المعالجة النفسية بالإيمان

الإثنين 8 ربيع الثاني 1437//18 يناير/كانون الثاني 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
رحيل بهيج
المعالجة النفسية بالإيمان
بدأت تظهر حديثًا اتجاهات بين بعض علماء النفس تنادي بأهمية الدين في علاج الأمراض النفسية، وترى أن في الإيمان بالله قوة خارقة تمدّ الإنسان المتدين بطاقة روحية تُعينه على تحمل مشاقّ الحياة، وتجنبه القلق الذي يتعرض له كثير من الناس في العصر الحديث حيث يسيطر الاهتمام الكبير بالحياة المادية، ويفتقر في الوقت نفسه إلى الغذاء الروحي، مما سبب الكثير من الضغط والتوتر لدى الإنسان المعاصر، وعرّضه للأمراض النفسية. وممن نادى بذلك عالم النفس الأمريكي وليم جيمس الذي قال: «إن أعظم علاج للقلق، ولا شك، هو الإيمان».

لهذا نجد الروح هي العنصر الذي يربط الإنسان بخالقه؛ فعندما ينسى الإنسان ربه تضعف هذه العلاقة ويحدث الاضطراب في فعاليته مما يؤدي إلى ظهور الكثير من المشاكل لديه. لهذا، عندما يتمّ تناول مشاكل الإنسان وعلاجها يجب الاهتمام بالجوانب الدينية الإيمانية، والأخلاقية، والروحية. فالإيمان بالله هو مبدأ أساسي يقوم عليه أي نظام علاجي في علم النفس من وجهة النظر الإسلامية.

إن كل إنسان، مهما كانت مهنته وعمره، معرّض في كل لحظة، وخاصة عندما يخلو بنفسه، لأفكار تخويفية لا يجد حلًّا جذريًا لها إلا بالإيمان. ولذلك فإن أكثر حالات العُصاب كالقلق بمظاهره النفسية والعضوية والخوف والوسوسة، أو أداء السلوك الجبري وعُصاب الشخصية، هي من استطبابات العلاج النفسي الإيماني.

فمعظم القُرَح المَعِدية لا ترجع إلى ما يأكله الناس كما يقال، وإنما إلى ما تأكله قلوبهم، ولا بدّ للمريض من علاج قلبه وأحقاده أولًا، وليكن لنا أُسوة بالأنبياء الذين كانوا يدعون لأعدائهم بالهداية. فإذا تطهّرت قلوبنا وصرنا مخلصين، فإننا نشقّ طريقنا نحو الشفاء.

اقرأ أيضا  كيف نحب القرآن ونتدبره؟

وهنالك الكثير من الحالات النفسية التي يلعب الخوف والقلق دورًا هامًا فيها، فإذا عولج الخوف والقلق على أساس تدعيم إيمان الإنسان بالله فإن الصحة والشفاء يعودان إلى الإنسان بصورة سحرية في كثير من الحالات.

وأذكر هنا، على سبيل المثال، قصة ذلك الشاب المغربي المسلم الذي التقيتُه في فرنسا خلال فترة تدريبي في أحد مراكز العلاج النفسي، حيث جاء يروي معاناته النفسية ويخبر بأنه لم يعد لحياته أي معنى وأن جميع الأبواب موصدة أمامه، وأنه يفكر في الانتحار. كان ذلك الشاب قد انقطع كليًا عن الله منذ عشر سنوات، تراكمت خلالها الذنوب والمعاصي حتى كادت تقتله. احتار مدرِّبي ماذا يفعل أمام خطورة الموقف، أما أنا فلم يكن أمامي حينها سوى ذكر آية قرآنية كانت قد حضرت إلى ذاكرتي تلقائيًا ووقعتْ في نفسه وقْعًا شديدًا فأضاءت له الأمل من جديد: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]. توجّه الشاب في اليوم التالي، وكان يومَ جمعة، إلى المسجد وصلّى في جماعة بعد غياب دام عشر سنين، وهناك التقى بعدد من الشبان الذين استمعوا له وتعاطفوا معه. في الأسبوع التالي، تأخر الشاب عن موعده بضع دقائق, مرت كساعات بالنسبة لمدرِّبي الذي كان قلقًا على حال الشاب. أما أنا، فكنتُ واثقة من أنه سيعود وقد تبخرت من رأسه كل أفكار الانتحار واليأس. وصل الشاب مبتسمًا وفوجئ الجميع بمظهره وتعابير وجهه التي انقلبت رأسًا على عِقَبِ… وكأنه شخص آخر. لا زلت أذكر العبارة التي قالها مدرِّبي بدهشة بالغة بعد انتهاء الجلسة: «معجزة، ماذا فعلتِ!!!». أجبتُه على الفور مبتسمة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 20].

اقرأ أيضا  إشكاليات خطيرة - تطبيق الشريعة الإسلامية (3)

لقد أوصله إلى الطمأنينة (أي السعادة) سلوكه لطريق الإسلام الصحيح، فوجد بعد الممارسة أنه في الطريق الذي يسعد; يقول تعالى: ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

أثّر هذا الموقف في نفسي تأثيرًا عميقًا؛ لقد تعزّز يقيني بأن العلاج الحقيقي لأيِّ مرض نفسيّ لا بد أن يشمل الروح أيضًا، وأدركتُ أن من واجبي أن أطبِّق معلوماتي في علم النفس إلى جانب إيماني بالله وعلمي به. بهذه الطريقة وحدها أستطيع أن أقدِّم لمرضاي العلاج الكامل الذي يحتاجون إليه، علاجًا يتّسم بالبركة الحقيقية.

فمن الأسباب الرئيسة لما يسمى بالأمراض العُصابية:
الشعور بالإثم أو الخطيئة والحقد والخوف والقلق والكبت والتردد والشك والغَيْرة والحسد. ومما يؤسَف له أنّ كثيرًا ممن يشتغلون بالعلاج النفسيّ قد ينجحون في تقصّي أسباب الاضطراب النفسي الذي يسبِّب المرض، ولكنهم يفشلون في معالجة هذه الاضطرابات لأنهم لا يلجؤون في علاجها إلى بثّ الإيمان بالله في نفوس هؤلاء المرضى.

إنّ سلوك الإيمان الصحيح هو الذي يعطي السعادة الحقيقية الدائمة والأمل المشرق والمطمئن بحياة أخرى أفضل من هذه الحياة الزائلة. فالإيمان العلمي المنهجي اليقيني بالله، والتزام تعاليم كتابه وسُنّة رسوله – صلى الله عليه وسلم – هو الذي حلّ العقد النفسية الدفينة للعديد من مرضاي المتعَبين نفسيًا وأولها عُقدة الموت والخوف منه، وعُقَد النقص والتعالي وحب الجاه والمركز، وعُقَد هَمِّ الرزق وخوف المستقبل، وعُقْدة حب المال!!!

اقرأ أيضا  الاختلاط وآثاره الاجتماعية

ومما تجدر ملاحظتُه أن العلاج يتدخل عادة بعد حدوث الإصابة بالمرض النفسي، أما الإيمان بالله إذا ما بُث في نفس الإنسان منذ الصغر، فإنه يُكسبه مناعة ووقاية من الإصابة بالأمراض النفسية. وقد وصف القرآن الكريم ما يُحدثه الإيمان من أمن وطمأنينة في نفس المؤمن بقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]. وفي آية أخرى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

إن للإيمان تأثيرًا عظيمًا في نفس الإنسان، فهو يزيد من ثقته بالله، ويزيد قدرته على الصبر وتحمل مشاق الحياة، ويبثّ الأمن والطمأنينة في النفس، ويبعث على راحة البال، ويغمر الإنسان بالشعور بالسعادة.

تُنشر بالتعاون مع مجلة (منبرالداعيات)
-الألوكة-