آداب قراءة القرآن
الأحد 22محرم 1438 الموافق 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.
د. أمين بن عبدالله الشقاوي
آداب قراءة القرآن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فقد ذكر أهل العلم آدابًا لقراءة القرآن ينبغي تعلمها وتطبيقها لأنها مستمدة من الوحيين: الكتاب والسنة. والمقصود بالآداب، ما يجب فعله أو يستحب عند التلاوة أو قبلها، فمن ذلك:
“1- الإخلاص للَّه في قراءته، وأن يريد بها وجه الله، وألا يقصد بها توصلًا إلى شيء سوى ذلك، وأن يتأدب مع القرآن، ويستحضر في ذهنه أنه يناجي الله سبحانه وتعالى، ويتلو كتابه، فيقرأ على حال من يرى الله تعالى، فإنه إن لم يره، فإن الله تعالى يراه” [1]، قال تعالى: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ…وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟، قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ” [2].
2- العمل بالقرآن: روى البخاري في صحيحه من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه في حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الطويل، وجاء فيه: “أَتَانِي مَلَكَانِ فقَالاَ: انْطلِقْ، انْطلِقْ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا يُشْدَخُ رَأْسُهُ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فقَالاَ: هَذَاَ رجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ” [3].
وفي الحديث الآخر الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ”[4].
3- تدبر القرآن عند قراءته أو استماعه: قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].
قال النووي رحمه الله: “ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، ودلائله أكثر من أن تُحصر، وأشهر من أن تُذكر، وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم آية واحدة ليلة كاملة، أو معظم ليلة يتدبرها” [5].
وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فرددها حتى أصبح: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118] [6].
4- الحث على مراجعة الحفظ وتعاهده: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِ مُحَمَّد بِيَدِهِ، لَهُو أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ في عُقُلِهَا” [7].
5- يُشرع تلاوته قائمًا وماشيًا ومضطجعًا وراكبًا لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن [8].
6- الطهارة من الحدث قبل القراءة أو مس المصحف لحديث: “إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلا عَلَى طُهْرٍ [9]، أَوْ قَالَ: عَلَى طَهَارَةٍ”.
7- التسوك قبل تلاوة القرآن للحديث الذي رواه البزار في مسنده من طريق علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَسَوَّكَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَامَ الْمَلَكُ خَلْفَهُ، فَتَسَمَّعَ لِقِرَاءَتِهِ فَيَدْنُو مِنْهُ – أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا – حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ فَمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، إِلا صَارَ فِي جَوْفِ الْمَلَكِ، فَطَهِّرُوا أَفْوَاهَكُمْ لِلْقُرْآنِ” [10].
قال النووي رحمه الله: “وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظف فمه بالسواك وغيره، والاختيار في السواك أن يكون بعود الأراك ويجوز بغيره من العيدان، وبالسعد والأشنان والخرقة الخشنة.. وغير ذلك مما ينظف” [11].
8- الاستعاذة قبل التلاوة، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]. والبسملة إذا كانت القراءة من أول السورة عدا سورة التوبة.
9- الترتيل عند القراءة لقوله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: “زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ” [12].
10- الإمساك عن القراءة عند غلبة النعاس لقوله صلى الله عليه وسلم قال: “إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ” [13].
11- الخشوع عند سماعه وتلاوته، وعليه أن يجتنب الضحك، واللغط، والحديث خلال القراءة إلا كلامًا يضطر إليه، ومن التساهل الذي ابْتُلِيَ به بعض الناس، أن الإمام يقرأ القرآن في الصلاة وبعض الجوالات التي بها نغمات الموسيقى يتصل أصحابها، فيجتمع كلام الرحمن ومزمار الشيطان في آن واحد، وفي هذا انتهاك لحرمات المساجد، وقلة تعظيم لشعائر الله، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]، وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].
ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: “اقْرَأْ عَلَيَّ”، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَأَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ، قَالَ: “نَعَمْ”. فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَة: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قَالَ: “حَسْبُكَ الآنَ”، فَالتَفَتُ إِليهِ، فَإِذَاَ عَيْنَاهُ تَذْرِفَان [14].
12- ينبغي أن يحافظ على تلاوته ليلًا ونهارًا، سفرًا وحضرًا، وقد كانت للسلف رضي الله عتهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه، فمنهم من يختم في شهر، ومنهم في عشر ليال، ومنهم في أسبوع، ومنهم في ثلاث ليال، وقد ورد النهي في ختمه أقل من ثلاث؛ وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو رضي الله عنه: “اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِ شَهْرٍ”، قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: “فِي ثَلاثٍ” [15]. قال ابن قدامة: “ويكره أن يؤخر ختمة القرآن أكثر من أربعين يومًا” [16]، وقال القرطبي: “والأربعون مدة الضعفاء، وأولي الأشغال” [17].
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: “أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين؛ ولأن تأخيره أكثر من ذلك يفضي إلى نسيان القرآن والتهاون به، فكان ما ذكرنا أولى” [18].
وليحذر من هجر القرآن، قال تعالى عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].
قال ابن القيم رحمه الله: وهجر القرآن على أنواع:
“الأول: هجر سماعه، والإيمان به، والإصغاء إليه.
الثاني: هجر العمل به، والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.
الثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
الرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
الخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30] وإن كان بعض الهجر أهون من بعض” [19].
13- يشرع الإسرار بالقرآن والجهر به، وقد وردت الأحاديث بفضيلة رفع الصوت بالقرآن، وأخرى بفضيلة الإسرار، قال العلماء والجمع بينهما: “أن الإسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء فالجهر أفضل، بشرط أن لا يؤذي غيره من مصل، أو نائم، أو غيرهما، ودليل فضيلة الجهر: أن العمل فيه أكثر، ولأنه يتعدى نفعه إلى غيره، ولأنه يوقظ قلب القاري، ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه، ولأنه يطرد النوم، ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم وغافل وينشطه، فمتى حضره شيء من هذه النيات، فالجهر أفضل” [20].
14- ومن أهم ما يؤمر به أن يحذر كل الحذر من اتخاذ القرآن معيشة يكتسب بها، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فإذا فيه قوم يقرؤون القرآن، قال: “اقْرَؤوا الْقُرْآنَ، وَابْتَغُوا بِهِ اللَّهَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يُقِيمُونَهُ إِقَامَةَ الْقِدْحِ، يَتَعَجَّلُونَهُ وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ” [21]. معناه: يتعجلون أجره أي يطلبون بقراءته العاجلة من عرض الدنيا والرفعة فيها، ولا يتأجلونه: أي لا يريدون منه الآجلة وهو جزاء الآخرة، فمن أراد بها الدنيا فهو متعجل، وإن ترسل في قراءته، ومن أراد بها الآخرة فهو متأجل وإن سرد في قراءته بعد إعطاء الحروف حقها، وهذه معجزة لوقوع ما أخبر به عليه الصلاة والسلام[22].
15- لا ينبغي أن يقول المسلم: نسيت آية كذا، ولكن يقول أُنسيت، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بِئْسَ مَا لأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ” [23].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] الأذكار للنووي رحمه الله ص196.
[2] برقم (1905).
[3] برقم (1386).
[4] برقم (223).
[5] الأذكار للنووي رحمه الله ص197 بتصرف.
[6] (35 /310) برقم (21388)، وقال محققوه: إسناده حسن.
[7] صحيح البخاري برقم (5033)، وصحيح مسلم برقم (791) واللفظ له.
[8] صحيح البخاري برقم (297)، وصحيح مسلم برقم (301).
[9] جزء من حديث في سنن أبي داود برقم (17)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله كما في صحيح سنن أبي داود (1 /6) برقم (13).
[10] مسند البحر الزخار (2/214)، قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة ص(215): إسناده جيد رجاله رجال البخاري، وفي العقيل بن سليمان كلام لا يضر، وقال: فظاهره أنه موقوف ويحتمل أنه مرفوع.
[11] الأذكار للنووي رحمه الله ص (196-197).
[12] سنن أبي داود برقم (1468)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (1 /275) برقم (1303).
[13] صحيح مسلم برقم (787).
[14] صحيح البخاري برقم (5050)، وصحيح مسلم برقم (800).
[15] صحيح البخاري برقم (1978)، وصحيح مسلم برقم (1159).
[16] المغني (2 /611).
[17] التذكار في أفضل الأذكار (84).
[18] المغني لابن قدامة (2 /611-612).
[19] الفوائد ص (110-111).
[20] الأذكار للنووي رحمه الله ص199.
[21] (23 /144) برقم (14855)، وقال محققوه: حديث صحيح.
[22] التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص (56).
[23] صحيح البخاري برقم (5038)، وصحيح مسلم برقم (788).
الألوكة