه السياح، وتلفت أنظار الزوار، خاصةً إذا كان صوت المؤذن جميلًا وأداؤه حسنًا، فإن الكثير من غير المسلمين يستوقفهم الأذان، ولعل بعضهم قد تأثر به وأسلم، وغيرهم عبر عن إحساسه بالراحة والطمأنينة عند سماعه له، وآخرون يحرصون على سماعه ويفرقون بين أصوات المؤذنين ويفاضلون بينها.

ولعل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تذكر ولا تنسى أنها هزمت في السجون والمعتقلات، وأنها لم تقوَ على مواجهة الأسرى والمعتقلين وهم عزلٌ من السلاح، يعيشون خلف الأسلاك وفي الزنازين وبين الجدران، ورغم ذلك فلم تتمكن سلطات السجون من منعهم من رفع الأذان أو أداء الصلاة جماعةً، أو إقامة صلاة الجمعة بخطبتيها وصلاة الأعياد وخطبها، رغم أنها حاولت كثيرًا، واستخدمت كل وسيلةٍ وطريقةٍ، إلا أن الأسرى الفلسطينيين والعرب تحدوا القرارات العسكرية، وواجهوا صلف السجان وعتو الاحتلال، وأصروا على أداء مناسكهم وإقامة صلواتهم جماعةً ورفع الأذان بصوتٍ عالٍ في كل مكان وحسب الأوقات الشرعية دون تأخيرٍ أو إبطاء.

أظن أن العدو قد فتح على نفسه طاقةً من جهنم جديدة، ولن يكون قادرًا على إغلاقها إلا بتراجعه وانكفائه، وستشهد الأيام القليلة القادمة أصواتًا إسرائيلية وأخرى يهودية تطالب الحكومة بسحب مشروع قانونها، وتلح على الكنيست لرفضه وعدم الموافقة عليه أو تمريره، وستعلو أصواتٌ دولية تدين القرار وتشجبه، وتطالب بسحبه ودم تطبيقه، وسيجد العدو نفسه حتمًا بقراره الطائش في مواجهة الشعب كله، مسلمين ومسيحيين، وإسلاميين ويساريين وقوميين وعلمانيين، فكلهم يريد أن يكيد العدو ويغيظه، ويبحث عما يزعجه ويبغضه، ويرون في ذلك شكلًا من أشكال المقاومة لا ينبغي التخلي عنها، أو الاستخفاف بها، ويرون أن هذا وقت التضامن والاصطفاف جنبًا إلى جنبٍ في مواجهة سياسات الاحتلال وقراراته.

اقرأ أيضا  الجهاد: منع الاحتلال دخول لقاحات "كورونا" إلى غزة جريمة حرب لا يمكن لشعبنا وقواه الحية السكوت عنها

فهل يظن الذين هزموا أمام الأسرى والمعتقلين المكبلين بالأصفاد، والمعزولين في سجونهم بعيدًا عن الشعب، يستطيعون أن يواجهوا شعبًا حرًا وأمةً أبيةً، وأن يجبروهم على خفض أصواتهم أو طأطأة رؤوسهم، والامتناع عن رفع الصوت في الأذان استجابةً لقراراتهم، وحرصًا على أسماعهم لئلا تزعجها نداءات الله أكبر، رغم أنهم حاولوا قديمًا، وأغلقوا مساجد كبيرة، وحولوا بعضها إلى مرافق وحظائر وحاناتٍ، ولكن ما بناه الفلسطينيون بعد ذلك أكثر مما هدمه العدو، وما عمروه أكثر مما دمره العدوان، وما سيعيدون بناءه سيكون أجمل وأكثر اتساعًا وبهاءً مما خربه، وستعمر مساجدنا بالمصلين، وستزهو مآذننا بأصوات المكبرين.

المصدر : فلسطين أون لاين

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.