القدس تُحبك يا رسول الله.. بقلم الشيخ الدكتور/ يوسف جمعة سلامة
القدس (معراج)- إننا نعيش في هذه الأيام في ظلال شهر رجب، وفي هذا الشهر من كلّ عام يتذكر المسلمون ذكرى من أعزّ الذكريات، إنها ذكرى معجزة الإسراء والمعراج التي حدثت في السابع والعشرين من هذا الشهر المبارك، والتي توافق أيضًا ذكرى عزيزة علينا هي ذكرى تحرير القدس على يد القائد صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله- الذي دحر الصليبيين وطَهَّرَ المسجد الأقصى من دنسهم، ورحم الله القاضي الفاضل ابن الزكي الذي بشَّر القائد صلاح الدين بفتح القدس، بقوله:
وفتحكم حلب الشهباء في صفر
مُبَشّر بفتح القدس في رجب
إنّ مدينة القدس بقعة مباركة، وتاريخها مرتبط بِسِيَرِ الرّسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام-، وقد حرص المسلمون عبر التاريخ على فتحها، حيث تمَ ذلك في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-، ثم قيامهم بتحريرها بقيادة القائد/ صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله-، كما عملوا على صيانة معالمها والمحافظة عليها .
لقد أحبَّ رسولنا محمد – صلّى الله عليه وسلّم – المدينة المقدسة ، حيث أَتَاهَا في ليلة الإسراء والمعراج، وطالب المسلمين بزيارتها وَشَدِّ الرِّحَال إليها، وضرورة المحافظة عليها، ودعم المرابطين فيها ومساندتهم، فهذه المدينة المباركة تُحبّك يا سيدي يا رسول الله كما أَحْبَبْتَهَا .
* القدس تُحبك يا رسول الله: لأنك أَعْطَيْتَهَا مكانتها الرفيعة، فقد ربطتَ المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس بشقيقيه المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة .
فهذا يدلّ على الاهتمام الكبير الذي أولاه الرسول – صلّى الله عليه وسلّم – للمسجد الأقصى المبارك، حيث ربط قيمته وبركته مع قيمة شقيقيه المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وبركتهما .
* القدس تُحبك يا رسول الله: لأنكَ لم تخرج من الجزيرة العربية إلا إليها ، فمن المعلوم أنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يخرج من الجزيرة العربية إلا إلى القدس، وكان ذلك في رحلة الإسراء والمعراج، كما أنّ سيّدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي فُتِحَتْ في عهده دمشق ومصر والعراق، لم يذهب لاستلام مفاتيح أية مدينة، وإنما جاء إلى القدس في إشارة منه –رضي الله عنه – إلى مكانة هذه المدينة في عقيدة الأمة، كما جاءها وَعَمَّرها ودُفِن فيها عشرات الصحابة الكرام – رضي الله عنهم أجمعين-.
* القدس تُحبك يا رسول الله: لأنها أرض الإسراء والمعراج فقد شَرُفَتْ بقدومك إليها في تلك الليلة المباركة، حيث صَلَّيْتَ إماماً بجميع الأنبياء والمرسلين – عليهم الصلاة والسلام- ، فالمسجد الأقصى قلب المدينة المُقَدَّسة هو محور الارتكاز في رحلة الإسراء والمعراج، فهو نهاية الإسراء وبداية المعراج، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وذلك حتى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين ولا يُفرِّط في أحدهما، فإنه إذا فَرَّّط في أحدهما أوشك أن يُفرِّط في الآخر، ومن المعلوم أنّ حادثة الإسراء والمعراج من المعجزات، والمعجزات جزء من العقيدة الإسلامية، لذلك فإنَّ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها مرتبطون بهذه البلاد ارتباطاً عقدياً، فهذه الحادثة هي أكبر شاهد في تاريخنا الإسلامي على مكانة القدس وأهميتها الدينية لدى المسلمين.
* القدس تُحبك يا رسول الله: لأنَّ المسجد الأقصى المبارك بالقدس كان القبلة الأولى للمسلمين منذ فُرضت الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج، حتى أَذِنَ الله بتحويل القبلة إلى بيت
الله الحرام، كما أنَّ المسجد الأقصى المبارك هو ثاني مسجد بُنِيَ في الأرض بعد المسجد الحرام بأربعين عاماً.
* القدس تُحبك يا رسول الله: لأنك قد أَثْنَيْتَ على المسلمين المقيمين فيها وأنَّ منهم الطائفة المنصورة إن شاء الله تعالى، فبيت المقدس سيبقى إن شاء الله حصناً للإسلام إلى يوم القيامة على الرّغم من المِحَن التي تعصف بالأمة، كما أنَّ الطائفة التي لا تزال على الحق هي في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ومن المعلوم أنَّ رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم – قد رَغَّبَ في السُّكنى والمرابطة في هذه البلاد المباركة الطيبة، فبيت المقدس ثغرٌ من ثغور الإسلام، وللإقامة والرباط فيه أجر كبير، ولعدم مغادرته والهجرة منه ثواب عظيم، وهذه كلّها من ثمار بركة بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
* القدس تُحبك يا رسول الله: لأنك أخبرتَ الأمة بأن بيت المقدس أرض المحشر والمنشر، وطَالَبْتَ المسلمين بوجوب نُصرة أهلها، فهذه دعوة نبوية إلى الأمة الإسلامية بوجوب الوقوف مع المرابطين في بيت المقدس وضرورة دعمهم ومساندتهم؛ كي يبقوا ثابتين في بيت المقدس محافظين على مسرى الرسول -عليه الصلاة والسلام- من اعتداءات المعتدين صباح مساء.
والمسلمون اليوم وهم يُحيون هذه الذكرى يجب أن يتذكروا مسرى نبيهم- عليه الصلاة والسلام- الذي يتعرض لمجزرة بشعة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، حيث إنهم يريدون لمدينة القدس أنْ تندثر وأنْ يندثر أهلها ، ولكنّ القدس ستبقى إسلامية الوجه، عربية التاريخ، فلسطينية الهوية، ولن يسلبها الاحتلال وجهها وتاريخها وهويتها مهما أوغل في الإجرام وتزييف الحقائق.
لقد لفظت القدس المحتلين عبر التاريخ، فعلى أرض فلسطين الطاهرة هُزِم الصليبيون في معركة حطين، كما وهُزِم التَّتَار في معركة عين جالوت، ووقف نابليون بونابرت القائد الفرنسي عاجزاً عن فتح مدينة عكا، وألقى بقبعته من فوق أسوارها، فهذه المدينة المقدسة ستلفظ إن شاء الله هذا المحتل كما لفظت مَنْ سبقه من المحتلين.
نسأل الله أن يحفظ القدس والأقصى والمقدسات من كلّ سوء.
وصلَّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
وكالة معراج للأنباء