البرامج والمسابقات الثقافية.. هل تساعد على إثراء المعرفة تحدي القراءة .. عندما يكون الكتاب مضماراً

السبت 12 جمادى الثانية 1438 الموافق 11 مارس/آذار 2017 وكالة معراج للأنباء الإسلامية

يتميز ديننا الإسلامي الحنيف بأن أول آية نزلت على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هي قوله تعالى: (إقرأ باسم ربك الذي خلق)، وهذ دليل على أهمية القراءة التي يجب أن تنطلق من المنزل إلى المدرسة وتصبح فعلاً حياتياً لكل فرد من أفراد المجتمع، ربما في السنوات الأولى للتأسيس وبسبب عدم انتشار التعليم كانت القراءة محدودة لفئة من الناس، ولكن ومع التطور الذي تعيشه البلاد، وانتشار التعليم في كل أرجاء المملكة، بدأ التكريس للقراءة، وتحفيز كل فئات المجتمع للقراءة، من ذلك ما قامت به وزارة التعليم بتحفيز الطلبة على القراءة، من خلال مسابقة “تحدي القراءة” التي عممت على جميع المدارس وهي جزء من مشروع عربي للتحفيز على القراءة، هذا المشروع كان له الصدى الطيب في جميع الأوساط التعليمية، حيث حصل بعض الطلبة والطالبات على جوائز للتميز القرائي، وهنالك مشروعات أخرى في المملكة ربما أبرزها مشروع تجديد الصلة بالكتاب الذي تبنته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ومشروع “أقرأ” الذي تبتنه أرامكو، بحسب الرياض.

الرياض تفتح ملف تحدي القراءة، بستضافة عدد من المهتمين بهذا المجال.

تشجيع القراءة

في البداية، أكدت د. هيا العواد -وكيل وزارة التربية والتعليم للبنات- على أن الوزارة تعمل كمنظومة متكاملة لتشجيع القراءة وتعزيز مهاراتها ومهارات الفهم واستيعاب المقروء، موضحة أن المنظومة تشمل نشر ثقافة القراءة لدى الطلاب والطالبات بوسائل عدة، مشيرة إلى أن المسابقات تعد أحد عناصر هذه المنظومة.

ونوهت د. العواد عن مشاركتهم في عدة مسابقات للقراءة، كمسابقة «أقرأ» بالتعاون مع شركة أرامكو، حيث لها عدة فروع منها: «قارئ الجمال» وهي لأجمل صورة إبداعية تعبر عن القراء، و«قارئ العام» وهي لأفضل إلقاء إبداعي معبر عن مضمون كتاب، ومسابقة «تحدي القراءة العربي» التي تتطلب قراءة ٥٠ كتاباً وتلخيصها والخضوع لمناقشة محتواها من خلال لجنة تحكيم، مضيفة أنهم أيضا يشاركون في «الأولمبياد الخليجي للغة العربية».

وأشارت د. العواد إلى أن هذه المسابقات تعد بمثابة حافز وداعم للمنافسة في مجال القراءة وتعويدهم عليها وجعلها من الممارسات اليومية «فإذا تعود الطلاب من سن صغيرة على القراءة في مختلف المجالات خارج المقرر الدراسي سيجدون بلا شك من المتعة والفائدة ما يجعلهم دائماً في شوق للاستزادة».

قيمة القراءة العليا

ومن جانبه يرى د. عبدالله السفياني – عضو مجلس الشورى ومدير الموسوعة العالمية للأدب العربي- أن مسابقات القراءة بكافة أنواعها الموجودة حالياً ليس من أهدافها صناعة قارئ قوي ومتميز بل هي تظاهرة ثقافية جميلة تشير بشكل أو بآخر إلى قيمة القراءة وأهميتها، مؤكداً أن القراءة في حد ذاتها قيمة عليا يجب أن تسلط عليها الأضواء وأن تكون في قائمة اهتماماتنا وأولوياتنا الحياتية، منوهاً أنه حين يكون هناك مسابقات وجوائز في مجالات هي أقل بكثير من القراءة وتبذل فيها أموال طائلة واحتفالات كبيرة «فإن القراءة أولى وأجدر بهذا».

وأشار د. السفياني إلى أن بعض المثقفين ينتقد هذه المسابقات ويقول إنها مجرد ظهور إعلامي ولا تصنع قراءة ولا ثقافة بل هي موضة عابرة «ومع احترامي الشديد لهؤلاء إلا أنني أخالفهم الرأي تماماً»، مبينا أنه حتى وإن كانت طبيعة المسابقات الأجواء الإعلامية المصاحبة لها «إلا أنها تسهم بشكل ملحوظ في لفت أنظار الشباب خاصة إلى قيمة القراءة وأهميتها»، مشيراً إلى أن المؤسسات الإعلامية والثقافية يصنعون نجوماً في الفن والمسرح والرياضة وغيرها، متسائلاً لماذا لا نصنع نجوما في القراءة وندفع بالجيل إلى المكتبة عن طريقهم؟

وذكر د. السفياني أن القراءة لا تأتي إلا بخير إذا صاحبها وعي وتوجيه غير مباشر وتدريب على مهاراتها العليا «لذلك فأنا مع هذه المسابقات وأدعو إلى زيادتها وتفعيلها مع ضرورة أن يقوم عليها قراء حقيقيون وأن تحاول الابتكار والإبداع والبحث عن الطرق التنافسية المميزة التي تدفع بشبابنا إلى عالم الكتب»

بعيداً عن الشهرة

وتحدثت مها الجار -الفائزة في تحدي القراءة العربي على مستوى المملكة- أن هذه المسابقات تعد حافزاً للقراءة «لمن يصر على أن يجعلها عادة له، أو من كانت في الأصل عادة لديه»، مبينة أن من يشارك بهدف «الشهرة أو الجوائز» لن يستفيد من الأهداف التي وضعت من أجلها المسابقة، مشيرة إلى أن هذه المسابقات تنافسية بطبيعتها مما يجعلها محببة «فهي تساعد على انتشار القراءة في المجتمع»، مقيمة التجارب السابقة بالناجحة، معللة ذلك في زيادة أعداد المشاركين عاماً بعد عام «والحماس الذي يجتاح الطلاب المشاركين في خوض هذه التجربة»

وأكدت الجار على أن تطوير مهارات التواصل اللفظي والجسدي، والحوار البناء والنقدي، وكيفية اتخاذ القرارات، والمهارات المعرفية، وحب المنافسة هي أبرز ما يميز «تحدي القراءة العربي»، منوهة «من تجربتها الشخصية» إلى عدم إعطاء المشاركين الوقت الكافي قبل بدء المنافسة، وعدم تشجيع ودعم المشاركين أو الفائزين بشكل يليق بهم ويشعل حماستهم، وإلزام التنقل بين الدول «للتحكيم» بدون تغطية تكاليف السفر لولي أمر المشارك تعتبر أهم المآخذ عليها.

وأشارت -الفائزة في تحدي القراءة العربي على مستوى المملكة- إلى أن أعداد المشاركين في تزايد مستمر كل عام مما يدل على أن هذه المسابقات آتت أُكلها، ملفتة أن هذه الأعداد تحتاج إلى دعم وتشجيع وتدريب قبل كل شيء.

وأوضحت انه يمكن لمس الأثر الإيجابي لهذه المسابقات من خلال «زيادة الإقبال على المشاركة فيها، وارتفاع مستوى المشاركة، وقوة التنافس»، مبينة أن الوزارة ستعمل هذا العام على إقامة معارض للكتاب للطلاب في الرياض وجدة والدمام وتبوك، متعاونة مع اتحاد الناشرين السعوديين وشركة التوزيع الوطنية، ومتوقعة أنه سيكون لهذه المعارض دور كبير في نشر ثقافة القراءة وحصول الطلاب على مختلف أنواع الكتب من الناشرين بأسعار معقولة، مشيرة إلى أنه بعد تقييم التجربة «ستعمل الوزارة في الأعوام القادمة بإذن الله على التوسع في إقامة هذه المعارض في مناطق أخرى»

مفهوم القراءة العميق لا السطحي

فيما أشار د.عبدالحق الطيب هقي –كاتب وباحث وإعلامي- إلى أن القراءة هي بوابة الأمم نحو الحياة ونافذة المجتمعات على التفاعل والإثراء في ظل عوالم متقلبة، مبيناً أن مفهوم القراءة العميق لا السطحي «القائمة على الوعي والمُنتجة»، مشيدًا بالمبادرات المتعددة الحاثة عليها والقائمة على تكريس حضورها في المشهد العام، موضحاً التفاوت في الرؤى والخطط والتنظيمات والآليات المستخدمة وجودتها وفاعليتها، مؤكداً على أن لتلك المنافسات من إيجابيات تنعكس على الفرد والمجتمع، متخوفا من تحول هذه المبادرات «خصوصا الجادة منها» إلى مجرد مهرجانات واحتفالات موسمية.

مضيفاً: والأخطر أن تخرج تلك الفعاليات من سياق التنافس القائم على طلب المعرفة وإثراء الفكر، إلى منافسات قائمة على الإثارة الإعلامية، وما يهواه جمهور في الغالب عازف عن القراءة.

وأوضح د.عبدالحق أن تقييم تلك المبادرات «يبدو سابق لأوانه»، مرجعاً السبب لحداثة «أغلبها»، ولمشروعات توسعها سواء من حيث «الفلسفة القرائية أو الامتداد الجغرافي»، مشيراً إلى أن ذلك يحث المتخصصين لتقويمها بالنقد البناء، لا مجرد مدح مغال أو انتقاد محبط، منوها إلى أن الأهم هو تشكيل «رؤية قرائية حديثة» لتلك المبادرات تتناسب وعصر شبكات التواصل الاجتماعي «إذ عليها ألا تكتفي بإدراج القراءة على تطبيقات الأجهزة الذكية كتحدي لاستمرارها لدى الجيل الجديد، وإنما وعي البيئات الجديدة ومنظوماتها لتشكيل تصور قرائي يتجاوز الحضور إلى الفاعلية»

مظاهر القراءة

وفي السياق ذاته ذكر د.محمد البشير –مشرف على نادي نوافذ للقراءة- أنه «في مجتمعنا الذي لا ترى فيه مظاهر معلنة للقراءة» لا شك أن أي مبادرة تكون حسنة «ولو لم تجنِّ منها ثمرة كاملة»، مشيراً إلى أنه يكفي «مجتمع جائع» ربع تفاحة لعله يطمع في المزيد، وحسبها أن تكون الطُّعم الذي به تصطاد «فمن التقم طُعم القراءة لن ينفك عن الكتاب»

وأضاف د.البشير أنه لجعل مجتمع بأكمله يتنفس القراءة «لابد من جهد جمعي في المدرسة والجامعة والعمل والسوق والمستشفى والمسجد والقطار»، ومؤكداً على أن مجتمع لا يجعل حب الكتاب هدفاً يحققه ابتداء من المدرسة «فلا رجاء أن يشيع فيه حب القراءة»، منوهاً على ظهارة التخلص من الكتب نهاية كل فصل دراسي للطلاب، الانتشار يحتاج لجهد جمعي، مجتمع بأكمله يتنفس القراءة، في المدرسة، الجامعة، العمل، السوق، المستشفى، المسجد، القطار.. كل مكان دون استثناء، وأما مجتمع لا يجعل حب الكتاب هدفاً يحققه ابتداء من المدرسة! فلا رجاء أن يشيع فيه حب القراءة، فحسبك بتظاهرة التخلص من الكتب نهاية كل فصل دراسي؛ لتعلم مدى علاقة الطالب بكتابه، وحسبك أن المعلم آخر عهده بالكتاب، فور تسلمه وثيقته الجامعية، وأما مثل تلك المشاريع والمسابقات، فحسبها أن تستقطب شريحة صغيرة في المجتمع، لعلها أن تصنع منهم قراء يُصنَع التغيير على أيديهم ذات يوم.

وعن تقييم بعض المبادرات والمشاريع القرائية يقول د. البشير: عندما نقيس الأثر على المتسابقين؛ نخرج برضا تام، فحسبك بنتائج مسابقة (أقرأ) على سبيل المثال، وفاعلية نسبة ممن تخرجوا في وسائط التواصل الاجتماعي، وحسبك بالأثر على الشخص في بناء تكوينه الثقافي والمعرفي، فَلَو كانت الثمرة ما ذكرت؛ لقلنا أن المكاسب عظيمة، وجديرة بالاحتذاء، والتنافس على صنع المزيد من المشاريع المشابهة، وتطويرها بجهود المخلصين للكتاب.

وحول سلبيات وإيجابيات تلك المبادرات يرى أنه ربما لو حصرنا السلبية في المتسابق لا المسابقة لكان أولى، فإن ترتفع الأنا عند شخص جاهل بكثرة ما لديه؛ لا يُعد ذلك سلبية في الفعالية بقدر انحراف سلوك شخص في تعامله مع ما يقتضي التواضع، وأما إيجابياتها فبحر يغمر كل صغيرة من السلبيات.

ويختتم حديثه حول أثر تلك المبادرات بقوله ربما لا نستعجل الثمرة، فتغيير سلوك مجتمع؛ يحتاج صبراً وتضافر جهود، واتخاذ ذلك هماً جماعياً يشارك في صنعه كل الجهات الحكومية وغير الحكومية، الأفراد والمؤسسات، الرجال والنساء، الصغار والكبار دون تمييز، ولكن حسب تلك المبادرات أن زهورها تفتحت مبشرة بثمر ذات يوم.

وكالة معراج للانباء الإسلامية

اقرأ أيضا  بطريرك القدس يدين الإساءة إلى الإسلام والنبي محمد (ص)
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.