الإسلام وأعداؤه
الأحد 22 ذوالحجة1434 الموافق27 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
د. محمد بن سعد الدبل
الحمد لله الذي تفضل على عباده بنعمة الإسلام. فأخرجهم به من الظلمات إلى النور. الحمد لله الذي من على أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – بشريعة الإسلام نظاما ومنهج حياة، سن لهم الشرائع والأحكام. وبينها وبسطها، وطلب إليهم التمسك بها ووعدهم بالفضل والأجر والمثوبة على تطبيقها والعمل بها.
نحمده ونستعينه ونستهديه. ونصلي ونسلم على نبيه المصطفى الأمين، أمين وحيه، وسادن شرعه، ومعلم أحكامه، والمقتدى بهديه إلى يوم الدين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن أقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها الناس:
اتقوا الله الذي خلقكم ورزقكم وآواكم وهداكم إلى طريق مستقيم. واعلموا أن هذه الشريعة الإسلامية هي الدين الذي ارتضاه الله لكم، وطلب إليكم تنفيذه وتطبيقه والعمل به، ونهاكم عن سواه.
﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]، ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153].
والآيات والأحاديث في فضل شريعة الإسلام وهديها وتأثيرها كل ذلك كثير في كتاب الله وسنة رسوله. وإنما المهم العمل والتطبيق. فلقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وسن الشرائع وبسط الأحكام لتقوم الحجة على العباد، فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلقهم عبثا ولم يتركهم هملا ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]. لا والله ما خلقكم ربكم أيها العباد عبثا ولم يتركهم هملا، بل أرسل فيكم ما إن اتبعتموه نجوتم وأكبر رسول في الناس بعد خاتم الرسل وبعد كتاب الله ذلك العقل البشري الذي هو من صنع الله.
إن العقل- أيها العباد هو رسول الإنسان إلى الله، ثم رسوله إلى نفسه وذاته وروحه. إن وظيفة الرسل أن يقولوا للناس آمنوا بهذا فهو حسن نافع، واكفروا بهذا فهو سيئ ضار، وكذلك العقل هو الفيصل في الأمور، لأنه الهادي هداية دلالة وإرشاد إلى الخير كله من خلال أوامر الشريعة ونواهيها.
أيها العباد المؤمنون:
لقد كان سكان الأرض قبل الإسلام سكانا تتقاذفه الأهواء ويسيطر فيه القوي على الضعيف، لا حرمة لأحد ولا سلطان لأحد ولا حقوق لأحد، وإنما الحاكم في الناس هو القوة والجبروت واتباع الأديان والمعتقدات الفاسدة، وقسر الناس على التولي والانضمام إلى كل قبيل.
لقد كان الناس قبل مجيء الإسلام – “يعيشون في ظلام دامس وضلال طامس“، فالمجوسية القذرة تسيطر على أهل المشرق، والنصرانية الضالة تسيطر على أهل المغرب ومعظم بلاد العرب، واليهودية البغيضة الحاقدة تنتشر في شرق البلاد وغربها، تنشر الفساد وتخرب البلاد وتنتهك الأعراض والحرمات وتقهر القوي وتستعبد الضعيف وترابي في الأموال وتستعمر الإنسان والأرض.
ولم تزل على هذه الشاكلة من العيش في الأرض تجلب بخيلها ورجلها وسلاحها على المسلمين في أوطانهم ومقدساتهم. وكانت بلاد العرب قبل الإسلام موئلا للوثنية التي كانت تخيم على بلادهم، وتعمم عبادة الأوثان والأصنام في الحاضرة والبادية – قد غيرت دين إبراهيم الخليل عليه السلام، وملأت المسجد الحرام والبيت العتيق بالأصنام حتى انطمست أنوار الرسالات السماوية التي جاءت من عند الله على يد أنبيائه ورسله قبل رسول الإسلام محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فتلاعب الشيطان يبني آدم حتى اشتدت حاجتهم إلى بعثة نبي من عند الله إليهم يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، ويوحدهم تحت راية واحدة لعبادة إله واحد بدعوة نبي واحد، متجهين إلى قبلة واحدة في ظل شريعة إسلامية واحدة.
فأدركتهم رحمة أرحم الراحمين، وفي معرض هذه المنة التي امتنَّها الله على عباده يقول الحق تبارك وتعالى مذكرا بحق هذه النعمة والمحافظة عليها ورعايتها: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3] ويقول في معرض النصرة والتأييد: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الأنفال: 26].
أيها الإخوة المؤمنون:
هذه شريعة الإسلام التي بعث بها محمد عبد الله، نبي الله ورسوله، فأشرقت به الأرض بعد ظلماتها، واجتمعت عليه الأمة بعد شتلتها، وجاء هذا الدين العظيم على يديه – صلى الله عليه وسلم- يحمل للبشرية كل خير، ويزيح عنها كل شر، واختار الله له أنصارا وأعوانا من عباده المؤمنين، أولئك هم صحابته
الأجلاء أبر الناس قلوبا، وأغزرهم علما وأقلهم تكلفا، وأبلغهم قولا وأصدقهم وعذب وحديثا، وأشجعهم إقداما، وأعظم الناس حبا للموت في سبيل الله نصرة الدين ولرسوله وللمؤمنين من عباده، فجاهدوا في الله حق جهاده، ونشروا هذا الدين في مشارق الأرض ومغاربها، حتى أظهره الله على الدين كله، فأخمد به نار المجوسية القذرة، ودحر به كبرياء اليهودية المتغطرسة، وكشف به ضلالات النصرانية التائهة، وحطم به أصنام الوثنية الهمجية، وملأ به الأرض عدلا والقلوب إيمانا وفقها والنفوس خشية ورحمة.
وتخرج في جامعة هذا الدين الحنيف سادة وقادة وأحبار فتحوا الأرض بالجهاد، والقلوب بالعلم والحكمة، والنفوس بالعدل والطمأنينة، والأرواح بالألفة والمحبة، وفجروا ينابيع الحكمة والمعرفة، ورفعوا منابر العلم، ووردوه وأوردوه غيرهم من فيض القرآن وهدي السنة الشريفة، حتى ملؤوا مدارس العلم ومكاتب الدنيا بعلومهم ومؤلفاتهم. وها هو تراثهم الخالد في كل حقل من حقول المعرفة. لم نستطع نحن الخلف أن ننفض الغبار عنه، ولا أن نحقق ربعه، بل سدسه.
فلم هذه الضعة وهذا الضعف في صفوف المسلمين اليوم؟! ولم هذا الاختذاء ولم هذا الشعور بالنقص في شخصيتك أيها المسلم وأنت ممن قال الله عنهم: ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22]؟!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الأحكام والعظات والتوجيهات والذكر الحكيم، وجعله الله لي ولكم ولسائر المسلمين سراجا ونورا وهديا إلى الصراط المستقيم، أقول هذا القول وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه جواد كريم بر رؤوف رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أهل الحمد والثناء المتفضل على عباده وعلى كل شيء من خلق وكل ما خلق، نحمده حمد الشاكرين لنعمة المعترفين ببره وكرمه. ونصلي ونسلم على خير أنبيائه وخاتم رسله محمد البشير النذير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
أما بعد:
فيا عباد الله، ها قد سمعتم ما أنعم الله به على العباد ممن آمن وأتقى. واتقي الله وتمسكوا بشرعه الذي ارتضاه لكم.
واعلموا أنكم ستحاسبون وستجزون على هذه النعمة نعمة الإسلام، فمن قام بأركان الإسلام الخمسة على الوجه الذي يرضي الله فهو من الفائزين المفلحين، وتعس من اتخذ الإسلام اسما لا حقيقة، ومن اتخذه ذريعة ومطية للوصول إلى مآرب الدنيا.
أيها الإخوة المؤمنون:
قديما قالت الحكماء: إن لكل نعمة حاسدا، ونعمة الإسلام منذ أن من الله بها على المسلمين نعمة لها أعداء وخصوم يعملون على إزالتها بغضا وحقدا وعدوانا.
فلقد وقف الشيطان وأعوانه وحزبه موقف الخصم اللدود منذ أن بزغت شمس الإسلام، ولا يزالون من هذا الدين موقف العدو والمتربص للقضاء عليه أو للصد عنه أو لتشويهه ومنع انتشاره. ولكنه تخطى كل تلك الحواجز، حيث اعتنقته القلوب السليمة والفطر المستقيمة والنفوس المطمئنة والأرواح المؤمنة فانتشر نوره في المشارق والمغارب. على الرغم من محاولات الدس فيه وإلقاء الشبه في تشريعاته على أيدي المنافقين في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، ولكن الله كشف خططهم وفضحهم وأطفأ فتنهم وقمع شوكتهم وتصر دينه تحقيقا لوعده.
ولما باءت فرقة المنافقين بالفشل الذريع ظهر أعداد الإسلام في صورة أخرى، وحاولوا التفريق بين المسلمين، فظهرت الخوارج، وفرقة الشيعة، وفرقة الجهمية والمعتزلة وتفرع عن هذه الفرق فرق شتى، وكل يعمل على شاكلته، ولكن نور الإسلام سيبقى مشعا بإيمان أهل السنة والجماعة، وعلم الإسلام سيبقى مرتفعا بأيدي أهل السنة والجماعة، لأنهم هم المنصورون مصداقا لحديث الصادق المصدوق- صلوات الله وسلامه عليه: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله- تبارك وتعالى- وهم على ذلك “.- وهذه الطائفة- يا عباد الله- هم الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة. ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8].
أيها الإخوة المؤمنون:
وفي عصرنا هذا يواصل أعداء الإسلام حربهم ضد الإسلام وأهله في صور شتي من ألوان العداوات، ويتخذون العقل والقيم والأخلاقيات ورؤوس الأموال محور حربهم التي لا هوادة فيها. ولكن يأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. ومن بين هذه الفرق الكافرة المعادية: الشيوعية بحديدها ونارها، والماسونية اليهودية بإباحيتها وخلاعتها، والقومية العربية بانحرافها، والصليبية الحاقدة المغرضة بدسائسها ومكرها وإغرائها. وفوق الشيعة بطوائفها ومذاهبها، والعلمانية بتفكيرها وفكرها المخلد إلى الأرض والمادة ذلك المبدأ المرتخص الذي يفصل المنتمون إليه بين الدين والدولة.
أيها العباد:
إنه على الرغم من تكالب تلك القوى والصراعات، فإن الإسلام لم يزل طودا شامخا وحصنا منيعا لا تصل إليه سهام الأعداء ولا يؤثر فيه أبواق الصهيونية العالمية الحاقدة، بل تعود هذه السهام في صدور أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء المسلمين تعود غصة في نحور الكفرة والملحدين والمتطوفين ومن ينتسبون إلى الإسلام ظاهرا لا باطنا.
﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32] ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33].
ألا فلنعلم يا عباد الله أن الإسلام ليس بالانتماء ولا بالتسمي إنه قول وعمل واعتقاد، إنه دين ودولة، مصحف وسنة، قلم وسيف، كلمة طيبة تجاه كلمة خبيثة. فلنتق الله في ديننا الذي هو عصمة أمرنا.
اللهم بعزتك أعز الإسلام والمسلمين، ودمر الشرك والمشركين، واخذل الكفرة والمنافقين والملحدين، وانصر اللهم المجاهدين عن دينك الزائدين عن حماك في كل زمان ومكان. اللهم من أرادنا وأراد الإسلام بسوء فاجعل تدبيره في تدميره واردد كيده غصة في نحره. اللهم احفظ لنا إمامنا وقادتنا وولاة أمورنا وكن معهم ومكن لهم في الأرض ما مكنت لعبادك الصالحين، سبحانك اللهم وبحمدك.
صلوا وسلموا على رسولكم، واذكروا الله العلي العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المصدر : الألوكة