الاختلاط وآثاره الاجتماعية

الأربعاء،9ربيع الأول1436الموافق31ديسمبر/كانون الأول2014وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. محمد رفعت زنجير
للاختلاط آثار خطيرة، تبدأ بالفرد وتنتهي بالمجتمع!
فالفرد في جو الاختلاط يرغب دائماً أن يكون على أتم ما يرام شكلاً ومظهراً، فقد يعتني بالرياضة الجسمية، وبالوجبات لبغذائية، وبالملابس والعطور، وبالأناقة والجمال، وقد يحاول أن يتكلم بإحدى اللغات الأجنبية ليظهر أنه مثقف مودرن!، وقد يضطر لشرب أنواع راقية من الدخان، كل هذا بقصد لفت انتباه الجنس الآخر إليه، واكتساباً لوده وثقته واحترامه.
هذا الفرد سرعان ما تبرز لديه روح الأنانينة، فقد يضحي بعلاقاته الأسرية في سبيل ذاته (الهو)، وقد يتمرد على والديه، ولا يبالي بأرحامه، وقد يتزوج بواحدة، ثم يجد من هي أجمل منها، فيطلق الأولى ويتزوج الثانية، مضحياً بالأولى، فتضيع بذلك الأسرة، ويتشرد الأطفال، كل هذا بسبب الاختلاط، والشأن في المرأة مثل الرجل في ما ذكرناه.

والاختلاط يكشف أسرار المرأة من قبح وجمال، فالحجاب وقاية للحسناء من الطامعين، وصون للقبيحة أيضاً، لئلا تشمئز النفوس منها!. ولكن في جو الاختلاط ينكشف القبح والحسن معاً، فيلهث الرجال وراء الجمال، مما يجعل المرأة القبيحة تحسد الجميلة، فتحاول التعويض عن ذلك بالتعري أكثر أو الإغراء، وقد تنزلق نحو الرذيلة، أو قد تصاب بعقدة نفسية، وهذا كله يحصل في المجتمعات الحرة والإباحية.

ونحن المسلمين علينا أن لا ننزلق خلف فتنة الجمال، فالجمال والقبح من صنع الله الذي أتقن كل شيء، والمرأة الجميلة ابتلاها الله بهذا الجمال، فإذا استعفت وجعلته لزوجها أثابها الله تعالى!، وإذا فتنت الناس نالت من الإثم بقدر فتنتها.
وكذلك المرأة القبيحة ابتلاها الله بالقبح، فإذا رضيت وصبرت أثابها الله تعالى!، وعوضها خيراً يوم القيامة، وإذا سخطت وانحرفت؛ فإن لها عقاباً تتمنى لو كانت معه تراباً!.

والملاحظ أن جو الاختلاط مضر بالجميلة والقبيحة معاً، ومضر بالأسر والعوائل، فما أسوأ أن يلوك الناس ألسنتهم بالحديث عن فلانة الجميلة وفلانة القبيحة؟!، ويسمع أهل المرأة ما يقال عن جمال ابنتهم أو قبحها، ولا يملكون تحريك ساكنٍ!.

وفي جو الاختلاط تكتسب المرأة شخصية اجتماعية عادة ما تكون أكثر خشونة وجرأة وصراحة، فقد ترفض الخاطبين جميعاً لأنها تريد الزواج من شاب تعرفت عليه!، وقد لا يكون مناسباً لها، لذا يرفضه أبوها أو أخوها، فتصر على الزواج منه، مما يؤدي إلى انقسام أفراد الأسرة بين مؤيدٍ لها ومعارض، ويصبح جو الأسرة ملبداً بالمشكلات والجدل والهموم، مما يهدد الرباط الأسري بالتمزق والتلاشي.

وفي مجتمعات الاختلاط تبرز ظاهرة التخنث عند طائفة من الشباب، قال الشاعر:
لقد تخنفس حتى قلت في عجبٍ
حيرت عقلي أأنثى أنت أم ذكر؟!

والتخنث مرض اجتماعي خطير، يبدأ الذكر بالتشبه بالأنثى، وقد يتطور ذلك ليتحول إلى مرض المثلية؛ وهو مرض نفسي، وتكون هذه الحالة أيضاً عند الجنس الآخر، فتسترجل المرأة… وقد تنتهي هذه الحالات بوجود ما يسمى بالجنس الثالث، وقد تحول بعض الشباب إلى إناث بعمليات جراحية، أسهم الطب وهو علم شريف بالأصل في هدم الأخلاق!.

اقرأ أيضا  رمضان .. شهر العبادة لا شهر الفرجة

ولا يخفى ما في هذا الأمر من خطورة على سلامة العلاقات الجنسية، والصحة النفسية لأفراد المجتمع، كما أن فيه تدميراً لرجولة الرجل وأنوثة الأنثى، وقد نهى الإسلام عن ذلك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء. وفي رواية: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. [1]

والشذوذ الجنسي محرم في الشرائع السماوية كلها، ولكن للأسف نجد أن الكنيسة في أوروبا تتسامح معه، بل وترعاه!، حتى صار في أوروبا حوالي (30) مليون من قوم لوط كما ذكرت صحيفة المسلمون[2]، وأضافت الآتي: “الكنيسة ترعى قوانين الشذوذ في الدنمارك، سجلت الدنمارك هذا الأسبوع خطوات جديدة في الانحلال والتفسخ الذي تعاني منه المجتمعات الغربية، بدأ يوم الأحد الماضي العمل بالقانون الجديد الذي يبيح زواج اللوطيين والسحاقيات، القانون اقترحه الاشتراكيون الشعبيون، واعتمده مجلس النواب في العام الماضي، بعد ساعات قليلة من العمل بالقانون الجديد صدرت الموافقة الرسمية لرجلين بالزواج من بعضهما، رحب الأسقف الدنماركي بيرت ليسن بهذا الزواج وباركه، وقام بالصلاة للزوجين الرجلين!”.

إن النفس الإنسانية لا تقف عند حد في الشهوات!، فهم لما أباحوا الزنا، بدأت نفوسهم تتوق إلى ما هو أفحش وألعن، فاستباحوا اللواط والسحاق، وجعلوه محمياً بالقانون، وبذلك لبوا جموح أهوائهم ونزواتهم.

ويقال لمن يدعي بأن الاختلاط يقضي على الشذوذ الجنسي: إن الواقع الأوروبي يدحض هذه الدعوى، فهل نصدق المدعي ونكذب الواقع؟!. إن القضاء على الشذوذ الجنسي لا يكون بالاختلاط، ولا بالكبت. وإنما بالتربية النفسية القويمة، والتربية الجنسية السليمة، والرعاية الأسرية والاجتماعية، وتهيئة سبل العفة للشباب، واستمرار عملية التوجيه والإرشاد النفسي من المهد إلى اللحد!. ذاك هو طريق القضاء على الشذوذ، وليس بالاختلاط الذي هو دمار للمجتمع والعلاقات الاجتماعية.

ومن مساوئ الاختلاط تأثيره على نفوس الأطفال، فالطفل البريء الذي يجد أمه تكلم شخصاً غريباً، وتبتسم له، ويجد أباه يفعل مثل ذلك مع امرأة أخرى، يشعر بالغيرة والحزن، ويظن أن هنالك فتوراً في العلاقة بين أبيه وأمه، بسبب أنهما قد يتشاكسان أمامه، ويظهران بحالة وفاق أمام الغرباء.

من ناحية أخرى فإن العورات التي تكشف في جو الاختلاط، تؤثر سلباً على نفسية الأطفال، وتهيج غرائزهم في وقت مبكر[3].

وكثيراً ما يقع الأطفال ضحية تمزق الأسرة بسبب الاختلاط الذي قد يقود إلى الخيانات الزوجية التي تنتهي بالطلاق، حيث تترك الأم أولادها للزوج، أو العكس، وقد يُرمى الأولاد في ملاجئ الرعاية الاجتماعية، أو عند الأقرباء، فيحرمون حنان الوالدين وعطفهما.

اقرأ أيضا  منتقى الدرر من كتاب الأخلاق والسير

وفي الاختلاط تنتشر المعاكسات عبر الهاتف والطرقات والأسواق، وعلى الفضائيات أحياناً، وتصبح هذه المعاكسات وما يستتبعها من علاقات محرمة أمراً مألوفاً في المجتمعات المتحللة الماجنة.

ومن أشد بواعث الاختلاط بناء المرافق العامة المشتركة للجنسين، كالمسارح والمسابح والنوادي الصحية والحدائق العامة، حيث يؤدي ذلك إلى التعارف ونشوء العلاقات الودية التي قد تنتهي بالوقوع في المحظورات الشرعية، وربما قاد هذا إلى الحمل المحرم!، مما يدفع المتسببين إلى إسقاط الأجنة، أو إنجاب أطفال غير شرعيين، وقد ذكرت صحيفة الأحد اللبنانية في العدد (650) أنه خلال عام واحد، دلت الإحصائيات على أن (120) ألف طفل أنجبتهم فتيات بصورة غير شرعية، لا تزيد أعمارهن على العشرين، وإن كثيراً منهن من طالبات الجامعات والكليات في أمريكا. [4]

ويشيع في جو الاختلاط تعاطي المخدرات، حيث يسهل ترويج البضاعة في حضور الجنس اللطيف، وحيث وجد الاختلاط؛ وجدت المخدرات بنسبة أكبر، ولننظر لحال الغرب كيف ضاع شبابهم في طوفان الجنس والمخدرات!، فقد ذكرت صحيفة الأحد اللبنانية الخبر الآتي: “قال تقرير للشرطة في ولاية (بروفيدنس) أن (66) طالباً وطالبة قضوا في أيار الماضي عطلة نهاية الأسبوع في (رود ايلند) ولم يعد الطلاب إلى الجامعة، بل إلى سجن الولاية، حيث اعتقلوا وهم في أوضاع مريبة، وبعضهم كان يتعاطى المخدرات”.[5]

إن المخدرات والمسكرات أصبحت رائجة في الغرب، والإدمان مشكلة خطيرة عندهم، جاء في تقرير من المملكة المتحدة ما يأتي:
• إن ما ينفق على المسكنات والمهدئات الطبية يبلغ كل عام حوالي 6 مليون جنيه استرليني.
• وإن 100 مليون علبة من أقراص الهلوسة تصرف في مدينة لندن وضواحيها بإذن من الأطباء.[6]

مثل هذه الظواهر في الغرب ينبغي أن ننتبه لها قبل أن تصيبنا العدوى، فالشاب الذي يفشل في تحقيق طموحه في الحب أو الزواج قد يلجأ للمخدرات، وكذلك البنت، ولما كان جو الاختلاط يشعل الغرائز بناره، فهو مسئول عما يستتبع إشعالها من إخفاقات وإحباطات تصيب بعض الشباب من الجنسين، وذلك نتيجة إخفاقهما في السير بالاتجاه الصحيح، ولهذا يتجهون نحو المخدرات!.

والمجتمعات التي تعيش جو الاختلاط والإباحية نسبة المخدرات فيها أعلى من المجتمعات المحافظة، وهذه بديهية لا تحتاج إلى إثبات.

وقد تبيح بعض الدول بناء دور البغاء، وتوفر لها الرعاية والحماية!، بحاجة أن الشباب الجامح لا بد أن يفرغ طاقته!، فهو إما أن يعتدي على أعراض الناس، أو تفتح له هذه الدور ليتنفس فيها!. ولا يخفى أن دور البغاء تسهم في نقل الأمراض الجنسية والجلدية والتنفسية، وهي سبب لانحراف الشباب، وسبب لتفكك الروابط الأسرية، كما يكلف بناؤها وحمايتها وتجهيزها أموالاً تهدر من اقتصاد الشعوب!، كما أن رواد هذه الأماكن ينفقون أموالاً باهظة أحياناً، وكل هذه الأموال يمكن توفيرها لبناء مستشفى أو ملعب مثلاً، وكل هذه الكوارث التي تنشأ عن التحلل والفجور يمكن تجنبها لو ربينا الشباب على الخلق والإيمان، ووفرنا له سبل إقامة الحياة الأسرية الكريمة؛ وذلك بتخفيف المهور وتسهيل الزواج، بدلاً من أن ندفعه للفحشاء بحجة التنفيس والضرورة!، فشتان بين الحلول الشيطانية والحلول الإيمانية!، قال تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (النور:33).

اقرأ أيضا  والله لتُسألن عن الفيسبوك

ومما يجره الاختلاط على الأمم والشعوب انتشار الأفلام الجنسية، والقصص والمجلات الإباحية بصورة واسعة، ولا ريب أن جو الاختلاط أكثر ملاءمة لتقبل مثل هذا الإعلام الهابط، والأدب الوضيع… والأدب والإعلام التجاريان يعملان جنباً إلى جنب في المجتمعات الحرة لتحويل الإنسان إلى بهيمة، لا هم لها إلا الملذات الحسية فقط، والتفاني في الشهوات قبل أن يدرك المرءَ هادمُ اللذات!.

ويساعد الاختلاط المجرمين والمنحرفين على جرائمهم، ولقد نصح الشاعر الفتاة العربية عندما رآها متبرجة، فقال:
أخطأت يا بنت العروبة فالغوا
ني مهرهن وحصنهن تَسَتُّرُ
إن الجواهر في مكانٍ آمنٍ
أما الحصى مكشوفة لا تبهر

فإذا اختلطت المرأة بالرجال؛ فإنها قد تنزع الحجاب!، أو تتهاون به، ويؤدي الأمر في النهاية إلى أن تقع فريسة بأيدي المبتزين والفاسدين!.

تلك بعض مفاسد الاختلاط الاجتماعية، فهل نجد من يتنبه لأخطارها؟ وقى الله شباب العروبة والإسلام شر الاختلاط ومستتبعاته!.

________________________________________
[1] رياض الصالحين، ص (597).
[2] العدد (244)، الصادر في 7 ربيع الأول، 1410ه.
[3] انظر: الصحة النفسية والعلاج النفسي، د. حامد زهران، ص (133).
[4] انظر: الإسلام والجنس، عبد الله علوان، ص (22-23).
[5] الإسلام والجنس، عبد الله علوان، ص (23).
[6] انظر: الإنسان وصحته النفسية، للدكتور مصطفى فهمي، ص (83-84).
المصدر: الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.