السياسة الخارجية الإيرانية والانتخابات الرئاسية.. هل من جديد؟

محجوب الزويري

أكاديمي وكاتب أردني

مع بدء الاستعدادات للانتخابات الرئاسية الإيرانية الثانية عشرة -التي ستعقد في 19 مايو/أيار القادم- تتزايد الأسئلة حول مشهد السياسة الداخلية، وطبيعة التنافس بين القوى الاجتماعية والسياسية حول مجمل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وفي ظل هذا الجدل تحتل علاقات إيران الخارجية مساحة حقيقية بالنظر إلى تأثيرات تلك العلاقات على المشهد الداخلي، وقدرة النظام السياسي على التعامل مع التحديات الداخلية، لا سيما الاقتصادية منها التي يرتبط حل معظمها بسلوك إيران السياسي في المنطقة والعالم.

وتسعى هذه المقالة للإجابة على جملة من التساؤلات المتعلقة بالعلاقات الخارجية من قبيل: هل يختلف المحافظون والإصلاحيون في مقاربتهم لقضايا المنطقة وللعلاقات الخارجية من قبيل التدخل في سوريا ولبنان والعراق واليمن والعلاقات مع تركيا والسعودية وأميركا؟ وهل توجد رؤية مختلفة عن السائد في هذا السياق وما مدى حضورها؟

وهل انتهى التيار المنادي بـ”إيران أولا” والمطلِق لشعار “عزة إيران قبل غزة ولبنان” عام 2009؟ وأي تأثير لرئيس الجمهورية في إيران بخصوص الملفات الإقليمية والدولية؟ وهل يمكن أن نشهد تشددا أكبر في القضايا الإقليمية والدولية المطروحة بعد انتخابات 2017؟

انتهاء “ثنائية التيار” انتخابياً
تنعقد الانتخابات الرئاسية الإيرانية متزامنة مع انتخابات المجالس المحلية في أنحاء إيران. وقبل أشهر من الانتخابات تركز النقاشات الداخلية على المرشحين المحتملين وطبيعة النهج السياسي الذي سيسلكه كل مرشح إذا ما تيسر له الفوز.

وفي ظل هذه الأجواء تبدأ التكهنات حول التنافس بين التيارين التقليدين في المشهد السياسي الإيراني (المحافظون والاصلاحيون)، اللذين عُرفا بفعاليتهما منذ الانتخابات الرئاسية السابعة التي فاز فيها الرئيس الأسبق محمد خاتمي عام ١٩٩٧. وفي الانتخابات الرئاسية التاسعة عام ٢٠٠٥، ظهر تيار جديد بين التيارين سُمي بالمحافظين الجدد، وهو تحالف بين رجال الدين ومؤسسة الحرس الثوري.

إن استمرار التركيز على ثنائية التيار في أي انتخابات إيرانية حان له أن يتراجع إن لم ينتهِ، ذلك أنه رغم شيوعه فقد انتهى بعد الانتخابات الرئاسية التاسعة (2005)، فالحكومة التي تولاهامحمود أحمدي نجاد أخذت على عاتقها الاستمرار في تجفيف بقية المنابع الإعلامية والسياسية للتيار الإصلاحي.

ويمكن القول إن ما بقي منه إنما هم مسؤولون سابقون في الدولة مغيبون تماماً عن المشهد السياسي وإدارة الدولة. وقد تعزز ذلك بالتغييب الكامل لهاشمي رفسنجاني عام 2016. ومع وفاة رفسنجاني فإن التيار الوسطي المسمى بالإصلاحي أصبح يتيماً مقطّع الأوصال، وبلا قاعدة جماهيرية يمكن أن يحسب لها حساب.

اقرأ أيضا  عظيم الأجر في اغتنام العشر

لم يكن نجاح حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة نجاحاً للتيار الإصلاحي، بل هو نجاح لسياسي من داخل المؤسسة لكن لديه آراء سياسية أقل تشدداً في قضايا الحريات الاجتماعية. كما أنه حاول أن يقدم توجهات لحل المشاكل الاقتصادية في إيران عبر التقدم في مسألة التفاوض حول برنامج إيران النووي، التي بدأها عندما كان أميناً عاماً لمجلس الأمن القومي الإيراني بعد عام ٢٠٠٣.

والسؤال المهم الآن هو: هل كان روحاني يمتلك الأدوات التي يستطيع أن يفرض بها توجهاته السياسية دون حضور المرشد الأعلى للثورةعلي خامنئي وكذلك مؤسسة الحرس الثوري؟ بالطبع لم يكن من الممكن، فتحقيق الاتفاق النووي كان أقرب للمستحيل دون حضور للمؤسسة السياسية للنظام بكل لاعبيها بما فيها الرئاسة.

لقد بدأ التيار الإصلاحي حول شخص محمد خاتمي لكنه كان يستند إلى صحف وشخصيات ودعم مالي، لكن هذا تراجع حتى وصل حد الندرة بعد الفترة الرئاسية لمحمود أحمدي نجاد. ومحاولة روحاني بعثه لم تنجح -رغم فوزه- لا سيما فيما يتعلق بغياب العمل الجماعي والرؤية، وهو ما ينقل إيران إلى انتخابات بلون واحد وربما نصف لون.

لقد لعبت السياسة الخارجية الإيرانية -خلال عهد روحاني- على تأكيد أن إيران تدار بلون واحد من السياسة، وأن التعدد ربما لم يكن موجود إلا بشكل تكتيكي وليس إستراتيجياً. لكن السؤال الأهم في هذا السياق هو حول ما حصل في رئاسة روحاني فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وإنهاء مقولة وجود صوتين بإيران في مؤسسة صناعة القرار؟

تطرف السياسة الخارجية وعسكرتها
مع فوز الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد زحفت مؤسسة الحرس الثوري لتأخذ مزيداً من الدور السياسي ودوراً اقتصادياً، بحيث إنه أصبحت لها أصوات في الحكومة وفي دوائر صنع القرار الاقتصادي وكذلك الإعلامي.

اقرأ أيضا  د. نوفل يكتب: مؤامرة ضخمة على الإسلام

وقد دفعت كل هذه التغييرات إلى مزيد من التغييب للصوت الآخر في المشهد السياسي الإيراني. ومع تولي روحاني الرئاسة لم يكن من السهل تغيير كل الحقائق التي تم تثبيتها في المشهد السياسي خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد.

وربما يكون روحاني تجنب المواجهة المباشرة مع المؤسسة الدينية التقليدية ومؤسسة الحرس الثوري لأسباب سياسية تتعلق بطموحه الشخصي في العودة رئيساً في الانتخابات الثانية عشرة، لكن ذلك لم يُخفِ وجود حرب كلامية وانتقادات لسياسات حكومة روحاني من المحسوبين على المؤسسة المحافظة والحرس الثوري.

بالطبع تجاوز هذا الأمر السياسة الداخلية إلى السياسة الخارجية، ولا سيما التشكيك في نتائج الاتفاق النووي ومدى صدقية الولايات المتحدة الأميركية والغرب في الوفاء بالتزاماتهم نحو طهران. وينطبق هذا أيضا على الحضور العسكري الإيراني في سوريا والعراق، وهو الذي كان يتم بعيدا عن المؤسسة السياسية من حيث نقاشه.

وفي الحقيقة تزايدت عسكرة السياسة الخارجية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط مقابل التفاوض بشأن البرنامج النووي مع القوى الخمس الكبرى (الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين) وألمانيا. لقد أصبح العمل الأساسي لوزارة الخارجية الإيرانية التبعية وتبرير ما يفعله الحرس الثوري في سوريا والعراق واليمن ومحاولات وضعه في سياقات سياسية.

حين بدأ روحاني حملته الانتخابية عام ٢٠١٣ جعل ضمن أولوياته إخراج إيران مما يسمى “المربع الأمني”، أي الدولة التي ينظر لها العالم على أنها تهديد. وخلال هذه السنوات حاول وحكومته تحقيق ذلك، لكن الواضح أن شيئاً لم يتحقق سواء بالنسبة إلى نظرة المنطقة لإيران أو حتى دول كثيرة في العالم.

ويبدو أن التصور الموجود اليوم هو أن السياسة الخارجية الإيرانية في تدخلاتها الإقليمية تسير في مسار متطرف، في ظل عسكرة يعمل السياسيون على تبريرها.

ماذا بعد..؟
تحضر ملفات السياسة الخارجية في الانتخابات الرئاسية الإيرانية بشكل خجل، وهو حضور مرتبط بالأوضاع الداخلية لا سيما الاقتصادية منها.

ومن هنا فإن المرشحين بشكل عام على تنوع آراءهم لا يطرحون برامج واضحة حول السياسة الخارجية، إذ ربما يبعدهم هذا عن الاصطدام بقوى سياسية داخلية تسيطر على مقاليد الأمور لا سيما المرشد الأعلى. وقد انطبق هذا على روحاني خلال حملته الانتخابية عام ٢٠١٣.

اقرأ أيضا  فرض الأحكام العرفية في أكبر مدينتين بميانمار

تعد عسكرة السياسة الخارجية الإيرانية بمنطقة الشرق الأوسط من العلامات المميزة لفترة رئاسة روحاني، ومع الاستعداد للانتخابات الثانية عشرة، تبدو إيران في مواجهة جملة من التطورات تجعل مسار عسكرة السياسة الخارجية هو الخيار ربما الوحيد بامتياز، بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الرئاسية.

ذلك أن التطورات التي تبعت تولي دونالد ترمب مقاليد الأمور في البيت الأبيض، وموقف إدارته المعادي للنظام السياسي في إيران، وشعور الخصومة المتنامي في جوار إيران، سواء بين الحكومات وأوساط الرأي العام، تدفع بأجندة السياسة الخارجية إلى حالة من الدفاع عن النفس، وهذا بحد ذاته يدفع بالهاجس الأمني والعسكري للحضور في المشهد السياسي.

ربما يتحدث المرشحون عن سياسة خارجية تقوم على الانفتاح، لكن الانفتاح الذي يطرح في طهران لن يكون بالضرورة مقبولاً من دول المنطقة، مما يبقي سياسة إيران الخارجية برمتها -وفي المنطقة بشكل خاص- في مربع الاتهام.

في سياق متصل؛ قد يكون الحديث عن انفتاح في السياسة الخارجية أو عن نوع من البراغماتية نوعاً من التكتيك لتحقيق بعض الانفراجات الاقتصادية ولو كانت مؤقتة، لتخفيف بعض مظاهر الاحتقان الاجتماعي بسبب تراجع الأوضاع الاقتصادية.

وأخيراً؛ فإنه يتبين -من خلال دراسة السلوك السياسي الإيراني خلال أكثر من ثلاثين عاماً- أن هاجس المحافظة على النظام وتماسكه يتصدر المشهد السياسي ويصبح الهدف الأهم، وفي ذلك السياق تصبح الانتخابات مجرد عملية سياسية تجري لتحقيق هذا الهدف، وتجديد شرعية النظام عبر عملية الاقتراع المباشر.

المصدر : الجزيرة.نت

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.