الربيع التركي… الانتفاضة الشعبية في تركيا: أهي ربيع، أم خريف تركي؟!!!

الثلاثاء 02 شعبان 1434 الموافق 11 حزيران/ يونيو2013. وكالة معراج للأنباء (مينا).
 

الدكتور إبراهيم أبو جابر – باحث في مركز الدراسات المعاصرة
مدخل
تشهد تركيا الجديدة، إن صح القول، منذ تسلم حزب العدالة والتنمية السلطة فيها، حالة من الاحتقان الداخلي، غير ملموس على المستوى العالمي.هذا الاحتقان والتأزم في المواقف يجري بين الحزب الحاكم بزعامة رجب طيب أردوغان، ذي الميول الإسلامية، وبين الأحزاب والحركات والمؤسسات العلمانية والقومية التركية الأخرى، ذات التوجهات الغربية المعادية لما يسمى بالإسلام السياسي.
واليوم يبدو أن ورقة التوت قد سقطت عما كانت تعانيه تركيا من أزمة واحتقان داخلي، من خلال خروج آلاف الأتراك المعارضين لسياسة أردوغان وحزبه إلى الشوارع في كبريات المدن التركية وتحديدا في اسطنبول (في ميدان التقسيم الشهير الذي يحوي نصب الاستقلال الضخم)، وفي العاصمة أنقرة.
هذه الانتفاضة التي قد يعبّر عنها البعض ب”ثورة ” إن استمرت وتعاظمت، أشبه ما يكون حالها ما حصل في بعض الأقطار العربية (دول الربيع العربي)، لأن بداياتها شبيهة إلى درجة عالية بانطلاقة الثورات العربية في تونس ومصر وسوريا…الخ.
المهم هنا هو: هل الحاصل الآن في تركيا ربيع تركي، أم خريف تركي؟؟؟ لان الأمور مركبة جدا، وهناك بالتأكيد اختلاف بائن في الرؤى في الشارعين العربي والإسلامي !!! هل هي ثورة مضادة على الربيع التركي السلمي والسياسي الذي بدأه أردوغان وحزبه، بعد نهجهم أسلوب تغليب النهج الإسلامي على العلماني مثلا، وما لهذا الطرح من أبعاد تركية محلية وأخرى إقليمية وعالمية؟؟؟

أسباب الحراك الشعبي التركي الحالي:
لا شك أن المعارضة التركية لم تكن راضية عما فعلته وتفعله به الحكومة التركية الحالية بزعامة أردوغان، وقد عبّرت عن رفضها لسياساته أكثر من مرة، عبر المظاهرات والصدامات أحيانا في كبريات المدن التركية، أو عبر وسائل الإعلام المختلفة، وبالذات بعد موقف تركيا الواضح مما يدور في بعض الدول الإقليمية مثل دول الربيع العربي؛ ولهذا فإن أهم ما أزعج المعارضة التركية ما يلي على سبيل المثال وليس الحصر:
أولا: موقف تركيا المؤيد للثورة السورية ودول الربيع العربي، ودعمها للثورة السورية، وتحملها تبعات ذلك من خلال السماح لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين بعبور الأراضي التركية، وما يعني ذلك من تحمّل مسئوليتها الإنسانية والأخلاقية؛ وهذا بحد ذاته تعتبره المعارضة على حساب المواطنين الأتراك ؛إضافة إلى التفجيرات الأخيرة التي وقعت في قرى ومدن تركية حدودية مع سوريا أودت بحياة عشرات المواطنين الأتراك!!!
ثانيا: الصلح مع حزب العمال الكردستاني، وطرح أردوغان الداعي إلى تنمية الإقليم التركي، وهذا بحد ذاته لم يرُق للمعارضة التي ترى في حزب العمال عدوا لدودا للشعب التركي؛ ثم ترى من جانبها أن أردوغان قد ساوم على دم الأتراك، مدنيين وعسكريين ممن سقطوا بنار كردية!!!
ثالثا: موقف حكومة أردوغان الواضح من العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، وطرحه المنحاز تقريبا لصالح الفلسطينيين والقضية الفلسطينية لا بل والحركات الإسلامية الفلسطينية وبالذات حركة حماس في قطاع غزة.
فتركيا العلمانية كما نعلم كانت من أوائل الدول اعترافا بالكيان الإسرائيلي عام 1948، ولهذا فالمعارضة العلمانية ترفض مواقف أردوغان المعادية للكيان الإسرائيلي، وتعتبر العلاقة مع الكيان قضية إستراتيجية في الإقليم؛ولهذا فقد صرحت أطراف معارضة أكثر من مرة أنها ستعمل فور تسلمها الحكم على إعادة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى سابق عهدها!!!
رابعا: نجاح حكومة أردوغان في تهميش دور العسكر، وتحجيم دوره في التدخل في السياسة، الأمر الذي اعتبرته المعارضة العلمانية أمرا خطيرا وضربة قاضية للنهج العلماني الذي وضعه أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة على حد تعبيرهم، ولهذا خطط هؤلاء والجيش للإطاحة بحكومة أردوغان، وتآمروا عليه أكثر من مرة من خلال زرع أجهزة تجسس، وتلفيق بعض التهم للنيل من شعبيته!!!
خامسا: النهج الإسلامي الملموس الذي يحاول أردوغان والرئيس التركي عبد الله غول تسويقه في الشارع التركي، والذي بدأ من خلال السماح بعودة الحجاب في الجامعات التركية، وقانون الخمر الأخير، وتعليم اللغة العربية وزيادة الاهتمام بتعليم الدين الإسلامي، والعناية بالرموز الإسلامية، وتبني قضايا بعض الشعوب الإسلامية مثلما الحال في قضية المسلمين في ميانمار(بورما) وفقراء الصومال الخ
إن النهج الإسلامي هذا من قبل حكومة أردوغان تمثل أيضا في الاهتمام بصيانة الآثار الإسلامية العثمانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا بل عبّر قادة الحزب أكثر من مرة أنهم يفتخرون بأصولهم العثمانية الإسلامية.
هذه الأمور وغيرها لا شك أنها أثارت حفيظة العلمانيين الأتراك وجعلتهم يشعرون بأن علمانية أو إرث زعيمهم الروحي المقبور أتاتورك في خطر، لا بل ستجد نهايتها إن لم تنتفض!!!

انعكاسات الحراك الشعبي التركي محليا وإقليميا وعالميا:
الانتفاضة الشعبية التركية، إن تواصلت واستمرت واتسعت لتشمل باقي الأقاليم التركية، وتحديدا الفقيرة منها، وإن وجدت صدى لها أيضا في أوساط قوى تركية أخرى قومية تحديدا أو عرقية (لواء الاسكندر ون العربي-العلوي)، فلا شك أنه ستكون لها إسقاطات كثيرة ومؤلمة على جميع المستويات.

1- المستوى المحلي (تركيا)
إن استمرار الأحداث وارتفاع وتيرتها في تركيا، قد يدفع بالحكومة التركية إلى التصدي لها بقوة إن رأت أنها تهدد أمن وسلامة المواطنين، أو تهدد الأمن القومي التركي، وتدخل البلد في متاهات غير معروفة نتائجها؛ وعليه إن حدث ذلك فإن موجة الاحتجاج ستتعاظم وستنضم قوى تركية وشرائح تركية أخرى إليها، ما قد يؤدي لفقدان النظام الحاكم السيطرة على الأوضاع، وفي التالي فإما تستقيل الحكومة الحالية من تلقاء نفسها، أو أن البلاد ستدخل في أزمة سياسية وأمنية داخلية، ستساهم في الإعلان عن تبكير موعد الانتخابات.
لكن أمرا واحدا يتخوف منه البعض، وهو ازدياد زخم الحراك الشعبي هذا وتصدي الحكومة الحالية له، ما سيضطر الجيش التركي للتدخل والإمساك بزمام الأمور وعودته لأداء دوره السابق في الحياة السياسية التركية، ما يعني انقلابا على الشرعية السياسية، خاصة وأن لهذا السيناريو، إن وقع، تبعات على حكومة أردوغان وحزبه، إذ أن العسكر لن يتوانوا في تقديم هؤلاء للقضاء وفتح ملفات كثيرة ضدهم بحق أو بغير وجه حق، فتعود تركيا لنظام الحكم العلماني الموالي للكيان الإسرائيلي والغرب وللأنظمة الرجعية في المنطقة.

2- المستوى الإقليمي
السياسة الخارجية التركية إقليميا، لا شك أنها ستتغير في حال حصول تحوّل ما على المستوى السياسي، وبخاصة قلب نظام الحكم، أو الإطاحة بالحكومة الحالية بالقوة أو عبر صناديق الاقتراع؛نعم ستتغير هذه السياسة بعدما تمكنت حكومة أردوغان من الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي، سياسيا واقتصاديا وإنسانيا وإغاثيا، وفكريا.
إن السياسة المتوقع نهجها على مستوى الإقليم، في حال تغيّرت الأوضاع كليا، تتلخص في التالي:
وقف دعم الثورة السورية.
إعادة العلاقات التركية- الإسرائيلية إلى سابق عهدها.
تجميد الكثير من المشاريع الاقتصادية التي وقعتها حكومة أردوغان مع دول عربية وإسلامية.
إلغاء اتفاقيات تعاون أبرمتها الحكومة الحالية مع بعض الدول العربية وعلى رأسها دول الربيع العربي.
وقف الدعم التركي الحالي المباشر وغير المباشر للحركات الإسلامية الفلسطينية وللقضية الفلسطينية.

3- المستوى الدولي
السياسة الخارجية التركية إن حصل التغيير، ستتغير قبلتها من الشرق إلى الغرب بالكامل تقريبا، وستعود إلى سابق عهدها قبل وصول أردوغان والحزب الحاكم إلى الحكم؛ وهذا يعني ما يلي:
عودة قنوات الاتصال السابقة إلى سابق عهدها، وتقوية العلاقات التركية الأوروبية والأمريكية أكثر.
طرح مشروع انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي مجددا.
زيادة وجود حلف الناتو على الأراضي التركية.
عودة سياسة التغريب والانفتاح على المجتمع الغربي من جديد (ثقافيا، فكريا، ونمط حياة).

السيناريوهات المتوقعة على ضوء الأحداث الأخيرة
هناك عدة سيناريوهات متوقعة للانتفاضة الشعبية التركية وهي:
السيناريو الأول: تمكّن الحكومة التركية الحالية من السيطرة على الأوضاع، إما من خلال الدبلوماسية الهادئة، أو القوة.
السيناريو الثاني: انتهاء الأزمة الحالية وانكفاء المظاهرات في ظل استجابة أردوغان لمطالب المتظاهرين.
السيناريو الثالث: استمرار أعمال الاحتجاجات، ووقوع صدامات دموية بين عناصر الأمن التركي والمتظاهرين، الأمر الذي قد يؤجج الأوضاع، وفي التالي خروج الأوضاع عن سيطرة الحكومة، ودخول البلاد في فوضى أمنية وسياسية.
السيناريو الرابع: ارتفاع وتيرة أعمال الاحتجاج، لدرجة تضطر تقديم الحكومة استقالتها أمام البرلمان ولرئيس الدولة وتعيين حكومة انتقالية.
السيناريو الخامس: خروج الأوضاع عن السيطرة كاملة، وسيطرة المتظاهرين على مفاصل الدولة، وفي التالي إحداث تغيير جذري في نظام الحكم.

الخاتمة
صحيح أن الأمور الحاصلة الآن في تركيا مزعجة، لكن هناك اعتقادا سائدا في أن الحكومة التركية ستتمكن بحنكتها السياسية الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، لا بل وقبل أن تركب الموجة بعض الدول المعنية بتأجيج الأوضاع الداخلية في تركيا، وعلى رأس هؤلاء إسرائيل وبعض الدول العربية وغير العربية الإقليمية، إضافة للولايات المتحدة التي ترى في نهج أردوغان الإسلامي مادة يمكنها نقل عدواها لدول الجوار، أو أنها تخشى من تعاظم الدور التركي في الشرق الأوسط، وسلبية موقفها أخيرا من الكيان الإسرائيلي ودعمها الإعلامي والمعنوي لقطاع غزة.(R-024).

المصدر: صوث الحق والحرية
اقرأ أيضا  شكرا منظمة الدعوة الإسلامية
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.