الفائزة بالجائزة العالمية في حوار الأديان والثقافات في حوار حصري مع موقع “الإصلاح”
الأحد 9 رجب 1434 الموافق 19مايو/آيار 2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
الدكتورة مريم آيت احمد
أكدت الأكاديمية المغربية الدكتورة مريم آيت احمد أول مسلمة حائزة على تكريم جائزة الدوحة العالمية في حوار الأديان والثقافات، أن هذا التكريم يمثل تجديدا لتاريخ جدتنا فاطمة الفهرية التي بنت أول جامعة سنة 245هـ. كما أشارت مسؤولة وحدة حوار الأديان بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة إلى ضرورة التأسيس لحوار عقلاني بين أتباع الأديان، الأمر الذي من شأنه أن يوقف فتن الأحقاد و نار العصبية.
وأضافت رئيسة مركز إنماء للأبحاث والدراسات المستقبلية ، والخبيرة الدولية لقضايا الحوار الديني والحضاري لمؤسسات وهيئات عربية ودولية ، في حوار حصري لها عقب هذا التتويج المغربي التكريمي للجائزة العالمية مع موقع “الإصلاح”، تناولت فيه قراءتها ورؤيتها المستقبلية للمشروع الفكري في مجال قضايا حوار الأديان والثقافات، نورده كالآتي:
* بداية أستاذة مريم في سياق التحضير للمؤتمر العاشر لحوار الأديان بقطر تم تصنفك ضمن الشخصيات العالمية الأكثر تأثيرا في تمثيل الإسلام في حوار الأديان والثقافات، ماذا يمكن أن تقولي لنا حول هذا الحدث؟
بداية أود أن أشكر موقع حركة التوحيد و الاصلاح على تغطيته لهذا التكريم الذي هو في الحقيقة تكريم للإسلام و للمرأة المسلمة و المرأة المغربية، و كما قلت في الصحافة الإعلام الدولي أن هذا التكريم لم يأت بجديد مع الدكتورة مريم ايت احمد و انما هو تجديد لتاريخ جدتنا فاطمة الفهرية التي بنت أول جامعة سنة 245ه من وقفها الخاص و استطاعت أن تخلد اسمها في دورات المنافسة العالمية، وتعرف بالقرويين المغربية اول جامعة في التاريخ الانساني، فالتكريم جاء في سياق تحكيم عربي ودولي عالمي ،تقدمت فيه بأعمال وجهود فردية إلى جانب مؤسسات عالمية ضخمة والتي تشتغل بميزانيات وطاقم ضخم و لها فروع في انحاء العالم، من مثل مؤسسة فتح الله كولن،ومؤسسة القيادات الدينية بكندا، ومؤسسة مبادرة السلام بالبوسنة ، ولجنة الحوار الاسلامي المسيحي بلبنان ،و الحمد لله بفضل الايمان بمشروع الاسلام وتقديمه بمقاصده الكونية الكبرى في كافة المنتديات الدولية التي كنت أحضرها بأعمال وكتب ومقالات واوراش تدريبية بالعربية و الفرنسية و الانجليزية، الحمد لله استطاعت هاته اللجنة أن ترشحني من ضمن الشخصيات الأكثر فعالية في مؤتمر حوار الأديان والثقافات العالمية
*هل تمت استضافتك فيأي من القنوات العمومية بعد هذا التتويج؟
يعني بخصوص الحدث طبعا واكبتنا في قطر وكالة المغرب العربي للأنباء مشكورة، وقد قرأت في الطائرة وأنا في طريقي للدوحة لجريدة العلم، وأخبار اليوم ،وجريدة الخبر والأسبوع الصحافي، ليبراتيون ،لوسوار،والمواقع الالكترونية العديدة ، الحمد لله في المغرب الصحافة لم تقصر، و قد كتبت الكثير عن تتويج الأكاديمية المغربية د.مريم أيت أحمد بهذه الجائزة العالمية، بالنسبة لقنوات الإعلام لا يمكن أن نحكم لازال الأمر في بدايته، ومواكبة هذا الحدث يبقى في إطار راية المغرب ورفع قيمة المغرب عالية، وتمثيليته في المنتديات العالمية للحوار بين الثقافات والأديان، تمثيلية تعزز دور المغرب التاريخي المشهود له كأرض لاحتضان التعايش الثقافي و الحضاري و الديني، ويبقى الأمر خاصا للإعلام في ما يراه مناسبا.
*كيف تفسرين هذا الانحياز الإعلامي و الذي يتهافت لتبريز البعض ممن هم محسوبون على تيار معينمقابل تهميشه لتيار آخر؟
كما هو معروف القضية لا تهم المغرب فقط بقدر ما تهم انحياز الوطن العربي لمجالات بعينها وتغليبها على المجال الثقافي والفكري، وبالتالي فالإعلام قد يحتكم لما يطلبه قانون العرض والطلب، فينحاز لما يطلبه المجتمع الفرجوي من تتبع مجالات بعينها قد تسليهم ،وتلبي رغبة بعض الاعلام التسطيحي،بعيدا عن التميز في مجالات البحث الأكاديمي والعطاءات و الكفاءات العلمية وإبرازها قدوة لجيل بأكمله ، أما في البلدان الاسيوية مثلا فهناك اهتمام كبير إعلاميا ، بالتميز الحاصل في حصد الشهادات العلمية العالمية ووإبرازها بتغطيات قوية في منابرهم الاعلامية والتلفزيونية. بالنسبة لنا يبقى خيار الاعلام، ضروري في الاهتمام بكفاءات المغرب المتميزة في كل المجالات،لأنه إذا لم يتم احتضانها وطنيا، هناك دعوات تهافت قوي تستقطبها من الخارج، وبالتالي قد تضيع منا في إطار اللامبالاة أو التهميش إلى الأبد.
*الشيخ يوسف القرضاوي أعلن مقاطعته لهذا المؤتمر، مبررا موقفه بحضور اليهود، فيما شارك عدد آخر من الشخصيات الإسلامية، كيف تنظرين إلى الأمر؟
أولا أعتبر رأي الشيخ يوسف القرضاوي موفقا شخصيا، وأنا أحترم رأيه الشخصي، وأيضا أحترم رأي العلماء الأجلاء الذين حضروا من حول العالم، ومنهم سماحة الشيخ على القرداغي الأمين العام للإتحادالعالمي لعلماء المسلمين وهو من افتتح المؤتمر، وهيئة التصالح الفلسطيي لأتباع الأديان،ومفتي لبنان الشيخ عكرمة صبري، وحضر في التكريم المفكر الاسلامي فتح الله كولون العلامة التركي، أحد المناضلين في الساحة العالمية عن الاسلام وبناء المؤسسات العلمية والتربوية ،والمفكر طارق رمضان، وجمال بدوي مؤسس المعهد العالمي للفكر الاسلامي، ومفتي فلسطين والصين وأوكرانيا وكوسوفا والبلقان والهند ومصر والأردن ، ورئيس جمعية المحمدية الاسلامية باندونيسيا والتي تضم أكثر من 40 مليون عضو،والمفكر الاسلامي طارق رمضان، وبالنسبة لي الحضور الاسلامي ضروري في مثل هاته اللقاءات لأنه يعرض حقائق ويحرج من يتلاعب بقضيته في المنتيات الدولية ، فلو تركنا الكرسي فارغا في أرضنا وملعبنا ،سنعطي فرصة لغير الأكفاء بتمثيل الاسلام وقد يسيئون اليه أكثر مما يدافعوا عن قضاياه، الأفلام الوثائقية التي عرضت من قبل اليهود في هذا المؤتمر دافعت عن القضية الفلسطينية وصورت مآسي الجدار والاطفال الفلسطينيين ومعاناتهم،والتعايش السلمي الذي حضوا به في المغرب ومصر والاندلس، فمشكلتنا اليوم أننالا نفرق بين اليهود و بين الصهيونية كمشروع سياسي استيطاني لا نقبله و لا نقبل الجلوس على موائده، و لكن لا يمكن الحكم على أتباع دين بأكمله عاشوا معنا تاريخيا ولايزالون نعتبرهم مواطننين يهود ومسيحيين في كافة انحاء الوطن العربي، واليوم عندما نتحدث عن حوار الأديان،لانقصد الأديان،فالأديان لا تتحاور ،وإنما الذي يتحاور هم أتباع الأديان. وقد تطرقت إلى هذا في أحدى جلسات المؤتمر، فمثلا إذا اعتدى أحد من المسلمين على الاخر،لانحب أن نرمى جميعا في سلة واحدة ويحكم على المسلمين جميعا بالارهاب كما حدث عقب احداث 11 سبتمبر ، كذلك لا نقبل بفعل عدوان صهيوني أن نحاكم كل أتباع هاته الديانة ونضعهم في سلة واحدة، وموقف الناطوري كارطا معروف برفعهم للعلم الفلسطيني لحد اليوم فوق بيوتهم وأحيائهم في فلسطين ورفضهم للإنتهاكات الصهيونية ، فمشكلتنا ليست مع اليهود وإنما مشكلتنا مع من يوظف الدين في السياسة ، ومن يشتغل لإشعار نار النزاعات بين أتباع هاته الديانات، نحن نعيش في مجتمع فيه انتماءات و تلاوين متعددة، فيها حمقى و فيها عقلاء، فعلى العقلاء من أتباع الأديان أن يجلسوا مع بعضهم، لأن هؤلاء العقلاء هم الذين يستطيعون أن يوقفوا فتن الأحقاد ونار العصبية بين أتباع الأديان، وإلا سيكون مصيرنا ما نراه في بورما و روهينغا بين أطياف أتباع الأديان، شعب مسلم يحرق ويذبح ونساء تغتصب وأطفال يشوون كالخرفان من قبل البوذيين بسبب انتمائهم الديني، عندنا مسلمون يعيشون في الغرب وهم مواطنون بانتمائهم الاسلامي كما غيرهم مواطنون بانتمائهم المسيحي أو الهندوسي أو…، فكيف يمكننا أن نقاطع الحوار، فعليا احترام اختيارات هذا التنوع الديني ،لانعيش لوحدنا في هذا العالم ،والاختلاف سنة من سنن الله ولو شاء لجعلنا أمة واحدة ، وبالتالي فالحوار ضروري شرعا وقانونا حتى أثناء القتال في الساحات ،تعقد موائد المفاوضات للحوار فضا لنزيف الدماء ووقف الحروب.
*في نفس السياق ما جدوى الحديث عن حوار الأديان خاصة في ظل تزايد الهجمات ضد المقدسات خاصة الإسلامية، الإساءة للرسول، تهويد القدس….؟
هناك خطا يقع فيه الكثير،وهو عدم التمييز في الحوار بين الأديان، بين حوار عقدي يجب أن يختص به الخبراء فقط، وبين حوار مجتمعي تعايشي يدعوا إلى إقرار السلم المجتمعي والأمن الروحي و الفكري في المجتمعات، مثلا الآن عندك عمارة في لبنان و الأردن و سوريا و المغرب وأوربا وأمريكا وآسيا ، هذه العمارة يسكنها بروتستانتي وأرتودكسي ، ومسلم، وكاتوليكي، ويهودي،وسيخي كيف يمكن أن يتعايش ويتساكن هؤلاء مع بعض ، من دون فاعلية الحوار التعايشي المجتمعي، قد يتحول السكن الى ساحة حرب واقتتال ، وبالتالي حوار الحياة اليومي مطلوب ، ولكن هناك حوار يختص به الخبراء في مجالات العقائد في مجالات الدفاع عن الإنسانية ككل، فمثلا عندك أسلحة الدمار الشامل، فعلى أتباع الأديان من الخبراء أن يقفوا وفقة واحدة لإيقافها على أعلى المستويات ، وعندك الفقر في عدم العدالة الاجتماعية، والحروب المعلنة باسم العرق أو الدين أو الطائفة والمذهب،واغتصاب النساء والبيع والاتجار في البشر،عندنا مشاريع مشتركة كثيرة ينبغي أن نوحد الجهود فيها دفاعا عن كرامة الانسان وإيقاف الاساءة الى الأديان ورموزها وانبيائها وكتبها، وإيقاف تهويد أو تمسيح معالم حضارية إسلامية بحجة الاستعلاء والاستكبار ،واليوم حينما نتحدث عن الحوار بين الأديان، وعدم قناعة الإيمان به فهو حوار م أجل الدعوة للإسلام والسلام والتسليم والطاعة والخضوع لله تعالى :” أدع إلى سبيل ربك” و “أدع” فعل أمر، إذن من سندعوا إذا كان القصد من حوار الاديان حوار ودعوة غير المسلم، هل سأدعو المسلم ، فهو مسلم أصلا ، فإذن نحن مأمورون أن ندعو الآخر إلى سبيل ربنا عبر الدعوة لعقد موائد الحوار بالحكمة و الموعظة الحسنة ، و الحكمة هي أعلى مراتب العلم، لذلك أقول إن حوار الأديان هو حوار العقلاء و حوار الخبراء حيث يكونون في أعلى مراتب العلم، و بالتالي أرى أن المسلم الذي يقف على أرضية صلبة من عقيدته و تاريخه و يدافع عن العقيدة الحق، لا يمكن أن يترك الكرسي فارغا بحجة المقاطعة لأنه مأمور من رب العالمين بالانفتاح بدينه ومبادئ شرعه على العالمين ،المسلم القوي عليه ان لايخاف من الحوار، يجلس بكل ثقة ويقارع الحجة بالحجة، ويحرج من يسوق لصور نمطية عن دينه ،فمن أسباب تزايد الصورة النمطية عن الإسلام في الإعلام الغربي هو أننا تركنا الكراسي فارغة، و بالتالي من يملأ هذا الكرسي؟ هل مستر جون وموسيو فرانسوا أم السيدة شارلوت ؟ هل يملأه من يسمى باسم الاسلام ويريد شرا به جهلا أو قصدا ؟ و بالتالي تكون النتيجة كارتية عن الإسلام ككل، فعلينا أن نتجند للمبادرة.
نحن نقف على أرضية صلبة، و الإيمان المنغلق إيمان مهزوز، لأن المسلم القوي يجب أن يكون قويا في كل المواقف، ويدافع عن حقوقه إن كان يطالب بها، لا يمكن أن نطلب من الآخر أن يأتي بحقوق المسلمين إذا تركنا كراسينا فارغة في هاته الملتقيات.
*في إطار فعاليات المؤتمر الدولي لحوار الحضارات والثقافات، ألقيت محاضرة بجانب عدد من الشخصيات الإسلامية المعروفة حول المناهج الدراسية ودورها في تعزيز قيم التعايش و الحوار حول الأديان، في نظرك هل المناهج الدراسية في المغرب تتماشى والتأسيس هاته القيم ؟
صراحة من خلال تجربتي مع موضوع حوار الأديان ، وجدت أن الحديث حوله يطوف به الكثير من المواقف الحساسة ، من كلمة الحوار أصلا،ذلك أن أغلب الأفكار تذهب الى أن الحوا رأجندة أخدنا فكرتها و جاءتنا من مناهج الغرب ، بينما الحقيقة هي أننا كنا سادة في تعليم ادبيات الحوارالديني والثقافي والحضاري عبر التاريخ، فأردت أن أوضح بالبحث الأكاديمي آليات الحوار والتركيز على أهميتها وأدبياتها وأصولها في القرآن الكريم، باعتبارها قد شكلت في مناظرات الحوار قمة في الكفايات التربوية والنفسية والمعرفية بمناهج جد راقية ، فألفت كتاب ” جدلية الحوار: قراءة في الخطاب الإسلامي المعاصر” ثم كتاب: “العلاقة مع الآخر في ضوء المشروع النهضوي الحضاري” لإثبات دعوة الاسلام للحوار مع الاخر هي ضرورة شرعية وواجب حضاري لفقه موازنات العلاقات الدولية في الاسلام ، ثم نزلت بكتاب: ” التنشئة الدينية و جيل مستقبل المعرفة”، للبحث في الطرق المنهجية التطبيقية لمناهج التدريس على احترام التعددية والقيم لجيل مجتمع المعرفة الذي اذا لم نرشده فقد يقع في متاهات كبرى لعدم استيعابه وترتيبه لمقاصد وغايات علاقته مع من يختلف معه سواء من الداخل ، أو من الخارج وحينما أتحدث عن الآخر فعندنا نوعان:
1- الآخر في الداخل الذي هو الذات
2- والآخر في الخارج.
فعندما أقول شيخي و شيخك حزبي و حزبك انتمائي الفكري أو المذهبي و انتماءك ، وأخرج عن قاعدة احترام من أخالفه في الرأي أو الاتجاه أو الحزب ،ولا أحترم خصوصيته في التنوع ، فهناك إذن مشكلة داخلية ستحدث شرخا مجتمعيا مستقبليا إذا لم نغرس قيم احترام الاخر في المناهج الدراسية والتربية الاسرية والاعلامية والمجتمعية ، و الذي لا يؤمن بالحوار مع ذاته، لا يمكن أن يؤمن بالحوار مع الآخر، نحن نريد بناء مجتمع مغربي بناء نهضة أمة ووطن، فقد نتخيل أن المجتمع سور نحتاج لبنائه ،قد لانختلف علىى وسائل البناء ،لكن القصد هو البناء وليس الهدم، مشكلتنا إذا لم نعترف ببعضنا البعض فلن يبنى هذا السور وبتالي ستظل ثقوب قائمة فيه، هذا في المجال الداخلي، أما في المجال الخارجي نحن نقول أن الاسلام “رحمة للعالمين” ، فكيف يستوي أن نوفق بين مقاصد الرحمة العالمية وبين مقاصد ادع الى سبيل ربك فنحن مأمورون بدعوة الاخر الى هذا السبيل، وفي نفس الوقت نعيش حالة نفور من الغير وانغلاق على الذات بدعوى عدم قبول الحوار لعدم اعترافنا بالاخر ، أعتقد أن الحوار بين أتباع الأديان باب من أبواب الدعوة الإسلامية وباب من مقاصد الشريعة الإسلامية، تصور معي مدى التأثر غير المسلمين في لقاء مع أكبر مؤسسة دينية في دالاسTHANKS GIVING ” واجتمع فيها أكثر من عشرين انتماء ديني …وحينما حدثناهم عن مقاصد الشريعة وعن الضروريات الخمس، وعن جلب المصلحة و درءالمفسدة، لا تتوقعون مدى التأثير الذي عبر عنه الحضور ،وقالوا لم نكن نعلم أن الإسلام يدعوا إلى قمة العدالة الاجتماعية في حفظ العقل و حفظ العرض وحفظ المال، وأن هناك كل هذه المقاصد الكلية في الإسلام،لأن الاعلام الأصفر الموجه جعلنا نأخذ فكرة جاهزة في الحكم عليه،السؤال المطروح اليوم هو كيف نسوق نحن أبناء وبنات هذا الدين أكاديميا بعيدا عن لغة العواطف والمظاهرات فقط، فنحن نعيش زمن المنافسات الحضارية العالمية، منافسات تعتمد قانون البقاء للأقوى و الأصلح و الأنفع، كيف نسوق لرقي حضارتنا الإسلامية وسط هذا الكم الهائل من الثقافات والأديان والايديولوجيات العابرة للحدود مع وسائط الاتصال ،هذا هو دورنا لا أن ننغلق بدعوى رد الحوار ورفضه ، فمشكلتنا أننا نرفض الحوار أحيانا، وحين تقع مشكلة في الوطن الإسلامي نقول أن ديننا هو دين التسامح و دين الحوار، لكننا نوقفه في مراحل معينة، فينبغي أن نكون على مبدإ واحد وأن ديننا دين التسامح و الحوار مع الآخر ونقولها بقوة و بكل صراحة و لا نتخوف من أي كان لأن هذه هي عقيدتنا و هذا هو إيماننا وهذا ما تطرقت إليه في عدد من المحافل ليس لدينا عقدة ولن نسيئ للأنبياء، لأن إيماننا ينتفي إذا أسأنا إليهم، وذلك لأن الإيمان هو أن تؤمن بالله وملائكته و كتبه ورسله، وإذا أسقطنا الإيمان بالكتب و الرسل انتفى إيماننا، فالمسألة إذن واضحة.
*مع تزايد قيم الدعوة إلى الحريات الفردية، و التي تصل في بعض الأحيان إلى حد التطاول على المقدسات، ما هي حدود الموازنة بين الحرية والتسامح و قيم احترام المقدسات الدينية؟
نحن عندنا أمثلة جد واضحة في الإسلام، أعطيك مثال الصوم لي و أنا أجزي به، بمعنى أنه أعطاك قمة الحرية الفردية لك أن تصوم و لك ألا تصوم، فإذا كان إيمانك ضعيفا و أردت ألا تصوم فهذا يبقى بينك و بين الله، لكن إذا خرجت إلى المجتمع لتحرض على عدم الصيام فهناك تكون مشكلة هذه حدود الحرية الفردية، فالحرية الفردية مكفولة لك في الإسلام، أن يبقى الاثم بينك و بين الله، لأنه سبحانه تعالى الوحيد المتكفل بدينونتك وحسابك ، لكن حينما تخرج الحرية الفردية عن إطارها الشرعي والنزول إلى الشارع لتحريضه بأكمله هنا يتم التدخل بالقضاء والتشريع لأن الخروج فيه زعزعة الأمن الروحي للأخرين.
*أصدر مؤخرا المجلس العلمي الأعلى فتوى جواز قتل المرتد، مما خلف نقاشا مجتمعيا الغلب فيه هو الطرح الإيديولوجي و السياسي، مع العلم أن موضوع الردة قد ناقشه العديد من العلماء كان آخرهم الأستاذ أحمد الريسوني، ما هي قراءتك أنت لهذه الفتوى؟
هناك قولين في موضوع الردة والذي سالت حول محوره العديد من أقلام حقوقية وتشريعية واستشراقية ، اتجاه استندت إليه الأحكام في الفقه ، فحكم المرتد هو القتل كما هو معروف. واستند الفقهاء في ذلك إلى حديث: “من بدَّل دينه فاقتُلوه”.وهناك اتجاه آخر فسر هذا الحكم الفقهي، وفق السياق التاريخي للحادثة، معتبرا أن قتال المرتدين زمن خلافة أبي بكر واقعة تاريخية لاشك فيها. ومن هناك كان لابد من التمييز بين المرتد الذي يغير دينه كشخص ليست له أية دوافع أخرى غير اقتناعه الشخصي الديني، وحكمُه، كما ورد في الآيات القرآنية: “وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (البقرة 217)، وقوله: “إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (آل عمران 77)، فالحكم عقابٌ أخروي لا غير. أما المرتد بدافع خارجي، خارج مجال الاعتقاد المحض، فشيء آخر، وهذا ما حدد بـ”خاص الخاص” في هذه المسألة. ذلك أن المرتدين الذين حاربهم أبو بكر بوصفه رئيساً للدولة لم يكونوا مجرد أشخاص غيروا عقيدتهم، ، بل كانوا أناساً أعلنوا التمرد والعصيان المدني على الدولة، فامتنعوا عن دفع الزكاة بدعوى أنها كانت التزاماً منهم للرسول عليه الصلاة والسلام وحده دون غيره، فجهزوا أنفسهم للإنقلاب عليها،. فـ”المرتد” بهذا المعنى والاتجاه ،هو من خرج على الدولة ، إسلامية كانت أو غير إسلامية، “محارباً” أو متآمراً أو خائنا أو جاسوساً للعدو… وقد كتبت مقالا في هذا الموضوع (الحرية الدينية في الأديان السماوية) تطرقت فيه لتفاصيل هذا الموضوع لمجلة قضايا اسلامية سنة 2009سأعيد نشره قريبا .
*في نفس السياق المتتبع للمشهد المغربي، يرى تدافعا مجتمعيا يصير في بعض الأحيان حد الصراع، خاصة بعد الإساءة للرسول من خلال اتهامه بالإرهاب، لكن الطرف المدافع عن الإسلام غالبا ما يتسلح بالعاطفة بدل النقاش العلمي، ماهي قراءتك للأمر؟
نحن حينما نقر بدخولنا إلى عالم الوسائط المتعددة وتكنولوجيا التواصل وجيل مجتمع المعرفة سنجد أسئلة كثيرة لقضايا الصراع واستفزاز أكثر من هذا النوع يحير الشباب ،ومن حق جيلنا علينا ان يسائلنا عن إيجاد أجوبة وحلول مقنعة لها، لكن للأسف الشديد، تبقى بعض النخب في مصاف المتفرج ـليتجند لهافي غياب أقلام اكاديمية معرفية، بعض الاتجاهات الموجهة نحو تحقيق مصداقيتها الايديولوجية، و تدخل المسألة في سياق الفعل و رد الفعل العاطفي، في حين ما نحتاجه اليوم هو نزول الأقلام المفكرة ونزول النخب الأكاديمية إلى ميدان البحث العلمي لإعطاء أجوبة شافية، لجيلنا التائه وسط انجذاب التحيزات،بدراسات تنطلق من سياقاتها الدينية والتاريخية والمعرفية في إطار رؤية إستراتيجية لمثل هذه المواضيع ، وبالتالي ستكون نتائج كارتية لأننا سنولد صراعات في المجتمع قد لا نجد لها حلا بعد ذلك، أظن أن مواضيع الفكر الإسلامي ،تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى النزول إلى مختبرات الفعل و مختبرات البحث لأن مقاصد الشريعة في حفظ العقل ،لم تركز فقط على حفظه ،من السكر المؤقت ،لكن أيضا حفظه من الجمود والوهن والركود والتكلس،نحن تركناه جانبا لمدة قرون وأبناءنا اليوم حينما يسألوننا عن أسئلة نجيبهم بأجوبة القرون الماضية، فكيف يعقل أننا لا زلنا ندرس في الفكر الاسلامي أبناءنا جيل الألفية الثالثة مشاكل المعتزلة والخوارج ،طبعا هذه قضايا كانت في وقتها ودافع علماء الكلام عنها لأنها جاءت في سياقها وتجندوا لترجمة الفلسفة اليونانية ووضعوا لهم آليات للدفاع عن الإسلام، عندنا اليوم مشكلة الفقر والتنمية و البيئة، ومشكلة الشباب والفاعلية والحضور في بناء المشروع الثقافي لحضارتنا ،عندنا مشكلة البطالة و مشاكل المرأة و العنوسة والطلاق، عندنا قضايا الحروب واغتصاب النساء في الحروب و التهجير هذه كلها تدخل في قضايا الفكر الإسلامي المعاصر يجب إيجاد حلول لها.
*أخيرا أستاذة ماهي المشاريع المستقبلية التي تودون القيام بها في مركز إنماء للدراسات المستقبلية خاصة بعد هذا التتويج؟
الحمد لله المناهج الدراسية في الجامعة التي أدرس فيها كان ثمرة للعديد من الأفواج التي تخرجت وكانت لا تؤمن بمبدأ الحوار مع الآخر، لكن الحمد لله بفضل الاجتهاد لتأصيل أدبيات الحوار من زاوية الرؤية الشرعية والواجب حضاري والرؤية الاستراتيجية لمستقبل العلاقات الدولية في الإسلام، أما بخصوص مركز إنماء للدراسات المستقبلية ،جاءت فكرته نتيجة الاحساس على مدى تقريبا 17 سنة من الحضور في المؤتمرات الدولية حول العلم بعدم وجود فرق بين بعض النخب و العوام في تشخيص الحال دون تطرق للبدائل، فالعوام يشتكون من الوضع المجتمعي والثقافي والاقتصادي بلغة بسيطة، والنخبة تشتكي من نفس الحال بلغة أرقى لكن دون تقديم بدائل، فمن تم كان اهتمامي بالدراسات المستقبلية على أساس أن كل موضوع ينبغي أن نتطرق له كنخب ،علينا أن نضع الحيثيات الدراسية والاحصائية لتشخيص الحال ثم عرض البديل وطرح أفكار تعالج الازمات ،بدل من الوقوف عليها لسنوات ،علينا أن نهتم بمجال الدراسات المستقبلية في الجامعات والمعاهد والمؤسسات،ونقدم دراسات نعالج فيها أزمات الواقع و نستشرف فيها المستقبل ، لذلك جاء مركز إنماء للبحث في مشاريع تهم الدراسات المستقبلية في في قضايا المجتمع الفكر الثقافة التربية مناهج التدريس ،واقع المرأة و الشباب وأيضا في قضايا الاقتصاد وتنمية مجتمعنا ،وهنا أنوه بالجهود التي بذلها مشكورا المفكر الاستراتيجي الدكتور المهدي المنجرة شفاه الله وعافاه ،الذي تعلمنا على يديه الكثير و قدم للعالم الاسلامي الكثير في هذا المجال، عندنا نذرة و غياب لهذه الدراسات التي نحتاجها اليوم، والتي يوليها الغرب اهتماما خاصا فيما يسمى think tank مراكز التفكير المستقبلي، نحتاج مزيدا من التمكين لدعم هاته المراكز وطنيا ، لأنها تخدم الوطن بالدرجة الأولى وبالتالي يكون من المفيد دعمها، خاصة وأن المغرب و الحمد لله بلد منتج استطاع أن يحقق في المنابر العالمية مراكز عالية في الفكر و في الفهم وفي الدراسات الاستراتيجية، وقد التقيت بمغاربة في كاليفورنيا وفي سان ديغو ونيويورك وأوربا وآسيا وبعض الدول العربية، ما شاء الله وصلوا إلى مستويات كبيرة في موضوع think tank ومستعدون لخدمة وطنهم المغرب بقدراتهم و كفاءاتهم فما علينا إلا أن نزيد من اهتمامنا بهذه الدراسات.
أجرى الحوار: يحيى شوطى
تصوير: عبد الرحيم بلشقار
Comments: 0