التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان

الإثنين 17 ربيع الأول 1437//28 ديسمبر /كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. عبدالرب نواب الدين آل نواب
التربية على الصيام
الصيام جنة، والصيام تربية للنفس على مكارم الأخلاق وضبط شهوات النفس، وكبح جماح النفس وتوجيهها نحو الخير والفضيلة، والصيام مبدأ أصيل من مبادئ التربية، وحسبنا في فضل صيام رمضان أنه يكفر السيئات ويرفع الدرجات كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”.

وصوم يوم من أي أيام السنة يباعد الله به وجه المسلم عن النار سبعين خريفا كما في حديث أبي سعيد – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا”.

وكما أن من فضائل الصوم التجافي عن عذاب السعير فإن عظم الأجر والمثوبة من لوازمه وهو أمر مطرد في الصوم بحسب ما يحققه الصائم من الإخلاص لله عز وجل وفي الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: قال الله عز وجل: “كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به فوالذي نفس محمد بيده لخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك”.

وإذا ذكر صوم رمضان ذكر معه قرينه وهو القيام الذي هو دأب الصالحين وسنة المتقين وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من قام رمضان إيمانأ واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”.

ولئن كان لشهر الصوم في حياة المسلم مكانة خاصة وروحانية لا يعرفها غيره، فإن الطفل المسلم يربى على هذه الفريضة منذ سن التمييز كي يتمرس على ضبط النفس وكفها عن المأكل والمشرب والجهل والكذب وسائر ما ينتهي عنه الصائم، وليسهل عليه حال الكبر صيام رمضان وقيامه، وتأمل المقاصد الأخلاقية في الصوم المذكورة في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إذا أصبح أحدكم يوما صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم”.

اقرأ أيضا  غوتيريش: تطورات ميانمار ضربة للمسار الديمقراطي

وليس أوفق من (التدرج) في تربية الأولاد على الصوم، ولقد شرعت فريضة الصيام بالتدرج على أربع مراحل:
1- ترسيخ التوحيد والدعوة إليه وترسيخ كافة أمور العقيدة، طيلة العهد المكي، ولم يفرض في هذه الحقبة من أحكام الشريعة شيء سوى الصلاة، وفي قول: والزكاة.

2- الترغيب في صوم يوم واحد فقط في العام وهو يوم عاشوراء مع الحض عليه وعدم التهاون فيه، وتوضح دلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: “كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يأمر بصيامه قبل أن يفرض رمضان فلما فرض رمضان كان من شاء صام يوم عاشوراء ومن شاء أفطر”.

ويقول جابر بن سمرة – صلى الله عليه وسلم -: “كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عنده”.

3- استحباب صوم رمضان من غير إيجاب، فمن شاء صام ومن شاء أفطر وفدى.

وفي هذا حديث سلمة بن الأكوع – صلى الله عليه وسلم – قال: “لما نزلت هذه الآية: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]. كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها”.

اقرأ أيضا  خطاب ترامب والضربة القاضية في الملف الفلسطيني

وفي رواية أخرى عند مسلم عنه – صلى الله عليه وسلم -: “كنا في رمضان على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى أنزلت هذه الآية: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه﴾ [البقرة: 185].

4- وجوب صيام رمضان بشرط الإفطار عند غروب الشمس فمن لم يتمكن فعليه متابعة الصيام إلى غروب الشمس من اليوم التالي! ويوضح ذلك البراء – رضي الله عنه – بقوله: “كان أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك فلما انتصف النهارغشي عليه، فذكر ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – فنزلت هذه الأية: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187]، ففرحوا بها فرحا شديدا، ونزلت: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187].

فيؤخذ الطفل المميز القادر على الصيام بالتدرج على هذا النحو صوم يوم ثم بعد فترة صوم يومين ثم أكثر مع إيجاد الحوافز المشجعة والملهيات المشروعة لإلهائه عن حرقة الجوع ساعات الصيام، حتى إذا كبر سهل عليه الصوم ورغب فيه وأحبه.

وتقع على الأم المسلمة مسئولية تربية الطفل وتعويده على الصيام إذا أطاقه في سن التمييز وفي مرحلة ما قبل البلوغ، وهذا راجع إلى فطنتها وكياستها وحسن تدبيرها، ولنتأمل ما كانت تقوم به الأمهات في هذا الصدد على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم -:
تقول الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: أرسل النبي – صلى الله عليه وسلم – غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار:”من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم” قالت: فكنا نصومه ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن (أي من الصوف) فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.

اقرأ أيضا  إنهم أولادنا قرة أعيننا

قال ابن حجر:
الجمهور على أنه لا يجب الصيام على من دون البلوغ، واستحب جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري، وقال به الشافعي أنهم يؤمرون به للتمرين عليه إذا أطاقوه، وحده أصحابه بالسبع والعشر كالصلاة، وحده إسحاق باثنتي عشرة سنة، وأحمد في رواية بعشر سنين، وقال الأوزاعي إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعا لا يضعف فيهن حمل على الصوم.

ومن الأساليب التي تترك أثرا بينا في مشاعر الطفل ومداركه الإفطار الجماعي وتهيئة مائدة الإفطار والأدعية المأثورة التي يقولها المفطرون عند الإفطار، ومظاهر البهجة في رمضان ومنها مدفع الإفطار ومدافع العيد وملابسه الجديدة التي درج عليها الناس وأيضا اصطحاب الأب الأبناء إلى المسجد لصلاة الليل وهي (صلاة التراويح)، وكل هذه المظاهر تسكب في روع الأولاد بهجة وحبورا وسرورا ويرونها بمنظار لا يراها به الكبار!! فتراهم يقبلون على الصيام بنفس منشرحة ورغبة وتنافس، وان واكب هذا من الأبوين تشجيعا وحثا وحضا تكامل أسلوب الترغيب في تربية الأولاد على شعيرة الصيام.
الألوكة