تساؤلات الانتخابات الرئاسية الإيرانية
السبت 06 شعبان 1434 الموافق 15 حزيران/يونيو2013. وكالة معراج للأنباء (مينا). فهمي هويدي الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي تجرى يوم الجمعة المقبل هي الأكثر استعصاء وتعقيدا من كل سابقاتها، الأمر الذي يجعلها مصدرا لغموض وحيرة بالغين، يتعذر في ظلهما التنبؤ بما إذا كانت حصيلتها تشكل خطوة إلى الأمام أم إلى الوراء. -1- لكن كل تلك الخبرات تظل في كفة ومشهد الانتخابات الراهنة في كفة أخرى، خصوصا أنهم جميعا ليسوا من رجال الصف الأول للثورة، وإنما هم من أبناء الصف الثاني أو الثالث أو حتى الرابع، فالمرشح سعيد جليلي على سبيل المثال كان عمره 14 عاما حين قامت الثورة. -2- ورغم أجواء الغموض والحيرة المخيمة على الأفق السياسي في إيران، فبوسع المرء أن يسجل خمس ملاحظات على الأقل، هي: 1- إن السلطة القائمة -المرشد في الأغلب- حرصت على ألا يتكرر في الانتخابات هذه المرة ما جرى في عام 2009، حين خرجت المظاهرات الاحتجاجية على النتائج إلى شوارع طهران التي احتفت بها الدوائر الغريبة ووصفت حينذاك بأنها حركة خضراء و يصفها البعض الآن بأنها فتنة ومؤامرة. وقد تزعّم تلك الاحتجاجات اثنان من المرشحين، هما مير حسين موسوي رئيس الوزراء الأسبق ومهدي كروبي رئيس مجلس الشورى، وهما رهن الإقامة الجبرية الآن. ولا أستبعد أن يكون منع حملات الشوارع وثيق الصلة بالاحتياطات التي اتخذت لعدم تكرار ما جرى حينذاك، كما أن هناك احتياطات أخرى اتخذت لمراقبة الاتصالات الهاتفية وحجب المواقع الإلكترونية لقطع الطريق على أي محاولة لإثارة الاضطرابات بمناسبة الانتخابات. 2- إلى ما قبل من موعد التصويت، من الواضح أن كفة المحافظين مرجحة على الإصلاحيين. إلا أن باب المفاجآت يظل مفتوحا على نحو قد يقلب الصورة لصالح الأخيرين. والمفاجأة المرتقبة في هذا السياق أن يعلن الرئيسان السابقان هاشمي رفسنجاني وخاتمي تأييدهما للمرشح الإصلاحي الدكتور حسن روحاني، وإذا ما حدث ذلك فإن احتمالات فوزه بأغلبية الأصوات ستصبح كبيرة. – رغم أن المرشحين الذين أقرهم مجلس صيانة الدستور ثمانية، فإن السباق الحقيقي بين أربعة هم: محمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران، وعلي ولايتي مستشار المرشد ووزير الخارجية طوال 16 سنة، وحسن روحاني مسؤول مجلس الأمن القومي السابق وعضو مجلس خبراء القيادة وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام وهو رجل الدين الوحيد بين المرشحين، ثم سعيد جليلي مسؤول الملف النووي في مجلس الأمن القومي. 4- ثمة اتفاق بين مراكز استطلاع الرأي والمحللين على أنه لا مفر من الإعادة بين اثنين من المرشحين، لأنه لا توجد بين الثمانية الشخصية القوية التي تستطيع أن تحسم السباق من الجولة الأولى. 5- أيا كانت النتائج سيظل الفائز الحقيقي في الانتخابات هو المرشد علي خامنئي (74 سنة) الذي إذا مد الله في عمره، فإنه سيقضي السنوات الثماني المقبلة هادئ البال وبغير أية منغصات من جانب مؤسسة الرئاسة، لأن الرئيس المنتظر سيكون أحد رجاله المخلصين، ذلك أن قاليباف يعتبر نفسه من جنوده، أما الدكتور ولايتي فهو مستشاره، وجليلي وروحاني يمثلانه في مجلس الأمن القومي، رغم أن الأول يعد محافظا والثاني إصلاحيا. -3- ما سبق ذكره يعد استباقا قد يصيب وقد يخيب. وهو رصد للمشهد في الأسبوع الأخير من الرحلة، في حين أن ثمة مشاهد أخرى سابقة لا تكتمل الصورة بغير الإحاطة بها. فالمرشحون الثمانية الذين يتنافسون الآن هم من تمت إجازتهم من قبل مجلس صيانة الدستور، بعد فرز أوراق أكثر من ستمائة مرشح قدموا أوراقهم لكي يدخلوا السباق. ولئن بدا أن الذين تمت إجازتهم قد أصبحوا في صدارة المشهد، إلا أن خبرهم لم يكن مثيرا للدهشة أو اللغط، لأن كليهما كانا من نصيب المستبعدين. أعني بذلك تحديدا هاشمي رفسنجاني أحد رفاق الإمام الخميني الذي رأس مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية، وهو الآن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، وكان له دوره البارز في تولي خامنئي منصب المرشد بعد وفاة الإمام. كما أعني إسفنديار رحيم مشائي رئيس الأركان السابق الذي رفض المرشد تعيينه نائبا لأحمدي نجاد رئيس الجمهورية، فاختاره الرجل مستشارا أول له. ورفسنجاني له ثقله التاريخي وشخصيته القوية والعريضة، فضلا على أنه صنف ضمن قادة الإصلاحيين إلى جانب خاتمي. أما مشائي فإن المحافظين يعتبرونه منحرفا، إضافة إلى أنه شعبوي له مؤيدون كثيرون في أوساط العامة، في حين أن النخب لا ترحب به كثيرا. في الظروف العادية فإن حملة الانتخابات الرئاسة تبدأ قبل موعد التصويت بحوالي سبعة إلى ثمانية أشهر، إلا أنها تأخرت كثيرا هذه المرة، لأن الجميع -وفي مقدمتهم المرشحون- كانوا في انتظار التعرف على موقف كل من رفسنجاني ومشائي، وظل السؤال المتداول هو: ماذا سيكون مصير التحالفات إذا ما ترشح الرجلان. وعلى سبيل المثال، فإن المرشحين الثلاثة: علي ولايتي وحداد عادل وسعيد جليلي، اتفقوا فيما بينهم على التنازل لواحد منهم إذا ما رشح رفسنجاني نفسه، وكان مفهوما أن الإصلاحيين حسن روحاني ومحمد رضا عارف الذي كان نائبا لخاتمي أثناء رئاسته للجمهورية سوف ينسحبان من السياق إذا دخل رفسنجاني إلى الحلبة. وحين استبعد الشيخ المخضرم فإن الثلاثة لم يتنازل منهم أحد، كما أن روحاني وعارف واصلا المشوار. وكما ذكرت قبلا فإن الجميع لا يزالون يتساءلون عما إذا كان رفسنجاني وخاتمي سيلتزمان الصمت حتى اللحظة الأخيرة، أم أنهما سيؤيدان الدكتور حسن روحاني بما قد يقلب الطاولة في اللحظة الأخيرة. اللافت للنظر أن رفسنجاني الذي أعرض الناخبون عنه في انتخابات عام 2009 حتى خسر السباق أمام الرئيس الحالي أحمدي نجاد، أصبح يتمتع بشعبية كبيرة بعد ذلك، حتى اتفقت الآراء واستطلاعات الرأي على أنه سوف يفوز في الجولة الأولى إذا ما سمح له بالترشح هذه المرة. لهذا فإن مفاجأة استبعاده كانت أكثر ما أثار اللغط والدهشة في المعركة الانتخابية، بل كان الخبر الرئيسي في كل نشرات أخبار المعركة. السؤال الذي أثار اللغط هو: كيف يمكن أن يُستعبد من الترشح الرجل الثاني في الدولة الإيرانية الآن، رغم أنه تولى الرئاسة من قبل وأثبت كفاءة ونجاحا، فضلا عن أنه من مؤسسي الثورة وأعمدتها الرئيسية؟ لم يكن مقنعا ما قيل من أن الرجل تقدم في العمر (79 سنة) ولم يعد قادرا على تحمل مسؤولية المنصب لأن الإمام الخميني قاد الثورة وهو في الثمانين، فضلا عن أن الحجة ذاتها يمكن أن تستخدم ضد خامنئي حين يبلغ تلك السن بعد خمس سنوات، ليطالب بسببها بالتنحي عن منصبه. الرأي الذي سمعته من أغلب الذين تحدثت إليهم أن استبعاد رفسنجاني كان في حده الأدنى لإرضاء خامنئي إن لم يكن برغبة منه، لأن الرجل يعتبر نفسه شريكا وليس مقلدا للمرشد، والشريك يمكن أن يكون منافسا أو مناوئا، وهذا ما لا يرحب به القائد. وهناك تفاصيل كثيرة تتردد عن محاولة الشيخ مقابلة المرشد والتفاهم معه قبل تقديم أوراق ترشحه، لكن ذلك اللقاء لم يتم، ولذلك فإن رفسنجاني اتخذ قراره في نصف الساعة الأخير قبل انتهاء الموعد. ويحسب له أنه التزم الصمت حين رفضت إجازته، وباستثناء إشارات ضيق واستياء مقتضبة، فإنه -هو ومشائي- لم يحولا الرفض إلى أزمة أو معركة مع المرشد. وآثرا تمرير الموقف في هدوء حفاظا على استقرار الموقف الداخلي. -4- حين زرت طهران في آخر مرة قبل سنتين كانت لا تزال كما عرفتها مدينة الشهداء التي تغطي جدرانها صور وجوه الإيرانيين الذين سقطوا في حرب السنوات التسع مع العراق. لكن مدينة الشهداء أصبحت الآن مدينة الجسور والأنفاق والطرق الالتفافية السريعة، إلى غير ذلك من مظاهر الانقلاب العمراني الذي عرفته العاصمة منذ انتخب قاليباف رئيسا للبلدية فيها. لاحظت أيضا أن ارتفاع البنايات والأبراج السكنية توازى مع ارتفاع مماثل في أسعار السلع الغذائية التي تضاعفت أسعار بعضها ثماني مرات في المتوسط، وفي حين ارتفعت البنايات والأسعار فإن صوت النخبة الذي أعرفه صاخبا ولاذعا انخفض كثيرا، حتى أصبح الحوار من خلال الهواتف المحمولة والإنترنت متقدما كثيرا على الحوار الذي تشهده المنابر العامة الملتزمة بسياسة الدولة وتوجيهات المرشد. وحين قلت إن المرشد في خطبته بمرقد الإمام الخميني في ذكرى وفاته حث الناس على التصويت في الانتخابات الرئاسية وتحويل المناسبة إلى “ملحمة”، قال لي أحد الخبراء إن الولي الفقيه يتأهب للدخول في طور جديد يمارس فيه ولايته المطلقة، وهذه الانتخابات تهمه شخصيا بأكثر مما تهم المجتمع الإيراني. لذلك لن أستغرب إذا قل إقبال الناس عليها، بعدما أدرك كثيرون أنهم ليسوا طرفا أصيلا فيها. وهذه ملاحظة استوقفتني حتى صرت أسأل: في هذه الحالة هل تكون الانتخابات قرينة على التقدم إلى الأمام أم النكوص والتراجع إلى الوراء، وهو سؤال لا أطرحه من فراغ، لأن الحوارات غير المسموعة في وسائل الإعلام باتت تدعو إلى إعادة النظر في صلاحيات المرشد ووضع المرجعية وإلى التفكير من جديد في مسألة ولاية الفقيه، خصوصا أن المرشد السيد خامنئي في العام المقبل سيكون قد قضى ربع قرن في منصبه. المصدر:الجزيرة |