فتوى منع زواج صغيرات أندونيسيا
جاكرتا (معراج) – أعود مرة أخرى لتكملة موضوع نساء إندونيسيا العالمات والكونغرس الذي جمع شمل كل عالماتها من أطراف جزرها ومدنها اللاتي بلغن بين الألف والسبعمائة عالمة، اجتمعن في شيربون Cirebon (شمال شرق جاكرتا) في جزيرة جاوة، مع عدد من النساء المختصات في الشأن الفكري النسوي الإسلامي من دول أخرى لنشهد هذه الظاهرة الفريدة من نوعها والتي تختص بها أكبر دولة إسلامية سكاناً خلال الفترة بين 24 و27 أبريل من هذا العام 2017. وقد افتتح هذه التظاهرة نائب وزير الشؤون الدينية الإندونيسي في جامعة الشيخ نورجاتي الحكومية التي قدمتُ فيها مشاركتي ضمن سمنار عالمات العالم الإسلامي، واختتم فعالياتها وزير الشؤون الدينية، لقمان حكيم سيف الدين، في بيسانترن (مدرسة التحفيظ الداخلية التقليدية) بندق كيبون جامبو Kebon Jambu بمدينة شيربون، الذي باركَ ما انتهت إليه مشاركة النساء الدينية من إصدار ثلاث فتاوى مبنية على البحث المكثف للدليل الديني ومنهجيته والمصلحة والمنطق، ووعد الوزير بتبني إحداها وهي فتوى تحديد سن زواج الصغيرات وعرضها على حكومته.
وقد كانت القضايا الثلاث التي قررت العالمات تناولها هي الإيذاء الجنسي ضد النساء، الإضرار بالبيئة، وزواج الصغيرات. وقد شاركتُ في مناقشات القضية الأخيرة وتابعت الآلية التي اتبعتها القائمات على الفتوى بعد أن أخذت الغالبية من النساء وبعض الرجال المواقع في أطراف ووسط وجوانب إحدى قاعات المسجد الرئيسي في مدرسة البيسانترن الذي تملكه وتديره السيدة العالمة الحاجة مسريه أمفا بسبعمائة طالب وطالبة. فهناك من وجدت لنفسها مكاناً على البساط المفروش ومن وجد لنفسه زاوية عند إحدى النوافذ التي تفتح على اشجار القرية الاستوائية أما أنا فقد حصلت على موقع أرضيّ مناسب لمشاهدة الشاشة التي تُسجل عليها موثِقة الاجتماع كافة الآراء والملاحظات بينما تدير الجلسة إحدى العالمات الجامعيات بعرض قائمة من الأسئلة المرتبة منطقياً لتجميع كل الحجج التي تدعمها باستراتيجية البحث في فكرتي: المنع والحماية، أي كيف يمكن منع استمرار زواج الصغيرات وكيف يمكن حمايتهن. ابتداء من الاستدلال من الكتاب والسنة والسيرة، ثم ما يتفق مع مفهوم المصلحة في الإسلام، مع استخدام الحجة العقلية والمنطق واستدلالات العلل الاجتماعية والنفسية والصحية. وخرجن بعد نقاش استغرق اليوم كله جمعن فيها كل الأدلة التي جمعت وصيغ منها نص الفتوى الذي خرج محكماً بالمنهجية الشرعية التقليدية الممزوجة بالنقد العلمي والاجتماعي والنفسي، بحكم أن منع زواج الصغيرات تحت سن الثامنة عشرة “واجب” شرعاً. وقد حظيت الفتوى بتغطية إعلامية مكثفة لنجاحها في تسليط الضوء على هذه المشكلة لاسيما أمر تبني وزير الشؤون الدينية الإندونيسي لها.
د. هتون أجواد الفاسي
وكالة معراج للانباء الإسلامية
Comments: 0