بقلم : الشيخ يخشى الله منصوو
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله سبحانه وتعالى:
﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة: 251)
قراءة المزيد: قائد الجيش الإندونيسي يُرسل 1090 جنديًا من قوات حفظ السلام إلى لبنان
في تفسير “الميسر” ورد أن هذه الآية الكريمة تظهر لنا سنة من سنن الله في الأرض، حيث جعل التصارع بين البشر وسيلة لمنع الظلم من الانتشار. بهذه السنة الإلهية، يحفظ توازن العالم ويدفع عنه الفساد الكبير.
تشير هذه الآية إلى حكمة الخلافات والصراعات بين البشر. فوجود قوى يمنع ظلم الآخرين هو ما يبقى توازن العالم قائما. وفي هذه السنة الربانية، يواجه ظلم قوم بعدل قوم آخر، فتُصان الأرض من الخراب الأكبر.
هذه السنة دليل على رحمة الله بعباده، حيث يحفظ الأرض بأساليب قد لا يدركها البشر، من بينها تناوب القوى، والنزاعات، بل وحتى الحروب التي في حقيقتها تؤدي إلى إزالة الظلم.
أرى أن هذه الآية الكريمة تنطبق على واقع اليوم، خاصة في الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران، وهما قوتان كبيرتان في الشرق الأوسط. ورغم أن الحرب تبدو مدمّرة، إلا أن وجود قوة مثل إيران أثبت أنها قادرة على الرد على هجمات إسرائيل بنفس المستوى.
قراءة المزيد: إندونيسيا تدعو للاعتراف بفلسطين في الجلسة الـ150 للبرلمان الدولي في طشقند
الرد الإيراني على الهجمات الإسرائيلية، في حقيقته، يعدّ أداة لتقييد ظلم الاحتلال الصهيوني ومنعه من التمادي في جرائمه ضد غزة، كما يُعطي الأمل في استمرار وجود من يقاوم الظلم.
مستقبل إسرائيل بعد الضربات الإيرانية
الرد الإيراني على إسرائيل لا يقتصر على التهديد العسكري، بل يفتح المجال لطرح تساؤلات حول مستقبل الكيان الصهيوني سياسيا وأمنيا واقتصاديا في منطقة تتجه نحو المزيد من الاضطرابات.
هذا التصعيد يشكل تحديا قد يعيد رسم خريطة القوى الإقليمية، خصوصا إذا ما تصاعد الصراع ليصبح حربا واسعة.
قراءة المزيد: مصر والإمارات تدعمان التعافي المبكر وإعمار غزة
تحليل الخبراء الإسرائيليين، ومنهم “عاموس يادلين” في كتابه “تحديات الأمن القومي لإسرائيل”، يؤكد أن الضربات الإيرانية كانت بمثابة جرس إنذار لإسرائيل كي تُعيد النظر في منظومتها الدفاعية وأداء جيشها.
لطالما اعتمدت إسرائيل على التفوق التكنولوجي والاستخباراتي كركيزة لأمنها القومي، لكن الضربة الإيرانية المباشرة أظهرت أن هذه الأنظمة المتطورة ليست بمنأى عن تهديدات جديدة مثل الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة المتقدمة.
من جهة أخرى، يرى محللون أوروبيون مثل بيتر جينكنز في كتابه “إيران والغرب: رؤية نقدية” أن الهجوم الإيراني جاء كرد فعل على سياسات إسرائيل التي غالبًا ما تُعدّ استفزازية في المنطقة.
بالنسبة لإيران، فإن هذه الضربة تدخل ضمن استراتيجيتها لتحقيق توازن القوى في الشرق الأوسط، وإثبات قدرتها على تحدي الهيمنة الإسرائيلية
قراءة المزيد: الصين تحذر مواطنيها من السفر إلى الولايات المتحدة
كما تعد الضربة رسالة واضحة بأن استهداف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية ودعمها للجماعات المعادية للنظام الإيراني سيقابل بردود خطيرة قد تهدد أمن الكيان نفسه.
وفي سياق آخر، يرى خبراء في شؤون الشرق الأوسط مثل “عبد العزيز صقر” في كتابه “الخليج وجغرافية الشرق الأوسط السياسية” أن هذا النزاع سيؤثر أيضا على علاقات إسرائيل مع الدول العربية.
ورغم التقدم الذي أحرزته إسرائيل مع دول الخليج في إطار “اتفاقيات أبراهام”، إلا أن التصعيد مع إيران قد يُزعزع استقرار هذه التحالفات. فالكثير من دول الخليج قد تعتبر إسرائيل طرفا يستفز المنطقة وقد يُهدد العلاقات الدبلوماسية التي لم تزل حديثة العهد.
أما داخليا، فإسرائيل تواجه تحديا كبيرا. الهجمات الإيرانية أثارت قلقًا واسعا بين الإسرائيليين. ويشير محللون مثل “إفرايم إنبار” في كتابه “أمن إسرائيل وجيرانها العرب” إلى ضرورة تعزيز إسرائيل لأمنها الداخلي مع إدارة علاقاتها الخارجية المتوترة.
قراءة المزيد: برلمانيون بريطانيون يطالبون بالتحقيق في دعم بلادهم للإبادة بغزة
كما أن حالة الفوضى داخل إسرائيل قد تفاقم حالة الاستياء الشعبي إذا شعر المواطنون بأن الحكومة غير قادرة على حمايتهم بالشكل المطلوب.
إلى جانب ذلك، فإن التأثير الاقتصادي لهذا النزاع أصبح مصدر قلق كبير. فالهجمات التي تستهدف البني التحتية الحساسة قد تؤدي إلى زعزعة الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعتمد على التكنولوجيا والتجارة الدولية.
ويُشير “تشارلز تريب” في كتابه “التداعيات الاقتصادية للحروب في الشرق الأوسط” إلى أن الحروب الطويلة عادة ما تضعف اقتصادات الدول المشاركة فيها حتى لو كانت هذه الدول تملك منظومات اقتصادية قوية.
على المستوى الدولي، تثير الهجمات الإيرانية قلقا لدى الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ويحذّر “تريتا بارسي” في كتابه “فقدان العدو: أوباما وإيران وانتصار الدبلوماسية” من أن استمرار هذا النزاع قد يُعقد جهود التهدئة والدبلوماسية الدولية.
قراءة المزيد: الرئيس برابوو يقوم بزيارة إلى خمس دول في الشرق الأوسط
تواجه الولايات المتحدة، التي تعتبر الحليف الأقرب لإسرائيل، خيارا صعبا: هل تستمر في دعم إسرائيل أم تحاول إيقاف التصعيد الذي قد يعرض استقرار المنطقة للخطر؟
ويرى “فالي نصر” في كتابه “عودة الشيعة: كيف تشكّل النزاعات داخل الإسلام مستقبل المنطقة” أن الضربات الإيرانية تمثل علامة واضحة على تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما يهدد ليس فقط إسرائيل بل الدول العربية المتحالفة معها أيضا.
التحدي الأكبر أمام إسرائيل اليوم هو الحفاظ على استقرارها الداخلي في ظل الضغوط المتزايدة من جميع الاتجاهات. فهي مطالبة بمواجهة التهديد الإيراني المباشر، ومنع نفسها من الانعزال دوليًا.
مقارنة القوى العسكرية بين إيران وإسرائيل
قراءة المزيد: وزيرا خارجية إسرائيل وأذربيجان يبحثان في أبو ظبي العلاقات الثنائية
الأمم المتحدة تحمّل إسرائيل وحلفاءها المسؤولية
في 12 يونيو 2025، أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هجوم إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية، معتبرا إياه انتهاكا صارخا للقانون الدولي ومسببا خطيرا لتصعيد التوترات في المنطقة.
وأكد غوتيريش أن هذه الهجمات الإسرائيلية تزيد الوضع اشتعالا وتقوض كل الجهود الدبلوماسية المبذولة لتهدئة الأزمة. كما أشار إلى أن تداعيات هذه الأعمال لن تقتصر على السياسة والأمن، بل ستمتد إلى زعزعة الاستقرار الاقتصادي العالمي.
فالشرق الأوسط يُعدّ مركزا حيويا لإنتاج النفط، وأي تصعيد في هذه المنطقة قد يؤدي إلى أزمات إنسانية أعمق في دول تعاني أساسا من الحروب الممتدة.
قراءة المزيد: حماس: طرد سفير إسرائيل من مؤتمر إفريقي بإثيوبيا قرار
كما أدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريحات شديدة اللهجة، واعتبر الهجوم الإسرائيلي استفزازا خطيرا يهدد السلام الإقليمي والدولي.
أكد أردوغان أن تركيا تقف إلى جانب إيران في الدفاع عن سيادتها، وشدد على حق إيران في تطوير التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية وفق الاتفاقيات الدولية.
وفي موقف مفاجئ، أعربت المملكة العربية السعودية عن دعمها لإيران في هذا السياق. ففي بيان رسمي، اعتبرت الرياض أن الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية عمل مرفوض من شأنه أن يهدد استقرار الشرق الأوسط.
ورغم الخلافات بين الرياض وطهران في قضايا متعددة، شددت السعودية على أن احترام سيادة الدول مبدأ لا يمكن التهاون فيه.
قراءة المزيد: إندونيسيا تكتسح اليمن وتتأهل إلى مونديال الناشئين 2025
كما طالبت منظمة التعاون الإسلامي بلعب دور أكثر فاعلية في مواجهة هذا التصعيد. فإلى جانب إدانة العدوان الإسرائيلي، تتحمل المنظمة مسؤولية أخلاقية واستراتيجية لمنع المزيد من الاستفزازات، سواء ضد إيران أو فلسطين.
تتطلب الجرائم المستمرة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين مثل الإبادة في غزة، وتهجير سكان الضفة الغربية، وبناء المستوطنات غير الشرعية، والاعتداءات على المسجد الأقصى ردود فعل أكثر قوة وتنسيقا من قبل منظمة التعاون الإسلامي.
إن تقديم دعم سياسي واقتصادي ودبلوماسي فعلي من دول المنظمة يمكن أن يشكل قوة ضغط جماعية على إسرائيل ويضمن حماية حقوق الشعب الفلسطيني. إن وحدة الموقف وتفعيل الخطوات العملية من قبل المنظمة أمر بالغ الأهمية لتحقيق سلام عادل في المنطقة.
ويرى كثيرون أن إندونيسيا قادرة على قيادة هذه المبادرة من خلال حشد دعم دول الجنوب العالمي، لتعزيز الضغط على إسرائيل عبر المسارات الدبلوماسية وفرض عقوبات دولية محتملة.
قراءة المزيد: واشنطن تواصل إلغاء تأشيرات طلاب متضامنين مع فلسطين
في عدة مناسبات، أكد الرئيس برابوو أن وحدة الأمة الإسلامية هي المفتاح لكسر هيمنة وظلم الكيان الصهيوني، مشددا على أن التضامن بين الدول الإسلامية هو قوة استراتيجية لا يمكن الاستهانة بها في دعم قضية فلسطين.
علاوة على ذلك، يمكن لإندونيسيا أن توظف قوة المجتمع المدني ووسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام العالمي حول قضية فلسطين. ومن خلال الحملات الرقمية الواسعة وحركات التضامن الشعبية، نجحت إندونيسيا في رفع مستوى الوعي الدولي بأهمية دعم حقوق الشعب الفلسطيني.
بتكامل الجهود بين الدبلوماسية الرسمية وقوة المجتمعات الشعبية، تملك إندونيسيا فرصة كبيرة لتكون مبادرة فعالة للسلام في الشرق الأوسط ومنح أمل حقيقي للشعب الفلسطيني.
ورغم كل ذلك، لا يمكن إنكار أن الحروب لا تجلب إلا الخسائر للطرفين، سواء المنتصر أو المنهزم. وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك في قول ملكة سبأ كما جاء في سورة النمل:
﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ (النمل: 34)
لذلك، يؤكد الإسلام على ضرورة السعي لحل النزاعات بالطرق السلمية قدر الإمكان، بعيدا عن سفك الدماء. كما قال الله تعالى في سورة الأنفال:
﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (الأنفال: 61)
والله أعلم بالصواب.