التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان (6)
الخميس15جمادى الثانية 1437// 24 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. عبدالرب نواب الدين آل نواب
التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان “مراتب الدين الثلاث” (6)
التربية على أركان الإسلام
خامسًا: التربية على مناسك الحج
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وفرضيته مشروطة بالاستطاعة قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97].
والحج عبادة مالية بدنية سماه النبي – صلى الله عليه وسلم -: جهادا، قالت: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للنبي – صلى الله عليه وسلم -: نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: “لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور”.
ومن فضائل الحج أنه من الأعمال الجليلة التي تلي مرتبة الجهاد في سبيل الله مع ما للجهاد من مكانة عالية ومنزلة سنية ولما سئل النبي – صلى الله عليه وسلم – أي الأعمال أفضل قال: “إيمان بالله ورسوله” قيل: تم ماذا؟ قال: “جهاد في سبيل الله” قيل: ثم ماذا؟ قال: “حج مبرور”.
والحح رحلة تربوية تغرس في الحاج مكارم الأخلاق وتزرع فيه تقوى الله تعالى واستشعار حرماته وتعظيم شعائره، وكل ذلك مقصد تربوي يسعى إلى تحقيقه الآباء في تربية الأولاد، بالتعليم والتبصير، وبالتنوير والتلقين منذ الصبا، تأمل قول الله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197].
وهكذا يكون الحاج في ميدان تطبيقي لمفهوم التقوى فهو يتجرد من الملذات والشهوات ويعمل على تجنب الفسوق بكل صوره وأسبابه ولا يجادل ولا يخاصم وإنما يسالم ليعيش جوا إيمانيا تربويا فريدا طيلة أيام نسكه، ليتمرس على ضبط النفس وكبح جماحها وأطرها على الحق أطرا حتى يسلس قيادها، وهذا ملاحظ أيضا في محظورات الإحرام إذ يتجنب الحاج والمعتمر الصيد البري والطيب والجماع ودواعيه وغير ذلك من المحظورات، كما يتجنب الرجال لبس المخيط والمرأة الزينة.
• ومن النصوص الحاضة على أن يعيش الحاج هدا الجو التربوي ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: “من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ” ،وفي حديث آخر عنه: “من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه “.
إن تربية الأولاد على التقوى مقصد تربوي جليل والعبادات كلها فرضها ونفلها تغرس في المسلم وازع التقوى وتحضه على التحلي بالفضائل فالتبري من الرذائل، والحج يحقق ذلك ويعين عليه إذ يربط المسلم بروابط التقوى من أول يوم يحرم فيه بنسكه.
والتقوى ملحظ يتجلى في الحج أكثر من غيره ص العبادات، فالحج عبادة مالية بدنبة، والحج رحلة تربوية عملية، وتأمل قول الله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
• ومن المقاصد التربوية في الحج تعظيم حرمات الله وتعظيم شعائر الله، ومراعاة حرمة البيت والمشاعر ومراعاة قدسية الحرمين الشريفين، ومن ثم احترام مقدسات المسلمين، وليعرف المسلم ذلك ويلقنه منذ الصغر فهو جزء من عقيدة المسلم، قال تعالى تعالى بعد أن ذكر مناسك الحج ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30].
وقال بعد أن ذكر التوحيد وبين عاقبة الشرك: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].
ومن السنة في تعظيم حرمة البيت حديث ابن العباس رضي الله عنهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن هذا البلد حرمه الله لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها”.
ولئن كانت مكة حرما آمنا كما في قول الباري جل دكره: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 67]، فإن المدينة النبوية- كذلك- حرم، وحرمتها كحرمة مكة وذلك في حديث أنس- رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “اللهم إني أحرم ما بين لابتيها كتحريم إبراهم مكة، اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا”.
• ومن الأمور المعينة على تربية الولد على تعظيم حرمات الله وشعائر الله بعد تعليمه وتبصيره، تمرينه العملي على أداء مناسك الحج والعمرة، وان لم يكن واجبا على من هم دون البلوغ من البنين والبنات إلا أن حجهم إن حجوا صحيح يؤجرون عليه كما يؤجر عليه الأبوان القائمان بذلك، ففي حديث ابن عباس رضي الله عهما أن امرأة رفعت صبيا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت: ألهذا حج؟ قال: “نعم. ولك أجر”.
ولقد حج النبي – صلى الله عليه وسلم – وحج معه كثير من أبناء الصحابة من الشباب الصغار كعبدالله بن العباس والفضل بن العباس وابن عمر رضي الله عنهم حميعا.
وهذا يدل على أن الأولاد منذ سن التمييز إلى ما قبل البلوغ يشرع في حقهم الحج، وأن يدربوا عليه ويبصروا بمراميه ومقاصده التي تجتمع في التقوى، وإن كان حج الصغير لا يسقط عنه حجة الإسلام الواجبة بعد البلوغ المقرون بالاستطاعة.
-الألوكة-